الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
المبحث السادس: سياق الحال والتنوين والتنكير والتعريف:
أشار سيبويه إلى علاقة سياق الحال بالتنوين والتنكير والتعريف في بعض النصوص.
وقبل إيضاح هذه العلاقة نبدأ ببيان مصطلح التنوين أولا.
التنوين ــ اصطلاحا ــ: «نون ساكنة زائدة تلحق آخر الاسم لفظا وتسقط خطًا لغير التوكيد» ) (1). والاسم المنون قد يحذف منه تنوينه لسببين أحدهما أَنْ يكون علما وصف «بلفظ ابن لا الإخبار به، وذلك نحو: محمد بن عبد الله خاتم المرسلين» ) (2).
وهو «سبيل منع اللَّبس في تعبيرات متعددة» ) (3).
يقول سيبويه: «وتقول: مررت بزيدٍ ابنِ عمروٍ، إذا لم تجعل الابن وصفًا، ولكنَّك تجعله بدلاً أو تكريرا كأجمعين» ) (4).
يفهم من نصّ سيبويه أَنَّ الجملة «مررت بزيد بن عمرو» تقال بطريقتين:
• الأولى: «مررت بزيدِ بنِ عمرو» ، بحذف التنوين، وتكون كلمة «ابن» وصفا.
• الثانية: «مررت بزيدٍ ابن عمرو» ، بذكر التنوين، وتكون كلمة «ابن» بدلا أو توكيدًا.
وهذا يعني أَنَّ التنوين ــ وجودا أو عدما ــ مرتبط بالسِّياق الذي تقال فيه الجملة، فهل المُتَكَلِّم يريد وصفا ثابتا للمنعوت، أم يريد توكيدًا؟
ويورد سيبويه هذا البيت للأخطل:
فَإِن تبخل سَدوسُ دِرهَمَيها
…
فَإِنَّ الريحَ طَيِّبَةٌ قَبولُ [بحر الوافر]
يورد كلمة «سدوس» ــ علم قبيلة ــ بالرفع بدون تنوين، ويقول المحقق الأستاذ عبد السلام هارون إِنَّ رواية الديوان «بالصرف») (5)؛ أي: بالتنوين؛ أي أَنَّ التنوين وجوده وعدمه لا يؤثِّر في وزن البيت.
وكما يفهم من كلام سيبويه فَإِنَّ الرواية بالمنع من الصرف يجعل معنى «سدوس» اسم القبيلة، وبالصرف يجعل معناها «الحي» .
(1) د. محمد سمير نجيب اللبدي: معجم المصطلحات النَّحْوِيَّة والصَّرْفِيَّة، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 1، ) 1985 م (، 233
(2)
السابق، ص 235
(3)
د. فاضل السامرائي: الجملة العَرَبِيَّة والمعنى، ص 74
(4)
سيبويه: الكتاب، 3/ 508
(5)
سيبويه: الكتاب، 3/ 248 الحاشية ذات الرَّقْم 5
والشاعر الذي ينشد بيتا في موقف لابدّ أَنَّهُ يقوله على وجه واحد؛ وهذا يعنى أَنَّ المفسِّر أو الشارح كان في مكنته أَنْ يعرف الضبط الصحيح للكلمة إذا وقف على السِّياق الذي قيل فيه النَّصّ.
وعندما نقرأ العَلَم «ثمود» بدون صرف في قوله تعالى: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا} [الإسراء: 59]؛ فَإِنَّ الذهن ينصرف إلى معنى القبيلة. وعندما نقرأ قوله: {أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ} [هود: 68]، وقوله:{وَعَادًا وَثَمُودَ} [العنكبوت: 38] بالتنوين فَإِنَّ الذهن يتَّجه إلى معنى الحي) (1).
