المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ج - سياق الحال ودلالة أوزان المصدر: - قرينة السياق ودورها في التقعيد النحوي والتوجيه الإعرابي في كتاب سيبويه

[إيهاب سلامة]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌ الدراسات السابقة:

- ‌ منهج البحث في أثناء الدراسة:

- ‌ خطة البحث

- ‌تمهيد

- ‌ ترجمة سيبويه

- ‌ الاسم والنشأة والوفاة:

- ‌ أسفاره العلميَّة:

- ‌ شيوخه:

- ‌ منزلة سيبويه العلميَّة:

- ‌ كتاب سيبويه:

- ‌ وقت تأليفه:

- ‌ القيمة العلميَّة للكتاب:

- ‌ منهج الكتاب:

- ‌ أهم المصطلحات المستخدمة في البحث:

- ‌ المصطلح الأول ((…السِّياق)):

- ‌ المصطلح الثاني ((…التَّقْعِيدالنَّحْوِيّ)):

- ‌ المصطلح الثالث ((…التوجيه الإعرابِيّ)):

- ‌ المصطلح الرابع ((…الأصل)):

- ‌ المصطلحات ((…الغالب، الكثير، القليل، الضعيف، الشاذ، الردئ

- ‌الفصل الأول: السياق والمنهج عند سيبويه

- ‌مقدمة:

- ‌المبحث الأول: سيبويه والسِّياق:

- ‌ سيبويه يقوم بالتَّقْعِيدالنَّحْوِيّ والتوجيه الإعرابِيّ من خلال النصوص الحَيَّة المنطوقة:

- ‌اعتبار سيبويه للسياق:

- ‌المخاطب والمُتَكَلِّم أبرز عناصر سياق الحال التي اهتَمَّ بها سيبويه:

- ‌ المبحث الثاني: خطوات إجرائِيَّة ومنهجِيَّة قبل التقيعد النَّحْوِيّ والتوجيه الإعرابِيّ عند سيبويه:

- ‌1 ــ تصنيف اللُّغَة إلى تراكيب نمطِيَّة مُجَرَّدة:

- ‌2 ــ الإحصاء العددي للتراكيب النَّمَطِيَّة:

- ‌3 ــ تتَبُّع التركيب اللغويّ المُعَيَّن قيد البحث في السِّياقات المختلفة وربطه بدلالة السِّياق إِنْ وجدت:

- ‌4 ــ معايشة التراكيب اللُّغَوِيَّة في نصوصها المنطوقة:

- ‌الفصل الثاني: دور سياق الحال في التوجيه الإعرابِيّ عند سيبويه

- ‌1 ــ المبحث الأول: أهمِيَّة سياق الحال في التوجيهات الإعرابِيّة عند سيبويه:

- ‌أوجود تراكيب نحوِيَّة لا يصِحُّ تركيبُها ولا تصِحُّ كينونتُها وبالتالي لا يصِحُّ توجيهها نحويا إلا إذا قامت قرينة من سياق الحال تُصَحِّحُها:

- ‌ب وجود تراكيب نحوِيَّة توجَّه في إطار معرفة قرينة السِّياق:

- ‌ت يستعين به أحيانا في شرح توجيهه:

- ‌ث يفسِّرُ بالسِّياق مَرْجِعِيَّة الضمير:

- ‌ج خطورة عدم الاعتداد بقرينة السِّياق وأثره في التوجيه:

- ‌2 ــ المبحث الثاني: إثراء السِّياق للتوجيهات الإعرابِيّة والدِّلالِيَّة:

- ‌ حال المُتَكَلِّم ودوره في التوجيه الإعرابِيّ وإثرائه:

- ‌ المخاطب ودوره في التوجيه الإعرابِيّ وإثرائه:

- ‌3 ــ المبحث الثالث: تَحَرُّك سيبويه بحُرِّيَّة في توجيهاته النحوِيَّة في حالة عدم اللَّبس:

- ‌الفصل الثالث: دور السِّياق في التَّقْعِيد النَّحْوِيّ عند سيبويه

- ‌المبحث الأول: سياق الحال والجملة الاسمِيَّة:

- ‌ السِّياق والابتداء بالمعرفة:

