الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التعليق الأول لعبد القاهر الجرجاني، يقول فيه:«لا نعلم أحدا أتى في معنى هذا الكلام بما يوازنه أو يدانيه، ولا يقع في الوهم أيضا أَنَّ ذلك يُستطاع. ألا ترى أَنَّه إِنَّمَا جاء في معناه قولهم: والفعل ينقسم بأقسام الزمان: ماضٍ، وحاضر، ومستقبل، وليس يخفى ضَعْفُ هذا في جنبه، وقصوره عنه» ) (1).
والتعليق الثاني لشيخنا محمود شاكر يشرح عبارة سيبويه ويشفعه بالثناء والمدح قائلا:
إن ختام التعليقين السابقين من هذين العَلَمَين الجليلين يؤدي إلى نتيجة مُهِمَّة، هي أَنَّ النُّحَاة من بعد سيبويه لم يحيطوا علما بكل ما في كتابه من فوائد علمِيَّة قيمة، وأنَّ الكتاب ــ على الرَّغْم من كثرة شروحاته التي تنقلها كتب التراجم ــ لم يلق العناية الكافية من الدراسة والبحث، وأنَّه ما زالت توجد الكثير من عبارات سيبويه التي تحتاج إلى فضل تأمل ونظر) (3).
ج - سياق الحال ودلالة أوزان المصدر:
اهتمَّ سيبويه في كتابه بدراسة أبنية الأسماء والأفعال، وتُنْسَبُ إليه الرِّيادة في هذا الاهتمام بتلك الأبنية. قال السيوطي نقلا عن ابن القَطَّاع:«قد صنَّف العلماء في أبنية الأسماء والأفعال، وأكثروا منها، وما منهم مَن استَوْعَبَهَا. وأوَّلُ من ذكرها سيبويه في كتابه، فأورد للأسماء ثلثمائة مثال وثمانية أمثلة، وعنده أنَّه أتى به» ) (4).
ومن الأبنية التي اهتَمَّ بها سيبويه أبنية المصادر ودلالتها، وقد اعتمد على السِّياق في تحديد دلالة أوزان بعض المصادر، فنجد أَنَّهُ:
- في أحد أبواب الكتاب عنوانه «هذا باب أيضا في الخصال التي تكون في الأشياء» ، يقول:
«أَمَّا ما كان حسنًا أو قبحًا فإِنَّهُ مما يبنى فعله على فَعُلَ يَفْعُلُ؛ ويكون المصدر فَعَالا وفَعَالة
(1) عبد القاهر الجرجاني: الرسالة الشافية في وجوه الإعجاز ــ ملحق: دلائل الإعجاز، ص 604
(2)
المتنبي، ص 14
(3)
أشار أستاذنا د. حماسة عبد اللطيف ــ في بعض محاضراته ــ أنه أقام كتابه المهم ((النحو والدِّلَالَة)) على عدة جمل قصيرة من كتاب سيبويه.
(4)
المزهر في علوم اللغة وأنواعها: 2/ 4
وفُعلا، وذلك قولك: قَبُحَ يَقْبُحُ قَبَاحَة، وبعضهم يقول قُبُوحة؛ فبناه على فُعولةٍ كما بناه على فَعالةٍ. ووسم يوسم وسامة، وقال بعضهم: وسامًا فلم يؤنث، كما قالوا: السَّقام والسَّقامة») (1).
- ويقول عن المصادر التي على وزن «فِعَال» أنَّها تدلُّ على «انتهاء الزمان» ، يقول:«وجاءوا بالمصادر حين أرادوا انتهاء الزمان على مثال فعالٍ، وذلك: الصِّرام والجِزاز، والجِداد، والقِطاع، والحِصاد» ) (4).
