الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنَّما يريد أَنْ يعرفك شيئا بقلبك ولا يريد أَنْ يعرفكه بعينك، فلذلك صار هذا يُنعت بالطويل ولا يُنعت الطويل بهذا؛ لأنَّهُ صار أخصَّ من الطويل حين أراد أَنْ يعرفه شيئا بمعرفة العين ومعرفة القلب. وإذا قال الطويل فَإِنَّما عرَّفه شيئا بقلبه دون عينه، فصار ما اجتمع فيه شيئان أخص») (1).
ومن النَّصّ الأخير يستفاد أَنَّ المخاطب يلعب دورا غير مباشر في اختيار النعت، فهو المقصود به فإذا لم يستفد المخاطب فائدة من النعت فلا يجوز استخدامه، وليست هناك حاجة إليه.
ــ
رابعا العطف:
وقف الباحث على نصوص قليلة في الكتاب تبرز علاقة السِّياق بحروف العطف، منها:
1 ــ نص يفيد أَنَّ اختيار حرف العطف المناسب في الكلام يتوقَّف على السِّياق وإرادة المُتَكَلِّم، يقول:«ومما يدلك أيضًا على أَنَّ الفاء ليست كالواو قولك: مررت بزيد وعمرو، ومررت بزيد فعمرو، تريد أَنْ تُعلِم بالفاء أَنَّ الآخرَ مُرَّ به بعد الأول» ) (2).
إنَّ اختيار الفاء أو الواو يتوقَّف على السِّياق وإرادة المُتَكَلِّم؛ فإذا أراد المُتَكَلِّم أنْ يُعلِم المخاطب أَنَّ المعطوف عليه يقع أولا ثُمَّ المعطوف على سبيل الترتيب استخدم الفاء؛ وإن أراد مطلق الجمع ولم يرد ترتيبا استخدم الواو.
2 ــ وفي نصّ ثان يوضح أَنَّ السِّياق قد يُثري المعنى الدِّلَالِيّ مع حرف العطف «أو» ، يقول:
إن جملة «ادخل على زيد أو عمروٍ أو خالدٍ» لها معنيان: الأول: أَنَّ المُتَكَلِّم يأمر المخاطب أَنْ يدخل على أحد هذه الأشخاص المُعَيَّنَة المحددة نفسها، والثاني: أَنَّهُ يأمره أَنْ يدخل على ما يشبه في الطباع والخصائص والأخلاق مثلا هؤلاء الثلاثة. وهذا ما يفهم من كلمة «الضرب» في كلام سيبويه، التي تعني:«الصنف والمثل والشكل والنوع» ) (4).
ولا شك أنَّ الفَيْصل بين المعنيين هو السياق. ونضيف أَنَّ المعنى الثاني لـ «أو» في النص السابق يجعلها تفيد ــ كما يقول العلماء ــ «الإباحة» ويستبعَد عنها معنى «التخيير» ؛ لأن «التخيير لا
(1) سيبويه: الكتاب، 2/ 7
(2)
سيبويه: الكتاب، 3/ 42
(3)
سيبويه: الكتاب، 3/ 184
(4)
ينظر مادة: ((ض ر ب)) في مختار الصحاح ص 183، والمعجم الوسيط 1/ 537
يبيح الجمع بين الشيئين أو الأشياء، والإباحة تبيحه، فإذا قلت:«خذ قلمًا أو دفترًا» ؛ لم يجز له أخذهما جميعا، وإذا قال:«جالس العلماء أو الزهاد» ، جاز له أن يجالسهم جميعا؛ إذ المقصود: جالس هذا الضرب من الناس») (1).
3 ــ وفي نصّ ثالث نلمح منه أَنَّ ما بعد حرف العطف «الواو» قد يتَأَثَّر بسياق الحال؛ فيمنع عطفه على ما قبله. ففي قوله تعالى: {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ} (2) من الممكن ــ بعيدا عن سياق الآية ومعناها ــ نصب الفعل {وَنُقِرُّ} ؛ ولكن معنى الآية وسياقها يمنع النصب ويوجب الرفع على تقدير: «ونحن نقر في الأرحام؛ لأنَّهُ ذكر الحديث للبيان ولم يذكره للإقرار» ) (3).