- ‌ الحذف في الجملة الاسمِيَّة وسياق الحال:

- ‌ قرينة السِّياق والحال النَّحْوِيّ:

- ‌المبحث الثاني: سياق الحال والجملة الفعلِيَّة وما يتعلق بها:

- ‌ سياق الحال يُؤَثِّر في كينونة الجملة الفعلِيَّة أيضا:

- ‌ الترتيب بين العناصر المكوِّنة للجملة الفعلِيَّة:

- ‌ السِّياق وإعمال اسم الفاعل عمل الفعل:

- ‌ نواصب الفعل المضارع:

- ‌ المفعول المطلق:

- ‌ دور قرينة السِّياق في إعمال ظن وأخواتها أو إلغاء عملها:

- ‌ الحذف في الجملة الفعلِيَّة:

- ‌المبحث الثالث: سياق الحال والتوابع:

- ‌ أولا البدل:

- ‌ ثانيا التوكيد:

- ‌ ثالثا النعت:

- ‌ رابعا العطف:

- ‌المبحث الرابع: سياق الحال والأساليب النحوِيَّة:

- ‌1 ــ أسلوب الاستفهام:

- ‌2 ــ أسلوب النفي:

- ‌3 ــ أسلوب التفضيل:

- ‌4 ــ أسلوب النداء:

- ‌5 ــ أسلوب التحذير والإغراء والاختصاص:

- ‌6 ــ أسلوب الاستثناء:

- ‌7 ــ أسلوب القسم:

- ‌8 ــ النصب على التعظيم أو الذم:

- ‌المبحث الخامس: سياق الحال والأدوات النحوِيَّة:

- ‌ المبحث السادس: سياق الحال والتنوين والتنكير والتعريف:

- ‌الفصل الرابع: سياق الحال والقواعد الصَّرْفِيَّة

- ‌ المبحث الأول: سياق الحال ودلالة الفعل الزَّمَنِيَّة والمصادر والمشتقات

- ‌أ - سياق الحال والدِّلَالَة الزَّمَنِيَّة للفعل:

- ‌ج - سياق الحال ودلالة أوزان المصدر:

- ‌ح - سياق الحال ودلالة المشتقات:

- ‌ المبحث الثاني: سياق الحال ومعاني الأوزان الصَّرْفِيَّة:

- ‌الفصل الخامسالسِّياق وسيبويه والنظَرِيَّةالنحوِيَّة

- ‌ المبحث الأول:‌‌ تعريف مصطلح النظَرِيَّة، وأهم خصائص النظَرِيَّةالعلميَّة:

- ‌ تعريف مصطلح النظَرِيَّة

- ‌ أهم خصائص النظَرِيَّة العلميَّة:

- ‌ المبحث الثاني:‌‌ النظَرِيَّة النحوِيَّة السِّياقِيَّة:

- ‌ النظَرِيَّة النحوِيَّة السِّياقِيَّة:

- ‌ نقد نظَرِيَّة العامل:

- ‌الخاتمة

- ‌قائمة المصادر والمراجع

- ‌أولا ـ المصادر والمراجع العربِيَّة

- ‌ثانيا المراجع الأجنبية

- ‌ثالثا: المجلات والدوريات

- ‌ملخص الرسالة

الفصل: ‌ج - سياق الحال ودلالة أوزان المصدر:

التعليق الأول لعبد القاهر الجرجاني، يقول فيه:«لا نعلم أحدا أتى في معنى هذا الكلام بما يوازنه أو يدانيه، ولا يقع في الوهم أيضا أَنَّ ذلك يُستطاع. ألا ترى أَنَّه إِنَّمَا جاء في معناه قولهم: والفعل ينقسم بأقسام الزمان: ماضٍ، وحاضر، ومستقبل، وليس يخفى ضَعْفُ هذا في جنبه، وقصوره عنه» ) (1).

والتعليق الثاني لشيخنا محمود شاكر يشرح عبارة سيبويه ويشفعه بالثناء والمدح قائلا:

«فأنت تراه عيانا الآن أَنَّ سيبويه قد استطاع في جملة واحدة قصيرة لا تتجاوز سطرا واحدا، استطاع أَنْ يُلم بجميع الأزمنة المقترنة بأمثلة الفعل، دون أَنْ يُخل بشيء منها فهي جملة محكمة شديدة الإحكام عجز النُّحَاة من بعده أَنْ يلموا بها في حدودهم التي كتبوها عن الفعل، فأي رجل مُبينٍ كان سيبويه؟ ! » ) (2).