- وقال في باب «فَعْلان ومصدره وفعله» : «أَمَّا ما كان من الجوع والعطش فإِنَّهُ أكثر ما يبنى في الأسماء على فَعْلان ويكون المصدر الفَعَل، ويكون الفعل على فعل يفعَل. وذلك نحو: ظمئ
(1) سيبويه: الكتاب، 4/ 28
(2)
سيبويه: الكتاب، 4/ 31
(3)
سيبويه: الكتاب، 4/ 32
(4)
سيبويه: الكتاب، 4/ 12
(5)
قال الزَّبيدي في تاج العروس ((وَقَالَ ابنُ الرُّمَّانِيّ فِي تَفْسيرِ الخِبَاطِ: فِي كتاب سِيبَوَيْه: إِنَّهُ الوَسْمُ فِي الوَجْهِ، والعِلاطُ والعِراضُ فِي العُنُق. قالَ: والعِراضُ يَكُونُ عَرْضًا، والعِلاطُ يَكُونُ طُولاً)) 19/ 233
وقال في موضع آخر: ((الوَسْمُ: أثر الكيِّ، يكون فِي الأعضاءِ. قَالَ شَيخنَا: هَذَا هُوَ الِاسْم المُطْلَقُ العامُّ، والمحققون يسمُّون كل سِمَةٍ باسمٍ خاصٍّ، واستوعب ذَلِك السُّهيْلي، فِي الرَّوض،
…
قلت: الَّذِي ذكر السُّهيلي فِي الرَّوض: منسمات الْإِبِل: السِّطاعُ، والرَّقْمةُ، والخِباطُ، والكِشاحُ، والعِلاطُ
…
والخُطَّافُ، الدَّلو، وَالمِشْطُ، وَالفِرْتَاجُ، وَالثؤثور، وَالدِّمَاعُ، وَالصُّدَاغُ، واللِّجَامُ، وَالهِلالُ، والخِرَاشُ، هَذَا مَا ذَكَرَهُ، وَفَاتَهُ: العِرَاضُ وَاللِّحَاظُ، وَالتَّلْحِيظ، وَالتَّحْجِينُ، واَلصِّقَاعُ، وَالدُّمُعُ،
…
وَقَالَ اللَّيْثُ: الوَسْمُ أَثَرُ كَيَّةٍ، يُقَالُ: هُوَ مَوْسُومٌ، أَيْ: قَدْ وُسِمَ بِسِمَةٍ يَعْرَفُ بِهَا، إِمَّا كَيَّةُ، وَإِمَّا قَطْعٌ فِي أُذُنٍ، أَوْ قَرْمَةٌ، تَكُونُ عَلَامَةً لَهُ)). 34/ 44
(6)
سيبويه: الكتاب، 4/ 13
يظمأ ظمأً وهو ظمآن، وعطش يعطش عطشًا وهو عطشان، وصدى يصدى صدًى وهو صديان. وقالوا: الظماءة كما قالوا: السقامة؛ لأَنَّ المعنيين قريبٌ، كلاهما ضررٌ على النفس وأذى لها») (1).
إن سيبويه في النصوص السابقة يتَتَبَّع دلالة المصادر في سياقاتها المختلفة، ويحدِّد دلالة كل مصدر ثُمَّ يجمع المصادر ذات الدلالات المتشابهة تحت دلالة عامة، ويكون وزن هذه المصادر مرتبطا بهذه الدِّلَالَة العامة.
- فالألفاظ «قَباحَة، وَسامَة
…
»، هذه الألفاظ ــ بمعونة السِّياق ــ تدل على القبح أو الحسن؛ إذن الوزن «فَعَالة» قد يدل على «الحسن أو القبح» .
- والألفاظ «ظَمِئ ــ ظَمَأًـ ظمآن، عَطِش ــ عَطَشًا ــ عطشان، صَدِى ــ صَدًى ــ صديان
…
»، هذه الألفاظ ومصادرها ــ بمعونة السِّياق ــ تدلُّ على الجوع والعطش؛ إذن الوزن
«فَعِل ــ فَعْلان ــ فَعَل» قد يدلُّ أكثره على «الجوع والعطش» .
- والألفاظ «الخِباط والعِلاط والعِراض والجِناب والكِشاح
…
»، هذه الألفاظ ــ بمعونة السِّياق ــ تدلُّ على الأثر والعلامة والوسم؛ إذن الوزن «فِعَال» قد يدلُّ على «الأثر والعلامة والوسم» .
- والألفاظ «الصِّرام والجِزاز، والجِداد، والقِطاع، والحِصاد
…
»، هذه الألفاظ ــ بمعونة السِّياق ــ تدل على انتهاء الزمان؛ إذن الوزن «فِعَال» قد يدل على «انتهاء الزمان» .
- والألفاظ «أَدِمَ ــ يَأْدَمُ ــ أُدْمَة، وشَهِب ــ يشْهَبُـ شُهْبَة، وقَهِبَ ــ يقْهَبُ ــ قُهْبة، وكهِب ــ يكهِب ــ كُهبة
…
»، هذه الألفاظ ــ بمعونة السِّياق ــ تدل على اللون؛ إذن الوزن «أفعل» قد يكون من بعض دلالته أَنْ يدل على «اللون» .
