المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1 ــ تصنيف اللغة إلى تراكيب نمطية مجردة: - قرينة السياق ودورها في التقعيد النحوي والتوجيه الإعرابي في كتاب سيبويه

[إيهاب سلامة]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌ الدراسات السابقة:

- ‌ منهج البحث في أثناء الدراسة:

- ‌ خطة البحث

- ‌تمهيد

- ‌ ترجمة سيبويه

- ‌ الاسم والنشأة والوفاة:

- ‌ أسفاره العلميَّة:

- ‌ شيوخه:

- ‌ منزلة سيبويه العلميَّة:

- ‌ كتاب سيبويه:

- ‌ وقت تأليفه:

- ‌ القيمة العلميَّة للكتاب:

- ‌ منهج الكتاب:

- ‌ أهم المصطلحات المستخدمة في البحث:

- ‌ المصطلح الأول ((…السِّياق)):

- ‌ المصطلح الثاني ((…التَّقْعِيدالنَّحْوِيّ)):

- ‌ المصطلح الثالث ((…التوجيه الإعرابِيّ)):

- ‌ المصطلح الرابع ((…الأصل)):

- ‌ المصطلحات ((…الغالب، الكثير، القليل، الضعيف، الشاذ، الردئ

- ‌الفصل الأول: السياق والمنهج عند سيبويه

- ‌مقدمة:

- ‌المبحث الأول: سيبويه والسِّياق:

- ‌ سيبويه يقوم بالتَّقْعِيدالنَّحْوِيّ والتوجيه الإعرابِيّ من خلال النصوص الحَيَّة المنطوقة:

- ‌اعتبار سيبويه للسياق:

- ‌المخاطب والمُتَكَلِّم أبرز عناصر سياق الحال التي اهتَمَّ بها سيبويه:

- ‌ المبحث الثاني: خطوات إجرائِيَّة ومنهجِيَّة قبل التقيعد النَّحْوِيّ والتوجيه الإعرابِيّ عند سيبويه:

- ‌1 ــ تصنيف اللُّغَة إلى تراكيب نمطِيَّة مُجَرَّدة:

- ‌2 ــ الإحصاء العددي للتراكيب النَّمَطِيَّة:

- ‌3 ــ تتَبُّع التركيب اللغويّ المُعَيَّن قيد البحث في السِّياقات المختلفة وربطه بدلالة السِّياق إِنْ وجدت:

- ‌4 ــ معايشة التراكيب اللُّغَوِيَّة في نصوصها المنطوقة:

- ‌الفصل الثاني: دور سياق الحال في التوجيه الإعرابِيّ عند سيبويه

- ‌1 ــ المبحث الأول: أهمِيَّة سياق الحال في التوجيهات الإعرابِيّة عند سيبويه:

- ‌أوجود تراكيب نحوِيَّة لا يصِحُّ تركيبُها ولا تصِحُّ كينونتُها وبالتالي لا يصِحُّ توجيهها نحويا إلا إذا قامت قرينة من سياق الحال تُصَحِّحُها:

- ‌ب وجود تراكيب نحوِيَّة توجَّه في إطار معرفة قرينة السِّياق:

- ‌ت يستعين به أحيانا في شرح توجيهه:

- ‌ث يفسِّرُ بالسِّياق مَرْجِعِيَّة الضمير:

- ‌ج خطورة عدم الاعتداد بقرينة السِّياق وأثره في التوجيه:

- ‌2 ــ المبحث الثاني: إثراء السِّياق للتوجيهات الإعرابِيّة والدِّلالِيَّة:

- ‌ حال المُتَكَلِّم ودوره في التوجيه الإعرابِيّ وإثرائه:

- ‌ المخاطب ودوره في التوجيه الإعرابِيّ وإثرائه:

- ‌3 ــ المبحث الثالث: تَحَرُّك سيبويه بحُرِّيَّة في توجيهاته النحوِيَّة في حالة عدم اللَّبس:

- ‌الفصل الثالث: دور السِّياق في التَّقْعِيد النَّحْوِيّ عند سيبويه

- ‌المبحث الأول: سياق الحال والجملة الاسمِيَّة:

- ‌ السِّياق والابتداء بالمعرفة:

- ‌ الحذف في الجملة الاسمِيَّة وسياق الحال:

- ‌ قرينة السِّياق والحال النَّحْوِيّ:

- ‌المبحث الثاني: سياق الحال والجملة الفعلِيَّة وما يتعلق بها:

- ‌ سياق الحال يُؤَثِّر في كينونة الجملة الفعلِيَّة أيضا:

- ‌ الترتيب بين العناصر المكوِّنة للجملة الفعلِيَّة:

- ‌ السِّياق وإعمال اسم الفاعل عمل الفعل:

- ‌ نواصب الفعل المضارع:

- ‌ المفعول المطلق:

- ‌ دور قرينة السِّياق في إعمال ظن وأخواتها أو إلغاء عملها:

- ‌ الحذف في الجملة الفعلِيَّة:

- ‌المبحث الثالث: سياق الحال والتوابع:

- ‌ أولا البدل:

- ‌ ثانيا التوكيد:

- ‌ ثالثا النعت:

- ‌ رابعا العطف:

- ‌المبحث الرابع: سياق الحال والأساليب النحوِيَّة:

- ‌1 ــ أسلوب الاستفهام:

- ‌2 ــ أسلوب النفي:

- ‌3 ــ أسلوب التفضيل:

- ‌4 ــ أسلوب النداء:

- ‌5 ــ أسلوب التحذير والإغراء والاختصاص:

- ‌6 ــ أسلوب الاستثناء:

- ‌7 ــ أسلوب القسم:

- ‌8 ــ النصب على التعظيم أو الذم:

- ‌المبحث الخامس: سياق الحال والأدوات النحوِيَّة:

- ‌ المبحث السادس: سياق الحال والتنوين والتنكير والتعريف:

- ‌الفصل الرابع: سياق الحال والقواعد الصَّرْفِيَّة

- ‌ المبحث الأول: سياق الحال ودلالة الفعل الزَّمَنِيَّة والمصادر والمشتقات

- ‌أ - سياق الحال والدِّلَالَة الزَّمَنِيَّة للفعل:

- ‌ج - سياق الحال ودلالة أوزان المصدر:

- ‌ح - سياق الحال ودلالة المشتقات:

- ‌ المبحث الثاني: سياق الحال ومعاني الأوزان الصَّرْفِيَّة:

- ‌الفصل الخامسالسِّياق وسيبويه والنظَرِيَّةالنحوِيَّة

- ‌ المبحث الأول:‌‌ تعريف مصطلح النظَرِيَّة، وأهم خصائص النظَرِيَّةالعلميَّة:

- ‌ تعريف مصطلح النظَرِيَّة

- ‌ أهم خصائص النظَرِيَّة العلميَّة:

- ‌ المبحث الثاني:‌‌ النظَرِيَّة النحوِيَّة السِّياقِيَّة:

- ‌ النظَرِيَّة النحوِيَّة السِّياقِيَّة:

- ‌ نقد نظَرِيَّة العامل:

- ‌الخاتمة

- ‌قائمة المصادر والمراجع

- ‌أولا ـ المصادر والمراجع العربِيَّة

- ‌ثانيا المراجع الأجنبية

- ‌ثالثا: المجلات والدوريات

- ‌ملخص الرسالة

الفصل: ‌1 ــ تصنيف اللغة إلى تراكيب نمطية مجردة:

-‌

‌ المبحث الثاني: خطوات إجرائِيَّة ومنهجِيَّة قبل التقيعد النَّحْوِيّ والتوجيه الإعرابِيّ عند سيبويه:

لمعرفة دور سياق الحال في التوجيه الإعرابِيّ والتَّقْعِيد النَّحْوِيّ عند سيبويه يجب معرفة

«آليات» عَمَلِيَّة التَّقْعِيد عنده من ألفها إلى يائها، ومعرفة الخطوات والإجراءات التي سلكها ليُقِرَّ قاعدة أو يذكر توجيها؛ وذلك بغرض تحقيق الدقَّة والأصالة.

وتأكَّد لدى الباحث أهمِيَّة الحديث عن المنهج عند سيبويه عند الشروع في جمع المادة العلميَّة المتعلِّقة بالتَّقْعِيد والتوجيه النَّحْوِيّين. فلقد وجد أَنَّه لكي يتمكَّنَ من تفسير بعض المسائل التي تتَعَلَّق بالتَّقْعِيد والتوجيه عنده وعلاقتها بقرينة السِّياق كان لا بدَّ أَنْ يرجع لطريقته ومنهجه في تقعيده وتوجيهه وما لا يتمُّ الواجب إلا به فهو واجب؛ لذلك كان لزاما علينا أَنْ نخصِّص جزءا من البحث للحديث عن منهج سيبويه في تقعيده النَّحْوِيّ) (1).