إن ختام التعليقين السابقين من هذين العَلَمَين الجليلين يؤدي إلى نتيجة مُهِمَّة، هي أَنَّ النُّحَاة من بعد سيبويه لم يحيطوا علما بكل ما في كتابه من فوائد علمِيَّة قيمة، وأنَّ الكتاب ــ على الرَّغْم من كثرة شروحاته التي تنقلها كتب التراجم ــ لم يلق العناية الكافية من الدراسة والبحث، وأنَّه ما زالت توجد الكثير من عبارات سيبويه التي تحتاج إلى فضل تأمل ونظر) (3).

‌ج - سياق الحال ودلالة أوزان المصدر:

اهتمَّ سيبويه في كتابه بدراسة أبنية الأسماء والأفعال، وتُنْسَبُ إليه الرِّيادة في هذا الاهتمام بتلك الأبنية. قال السيوطي نقلا عن ابن القَطَّاع:«قد صنَّف العلماء في أبنية الأسماء والأفعال، وأكثروا منها، وما منهم مَن استَوْعَبَهَا. وأوَّلُ من ذكرها سيبويه في كتابه، فأورد للأسماء ثلثمائة مثال وثمانية أمثلة، وعنده أنَّه أتى به» ) (4).

ومن الأبنية التي اهتَمَّ بها سيبويه أبنية المصادر ودلالتها، وقد اعتمد على السِّياق في تحديد دلالة أوزان بعض المصادر، فنجد أَنَّهُ:

- في أحد أبواب الكتاب عنوانه «هذا باب أيضا في الخصال التي تكون في الأشياء» ، يقول:

«أَمَّا ما كان حسنًا أو قبحًا فإِنَّهُ مما يبنى فعله على فَعُلَ يَفْعُلُ؛ ويكون المصدر فَعَالا وفَعَالة

(1) عبد القاهر الجرجاني: الرسالة الشافية في وجوه الإعجاز ــ ملحق: دلائل الإعجاز، ص 604

(2)

المتنبي، ص 14

(3)

أشار أستاذنا د. حماسة عبد اللطيف ــ في بعض محاضراته ــ أنه أقام كتابه المهم ((النحو والدِّلَالَة)) على عدة جمل قصيرة من كتاب سيبويه.

(4)

المزهر في علوم اللغة وأنواعها: 2/ 4

ص: 329

وفُعلا، وذلك قولك: قَبُحَ يَقْبُحُ قَبَاحَة، وبعضهم يقول قُبُوحة؛ فبناه على فُعولةٍ كما بناه على فَعالةٍ. ووسم يوسم وسامة، وقال بعضهم: وسامًا فلم يؤنث، كما قالوا: السَّقام والسَّقامة») (1).

- وقال: «وما كان من الشدة والجرأة والضعف والجبن فإِنَّهُ نحوٌ من هذا، قالوا: ضَعُفَ ضَعْفًا وهو ضعيفٌ، وقالوا: شجع شجاعة وهو شجاعٌ وقالوا: شجيعٌ» ) (2).

- «وقالوا: سَرُعَ يَسْرُعُ سِرَعًا وهو سريعٌ، وَبطُؤَ بِطَأ وهو بطيءٌ، كما قالوا: غَلُظَ غِلَظًا وهو غليظٌ وإِنَّمَا جعلناهما في هذا الباب لأَنَّ أحدهما أقوى على أمره وما يريد» ) (3).

- ويقول عن المصادر التي على وزن «فِعَال» أنَّها تدلُّ على «انتهاء الزمان» ، يقول:«وجاءوا بالمصادر حين أرادوا انتهاء الزمان على مثال فعالٍ، وذلك: الصِّرام والجِزاز، والجِداد، والقِطاع، والحِصاد» ) (4).