ولكي نفهم الفرق الدلالي بين كلمة «القبيلة» و «الحي» يجب أنْ نقف على المعنى اللغوي
إذن كلمة «الحي» عامة، وكلمة «القبيلة» أخص منها؛ فإذا صُرِفَت كلمة «سدوس» أو كلمة
«ثمود» انصرفت دلالة الكلمتين إلى المعنى العام، وإذا مُنِعَتا من الصرف انصرفت دلالة الكلمتين إلى المعنى الخاص. وهذا يعني أن للتنوين وظيفة دلالية، وأنَّنا يمكن أنْ نميِّز به بين النكرة والمعرفة. يقول د. فاضل السامرائي عن الفوائد التي يمكن أن يقدمها التنوين:
«أنَّه يميز بين المعرفة والنكرة، فإنَّه إذا لحق علما حقه ألا ينون أفاد أنَّه نكرة، نحو: «رأيت إسماعيلا» ؛ والمعنى: رأيت شخصًا ما اسمه إسماعيل، بخلاف قولك:«رأيت إسماعيل» ، فإنَّه يعني شخصا معلومًا») (3).
مما سبق يفهم أَنَّ التنوين قد يرتبط بالدِّلَالَة مع بعض الأعلام، وهذه الدِّلَالَة يحددها سياق الحال.
(1) سيبويه: الكتاب، 3/ 252 ــ 253
(2)
الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، ت: عدنان درويش، محمد المصري، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 2، ) 1998 م (، ص 524
(3)
معاني النحو: 3/ 304، ومن الفوائد التي عدَّها أيضا الدكتور السامرائي للتنوين أنّه:((يبين لنا أصل الكلمة، يبين لنا المقصود بالاسم: أهو معناه الوضعي أم يراد به العلمية، يميز بين الوصف وغيره، يدلنا على هوية الكلمة يبين لنا الكلمة أمؤنثة هي أم مذكرة، النص على معنى معين، يميز بين المعاني المختلفة في المادة اللغوية)).
ويؤكد ارتباط التنوين بدلالة ما حديث سيبويه عن الظرف «غُدْوة، وبكرة» . يقول: «وزعم يُونُس عن أبي عمرو، وهو قوله أيضًا وهو القياس، أنَّكَ إذا قلت: لقيته العام الأول، أو يومًا من الأيام، ثم قلت: غدوة أو بكرة وأنت تريد المعرفة لم تنون» ) (1).
ولكي نفهم مقصود سيبويه في النَّصّ السابق نُنَبِّه إلى أَنَّ صفة ((العلميَّة)) أو ((الأعلام)) أكثر وقوعها في كلام العرب على «الأعيان دون المعاني، الأعيان هي الأشخاص، نحو: زيد وجعفر
…
وكما جاءت الأعلام في الأعيان، فكذلك أيضًا قد جاءت في المعاني») (2). وإِنَّمَا كثر تعلق الأعلام بالأعيان دون المعاني؛ لأَنَّ «الغرض منها التعريفُ، والأعيانُ أقعدُ في التعريف من المعاني؛ وذلك لأَنَّ العِيان يتناولها لظهورها له، وليس كذلك المعاني؛ لأَنَّها تثبت بالنظر والاستدلال، وفرقٌ ما بين علم الضرورة بالمشاهدة وبين علم الاستدلال بيّنٌ» ) (3).
ومن المعاني التي تتَعَلَّق بها العلميَّة «غُدْوة، وبكرة، وسحر» ؛ فهي «عَلَمٌ للوقت» ) (4). وعندما تذكر هذه الظرف كأعلام تمنع من الصرف، ويقصد بها وقت مُحَدَّد من يوم بعينه، يقول ابن يعيش: «من الأسماء المعلَّقة على المعاني: غُدْوَةُ، وبُكْرَةُ، وسَحَرُ، إذا أردت ذلك من يوم بعينه، فهي معارفُ، فغدوةُ وبكرةُ لا ينصرفان للتعريف والتأنيث، كأنّهما جُعلا عَلَمًا على هذا المعنى. وهو من قبيل التعريف اللفظيّ،
…
وأمّا سَحَرُ فمعرفةٌ إذا أردت سحرَ يوم بعينه، لا ينصرف للتعريف والعدلِ عن الألف واللام؛ فإنْ أردت التنكير، صرفته») (5).
وهذا ما يقصده سيبويه من قوله: «غدوة أو بكرة وأنت تريد المعرفة لم تنون» . وإذا لم يرد المُتَكَلِّم تحديد وقت بعينه نون هذه الظروف. وهذا يعني أَنَّ التنوين يرتبط بإرادة المُتَكَلِّم المرتبطة بدورها بسياق.