وهذه الآليات هي:

‌1 ــ تصنيف اللُّغَة إلى تراكيب نمطِيَّة مُجَرَّدة:

في بداية الكتاب يعقد سيبويه بابا بعنوان «هذا باب مجاري أواخر الكلم من العربِيَّة» يورد فيه النَّصّ الآتي:

«ويُبَيِّنُ لك أَنَّها) يعني الأفعال المضارعة (ليست بأسماء أَنَّكَ لو وضعتها مواضع الأسماء لم يجز ذلك؛ ألا ترى أَنَّكَ لو قلت: إنَّ يضرب يأتينا، وأشباه هذا لم يكن كلاما» (2).

واستوقفت الباحث هذه الجملةُ: «أَنَّكَ لو وضعتها مواضع الأسماء لم يجز ذلك» ؛ وأثارت عندي ملحوظتين:

(1) وهنا نشير إشارة مُهِمَّة وعامة مؤداها أن اكتشاف مناهج العلماء في مؤلفاتهم العلمِيَّة أمر له قيمته العلمِيَّة الجليلة إذ إِنَّ الكشف عن هذه المناهج لدى مفكري الإسلام تعتبر ((أفضل مدخل للتراث الإسلامي في جملته؛ فهو الذي يوضح الخطوات القياسِيَّة أو الاستقرائية التي اتبعها المفكرون والعلماء المسلمون في مختلف أوجه النشاط التي مارسوها)). [يُنظر: د. حامد طاهر: الفلسفة الإسلامية مدخل وقضايا، ) بدون أَيَّة بيانات أخرى (، ص 37]، وقد نبَّه على أهمِيَّة اكتشاف مناهج العلماء أستاذنا العلامة الشيخ محمود محمد شاكر، في كتابه المهم: رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، ص 15 وما بعدها. [ينظر طبعة خاصة بالرسالة صادرة عن الهيئة المصريَّة العامة للكتاب، مكتبة الأسرة، 1997 م]

(2)

سيبويه: الكتاب، 1/ 14

ص: 99

أإنَّ هذه الجملة تعني أَنَّ للأسماء «مواضع» وأنَّ للأفعال «مواضع» . ووضع الشيء وموقعه لا يتحدَّدَان إلّا من خلال موضع شيء آخر وموقعه) (1)؛ وهذا يستلزم تركيبا ما، وفي مقامنا هذا لابدَّ أَنْ يكون هذا التركيب لغويًّا.

ب وتعني هذه الجملة أيضا أَنَّ قائلها قام بعَمَلِيَّة مسح شامل لِلُّغَة أو معظمها لكي يحدِّد هذه المواضع.

كانت هاتان الملحوظتان بمثابة الحافز الذي قادني إلى الفكرة التالية: «إِنَّهُ لا حديث عن موقع قسم من أقسام الكلم) الاسم أو الفعل أو الحرف (إلا إذا كان صاحب الكتاب يُصنِّف اللُّغَة إلى تراكيب نمطِيَّة مجرَّدة يستخلصها من النصوص الحَيَّة المنطوقة التي تحَدَّثنا عنها في الفصل السابق» فبعد أَنْ صَنَّفَ الكلم إلى ثلاثة أقسام درس «موضع» كل قسم بالنسبة للآخر، وكَوَّن في نهاية المطاف تراكيب نمطِيَّة لِلُّغَة بعد مسح شامل لها.

كانت هذه هي الفكرة التي استنبطتُها من النَّصّ السابق، وكانت بحاجة إلى دعم من نصوص أخرى لكي تقوى وتستوي على سوقها، وقد استطعتُ ــ بفضل الله ــ أَنْ أعثر على مجموعة من النصوص التي ترسي هذه الفكرة، منها:

1 ــ حديث سيبويه عن الحرفين «قد ــ سوف» يقول: «ولو قلت: سوف زيدًا أضرب لم يحسن، أو قد زيدًا لقيت لم يحسن؛ لأَنَّها) أي: قد وسوف (إِنَّمَا وضعت للأفعال) أي أَنَّ قد وسوف لا يليها إلا الأفعال (» ) (2).