- «وأما الوسم) (5) فإِنَّهُ يجيء على فِعالٍ، نحو: الخِباط والعِلاط والعراض والجِناب والكِشاح. فالأثر يكون على فِعالٍ والعمل يكون فَعْلاً، كقولهم: وسمت وسمًا، وخَبَطت البعير خَبْطًا، وكشحته كشحًا. وأما المُشْط والدلو والخُطَّاف فَإِنَّما أرادوا صورة هذه الأشياء أنها وُسمت به، كَأَنَّه قال: عليها صورة الدلو» ) (6).

- وقال في باب «فَعْلان ومصدره وفعله» : «أَمَّا ما كان من الجوع والعطش فإِنَّهُ أكثر ما يبنى في الأسماء على فَعْلان ويكون المصدر الفَعَل، ويكون الفعل على فعل يفعَل. وذلك نحو: ظمئ

(1) سيبويه: الكتاب، 4/ 28

(2)

سيبويه: الكتاب، 4/ 31

(3)

سيبويه: الكتاب، 4/ 32

(4)

سيبويه: الكتاب، 4/ 12

(5)

قال الزَّبيدي في تاج العروس ((وَقَالَ ابنُ الرُّمَّانِيّ فِي تَفْسيرِ الخِبَاطِ: فِي كتاب سِيبَوَيْه: إِنَّهُ الوَسْمُ فِي الوَجْهِ، والعِلاطُ والعِراضُ فِي العُنُق. قالَ: والعِراضُ يَكُونُ عَرْضًا، والعِلاطُ يَكُونُ طُولاً)) 19/ 233

وقال في موضع آخر: ((الوَسْمُ: أثر الكيِّ، يكون فِي الأعضاءِ. قَالَ شَيخنَا: هَذَا هُوَ الِاسْم المُطْلَقُ العامُّ، والمحققون يسمُّون كل سِمَةٍ باسمٍ خاصٍّ، واستوعب ذَلِك السُّهيْلي، فِي الرَّوض،

قلت: الَّذِي ذكر السُّهيلي فِي الرَّوض: منسمات الْإِبِل: السِّطاعُ، والرَّقْمةُ، والخِباطُ، والكِشاحُ، والعِلاطُ

والخُطَّافُ، الدَّلو، وَالمِشْطُ، وَالفِرْتَاجُ، وَالثؤثور، وَالدِّمَاعُ، وَالصُّدَاغُ، واللِّجَامُ، وَالهِلالُ، والخِرَاشُ، هَذَا مَا ذَكَرَهُ، وَفَاتَهُ: العِرَاضُ وَاللِّحَاظُ، وَالتَّلْحِيظ، وَالتَّحْجِينُ، واَلصِّقَاعُ، وَالدُّمُعُ،

وَقَالَ اللَّيْثُ: الوَسْمُ أَثَرُ كَيَّةٍ، يُقَالُ: هُوَ مَوْسُومٌ، أَيْ: قَدْ وُسِمَ بِسِمَةٍ يَعْرَفُ بِهَا، إِمَّا كَيَّةُ، وَإِمَّا قَطْعٌ فِي أُذُنٍ، أَوْ قَرْمَةٌ، تَكُونُ عَلَامَةً لَهُ)). 34/ 44

(6)

سيبويه: الكتاب، 4/ 13

ص: 330

يظمأ ظمأً وهو ظمآن، وعطش يعطش عطشًا وهو عطشان، وصدى يصدى صدًى وهو صديان. وقالوا: الظماءة كما قالوا: السقامة؛ لأَنَّ المعنيين قريبٌ، كلاهما ضررٌ على النفس وأذى لها») (1).

- «وأما جَرْبان وجربى فإِنَّهُ لما كان بلاء أصيبوا به بنوه على هذا كما بنوه على أفعل وفعلاء، نحو أجرب وجرباء» ) (2).

- «أَمَّا الألوان فَإِنَّها تبنى على أفعل، ويكون الفعل على فَعِل يفْعَل، والمصدر على فُعْلةٍ أكثر. وربما جاء الفعل على فعل يفعل، وذلك قولك: أَدِمَ يَأْدَمُ أُدْمَة، ومن العرب من يقول: أَدُمَ يأدُم أُدْمَة، وشَهِب يشْهَبُ شُهْبَة، وقَهِبَ يقْهَبُ قُهْبة، وكهِب يكهِب كُهبة. وقالوا: كهُب يكهُب كهبةً وشهُب يشهُب شُهبةً» ) (3).