(1) سيبويه: الكتاب، 4/ 21
(2)
سيبويه: الكتاب، 4/ 24
(3)
سيبويه: الكتاب، 4/ 25
وهذا التجميع للألفاظ المتشابهة ومحاولة وضعها ضمن إطار دلالي مشترك أشبه بما يسميه علماء اللُّغَة بـ ((الحقول الدِّلالِيَّة Semantic Fields))، وهي تعني:«مجموعة من الكلمات ترتبط دلالاتها، وتوضع عادة تحت لفظ عام يجمعها. مثال ذلك كلمات الألوان في اللُّغَة العربِيَّة» ) (1). ومن فوائد وضع الكلمة في حقول دلالية أَنَّ هذا يساعد على الفهم الدقيق للكلمة بالمقارنة بالكلمات التي معها في نفس الحقل) (2).
ومن النصوص المهمة التي اعتمد فيها سيبويه على طريقة الحقول الدلالية وسار فيها سيرته في النصوص السابقة النص التالي، يقول: «ومن المصادر التي جاءت على مثال واحدٍ حين تقاربت المعاني قولك: النَّزَوان، والنَّقَزان؛ وإِنَّما هذه الأشياء في زعزعة البدن واهتزازه في ارتفاع. ومثلُه العَسَلان والرَّتَكان. وقد جاء على فُعَالٍ نحو النُّزاء والقُماص، كما جاء عليه الصَّوت نحو الصُّراخ والنُّبَاح، لأن الصوت قد تكلَّفَ فيه من نفسه ما تَكَلَّفَ من نفسه في النَّزَوان ونحوه. وقالوا: النَّزْو والنَّقْز، كما قالوا: السَّكْت والقَفْز والعَجْز، لأَنَّ بناء الفعل واحدٌ لا يتعدَّى كما أنَّ هذا لا يتعدَّى.
ومثل هذا الغَلَيان، لأَنَّه زعزعة وتَحرُّك. ومثله الغَثَيان، لأنَّه تَجيُّشُ نفسِه وتثوُّرٌ. ومثله الخَطَران واللَّمَعان، لأنَّ هذا اضطراب وتحرُّك. ومثل ذلك اللَّهَبان والصَّخَدَان، والوَهَجان، لأنَّه تحرُّكُ الحَرّوثُؤْورهُ، فإنَّما هو بمنزلة الغليان») (3).
في هذا النص نجد سيبويه جمع مجموعة من المصادر يضمها وزن مشترك ووضعها تحت دلالة عامة كما في الجدول التالي:
م
…
المصدر
…
المعنى اللغوي
…
الوزن
…
المعنى الدلالي العام
الوزن: الفَعَلان
المعنى الدلالي العام: الزعزعة والتحرك واهتزاز في ارتفاع
1.
النَّزَوَان (التَّقَلُّبُ، والسَّوْرَة)
2.
النَّقَزان (الوثب صُعُدًا)
3.
الغَثَيان (خُبْث النفس)
4.
العَسَلان (السُّرْعَة وَالِاضْطِرَاب فِي العَدْوِ)
(1) د. أحمد مختار عمر: علم الدِّلَالَة، عالم الكتب، القاهرة، ط 5، ) 1998 م (، ص 79
(2)
يقول ديفيد كريستال نقلا عن علماء نظرية الحقول الدِّلالِيَّة: إِنَّ المعنى الدقيق للكلمة الدالة على اللون لا يمكن أن يفهم إلا من خلال وضع هذه الكلمة في علاقة مع الكلمات الأخرى. The precise meaning of a colour word can be understood only by placing it in relation to the other terms
David Crystal، A dictionary of linguistics and phonetics، P.429
(3)
الكتاب: 4/ 14
5.
الرَّتَكَان (ضرب من سير الْإِبِل)
6.
الغَلَيان (حركة الماء عند تسخينها)
7.
الخَطَران (يقال: خطر الرجل؛ إذا اهتزَّ في مشيه وتبختر).
8.
اللَّمَعان (لمع البرق: أضاء)
9.
اللَّهَبَان (اتِّقاد النار)
10.
الصَّخَدَان (شدة الحر)
11.
الوَهَجَان (شدة الحر أيضا)
إن سيبويه تتبَّع هذه المصادر في سياقاته في اللغة الحية المنطوقة المُنْشَدَة، وبعد التتبُّع والتقصِّي ربط الوزن «الفَعَلان» الذي أتت فيه هذه المصادر بدلالة عامة، هي «الزعزعة والتحرُّك واهتزاز في ارتفاع» .
ومن قديم نال نص سيبويه السابق اهتمام ابن جني، وناقشه في كتابه الخصائص تحت باب أسماه «باب في إمساس الألفاظ أشباه المعاني» ، وصدَّر الباب بقوله:«اعلم أن هذا موضع شريف لطيف. وقد نبَّه عليه الخليل وسيبويه، وتلقته الجماعة بالقبول له والاعتراف بصحته» ) (1). ثم أورد نص سيبويه السابق. وقال بعد إيراده «فقابلوا بتوالي حركات المثال توالي حركات الأفعال» .