قال ابن يعيش: «وقوله تعالى: {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ}، لم يأت «ونقر» ، إلا مرفوعا على الابتداء والاستئناف، كأنَّه قال: و «نحن نقر في الأرحام» ، ولو نصب، لاختل المعنى، إذ كان بعد إذ ذلك لنبين لكم القدرة على البعث؛ لأنَّه إذا كان قادرا على ابتداع هذه الأشياء بعد أن لم تكن كان أقدر على إعادتها إلى ما كانت عليه من الحياة؛ لأنَّ الإعادة أسهل من الابتداع») (4).
4 ــ ويلعب السِّياق دورا ملحوظا مع حرف العطف «أم» ، ولكن قبل إبراز هذا الدور نقول: إِنَّ
«أم» التي تأتي متصلة لإفادة التعيين تأتي في مرحلة لاحقة من بداية الكلام؛ إذ إِنَّ «أم» التي تفيد التعيين ــ كما قال صاحب النحو الوافي ــ «تكون متوسطة بين شيئين، ينسب لواحد منهما أمر يعلمه المُتَكَلِّم، ولَكِنَّه لا يعلم ــ على وجه التعيين ــ صاحبه منهما، وقبلهما معا همزة استفهام يراد منها ومن أم تعيين أحد هذين الشيئين، وتحديد المختص منهما بالأمر الذي يعرفه المُتَكَلِّم، ويسأل عن صاحبه الحقيقي؛ ليعرفه على وجه اليقين لا التردد والشك» ) (5).
(1) د. فاضل السامرائي: معاني النحو، 3/ 251
(2)
قال الإمام القرطبي في تفسير قوله: {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ} الحج: 5 في المسألة الحادية عشرة ما نصه: ((الحادية عشرة {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ} يريد: كمال قدرتنا بتصريفنا أطوار خلقكم. {وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ} قرئ بنصب نقر ونخرج، رواه أبو حاتم عن أبي زيد عن المفضل عن عاصم قال: قال أبو حاتم: النصب على العطف. وقال الزجاج: نقر بالرفع لا غير؛ لأنَّهُ ليس المعنى: فعلنا ذلك لنقر في الأرحام ما نشاء وإِنَّمَا خلقهم عز وجل ليدلهم على الرشد والصلاح. وقيل: المعنى لنبين لهم أمر البعث، فهو اعتراض بين الكلامين. وقرأت هذه الفرقة بالرفع ((ونقر))، المعنى: ونحن نقر. وهي قراءة الجمهور)). الجامع لأحكام القرآن، 12/ 11
(3)
سيبويه: الكتاب، 3/ 53، وينظر تفسير السيرافي للآية الذي أورده الأستاذ هارون في الحاشية ذات الرَّقْم 3
(4)
شرح المفصل، 4/ 255، وينظر أيضا: الجنى الداني في حروف المعاني، ص 163
(5)
أ/ عباس حسن: النحو الوافي، 3/ 589 ــ 5590
وواضح من الكلام هنا أَنَّ «أم» التي تفيد التعيين يجب أَنْ تسبق بسياق على الجملة التي تحتويها فهناك أمر يعلمه المُتَكَلِّم، وهناك شيئان يحار المُتَكَلِّم لأيِّهما ينسب هذا الأمر، وهو يأتي بـ «أم التعيينية» لتحديد ذلك. وكلام صاحب النحو الوافي يدل على أَنَّهُ يجب أَنْ يكون هناك مخاطب يتولي هذا التحديد الذي يطلبه المُتَكَلِّم منه عن طريق الاستفهام الموجود في بداية الكلام.
يؤكد سيبويه هذا المعنى في أحد نصوصه قائلا: «وذلك قولك: أزيدٌ عندك أم عمروٌ، وأزيدًا لقيت أم بشرًا؟ فأنت الآن مدَّع أنَّ عنده أحدهما؛ لأَنَّكَ إذا قلت: أيهما عندك، وأيَّهما
لقيت؛ فأنت مدّعٍ أَنَّ المسئول قد لقي أحدهما، أو أَنَّ عنده أحدهما، إلَّا أَنَّ علمك قد استوى فيهما لا تدري أيهما هو») (1). أي أَنَّ المُتَكَلِّم في جملة «أزيدًا لقيت أم بشرًا؟ » متأكد من حدوث «لقاء» قد تمَّ ووقع، وما يريده فقط أَنْ يحدد لمن من المُعَيَّنَين كان اللقاء.