إن سيبويه في النصوص السابقة يتَتَبَّع دلالة المصادر في سياقاتها المختلفة، ويحدِّد دلالة كل مصدر ثُمَّ يجمع المصادر ذات الدلالات المتشابهة تحت دلالة عامة، ويكون وزن هذه المصادر مرتبطا بهذه الدِّلَالَة العامة.

- فالألفاظ «قَباحَة، وَسامَة

»، هذه الألفاظ ــ بمعونة السِّياق ــ تدل على القبح أو الحسن؛ إذن الوزن «فَعَالة» قد يدل على «الحسن أو القبح» .

- والألفاظ «ظَمِئ ــ ظَمَأًـ ظمآن، عَطِش ــ عَطَشًا ــ عطشان، صَدِى ــ صَدًى ــ صديان

»، هذه الألفاظ ومصادرها ــ بمعونة السِّياق ــ تدلُّ على الجوع والعطش؛ إذن الوزن

«فَعِل ــ فَعْلان ــ فَعَل» قد يدلُّ أكثره على «الجوع والعطش» .

- والألفاظ «الخِباط والعِلاط والعِراض والجِناب والكِشاح

»، هذه الألفاظ ــ بمعونة السِّياق ــ تدلُّ على الأثر والعلامة والوسم؛ إذن الوزن «فِعَال» قد يدلُّ على «الأثر والعلامة والوسم» .

- والألفاظ «الصِّرام والجِزاز، والجِداد، والقِطاع، والحِصاد

»، هذه الألفاظ ــ بمعونة السِّياق ــ تدل على انتهاء الزمان؛ إذن الوزن «فِعَال» قد يدل على «انتهاء الزمان» .

- والألفاظ «أَدِمَ ــ يَأْدَمُ ــ أُدْمَة، وشَهِب ــ يشْهَبُـ شُهْبَة، وقَهِبَ ــ يقْهَبُ ــ قُهْبة، وكهِب ــ يكهِب ــ كُهبة

»، هذه الألفاظ ــ بمعونة السِّياق ــ تدل على اللون؛ إذن الوزن «أفعل» قد يكون من بعض دلالته أَنْ يدل على «اللون» .

(1) سيبويه: الكتاب، 4/ 21

(2)

سيبويه: الكتاب، 4/ 24

(3)

سيبويه: الكتاب، 4/ 25

ص: 331

وهذا التجميع للألفاظ المتشابهة ومحاولة وضعها ضمن إطار دلالي مشترك أشبه بما يسميه علماء اللُّغَة بـ ((الحقول الدِّلالِيَّة Semantic Fields))، وهي تعني:«مجموعة من الكلمات ترتبط دلالاتها، وتوضع عادة تحت لفظ عام يجمعها. مثال ذلك كلمات الألوان في اللُّغَة العربِيَّة» ) (1). ومن فوائد وضع الكلمة في حقول دلالية أَنَّ هذا يساعد على الفهم الدقيق للكلمة بالمقارنة بالكلمات التي معها في نفس الحقل) (2).

ومن النصوص المهمة التي اعتمد فيها سيبويه على طريقة الحقول الدلالية وسار فيها سيرته في النصوص السابقة النص التالي، يقول: «ومن المصادر التي جاءت على مثال واحدٍ حين تقاربت المعاني قولك: النَّزَوان، والنَّقَزان؛ وإِنَّما هذه الأشياء في زعزعة البدن واهتزازه في ارتفاع. ومثلُه العَسَلان والرَّتَكان. وقد جاء على فُعَالٍ نحو النُّزاء والقُماص، كما جاء عليه الصَّوت نحو الصُّراخ والنُّبَاح، لأن الصوت قد تكلَّفَ فيه من نفسه ما تَكَلَّفَ من نفسه في النَّزَوان ونحوه. وقالوا: النَّزْو والنَّقْز، كما قالوا: السَّكْت والقَفْز والعَجْز، لأَنَّ بناء الفعل واحدٌ لا يتعدَّى كما أنَّ هذا لا يتعدَّى.

