الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هَل أَنتَ باعِثُ دينارٍ لِحاجَتِنا
…
أَو عَبدَ رَبٍّ أَخا عَونِ بنِ مِخراقِ [بحر البسيط]
«فإذا أخبر أَنَّ الفعل قد وقع وانقطع فهو بغير تنوين ألبتة» ) (1).
-
نواصب الفعل المضارع:
مما يتصل بالجملة الفعلِيَّة ويتَأَثَّر بسياق الحال نواصب الفعل المضارع، وفيما يلي أهم الأدوات التي تتَأَثَّر به.
» فاء السببية:
من أدوات نصب الفعل المضارع فاءُ السببية، ويشترط النُّحَاة لهذا النصب أَنْ تسبق بنفي محض أو طلب محض. والجانب الذي يرتبط بفاء السببية ويتصل بسياق الحال هو المعنى الدِّلَالِيّ للجملة الفعلِيَّة التي تقع بعد فاء السببية، وسبب نصب الفعل المضارع في بدايتها.
ففي مثل قولنا: «ما تأتيني فتحدثَني» يذكر سيبويه وجهين من المعاني للفعل المضارع بعد الفاء هنا:
• الأول: «ما تأتيني فكيف تحدثُني؛ أي: لو أتيتَني لحدَّثتني» ) (2).
• والثاني: «فما تأتيني أبدًا إلا لم تحدثني؛ أي: منك إتيانٌ كثيرٌ، ولا حديث منك» ) (3).
المعنيان في الجملة «ما تأتيني فتحدثَني» كما نفهم من كلام سيبويه:
• أنت أيها المخاطب لم تأتني أصلا فكيف تحدثني.) عدم الإتيان سبب الحديث (.
• منك أيها المخاطب إتيان كثير ولكن لا حديث معك في كل مَرَّة.
والمعنيان كما هو ظاهر بعيدان عن بعضهما ومختلفان، والفيصل في تحديد دلالة هذه الجملة هو لسياق الحال ولا شك. والمعنيان لا محالة من المعاني التي وقف عليها سيبويه من خلال التتبع السياقي لهذا التركيب.
قال المبرِّد: «تقول: ما تأتيني فتحدِّثَني. فالنصب يشتمل على معنيين يجمعهما أنَّ الثاني مخالف للأوَّل. فأحد المعنيين: ما تأتيني إلا لم تحدِّثني؛ أي قد يكون منك إتيان ولكن لست
(1) سيبويه: الكتاب، 1/ 171، وكلامنا هنا رد آخر على دعاة العامية ومن يطالبون بتسكين أواخر الكلمات
(2)
سيبويه: الكتاب، 3/ 30
(3)
السابق: 3/ 30
تحدِّثني والمعنى الثاني: لا يكون منك إتيان ولا حديث فاعتباره ما تأتيني مُحَدِّثًا، وكلما أتيتني لم تحدِّثني. والوجه الآخر: ما تأتيني فكيف تحدثَني، أي لو أتيتني لحدثتني») (1).
ويؤثِّر سياق الحال على الفاء في بعض الأحيان بشكل آخر، شكل قد يخرجها من السببية إلى كونها حرف عطف، يعطف ما بعده على ما قبله؛ وذلك إذا أتت الجملة التي تحتوي عليها في سياق يدل على الإشراك. يقول:«وإن شئت أشركت بين الأول والآخر؛ فدخل الآخر فيما دخل فيه الأول؛ فتقول: ما تأتيني فتحدثُني؛ كَأَنَّك قلت: ما تأتيني وما تحدثني» ) (2).
قال ابن مالك: «فإذا قصد بالمضارع بعد الفاء اشتراكه بما قبلها في حكمه، تبعه في الإعراب، كقولك: زيد يأتيني فيحدثُني، وأريد أن يأتيني فيحدثني، وإن تأتني فتحدثْني أكرمْك» ) (3).
ولا شك أَنَّ هذا الانتقال من ((فاء السببية)) إلى ((فاء عاطفة)) يجب أَنْ يتم تحت رعاية السِّياق وفي ظلاله.