أي أَنَّ التركيب النَّمَطِيّ الذي يأتي مع هذين الحرفين هو:

•• «قد + فعل مضارع أو ماض + فاعل

.».

•• «سوف + فعل مضارع + فاعل

».

وهذا تركيب ثابت استخلصه من خلال مسح شامل لِلُّغَة، ولو أخل بهذا التركيب بأن أصبح هكذا:«قد + اسم + فعل» لم يحسن.

2 ــ الأدوات التي تنصب الفعل المضارع يأتي بعدها الفعل ولا يفصل بينهما، يقول: «ألا ترى أَنَّكَ لا تقول: جئتك كي زيد يقولَ ذاك، ولا خفتُ أَنَّ زيدٌ يقول ذاك. فلا يجوز أَنْ تفصل بين الفعل والعامل فيه بالاسم، كما لا يجوز أَنْ تفصل بين الاسم وبين إِنَّ وأخواتها بفعل. وممَّا لا تقدم فيه الأسماء الفعل الحروف العوامل في الأفعال الجازمة، وتلك: لم، ولما، ولا التي تجزم الفعل في

(1) ونزيد هذه النقطة تفسيرا بأن نقول: إِنَّ الشيء في الفراغ غير محدد، ولكي نبدأ تحديده نحدده بشيء آخر، فمثلا الشمال يتحدد بالجنوب، والأعلى يتحدد بالأسفل، والأمام يتحدد بالخلف وهكذا.

(2)

سيبويه: الكتاب، 1/ 98

ص: 100

النهي واللام التي تجزم في الأمر. ألا ترى أَنّهُ لا يجوز أَنْ تقول: لم زيدٌ يأتك، فلا يجوز أَنْ تفصل بينها وبين الفعل بشيء، كما لم يجز أَنْ تفصل بين الحروف التي تجرُّ وبين الأسماء بالأفعال؛ لأَنَّ الجزم نظير الجرّ») (1).

يُفهم من هذا النَّصّ أَنَّ التركيب النَّمَطِيّ المجرَّد للأدوات التي تنصب الفعل المضارع هي:

«أداة نصب الفعل المضارع + فعل مضارع + اسم) فاعل (»

ويُنْقَضُ هذا التركيب ويقبُح إِنْ أتى على الصورة: «أداة نصب الفعل المضارع + اسم) فاعل (+ فعل مضارع» ، ويقبح أيضا أَنْ يأتي التركيب:«حرف جزم + اسم) فاعل (+ فعل مضارع» ، و «حرف جر + فعل» ؛ أي تقبح الكلمة إذا لم تأتِ في موقعها في التركيب المُعَيَّن.

3 ــ الحرف «لو» له في اللُّغَة استعمالات متعددة) (2)، منها «لو التي تفيد العرض» ، يقول سيبويه عنها:«ولو بمنزلة لولا، ولا يُبتَدأُ بعدها الأسماء سوى أَنَّ، نحو: لو أَنَّكَ ذاهبٌ» ) (3).

أي أَنَّ التركيب النَّمَطِيّ مع «لو التي تفيد العرض» هو:

«لو + فعل + فاعل

» أو «لو + أَنَّ + اسم أَنَّ + خبرها»

4 ــ اللام الجارة تكون مكسورة مع الاسم الظاهر إلا مع المستغاث فمفتوحة؛ وإِنَّمَا كُسِرت مع الاسم الظاهر لكي يفرقوا بينهما وبين لام الابتداء، ويوضح سيبويه السبب في أَنَّها) أي اللام الجارة (فُتِحت مع المستغاث؛ «لأَنَّهم قد علموا أَنَّ تلك اللام) لام الابتداء (لاتدخل ها هنا) أي أسلوب الاستغاثة (»)(4).

ويفهم من النَّصّ أَنَّ لام الابتداء لها مواضع تأتي فيها، ليس من بينها أسلوب الاستغاثة، وأنَّ لام الجر لها مواضع منها أسلوب الاستغاثة.

5 ــ وفي موضع آخر يقول: «وزعم ناس أَنَّ الياء في لولاي وعساني في موضع رفع، جعلوا

«لولاي»

موافقة للجرِّ، و «ني» موافقة للنصب، كما اتفق الجر والنصب في الهاء والكاف.