ومثل هذا الغَلَيان، لأَنَّه زعزعة وتَحرُّك. ومثله الغَثَيان، لأنَّه تَجيُّشُ نفسِه وتثوُّرٌ. ومثله الخَطَران واللَّمَعان، لأنَّ هذا اضطراب وتحرُّك. ومثل ذلك اللَّهَبان والصَّخَدَان، والوَهَجان، لأنَّه تحرُّكُ الحَرّوثُؤْورهُ، فإنَّما هو بمنزلة الغليان») (3).

في هذا النص نجد سيبويه جمع مجموعة من المصادر يضمها وزن مشترك ووضعها تحت دلالة عامة كما في الجدول التالي:

م

المصدر

المعنى اللغوي

الوزن

المعنى الدلالي العام

الوزن: الفَعَلان

المعنى الدلالي العام: الزعزعة والتحرك واهتزاز في ارتفاع

1.

النَّزَوَان (التَّقَلُّبُ، والسَّوْرَة)

2.

النَّقَزان (الوثب صُعُدًا)

3.

الغَثَيان (خُبْث النفس)

4.

العَسَلان (السُّرْعَة وَالِاضْطِرَاب فِي العَدْوِ)

(1) د. أحمد مختار عمر: علم الدِّلَالَة، عالم الكتب، القاهرة، ط 5، ) 1998 م (، ص 79

(2)

يقول ديفيد كريستال نقلا عن علماء نظرية الحقول الدِّلالِيَّة: إِنَّ المعنى الدقيق للكلمة الدالة على اللون لا يمكن أن يفهم إلا من خلال وضع هذه الكلمة في علاقة مع الكلمات الأخرى. The precise meaning of a colour word can be understood only by placing it in relation to the other terms

David Crystal، A dictionary of linguistics and phonetics، P.429

(3)

الكتاب: 4/ 14

ص: 332

5.

الرَّتَكَان (ضرب من سير الْإِبِل)

6.

الغَلَيان (حركة الماء عند تسخينها)

7.

الخَطَران (يقال: خطر الرجل؛ إذا اهتزَّ في مشيه وتبختر).

8.

اللَّمَعان (لمع البرق: أضاء)

9.

اللَّهَبَان (اتِّقاد النار)

10.

الصَّخَدَان (شدة الحر)

11.

الوَهَجَان (شدة الحر أيضا)

إن سيبويه تتبَّع هذه المصادر في سياقاته في اللغة الحية المنطوقة المُنْشَدَة، وبعد التتبُّع والتقصِّي ربط الوزن «الفَعَلان» الذي أتت فيه هذه المصادر بدلالة عامة، هي «الزعزعة والتحرُّك واهتزاز في ارتفاع» .

ومن قديم نال نص سيبويه السابق اهتمام ابن جني، وناقشه في كتابه الخصائص تحت باب أسماه «باب في إمساس الألفاظ أشباه المعاني» ، وصدَّر الباب بقوله:«اعلم أن هذا موضع شريف لطيف. وقد نبَّه عليه الخليل وسيبويه، وتلقته الجماعة بالقبول له والاعتراف بصحته» ) (1). ثم أورد نص سيبويه السابق. وقال بعد إيراده «فقابلوا بتوالي حركات المثال توالي حركات الأفعال» .

وما كان يرمي إليه ابن جني من إيراد نص سيبويه في هذا الباب أن يُثبت أن هناك ثمَّة علاقة «طبيعية» بين «اللغة الإنسانية» و «محاكاة الأصوات الطبيعية» ، وقد أورد نص سيبويه السابق دليلا على ذلك، فهو يتخذ من نص سيبويه حجَّة ليدلَّ بها على أنّ هناك «مناسبة طبيعية بين اللفظ ومدلوله» ) (2)، ويحاول أنْ يؤكّد بهذا النص نظريته «في مناسبة الصوت للمعنى الدال عليه» ) (3). فمدار باب «إمساس الألفاظ أشباه المعاني» الذي ذكره ابن جني في الخصائص بيانُ العلاقة الوطيدة بين دلالة الأصوات وبنية الكلمة، وبين المعاني المدلول عليها، وكيف تهدى العرب بلطيف الطبع ودقيق الفطنة إلى توخي هذه المناسبة بين الألفاظ والمعاني) (4).