و«أم» بهذا تختلف عن حرف العطف «أو» عندما نقول: «ألقيت زيدا أو عمرا أو خالدا، وأعندك زيد أو خالدٌ أو عمروٌ، كَأَنَّك قلت: أعندك أحدٌ من هؤلاء، وذلك أنّك لم تدَّع أَنَّ أحدًا منهم ثُمَّ» ) (2). فهنا المُتَكَلِّم ليس على علم بـ «لقاء أو وجود» أحد هؤلاء الثلاثة من الأصل ولا يطلب تعيين اللقاء أو الوجود لأحد هؤلاء الثلاثة، بل الجملة استفهام عن مجرد كينونة اللقاء أو الوجود.
وعلى هذا فَإِنَّ سياق الكلام يتدخل في اختيار المُتَكَلِّم لحرفي العطف «أم» أو «أو» ، يقول سيبويه: «وتقول: أتجلس أو تذهب أو تحدثنا، وذلك إذا أردت هل يكون شيءٌ من هذه الأفعال. فأمَّا إذا ادَّعيت أحدهما فليس إلَاّ أتجلس أم تذهب أم تأكل، كأنَّك قلت: أيَّ هذه الأفعال يكون
منك») (3).
ويقول في نصّ ثان: «ولو قلت: لأضربنَّه أذهب أو مكث لم يجز، لأَنَّكَ لو أردت معنى أيهما
قلت: أم مكث، ولا يجوز لأضربنَّه مكث») (4).
ومن الطريف أَنْ نذكر أَنَّ سيبويه يسمي السِّياق الذي يسبق «أم» بـ «القصة» ، يقول:
«
…
لأنَّهُ قَصَدَ قَصْد أحد الاسمين، فبدأ بأحدهما؛ لأَنَّ حاجته أحدهما، فبدأ به مع القصة التي لا يسأل عنها؛ لأنَّهُ إِنَّمَا يسأل عن أحدهما من أجلها، فَإِنَّما يفرغ مما يقصد قصده بقصته ثُمَّ
(1) سيبويه: الكتاب، 3/ 169
(2)
سيبويه: الكتاب، 3/ 179
(3)
سيبويه: الكتاب، 3/ 180
(4)
سيبويه: الكتاب، 3/ 186
يعدله بالثاني») (1). ومن خلال هذا النَّصّ يمكن أَنْ نقول إِنَّ من المصطلحات التراثيَّة التي تطلق على سياق حال) سابق (القصة.
ولا ينحصر تأثير السِّياق على أم في كونها تفيد التعيين أم لا، بل قد يُخرج السِّياق هذا التعيين المستفاد من «أم» إلى غرض بلاغي، مثل «تنبيه المُتَكَلِّم للمخاطب وتبصيره وإعلامه» كما لاحظ سيبويه، يقول:«ألا ترى أَنَّ الرجل يقول للرجل: آلسعادة أحب إليك أم الشقاء؟ وقد علم أَنَّ السعادة أحب إليه من الشقاء، وأنَّ المسئول سيقول: السعادة، ولَكِنَّه أراد أَنْ يبصر صاحبه وأنْ يعلمه» ) (2).
قال المبرد: «كقولك للرجل: السعادة أحب إليك أم الشقاء؛ لتوقفه أنَّه على خطأ وعلى ما يصيِّره إلى الشقاء» ) (3).
ويؤثِّر السِّياق أيضا في «أم» ، فقد تأتي لتعبِّر عن حالة من الشك أو الظن يقع فيها المُتَكَلِّم
وتأتي «أم» وتفيد «الانقطاع» ، وتسمى أم «المنقطعة» ، وهي:«التي تقع ــ في الغالب ــ بين جملتين مستقلتين في معناهما، كل منهما معنى خاص يخالف معنى الآخر، ولا يتوقَّف أداء أحدهما وتمامه على الآخر؛ فليس بين المعنيين ما يجعل أحدهما جزءًا من الثاني» ) (5).
ويُعَبِّر سيبويه عن هذا الانقطاع من خلال تخيل سياق حال بسيط مكون من متكلم
ومخاطبين، يقول:«ويدلك على أَنَّ هذا الآخر منقطعٌ من الأول قول الرجل: إنِّها لإبلٌ، ثُمَّ يقول: أم شاءٌ يا قوم» ) (6). ويمكن أَنْ نكمل نحن الجوانب الناقصة من هذا المشهد؛ فنقول: إِنَّ المُتَكَلِّم وحوله مجموعة من الناس، نظر فرأى على بعد مجموعة من الإبل فجزم على سبيل اليقين أنَّها إبل، ثُمَّ أخذ يدقِّق النظر، وبعد حين يتبيَّن له أنَّها شاء.