(1) سيبويه: الكتاب، 3/ 110 وينقل سيبويه عن الخليل كلاما مشابها لهذا الكلام في المواضع التالية: 3/ 13، 3/ 161 ــ 162

(2)

يذكر النُّحَاة أن من استعمالاتها أنها تأتي: مصدرية، شرطية، حرف جازم، حرف يدل على العرض، حرف يدل على التمني ينصب الفعل المضارع في جوابها بأن مضمَرَّة، حرف يدل على التعليل، لو الوصلية. يُنْظَر: د. علي توفيق الحمد ويوسف جميل الزغبي: المعجم الوافي في أدوات النحو العربي، دار الأمل، الأردن، ط 3، ) 1992 م (، ص 288

(3)

سيبويه: الكتاب، 3/ 139 ــ 140

(4)

سيبويه: الكتاب، 2/ 377

ص: 101

وهذا وجه ردئ لما ذكرت لك؛ ولأنَّك لا ينبغي لك أَنْ تكسر الباب وهو مطرد وأنت تجد له

نظائر») (1).

يفهم من كلامه هنا أَنَّ هناك قواعد) تراكيب لغَوِيَّة مجرَّدة (مطَّردة في كل باب من أبواب النحو لا ينبغي الخروج عليها لعدم وجود نصوص لغَوِيَّة تدعم هذا الخروج، ويفهم منه أيضا أَنَّ مصطلح

«ردئ» يعني عنده الخروج على التركيب الأصلي.

6 ــ ويقول: «ألا ترى أَنَّ الفعل لابد له من الاسم وإلا لم يكن كلامًا، والاسم قد يستغني عن الفعل، تقول: الله إلهنا» ) (2).

أي أَنَّ أي فعل لابد أَنْ يأتي بعده اسم) فاعل (ملازم له وإلا لم يكن كلاما كما قال سيبويه، والاسم قد يأتي بعده فعل، وقد يأتي بعده اسم آخر.

تلك بعض الأمثلة التي تؤكد على «تنميط سيبويه لِلُّغَة إلى تراكيب» ، استخلصها من النصوص اللُّغَوِيَّة المختلفة.

وليُعلمْ أَنَّ هذا «التنميط» لِلُّغَة لا يوجد عنده للتراكيب فقط، بل نجده أيضا على المستوى الصَّرْفِيّ؛ في مثل أقواله:

1 ــ «وأمَّا صادُ) اسم السورة القُرْآنِيَّة (فلا تحتاج إلى أنْ تجعله اسما أعجميًّا؛ لأَنَّ هذا البناء والوزن من كلامهم» ) (3).

2 ــ «وفاعِل بناء ينصرف في الكلام معرفة ونكرة، وفَواعِل بناء لا ينصرف» ) (4).

3 ــ «كلّ أفْعَل يكون وصفا لا تصرفه في معرفة ولا نكرة، وكل أفعل يكون اسما تصرفه في النكرة» ) (5).

ومما يؤكد اهتمام سيبويه بتنميط اللُّغَة إلى تراكيب نمطِيَّة استخدامه لمصطلح تردَّد كثيرا في الكتاب وهذا المصطلح هو مصطلح «الأصل» ، فكثيرًا ما أشار لهذا المصطلح عند مناقشته لتركيبٍ أو بنية صرفِيَّة ما) (6)، وبلغ عدد المرَّات التي أحصيتُها لهذا المصطلح أكثر من 250 مَرَّة.

(1) سيبويه: الكتاب، 2/ 376

(2)

سيبويه: الكتاب، 1/ 21

(3)

سيبويه: الكتاب، 3/ 258

(4)

سيبويه: الكتاب، 3/ 311

(5)

سيبويه: الكتاب، 3/ 203

(6)