وقد يستخدم التنوين كـ «منبِّه» لتنبيه المخاطب على أَنَّ العلم لا يجري على طبيعته، وأنَّ هناك شيئا ليس طبيعِيًّا في هذا العلم ينبغي الالتفات إليه. يقول سيبويه: «وسألت الخليل فقلت:
(1) سيبويه: الكتاب، 3/ 293
(2)
ابن جني: الخصائص، 2/ 200
(3)
ابن يعيش: شرح المُفَصّل، 1/ 119
(4)
ابن جني: الخصائص، 2/ 200
(5)
شرح المُفَصّل، 1/ 123، ويذكر سيبويه أيضا:((فأما ضحوةٌ وعشيةٌ فلا يكونان إلَاّ نكرةً على كلّ حال، وهما كقولك: آتيك غذًا وصباحًا ومساءً. وقد تقول: أتيتك ضحوةً وعشيةً، فيعلم أنكَّ تريد عشيّة يومك وضحوته، كما تقول: عامًا أول فيعلم أنك تريد العام الذي يليه عامك))، 3/ 294
أرأيت من قال: هذه قباءُ يا هذا، كيف ينبغي له أَنْ يقول إذا سمَّى به رجلاً؟ قال: يصرفه، وغير الصرف خطأٌ، لأنَّهُ ليس بمؤنَّث معروف في الكلام، ولَكِنَّه مشتق») (1).
إن كلمة «قباء» إذا سمي بها رجل نونت ــ كما قال الخليل ــ، وتعليله «لأنَّهُ ليس بمؤنث معروف في الكلام» ؛ أي أَنَّ الاسم المؤنث الممنوع من الصرف إذا انتقل إلى أَنْ يكون علما لمذكر وليس هذا العلم المؤنث مشهورا في الكلام يجب صرفه. لكي يكون صرفه منبِّهًا للمخاطب على هذا التحول من علم المؤنث إلى علم المذكر. أَمَّا إذا كان العلم المؤنث مشهورا فقد يمنع من
الصرف.
ويفهم من كلام الخليل أَنَّهُ يعتمد على السِّياق في هذه المسألة، فشهرة الاسم العلم أو عدم شهرته مرتبط بالسِّياق.
وقد يكون التنوين أيضا منبِّهًا إلى حذف المضاف مع أسماء القبائل. فـ «أسماءُ القبائل مؤنثة ولك فيها وجهانِ منعُها من الصرف، باعتبار أنَّها أعلام لمؤنثات نحو: رأيتُ تميمَ، تعني القبيلةَ، ولك صرفها، باعتبار أَنَّ هناك مضافًا محذوفًا، نحو: رأيت تَميمًا، تعني بني تميم. فحذفتَ المضافَ وأقمتَ المضافَ إليه مُقامَهُ فإنْ قلتَ: جاءَ بنو تميمٍ؛ صرفتَ تميمًا قولًا واحدًا؛ لأَنَّكَ تعني بتميم أبا القبيلةِ لا القبيلةَ نفسها» ) (2).
يقول سيبويه: «
…
فلمَّا حذفت المضاف وقع على المضاف إليه ما يقع على المضاف؛ لأنَّهُ صار في مكانه فجرى مجراه. وصرفت تميمًا وأسدًا؛ لأَنَّكَ لم تجعل واحدًا منهما اسمًا للقبيلة؛ فصارا في الانصراف على حالهما قبل أَنْ تحذف المضاف») (3).
أي أَنَّ التنوين له دلالة، فعدم وجوده يعني أَنَّ المُتَكَلِّم يريد اسم القبيلة العلم المؤنث، ووجوده يعني إرادة المُتَكَلِّم تتجه لأبناء القبيلة أو أبيها. ولا شك أَنَّ الذي يحدِّد المقصود من إرادة المُتَكَلِّم هو سياق الحال.
وإذا أتينا إلى التنكير قلنا إِنَّهُ «هو جعل المعرفة نكرة؛ أي جلب الشيوع للاسم بعد
تعيينه») (4). ويذكر العلماء بعض حالات يتحقق فيها التنكير للاسم وذلك مثلا «بإبطال ندائه إذا كان منادى، نحو: يا رجل، أو بقطعه عن الإضافة كقطع كلمة كتاب عن قولنا: كتاب محمد.