وما كان يرمي إليه ابن جني من إيراد نص سيبويه في هذا الباب أن يُثبت أن هناك ثمَّة علاقة «طبيعية» بين «اللغة الإنسانية» و «محاكاة الأصوات الطبيعية» ، وقد أورد نص سيبويه السابق دليلا على ذلك، فهو يتخذ من نص سيبويه حجَّة ليدلَّ بها على أنّ هناك «مناسبة طبيعية بين اللفظ ومدلوله» ) (2)، ويحاول أنْ يؤكّد بهذا النص نظريته «في مناسبة الصوت للمعنى الدال عليه» ) (3). فمدار باب «إمساس الألفاظ أشباه المعاني» الذي ذكره ابن جني في الخصائص بيانُ العلاقة الوطيدة بين دلالة الأصوات وبنية الكلمة، وبين المعاني المدلول عليها، وكيف تهدى العرب بلطيف الطبع ودقيق الفطنة إلى توخي هذه المناسبة بين الألفاظ والمعاني) (4).
(1) الخصائص: 2/ 152
(2)
د. صبحي صالح: دراسات في فقه اللغة، دار العلم للملايين، بيروت، ط، ) 2009 م (، ص 150
(3)
د. رمضان عبد التواب: بحوث ومقالات في اللغة، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط 1، ) 1982 م (، ص 19
(4)
ويجب أن نُثْبت هنا قول الإمام السيوطي حيث يقول عن هذه المسألة: ((وأنكر الجمهور هذه المقالة، وقال: لو ثبت ما قاله لاهتدى كلُّ إنسان إلى كل لغة، ولما صحَّ وضعُ اللفظِ للضدين، كالقَرْء للحيض والطُّهر، والجَون للأبيض والأسود)). ينظر: المُزهر في علوم اللغة وأنواعها، ت: محمد أبو الفضل وآخرون، دار التراث، القاهرة ط 3، (بدون تاريخ للطبعة)، 1/ 47
وباعتبار أن الطبيعة جزء من مكونات سياق الحال وإحدى مكوناته فإنَّه يحِقُّ لنا أنْ نقرِّر ــ بناء على كلام ابن جني هنا الذي يخالف الجمهور ــ أنَّ سياق الحال لا يؤثِّر فقط على الجملة ومكوناتها، بل إنه أيضا يؤثر ــ أحيانا ــ على بنية الألفاظ، وكيفية صياغة هذه البنية.
ونجد ابن جني يحاول في أحد مواضع كتابه الخصائص تفسير دلالات الألفاظ غير الطبيعية أي: تفسير دلالة الألفاظ التي لا يبدو فيها وجود علاقة طبيعية بين اللفظ ومدلوله، ويحاول أنْ يُرجِع تلك الأسباب ــ على حد فهم الباحث ــ إلى أسباب «سياقية اجتماعية» . وأطرف ما في الأمر أنّه استند على نص لسيبويه ليؤيد به ما ذهب إليه، يقول:
«وقد يمكن أن تكون أسباب التسمية تخفى علينا لبعدها في الزمان عنا؛ ألا ترى إلى قول سيبويه) (1): «أو لعلَّ الأوَّل وصل إليه علم لم يصل إلى الآخِر» ؛ يعني أن يكون الأوَّل الحاضر شاهد الحال فعرف السبب الذي له ومن أجله ما وقعت عليه التسمية؛ والآخر ــ لبعده عن الحال ــ لم يعرف السبب للتسمية؛ ألا ترى إلى قولهم للإنسان إذا رفع صوته: قد رفع عقيرته، فلو ذهبت تشتق هذا بأن تجمع بين معنى الصوت وبين معنى «ع ق ر» لبعد عنك وتعسفت، وأصله أن رجلًا قُطِعَت إحدى رجليه فرفعها ووضعها الأخرى ثم صرخ بأرفع صوته فقال الناس: رفع عقيرته») (2).
أي أنَّه في بعض الأحيان يكون ارتباط لفظ معين بدلالة معينة راجعا إلى «أسباب» لا تخلو أن يكون بعضها أسبابا سياقية اجتماعية كما هو واضح في نهاية النص السابق.