(1) الخصائص: 2/ 152

(2)

د. صبحي صالح: دراسات في فقه اللغة، دار العلم للملايين، بيروت، ط، ) 2009 م (، ص 150

(3)

د. رمضان عبد التواب: بحوث ومقالات في اللغة، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط 1، ) 1982 م (، ص 19

(4)

ويجب أن نُثْبت هنا قول الإمام السيوطي حيث يقول عن هذه المسألة: ((وأنكر الجمهور هذه المقالة، وقال: لو ثبت ما قاله لاهتدى كلُّ إنسان إلى كل لغة، ولما صحَّ وضعُ اللفظِ للضدين، كالقَرْء للحيض والطُّهر، والجَون للأبيض والأسود)). ينظر: المُزهر في علوم اللغة وأنواعها، ت: محمد أبو الفضل وآخرون، دار التراث، القاهرة ط 3، (بدون تاريخ للطبعة)، 1/ 47

ص: 333

وباعتبار أن الطبيعة جزء من مكونات سياق الحال وإحدى مكوناته فإنَّه يحِقُّ لنا أنْ نقرِّر ــ بناء على كلام ابن جني هنا الذي يخالف الجمهور ــ أنَّ سياق الحال لا يؤثِّر فقط على الجملة ومكوناتها، بل إنه أيضا يؤثر ــ أحيانا ــ على بنية الألفاظ، وكيفية صياغة هذه البنية.

ونجد ابن جني يحاول في أحد مواضع كتابه الخصائص تفسير دلالات الألفاظ غير الطبيعية أي: تفسير دلالة الألفاظ التي لا يبدو فيها وجود علاقة طبيعية بين اللفظ ومدلوله، ويحاول أنْ يُرجِع تلك الأسباب ــ على حد فهم الباحث ــ إلى أسباب «سياقية اجتماعية» . وأطرف ما في الأمر أنّه استند على نص لسيبويه ليؤيد به ما ذهب إليه، يقول:

«وقد يمكن أن تكون أسباب التسمية تخفى علينا لبعدها في الزمان عنا؛ ألا ترى إلى قول سيبويه) (1): «أو لعلَّ الأوَّل وصل إليه علم لم يصل إلى الآخِر» ؛ يعني أن يكون الأوَّل الحاضر شاهد الحال فعرف السبب الذي له ومن أجله ما وقعت عليه التسمية؛ والآخر ــ لبعده عن الحال ــ لم يعرف السبب للتسمية؛ ألا ترى إلى قولهم للإنسان إذا رفع صوته: قد رفع عقيرته، فلو ذهبت تشتق هذا بأن تجمع بين معنى الصوت وبين معنى «ع ق ر» لبعد عنك وتعسفت، وأصله أن رجلًا قُطِعَت إحدى رجليه فرفعها ووضعها الأخرى ثم صرخ بأرفع صوته فقال الناس: رفع عقيرته») (2).

أي أنَّه في بعض الأحيان يكون ارتباط لفظ معين بدلالة معينة راجعا إلى «أسباب» لا تخلو أن يكون بعضها أسبابا سياقية اجتماعية كما هو واضح في نهاية النص السابق.

نكمل بقية حديثنا عن المصادر ونقول إنه يُلجَأ إلى السِّياق لتحديد معنى المصدرية مع بعض المصادر التي قد تشير بنيتها إلى معنيين: معنى الاسمِيَّة ومعنى المصدرية. مثال ذلك كلمة

«الحَلَب» ــ بفتح الحاء واللام ــ لها معنيان: الأول: معنى المصدر، والثاني: اللبن المحلوب) (3).

وننقل هنا نصوصا لسيبويه توضح بعض المعاني المختلفة لبعض المصادر التي لا بد وأنَّها تحتاج إلى السِّياق لتحديد المقصود منها:

(1) ينظر: الكتاب: 2/ 102 ــ 103، ونص سيبويه هناك ((وكلُّ شيء جاء قد لَزِمَه الألفُ واللام فهو بهذه المنزلة فإنْ كان عربيًّا نعرفه ولا نعرف الذي اشتُقَّ منه فإِنَّمَا ذاك لأَنَّا جَهِلْنا ما علم غيرُنا، أو يكون الآخِرُ لم يصل إليه علمٌ وصل إلى الأوَّلِ المُسَمِّى)).