(1) سيبويه: الكتاب، 3/ 245
(2)
مصطفى محمد الغلاييني: جامع الدروس العَرَبِيَّة، المكتبة العصرية، بيروت، ط 28، ) 1993 م (، ص 213
(3)
سيبويه: الكتاب، 3/ 247
(4)
د. محمد سمير نجيب اللبدي: معجم المصطلحات النَّحْوِيَّة والصَّرْفِيَّة، ص 231
ويتحقق التنكير كذلك بالجمع أو التثنية، فكلمة محمد علم معرفة؛ فإذا ثني أو جمع شاع وتنكر وجاز دخول أل عليه؛ فيقال: المحمدان والمحمدون») (1).
ونضيف هنا موضعا آخر من المواضع التي يُجْلَبُ فيها التنكير إلى المعرفة وذلك بأن تأتي المعرفة) العلم (في سياق نفي لـ «لا» النافية للجنس اعتمادا على «علم المخاطب» .
يقول سيبويه: «واعلم أَنَّ المعارف لا تجرى مجرى النكرة في هذا الباب؛ لأَنَّ ((لا)) لا تعمل في معرفة أبدا. فأما قول الشاعر:
* لا هيثَمَ الليلةَ للمَطيّ *
فإِنَّهُ جعله نكرة كَأَنَّه قال: لا هيثمَ من الهيثمَين. ومثل ذلك: لا بصرةَ لكم
…
وتقول: قضية ولا أبا حسن، تجعله نكرة. قلت: فكيف يكون هذا وإِنَّمَا أراد عليا رضى الله عنه فقال) (2): لأنَّهُ لا يجوز لك أَنْ تُعمِل لا في معرفة، وإِنَّمَا تعملها في النكرة فإذا جعلت أبا حسنٍ نكرة حسن لك أَنْ تعمِل لا، وعلم المخاطَب أَنَّهُ قد دخل في هؤلاء المنكورين عليٌّ، وأنه قد غُيِّب عنها») (3).
من هذا النَّصّ نفهم:
- أنَّ من خصائص لا النافية للجنس أَنْ يكون اسمها نكرة.
- وأنَّه في بعض الأحيان قد يأتي المُتَكَلِّم باسمها معرفة علما، وأنَّ العلم في هذه الحالة يفيد التنكير؛ أي أَنَّ العلم في هذه الحالة «علم في اللفظ والشكل» ، «نكرة في الدِّلَالَة» .
وهنا نلاحظ أَنَّ الأعلام المستخدمة في هذه الحالة التي أتى بها المُتَكَلِّم التي تعبر عن نكرة هي أعلام لابدَّ أَنْ تكون لها خصائص سِيَاقِيَّة اجتماعِيَّة مُعَيَّنَة، فهي أعلام معروفة للناس ومشهورة بأمور مُعَيَّنَة تخصُّها:
» أبو الحسن على بن أبي طالب
…
الفطنة والذكاء والعبقرية والفصل في القضايا.
» البصرة
…
الناحية الثقافيَّة والعلميَّة والاقتصادية.
» هيثم
…
حُدَاء المطي.
وعندما نستدعي هذه الأعلام مع «لا» النافية للجنس فإِنَّنَا نستدعي معها هذه الخلفيَّة الاجتِماعِيَّة؛ لأَنَّنا نقصد هذه الخلفيَّة الاجتِماعِيَّة، ونريد توظيفها سياقيًّا لأمر ما. ولكي يتفاعل المخاطب مع هذه الجمل ويتقبل معناها يجب أَنْ يعلم مسبقا هذه الخصوصية الاجتِماعِيَّة لهذه
(1) السابق: 231
(2)
قال المحقق الأستاذ هارون، 2/ 296 الحاشية ذات الرَّقْم 3 ((الظاهر أن القائل الخليل)).
(3)
سيبويه: الكتاب، 2/ 296
الأعلام؛ أي أَنَّ الخلفيَّة الاجتِماعِيَّة هنا ومدى إلمام المخاطب بها تتحكمان في صحة هذا التركيب وتؤثِّران عليه، والدليل على صحة هذا التأثير أَنَّنا لو ترجمنا هذه الجمل ترجمة حرفية إلى لغة أخرى غير العربِيَّة كالإنجليزية أو الفرنسية لما فهم صاحب هذه اللُّغَة شيئا من هذه العبارة؛ لعدم إلمامه بالخلفيَّةالاجتِماعِيَّة السِّياقِيَّة لها.