5 ــ ومما يرتبط بسياق الحال ويُؤَثِّر في أسلوب العطف ما يسميه العلماء بـ «الاستئناف» .
(1) سيبويه: الكتاب، 3/ 170
(2)
سيبويه: الكتاب، 3/ 173
(3)
المقتضب، 3/ 292
(4)
سيبويه: الكتاب، 3/ 174
(5)
أ/ عباس حسن: النحو الوافي، 3/ 597
(6)
سيبويه: الكتاب، 3/ 172
والعلماء يقسمون الاستئناف إلى نوعين: استئناف بياني، واستئناف نحوي) (1). ويهمنا هنا الاسئناف النَّحْوِيّ الذي يقصد به:«عدم تعلق الجملة نحويا بما قبلها، تعلق إتباع أو إخبار أو وصف إو حال أو صلة؛ أي أَنَّهُ يؤدي إلى انفصال الجملة المستأنفة عن الجملة السابقة عليها إعرابيا» ) (2).
ومن أنواع الاستئناف النَّحْوِيّ نوع «يتضمن الجمل المقطوعة عما قبلها بواسطة حرف من أحرف العطف الآتية: أو، الواو، الفاء، ثُمَّ، حتى، أم المنقطعة، بل، لكن» ) (3).
ويقول المرادي عن الواو وأنواعها: «الثاني من أقسام الواو: واو الاستئناف، ويقال: واو الابتداء. وهي الواو التي يكون بعدها جملة غير متعلقة بما قبلها، في المعنى، ولا مشاركة له في الإعراب. ويكون بعدها الجملتان: الاسمية والفعلية
…
وذكر بعضهم أنَّ هذه الواو قسم آخر، غير الواو العاطفة. والظاهر أنَّها الواو التي تعطف الجمل، التي لا محل لها من الإعراب، لمجرد الربط، وإنَّما سميت واو الاستئناف، لئلا يتوهم أنَّ ما بعدها من المفردات، معطوف على ما قبلها») (4).
وإلى الاستئناف النَّحْوِيّ يشير سيبويه قائلا: «وتقول: ما عبدُ الله خارجًا ولا مَعْنٌ ذاهبٌ، تَرفعه على أَنْ لا تُشركَ الاسمَ الآخِرَ في ما ولكن تَبْتَدِئُهُ، كما تقول: ما كان عبدُ الله منطلقا ولا زيدٌ ذاهبٌ، إذا لم تجعله على كانَ وجعلتَه غير ذاهب الآن. وكذلك ليس. وإن شئت جعلتها لا التي يكون فيها الاشتراك فتنصب، كما تقوم في كان: ما كان زيدٌ ذاهبا ولا عمرو منطلقا. وذلك
قولُك: ليس زيدٌ ذاهبا ولا أخوك منطلقا، وكذلك: ما زيدٌ ذاهبا ولا معنٌ خارجا») (5).
جملة «ما كان عبد الله منطلقا ولا زيد ذاهبا» يمكن أَنْ تُجعل «لا» لتأكيد النفي الذي قبلها، ويُعطَف آخر الكلام على أوله من خلال العطف بالواو على العامل الذي قبلُ، كما قال السيرافي.
ويمكن أَنْ تقال الجملة السابقة كما يلي: «ما كان عبد الله منطلقا ولا زيدٌ ذاهبٌ» برفع
«ذاهب» . ويوجه سيبويه هذا التوجيه على أَنَّ «لا» لا تشرك الاسم الآخر في ما، ولكن تبتدئه) أي تستأنفه (إذا لم تجعله على كان وجعلته غير ذاهب الآن.
(1)(الاستئناف النحوي ودوره في التركيب)): د. مصطفى النحاس، مجلة مجمع اللُّغَة العَرَبِيَّة، القاهرة، المجلد 8، ج 65 ص 114
(2)
السابق، ص 114، وينظر: د. عبادة، معجم مصطلحات النحو، ص 58
(3)
السابق، ص 129
(4)
الجنى الداني في حروف المعاني، ص 163
(5)
سيبويه: الكتاب، 1/ 60