الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: سياق الحال والقواعد الصَّرْفِيَّة
سنحاول أَنْ نرصد هنا علاقة سياق الحال ببعض الأمور الصَّرْفِيَّة. وكما سرنا في الفصول السابقة سنسير هنا؛ أي أَنَّنا سنجمع كل القواعد والمسائل الصَّرْفِيَّة التي لها علاقة بسياق الحال، ونصنّف كل مجموعة نصوص تتناول مسألة واحدة مع بعضها.
-
المبحث الأول: سياق الحال ودلالة الفعل الزَّمَنِيَّة والمصادر والمشتقات
أ - سياق الحال والدِّلَالَة الزَّمَنِيَّة للفعل:
عند حديث سيبويه عن الفعل في بداية الكتاب ذكر النَّصّ التالي: «وأمَّا الفعل فأمثلة أُخذتْ من لفظ أحداث الأسماء، وبُنيتْ لما مضى، ولما يكون ولم يقع، وما هو كائن لم ينَقطع. فأمَّا بناء ما مضى فذَهَبَ وسَمِعِ ومَكُث وحُمِدَ. وأمَّا بناء ما لم يقع فإِنَّهُ قولك آمِرًا: اذهَب واقتُلْ واضرِبْ، ومخبرًا: يَقْتُلُ ويَذهَبُ ويَضرِبُ ويُقْتَلُ ويُضرَبُ. وكذلك بناء ما لم يَنقطع وهو كائن إذا أخبرتَ» ) (1).
إذا حللنا هذا النَّصّ نجد أَنَّ سيبويه يقسِّم الزمن إلى ثلاثة أقسام:
1 ــ الزمن الماضي.
2 ــ الزمن الكائن الذي لم ينقطع (الحال ــ المضارع).
3 ــ ما يكون ولم يقع (المستقبل).
ويخصِّص للقسم الثالث الأمثلة التالية:
» أفعال الأمر: «اذهب، اقتل، اضرب» .
» والأفعال: «يقتل، يذهب، يضرب» .
أما القسم الثاني (الكائن الذي لم ينقطع)، فيفهم من الكلام أَنَّهُ يخصص له نفس الأمثلة
«يقتل، يذهب، يضرب» ؛ أي أَنَّ هذه الأفعال عينها تعبِّر عن قسمين من أقسام الفعل: المضارع أو الحال والمستقبل، فالفعل المضارع في الجملة الآتية:«يضرب محمدٌ عليًّا» له دلالتان
زمنيّتان: الحال والاستقبال. ونحن بالطبع لا نستطيع أَنْ نحدِّد الدِّلَالَة الزَّمَنِيَّة المقصودة للفعل بدون سياق الحال.
إن نصّ سيبويه يتضمن إشارة ضمنية إلى السِّياق وأهميته في تحديد الدِّلَالَة الزَّمَنِيَّة للفعل. وتلك الإشارة المبكرة في بدايات الكتاب أشارت إلى أمر منهجي عند سيبويه، وهو أَنَّهُ لن يقر قاعدة ما إلا من خلال استقرائها في النصوص المختلفة، واستحضار السِّياق في هذا الاستقراء، وإثبات ما يدل عليه من دلالات.
(1) سيبويه: الكتاب، 1/ 12
وإذا استغللنا هذه الإشارة المنهجية وطبَّقناها وفعَّلناها في دراستنا للدلالة الزمنية لفعل «الأمر» مثلا يمكن أن نخرج ببعض النتائج، التي منها أنَّ فعل الأمر:
ب - دلالة الأمر على الماضي، «وذلك نحو قوله تعالى:{فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} يوسف: 99، فقوله:«ادخلوا مصر» كان بعد دخولهم إياها؛ فهو أمر يفيد المضي») (2). ومثل قول النبيِّ ــ صلى الله عليه وسلم ــ للرجل الذي أتاه في الحجِّ فقال: «يا رسول الله، ذبحْتُ قبل أنْ أرمِيَ ــ أي: ذبحت أولا ثم رمَيْتُ ثانيا ــ فقال ــ صلى الله عليه وسلم ــ: ارمِ ولا حرَج» ) (3). قال ابن هشام: «ارمِ ولا حرج: فإنَّهُ بمعنى رَمَيْت والحالة هذه، وإلَّا لكان أمرًا له بتجديد الرمي، وليس
كذلك») (4).
ت - الأمر المستمر: «وذلك نحو قوله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} البقرة: 83» ) (5).
ث - وربما كان فعل الأمر مطلقا غير مقيد بزمن لكونه دالا على الحقيقة، أو لكونه دالا على التوجيه والحكم أو لغير ذلك) (6)، وذلك كقول الشاعر:
كُنِ ابنَ مَن شِئتَ واِكتَسِب أَدَبًا
…
يُغنيكَ مَحمُودُهُ عَنِ النَسَبِ [بحر المنسرح]
وقبل الانتقال إلى جزئية جديدة من بحثنا ننقل هنا تعليق عالمين جليلين على مقولة سيبويه السابقة عن ((تعريف الفعل)).
(1) د. فاضل السامرائي: معاني النحو، 4/ 32
(2)
السابق، ص 32
(3)
الهيثمي: موارد الظمآن لزوائد ابن حِبَّان، ت: محمد عبد الرازق حمزة، دار الكتب العلمية، بيروت، ) بدون تاريخ للطبعة (، ص 250
(4)
السيوطي: همع الهوامع، ت: أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط 1، ) 1998 م (1/ 30
(5)
د. فاضل السامرائي: معاني النحو، 4/ 34
(6)
السابق، 4/ 37