أي أَنَّ ما يبرر تنكير المعرفة في هذا الأسلوب علم المخاطب والخلفيَّة الاجتِماعِيَّة لهذه الأعلام) (1).
ويدعو الأستاذ عباس حسن إلى عدم التوسُّع في هذا الأسلوب؛ أي: عدم التوسع في مجيء اسم لا النافية للجنس معرفة، وعدم القياس عليه. يقول: «علينا أَنْ نتقبَّل تلك النصوص بحالها الظاهر دون محاكاتها، ونقتصر فى استعمالنا على اللُّغَة الشائعة المشهورة التى تشترط الشروط التى
عرفناها؛ توحيدًا لأداة التفاهم، ومنعًا للتشعيب بين المتخاطبين بلغة واحدة») (2).
ونقدم هنا رأيا قد يخالف معلمنا الأستاذ عباس حسن، هذا الرأي يقول إنَّه لا مشكلة في التوسُّع في مثل هذا الأسلوب، وأَنْ نأتي باسم لا النافية للجنس معرفة بشرطين:
• أَنْ يكون عَلَمًا.
• وأَنْ يكون هذا العلم مشهورا ومعروفا عند عامة الناس.
والشرط الثاني هنا يساوي ما قالة الخليل في النَّصّ السابق «وعلم المخاطَب أَنَّهُ قد دخل
…
». فنحن يمكن مثلا أنْ نقول:
» معركة حربية ولا خالد بن الوليد لها.
(1) نقل د. فاضل السامرائي أقوال النحاة الذين يؤولون العَلَم ــ الذي يأتي اسم لا النافية بالجنس ــ بالنكرة، في مثل قولهم:((قضية ولا أبا حسن لها))، فقال سيادته) معاني النحو 1/ 363 (: ((
…
وهم في ذلك على ثلاثة أقوال: فمنهم من ذهب إلى أن التقدير: ولا مسمى بأبي الحسن
…
والقول الثاني: على تقدير ((مثل))، أي: ولا مثل أبي حسن
…
، والقول الثالث: أنْ يستخلص من العلم معنى الوصف الذي اشتهر به ذلك العَلَم؛ فيكون هو المنفي، فقولك:((لا حاتم اليوم)) معناه: لا كريم، وقوله:((لا هيثم الليلة للمطي)) معناه: لا سائق، وقولهم:((قضية ولا أبا حسن لها)) معناه: لا فيصل لها وهكذا)). وينقل بعد الرأي الثالث قول الرضي على الكافية الذي يقول فيه) شرح الكافية القسم الأول ص 830 (: ((وإمَّا أنْ يجعلَ العلمُ لاشتهاره بتلك الخَلَّةِ، كأنَّه اسم جنس موضوع لإفادة ذلك المعنى؛ لأن معنى قضية ولا أبا حسن لها: لا فيصل لها
…
فصار اسمه ــ عليه السلام ــ كالجنس المفيد لمعنى الفصل والقطع، كلفظ الفيصل، وعلى هذا يمكن وصفه بالمنكر، وهذا كما قالوا: لكل فرعونٍ موسىً؛ أي: لكل جبار قهارٌ، فيصرفون فرعون وموسى لتنكيرهما بالمعنى المذكور)). ويعلق د. السامرائي على الرأي الثالث وبعد نقل كلام الرضي بقوله:((وهذا القول أقربها إلى الصواب))، وهو قريب مما أشرنا إليه.
(2)
النحو الوافي: 1/ 695
» مشكلة سياسية ولا عمر لها.
» لغز علمي ولا زويل له.
» معادلة رياضية ولا أينشتاين لها
…
وهكذا.
وما أشار إليه الأستاذ عباس من خطورة هذا على «توحيد أداة التفاهم» ، وأنَّ هذا يؤدي إلى
«التشعيب بين المتخاطبين بلغة واحدة» هو ــ كما نظن ــ ليس في محله، وأمر مبالغ فيه، وأنَّ سياق الحال يضمن عدم الوقوع في هذا.