(2)

الخصائص: 1/ 66

(3)

ينظر مادة ((ح ل ب)) في: مختار الصحاح 78، مقاييس اللُّغَة 2/ 95، الصحاح 1/ 114

ص: 334

- «قالوا: الحَلَب في الحَلِيب والمصدر. وقد يقولون الحَلَب وهم يعنون اللبن. ويقولون: حَلَبت حَلَبًا يريدون الفِعل الذي هو مصدر. فهذه أشياء تجيء مختلفة ولا تطرد» ) (1).

- «وقالوا: الخَلْق، فسووا بين المصدر والمخلوق. فاعرف هذا النحو وأجره على سبيله» ) (2).

وفي بعض الأحيان تتداخل دلالة المصدر مع دلالة بعض المشتقات؛ بمعنى أَنَّ المصدر يدل الدِّلَالَة التي يدل عليها هذا المشتق. ولابد من اللجوء للسياق لتحديد هذه الدِّلَالَة الاشتقاقية.

• مثال على دلالة المصدر على دلالة اسم المفعول. يقول سيبويه) الكتاب 4/ 43 (: «وقد يجيء المصدر على المفعول، وذلك قولك: لبنٌ حَلَبٌ، إِنَّمَا تريد محلوبٌ، وكقولهم: الخَلْق إِنَّمَا يريدون المخلوق. ويقولون للدرهم: ضرب الأمير، إِنَّمَا يريدون مضروب الأمير» .

• ومثال دلالة المصدر على اسم الفاعل، يقول سيبويه) الكتاب 4/ 43 (: «ويقع على

الفاعل، وذلك قولك: يومٌ غمٌّ، ورجلٌ نومٌ، إِنَّمَا تريد النائم والغام».

وقد يتخلي المصدر الدال على الهيئة «فِعْلَة» ) (3) عن تلك الدِّلَالَة ويدل على مجرد اسم.

» يقول سيبويه: «وقالوا: مريتها مريًا، إذا أرادوا عمله. ويقول: حلبتها مِرْيَة لا يريد فِعْلَة ولَكِنَّه يريد) وفي بعض النسخ: لكن تريد (نحوًا من الدِّرِّة والحَلَب» ) (4).

» ويقول في باب «ما تجيء فيه الفعلة تريد بها ضربا من الفعل» : «وذلك قولك: حسن الطعمة. وقتلته قتلة سوءٍ، وبئست الميتة، وإِنَّمَا تريد الضرب الذي أصابه من القتل، والضرب الذي هو عليه من الطعم

، وقد تجيء الفعلة لا يراد بها هذا المعنى، وذلك نحو الشدة، والشعرة، والدرية. وقد قالوا: الدرية») (5).

(1) سيبويه: الكتاب، 4/ 42

(2)

سيبويه: الكتاب، 4/ 43

(3)

الوزن ((فِعْلَة)) وزن مصدر الهيئة، نحو: جلس جِلْسة. وهو أيضا وزن من أوزان جمع التكسير الذي للقلة نحو صبية. ومصدر الهيئة ((فِعْلَة)): هو مصدر يدل على هيئة حدوث الفعل، وهو لا يصاغ إلا من الفعل الثلاثي

نحو: جلس جِلْسَة المسترخي، وأكل إِكْلَة النهم. ينظر: د. إميل بديع يعقوب: معجم الأوزان الصرفِيَّة، عالم الكتب، بيروت، ط 1، ) 1993 م (، ص 194 وص 246

(4)

سيبويه: الكتاب، 4/ 43، وينظر الحاشية ذات الرَّقْم 2، وجاء في معنى ((مرية)):((مريت الناقة وأمريتها: حلبتها فأمرت وناقة مريٌّ: درور، وأخذت مرية الناقة وهي ما حلب منها. ومرى في الأمر وامترى وتمارى، وما فيه مريةٌ: شك)). أساس البلاغة 2/ 208

(5)

سيبويه: الكتاب، 4/ 44

ص: 335