وينقل سيبويه عن الخليل توجيها إعرابيا لجملة احتوت على فاء سببية، خرجت عن سببيتها ورُفع الفعل بعدها بسبب إمكانيَّة تغيير السِّياق الذي قد ترد فيه الجملة، يقول: «واعلم أَنَّكَ إِنْ شئت
قلت: ائتني فأحدثُك، ترفع. وزعم الخليل: أَنَّكَ لم ترد أَنْ تجعل الإتيان سببا لحديث؛ ولكنك كَأَنَّك قلت: ائتني، فأنا ممن يحدثك البتة، جئت أو لم تجئ») (4). ويؤكد ابن يعيش هذا المعنى بقوله:«كما تقول ائتني فأحدثُك، أي فأنا ممن يحدثك على كل حال» ) (5).
فعندما تغير السِّياق من سياق السببية والجزاء إلى سياق الإخبار تغيَّر الإعراب والتوجيه النَّحْوِيّ. وإذا تأملنا جملة الخليل «إنَّك لم ترد أَنْ تجعل
…
» نجد فيها دعوة إلى الإثراء الدِّلَالِيّ من خلال السِّياق، وإمكانيَّة ذلك وسهولته على من يقوم بتحليل الدِّلَالَة للجملة. وفيها أيضا لفتة سريعة إلى أَنَّ من يقوم بهذا التحليل يجب أَنْ يقدم كل الدلالات المرتبطة بهذا التركيب، هذه الدلالات المختزلة والموجودة سلفا في ذهن العالم باللُّغَة.
(1) المقتضب، 2/ 15
(2)
السابق: 3/ 30، وهذا يمكن أن يضرب دليلا على صحة ما ادعيناه من أن سيبويه كان يتتبع التراكيب اللُّغَوِيَّة في سياقاتها المختلفة.
(3)
شرح التسهيل: 4/ 27
(4)
سيبويه: الكتاب، 3/ 36
(5)
شرح المفصل، 1/ 330
» إذن:
يشترط لكي تنصب إذن الفعل المضارع بعدها أَنْ تكونَ في صدر الكلام، وأَنْ تتصل بالفعل المضارع، وأَنْ يكون الفعل بعدها دالا على الاستقبال المحض) (1). ونهتم هنا بالشرط الأخير لتعلقه بسياق الحال. إِنَّ الفعل المضارع بعد إذن ينصب إذا دَلَّ على الاستقبال، وهذه دلالة ولاشك مرتبطة بسياق الحال، فهو العامل الحاسم في هذا التحديد، فإذا لم يدلّ الفعل وهو داخل سياقه على الاستقبال رُفِعَ. يقول: «وتقول إذا حدثت بالحديث: إذن أظنُّه فاعلاً، وإذن إخالُك كاذبًا وذلك لأَنَّكَ تخبر أَنَّكَ تلك الساعة في حال ظنّ وخِيلةٍ
…
ولو قلت: إذن أظنَّك، تريد أَنْ تخبره أَنَّ ظنَّك سيقع لنصبت») (2).
فالفعل المضارع ((إخالُك)) بعد إذن في جملة سيبويه يدلُّ على الحالِيَّة لذلك رفع، ولو نصب لدل على أَنَّ الفعل في المستقبل.
وهنا أيضا نشير أَنَّ العلامة الإعرابِيّة على نهاية الفعل لها دلالة زمَنِيَّة، فالفتحة تدل على الاستقبال والرفع يدل على الحال.
» حتى:
ينصب الفعل المضارع بعد حتى بأنْ مضمَرة وجوبا، ويشترط في هذا النصب «أَنْ يكون المضارع بعدها مستقبلا بالنسبة إلى زمن التكلم
…
ويجب رفع المضارع إذا لم يكن مستقبلا، أو كان مسببا عما قبل») (3).