من هذه المواضع مثلا قوله: ((كما أنّ حروف الاستفهام بالفعل أولى، وكان الأصل فيها أن يبتدأ بالفعل قبل الاسم، فهكذا الأمرُ والنَّهى))، 1/ 137، ومثل قوله:((وإن قلت: أَيُّهم زيدًا ضَرَبَ؛ قَبُح، كما يقبح فى متى ونحوها وصار أَن يَلِيَهَا الفعلَ هو الأصلُ؛ لأنّها من حروف الاستفهام، ولا يُحتاجُ إلى الألف))، 1/ 126، وقال:((واعلم = = أن الترخيم لا يكون في مضاف إليه ولا في وصف؛ لأَنَّهما غيرُ منادَيين، ولا يرخم مضاف ولا اسمٌ منون في النداء من قبل أنه جرى على الأصل وسلِم من الحذف))، 2/ 240، ومثل:((واعلم أنه إذا اجتمع بعد حروف الاستفهام نحو هل وكيف ومن اسمٌ وفعلٌ، كان الفعل بأن يلي حرف الاستفهام أولى؛ لأنها عندهم في الأصل من الحروف التي يذكر بعدها الفعل.))، 3/ 115، ومثل: ((

إِنَّمَا هو في الأصل للفعل لا للأسماء، فاستثقل فيه ما يستثقل في الأفعال))، 3/ 209

ص: 102

وتردُّد مصطلح الأصل في الكتاب كُلّ هذا التردُّد يوحي ببعد تاريخي يقوم به سيبويه للتركيب الذي يدرسه ويقعِّد له. وقد سبق لنا إعطاء معنى مُحَدَّد لمصطلح الأصل عند سيبويه في التمهيد عند الحديث عن أهم المصطلحات.

ويمكن أَنْ نعتبر أنَّ عناوين أبواب سيبويه تمثل التركيب النَّحْوِيّ الذي يدرسه، وبداخل هذا الباب الأمثلة التي تؤيد هذا التركيب؛ فكأنَّ التركيب جنس والأمثلة هي «ما صدق» هذا الجنس.

إن فكرة تقسيم اللُّغَة إلى أنماط تجريدية فكرة واضحة لا مرية فيها يمكن أَنْ ندعمها بعشرات الأمثلة، وليعلمْ مَن أراد إحصاء النصوص التي يُفهَم منها فكرة الموقعيَّة والنَّمَطِيَّة للتراكيب اللُّغَوِيَّة أَنّهُ يمكنه أَنْ يحصر ما يزيد على أربعمائة) 400 (موضعا.

وفكرة النَّمَطِيَّة هذه تذكرنا بفكرة مماثلة عند العالم اللغويّ المعاصر دي سوسير وتفريقه بين اللُّغَة والكلام، ولولا الخوف من الزلل، وألّا تصيب عبارة الباحث مرماها، وأَنْ يكون قد فاته شيء لم ينتبه إليه لقال: إِنَّ سيبويه قد سبق علماء اللُّغَة المحدثين وعلى رأسهم دي سوسير الرائد الأول للمدرسة البنيوية، سبقهم بالأفكار التي قال فيها بوجود فرق بين اللُّغَة والكلام، وسبقهم بفكرة

((تنميط قواعد اللُّغَة))، حيث كان البنيويُّون «يجمعون المادة اللُّغَوِيَّة من أفواه الناس ويسجِّلونها، ثُمَّ يبدؤون بتقسيمها إلى جمل، فأشباه جمل، فكلمات، فأجزاء الكلمات إلى أَنْ يصلوا إلى الأصوات، أو اللبنات الأولى، التي تتألَّفُ منها اللُّغَة جميعها. ثُمَّ يستخدمون الأسلوب العلمي الدقيق في اكتشاف الطرائق التي تتجمع بها الأصوات لتؤلف الكلمات، والكلمات لتؤلِّف الجمل؛ أي لتؤلف النماذج أو الأنماط التي تنتج عن كل عَمَلِيَّة من تلك العمليات» ) (1).

على أَنَّ هناك فرقا بين الرجلين في تنميطهما التركيبي لِلُّغَة، فبينما كان اهتمام دي سوسير منصبًّا على وصف اللُّغَة، أيَّ لغة، «من داخلها وبالاعتماد على المعايير اللُّغَوِيَّة دون سواها سعيًا وراء التوصُّل إلى وصف دقيق علمي شامل لتركيب أو بنية اللُّغَة الأساسيَّة

[و] دون الإشارة إلى المعاني، أو إلى واقع العالم الذي تعيش فيه») (2) ــ نجد سيبويه يربط النمط اللغويّ بالسِّياق الذي يقال

(1) د. نايف خرما، علي حجاج: اللغات الأجنبية تعليمها وتعلمها، ص 28

(2)

السابق، ص 28، 29، 30

ص: 103