نكمل بقية حديثنا عن المصادر ونقول إنه يُلجَأ إلى السِّياق لتحديد معنى المصدرية مع بعض المصادر التي قد تشير بنيتها إلى معنيين: معنى الاسمِيَّة ومعنى المصدرية. مثال ذلك كلمة
«الحَلَب» ــ بفتح الحاء واللام ــ لها معنيان: الأول: معنى المصدر، والثاني: اللبن المحلوب) (3).
وننقل هنا نصوصا لسيبويه توضح بعض المعاني المختلفة لبعض المصادر التي لا بد وأنَّها تحتاج إلى السِّياق لتحديد المقصود منها:
(1) ينظر: الكتاب: 2/ 102 ــ 103، ونص سيبويه هناك ((وكلُّ شيء جاء قد لَزِمَه الألفُ واللام فهو بهذه المنزلة فإنْ كان عربيًّا نعرفه ولا نعرف الذي اشتُقَّ منه فإِنَّمَا ذاك لأَنَّا جَهِلْنا ما علم غيرُنا، أو يكون الآخِرُ لم يصل إليه علمٌ وصل إلى الأوَّلِ المُسَمِّى)).
(2)
الخصائص: 1/ 66
(3)
ينظر مادة ((ح ل ب)) في: مختار الصحاح 78، مقاييس اللُّغَة 2/ 95، الصحاح 1/ 114
- «وقالوا: الخَلْق، فسووا بين المصدر والمخلوق. فاعرف هذا النحو وأجره على سبيله» ) (2).
وفي بعض الأحيان تتداخل دلالة المصدر مع دلالة بعض المشتقات؛ بمعنى أَنَّ المصدر يدل الدِّلَالَة التي يدل عليها هذا المشتق. ولابد من اللجوء للسياق لتحديد هذه الدِّلَالَة الاشتقاقية.
• مثال على دلالة المصدر على دلالة اسم المفعول. يقول سيبويه) الكتاب 4/ 43 (: «وقد يجيء المصدر على المفعول، وذلك قولك: لبنٌ حَلَبٌ، إِنَّمَا تريد محلوبٌ، وكقولهم: الخَلْق إِنَّمَا يريدون المخلوق. ويقولون للدرهم: ضرب الأمير، إِنَّمَا يريدون مضروب الأمير» .
• ومثال دلالة المصدر على اسم الفاعل، يقول سيبويه) الكتاب 4/ 43 (: «ويقع على
الفاعل، وذلك قولك: يومٌ غمٌّ، ورجلٌ نومٌ، إِنَّمَا تريد النائم والغام».
وقد يتخلي المصدر الدال على الهيئة «فِعْلَة» ) (3) عن تلك الدِّلَالَة ويدل على مجرد اسم.
» يقول سيبويه: «وقالوا: مريتها مريًا، إذا أرادوا عمله. ويقول: حلبتها مِرْيَة لا يريد فِعْلَة ولَكِنَّه يريد) وفي بعض النسخ: لكن تريد (نحوًا من الدِّرِّة والحَلَب» ) (4).
» ويقول في باب «ما تجيء فيه الفعلة تريد بها ضربا من الفعل» : «وذلك قولك: حسن الطعمة. وقتلته قتلة سوءٍ، وبئست الميتة، وإِنَّمَا تريد الضرب الذي أصابه من القتل، والضرب الذي هو عليه من الطعم
…
، وقد تجيء الفعلة لا يراد بها هذا المعنى، وذلك نحو الشدة، والشعرة، والدرية. وقد قالوا: الدرية») (5).
(1) سيبويه: الكتاب، 4/ 42
(2)
سيبويه: الكتاب، 4/ 43
(3)
الوزن ((فِعْلَة)) وزن مصدر الهيئة، نحو: جلس جِلْسة. وهو أيضا وزن من أوزان جمع التكسير الذي للقلة نحو صبية. ومصدر الهيئة ((فِعْلَة)): هو مصدر يدل على هيئة حدوث الفعل، وهو لا يصاغ إلا من الفعل الثلاثي
…
نحو: جلس جِلْسَة المسترخي، وأكل إِكْلَة النهم. ينظر: د. إميل بديع يعقوب: معجم الأوزان الصرفِيَّة، عالم الكتب، بيروت، ط 1، ) 1993 م (، ص 194 وص 246
(4)
سيبويه: الكتاب، 4/ 43، وينظر الحاشية ذات الرَّقْم 2، وجاء في معنى ((مرية)):((مريت الناقة وأمريتها: حلبتها فأمرت وناقة مريٌّ: درور، وأخذت مرية الناقة وهي ما حلب منها. ومرى في الأمر وامترى وتمارى، وما فيه مريةٌ: شك)). أساس البلاغة 2/ 208
(5)
سيبويه: الكتاب، 4/ 44