ويحدثنا النُّحَاة عن التعريف، ويقولون عنه أَنَّهُ هو:«تحويل النكرة إلى معرفة» ) (1). ويحدثوننا عن أنواعه، فيذكرون أَنَّهُ نوعان: أحدهما ذاتي، والآخر عارض مجلوب. ويقصدون بالتعريف الذاتي الذي «يتحقق للضمائر والأعلام وأسماء الإشارة والأسماء الموصولة. وأما التعريف المجلوب فيتحقق لفظا أو معنى للمجرد من أل بإدخال أل عليه، وللمضاف بإضافته إلى المعرفة، وللمنادى بالإقبال عليه بالنداء» ) (2).
لكن هل يوجد «تنكير مجلوب» للمعرفة كما وجد «تعرف مجلوب» للنكرة؟ أشار سيبويه إلى هذا في موضعين من كتابه:
- الموضع الأول:
ذكره عند حديثه عن الاسم العلم الممنوع من الصرف الذي يصرف. وقبل ذكر هذا الموضع نقدم بين يديه بقولنا إِنَّ النُّحَاة قالوا في الممنوع من الصرف الذي يصرف أَنَّهُ ينوَّن عند الحاجة، وقالوا إِنَّ هذه الحاجة تتحقق في النثر والشعر.
(1) د. محمد سمير نجيب اللبدي: معجم المصطلحات النَّحْوِيَّة والصَّرْفِيَّة، ص 153
(2)
السابق: ص 153
(3)
د. محمد عيد: النحو المصفى، مكتبة الشباب، القاهرة، ص 51
لكن يبدو من الموضع الذي معنا من نصّ سيبويه أَنَّه يضيف موضعا آخر من المواضع التي يمكن فيها صرف الممنوع من الصرف في النثر لغير التناسب مرتبطا بسياف الحال. يقول في هذا الموضع: «فإنْ قلت: عمرٌ آخر صرفته؛ لأنَّهُ نكرة؛ فتحول عن موضع عامر معرفة» ) (1).
لم يشر سيبويه في النَّصّ إلى أي «تناسب» يبرِّر صرف كلمة عمر، ولا يمكن فهم صرف عمر في الجملة السابقة إلا في ضوء سياق الحال. فيمكن أَنْ نتخيل سياقا يضم متكلما يتحدَّث إلى مخاطب «ضرب من قبل شخص يسمى عمر» ، فيقول المُتَكَلِّم للمخاطب ــ مشيرا إلى صورة
مثلا ــ: أهذا عمرُ الذي ضربك؟ ، فيقول: لا، بل عمرٌ آخر.
إنه السِّياق الذي نقل العلم من التعريف إلى التنكير بلا شك؛ وسمح بتنكير كلمة عمر، كما أشار سيبويه في نصه السابق، وهو وإن لم يشر إلى ذلك إلا أَنَّهُ ينبغى أَنْ يكون كذلك) (2).
- الموضع الثاني:
وهو موضع بعيد عن سياق الحال نسبيا، ولكنا نقوله زيادة للفائدة وهو إضافة المعرفة إلى
النكرة. يقول: «ألا ترى أنَّك لو قلت: هذا زيدُ رجلٍ صار نكرةً، فليس بالعلم الغالب؛ لأَنَّ ما بعده غيَّره، وصار يكون معرفةً ونكرةً به» ) (3). أي أَنَّ المعرف «إذا أضيف إلى النكرة فهو نكرةٌ» ) (4).
***
(1) سيبويه: الكتاب، 3/ 224
(2)
ولعله مما يتصل بكلامنا هنا قوله: ((قال في قول الشاعر:
*يا هندُ هندٌ بين خِلبٍ وكَبدْ أنه *
أراد: أنتِ بين خِلب وكبِد، فجعلها نكرةً. وقد يجوز أن تقول بعد النداء مقبِلاً على مَن تحدثه: هندٌ هذه بين خِلبٍ وكبدٍ، فيكون معرفة)). 2/ 238
(3)
سيبويه: الكتاب، 3/ 507 ــ 508
(4)
ابن يعيش: شرح المُفَصّل، 1/ 137
الفصل الرابع
سياق الحال والقواعد الصَّرْفِيَّة
ويشمل المبحثين التاليين:
- المبحث الأول: سياق الحال ودلالة الفعل والمصادر والمشتقات.
- المبحث الثاني: سياق الحال ومعاني الأوزان الصَّرْفِيَّة.