وبالقطع يتدخل سياق الحال في تحديد دلالة الفعل هنا ويحدد ما إذا كان يدلُّ على المستقبل أم لا، لذلك فالجملة «سرت حتى أدخل البلد» يتعذر إعطاء الوجه الأنسب للإعراب بدون سياق، ففي الجملة السابقة يجوز في الفعل المضارع النصب ــ كما يقول سيبويه ــ بشرط «أَنْ تجعل الدخول غاية لمسيرك») (4). أي: بشرط أَنْ يكون الدخول غاية مسيرك في المستقبل. ويجوز فيه أيضا الرفع بعد حتى، وذلك بأن «تعني أَنَّهُ كان دخول متصل بالسير
…
فإذا قال: حتى أدخلُها؛ فكَأَنَّه
(1) علي توفيق الحمد ويوسف جميل: معجم أدوات النحو العربي، 38، وينظر أيضا: النحو الوافي: 4/ 310
(2)
سيبويه: الكتاب، 3/ 16
(3)
علي توفيق الحمد ويوسف جميل: معجم أدوات النحو العربي، ص 142، وينظر أيضا: النحو الوافي: 4/ 344 ــ 345
(4)
سيبويه: الكتاب، 3/ 17
يقول: سرت فإذا أنا في حال دخول، فالدخول متصل بالسير كاتصاله بالفاء») (1). أي أَنَّ الفعل دال على الحال.
ويرفع أيضا الفعل المضارع بعد حتى إذا دَلَّ على الحال المؤوَّلة أو المحكية وهي التي
«يكون فيها معنى المضارع قد تحقَّق وانتهى فعلا قبل النطق بالجملة، وكان المناسب أَنْ يُذكر الفعل بصيغة الماضي، ولَكِنَّه يعاد ذكره بصيغة المضارع بقصد حكاية الحال الماضية التي ترشد إليها القرينة» ) (2). يقول ابن السراج: «وأما الوجه الثاني من الرفع: فأنْ يكون الفعلُ الذي بعد «حتَّى» حاضرًا ولا يراد به اتصاله بما قبله، ويجوز أن يكون ما قبله منقطعًا، ومن ذلك قولك: لقد سرت حتى أدخلها، ما أمنع حتى أني أدخلُها الآن، أدخلُها كيفَ شئت، ومثل قول الرجل: لقد رأى مني عامًا أول شيئًا حتى لا أستطيع أن أكلمه العامَ بشيءٍ. ولقد مَرِض حتى لا يرجونه، إنَّما يراد أنَّه الآن لا يرجونه، وأنَّ هذه حاله وقت كلامه») (3).
وهذا ما سبق وقرره سيبويه إذ يقول: «أَمَّا الوجه الآخر: فإِنَّهُ يكون السير قد كان وما أشبهه ويكون الدخول وما أشبهه الآن، فمن ذلك: لقد سرت حتى أدخلها ما أُمنَع؛ أي حتى أني الآن أدخلها كيفما شئت» ) (4).
إذن فالمتحكم في العلامة الإعرابِيّة للفعل المضارع بعد «حتى» هو المُتَكَلِّم مدفوعا بالسِّياق الذي يوجد فيه، وهذا ما يؤكده «الرَّضِيّ» في شرحه على «كافية ابن الحاجب» في عبارة واضحة يقول فيها: «ثُمَّ إذا أردنا أَنْ نُبين متى يرفع المضارع بعد حتى ومتى ينصب قلنا: ذاك إلى قصد المُتَكَلِّم، فإنْ قصد الحكم بحصول مصدر الفعل الذي بعد حتى: إما في حال الإخبار، أو في الزمن المتقدم عليه على سبيل حكاية الحال الماضية وجب رفع المضارع، سواء كان بناء الكلام المتقدم على اليقين
…
أو على الظن والتخمين») (5).
ويورد سيبويه جملة يقول فيها: «إِنَّمَا سرت حتى أدخلَها» ، وأشار بعدها أَنَّ هذه الجملة بنصب الفعل المضارع قد تعبِّر في سياق ما عن «احتقار المُتَكَلِّم للسير الذي أدَّى إلى
(1) سيبويه: الكتاب، 3/ 17
(2)
عباس حسن: النحو الوافي، 4/ 340
(3)
الأصول في النحو، 2/ 152
(4)
سيبويه: الكتاب، 3/ 17
(5)
شرح الرَّضِيّ على كافية ابن الحاجب، ت: د. يحيي بشير مصري، جامعة الإمام محمد بن سعود، السعودية ط 1، ) 1996 م (، القسم الثاني ــ المجلد الأول، ص 865