الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: دور سياق الحال في التوجيه الإعرابِيّ عند سيبويه
نبدأ هنا بفضل الله ومَنِّه الحديث عن دور سياق الحال في التوجيه النَّحْوِيّ عند سيبويه، ونسأله سبحانه التوفيق والسداد. وسيكون حديثنا في هذا الفصل في المباحث التالية:
1 ــ المبحث الأول: أهمِيَّة سياق الحال في التوجيهات الإعرابِيّة عند سيبويه:
أوَّل ما نبدأ به حديثنا هنا في هذا الفصل الكلامُ عن أهمِيَّة سياق الحال في التوجيهات الإعرابِيّة عند سيبويه. وقد سبق أَنْ أوضحنا المراد بالتوجيه وقلنا إِنَّهُ: بيان أَنَّ رواية البيت أو القراءة القُرْآنِيَّة لها وجه في العربِيَّة وموافقة لضوابط النحو، فيقولون مثلا: وتوجيه الرواية أو البيت أو القراءة كذا وكذا») (1). ويقصر هذا التعريف التوجيه الإعرابِيّ على توجيه روايات الأبيات الشعرِيَّة والقراءات القُرْآنِيَّة فقط، وهذا الربط ليس دقيقا، فقد يكون التوجيه النَّحْوِيّ لمقولة نثرِيَّة ليست شعرا ولا قراءة قرآنية كما سنذكر إِنْ شاء الله.
ونعود لبيان أهمِيَّة سياق الحال في التوجيهات الإعرابِيّة فنقول إِنَّ أهميته عند سيبويه تتمثل في:
أوجود تراكيب نحوِيَّة لا يصِحُّ تركيبُها ولا تصِحُّ كينونتُها وبالتالي لا يصِحُّ توجيهها نحويا إلا إذا قامت قرينة من سياق الحال تُصَحِّحُها:
ونقصد بهذا العنوان أنَّهُ توجد بعض التراكيب ترتبط صحتها بوجود سياق حال معين واعتباره؛ فإنْ وجد السياق واعتُبِر صح التركيب، وإن لم يوجد لم يصح التركيب.
1 ــ ففي أحد نصوص سيبويه يقول: «
…
فإنْ قلت: ((إذا كان الليل فأتني))؛ لم يجز ذلك؛ لأَنَّ الليل لا يكون ظرفا إلا أَنْ تعني الليل كله على ما ذكرت لك من التكثير، فإِن وجَّهتَه على إضمار شيء قد ذكرتَ على ذلك الحدّ جاز») (2). وتفسير هذا الكلام:«أَنَّ الليل اسم لليالي التي تكون أبدا فلا يجوز أَنْ تعلِّق الوقت بها؛ لأَنَّها غير منقضية ولا موجودة في وقت واحد، وسبيلها سبيل الدهر، وأنت لا تقول: إذا كان الدهر فأتني» ) (3).
أي أَنَّ هذه الجملة «إذا كان الليل فأتني» لا تجوز لعمومِيَّة الظرف وشدَّة اتساع وقته وتكراره، ولا سبيل إلى إجازة هذه الجملة وتوجيهها نحويًّا إلا في حالة واحدة أَنْ تقوم قرينة من سياق الحال تُعْلِمُ
(1) د. محمد إبراهيم عبادة: معجم مصطلحات النحو والصرف والعروض، مكتبة الآداب، القاهرة، ط 1، ) 2011 م (، ص 295
(2)
سيبويه: الكتاب، 1/ 224
(3)
السيرافي: شرح كتاب سيبويه، 2/ 119
السامع أَنَّ المُتَكَلِّم يريد ليل ليلته. يقول السيرافي في توجيه هذا التركيب: «إذا كان الليل فأتني: يعني إِنَّ وجَّهتَه على كلام يعلم السامع أَنَّه يريد ليل ليلته جاز، وذلك نحو: أَنْ تكونَ مع رجل في شيء، فقال: ((إذا كان الليل فأتنا))، فعلمت أنت بالحال التي أنتما فيها أَنَّه يعني ليل ليلته التي تجئ؛ فيجوز فيه النصب والرفع» ) (1).
2 ــ وفي موضع ثان يقول سيبويه: «وإذا ذكرتَ شيئًا من هذه الأسماء التي هي علامةٌ للمضمَر فإنَّه مُحالٌ أنْ يَظهر بعدها الاسمُ إذا كنتَ تُخبِر عن عَمَلٍ، أو صفةٍ غيرِ عمل، ولا تريد أنْ تعرِّفَه بأنَّه زيدٌ أو عمرو. وكذلك إذا لم تُوعِدْ ولم تفخر أو تصغِّر نفسك؛ لأنَّكَ في هذه الأحوال تعرِّف ما تُرَى أنَّه قد جُهل، أو تُنزِلُ المخاطَب منزلة من يجهل فخرًا أو تهدُّدًا أو وعيدًا، فصار هذا كتعريفك إياه باسمه
…
. وذلك أن رجلا من إخوانك ومعرفتِك لو أراد أن يُخبِرك عن نفسه أو عن غيره بأمرٍ فقال: أنا عبدُ الله منطلِقًا، وهو زيدٌ منطلقا كان مُحالاً؛ لأنَّه إنَّما أراد أنْ يُخبِرك بالانطلاق ولم يقل هُوَ ولا أنا حتى استَغنيتَ أنت عن التسمية، لأنَّ هو وأنا علامتان للمضمَر، وإنَّما يُضمِر إذا عَلم أنَّك عرفتَ من يَعنى. إلّا أن رجلا لو كان خلفَ حائط، أو فى موضع تجهله فيه فقلت: من أنت؟ فقال: أنا عبد الله منطلقا في حاجتك، كان حسنا») (2).
في هذا النص يتحدَّث سيبويه عن أن «الضمير» إذا جاء في موقع «الابتداء» في الجملة الاسمية فإنَّه من «المحال» أن يأتي بعده «اسم) خبر (» يكون هو عين المبتدأ ويعرف المخاطَب ذلك من خلال معرفة سابقة على زمن الكلام.
فإذا كان لدينا متكلم اسمه «عبد الله» يتحدث إلى مخاطَب، وكلاهما يعرف صاحبه تمام المعرفة، فإنَّه لا يجوز للمتكلم أن ينشئ جملة للمخاطب ويقول:«أنا عبد الله» ، وذلك لأنّ هذه الجملة لا يحمل خبرها فائدة للمتكلم؛ لأنَّه يعلم سلفا أنَّ المتكلم هو عبد الله.
نقول إن هذه الجملة هي من المحال ولا تصح إلا إذا توافر سياق له خصوصية معينة، وذلك مثلا ــ كما أوضح سيبويه ــ:
» أن يكون الموقف الذي يتحدث فيه المتكلم موقف «إيعاد» أو «فخر» أو «تصغير» ويريد المتكلم أن «يُعرِّف» المخاطب ما يراه.
» أو أن يكون المخاطب «وراء حائط أو موقع يجهله المتكلم» ــ أي أنّ المتكلم لا يرى المخاطب ــ فقال المخاطب من أنت؟ فقال: أنا عبد الله منطلقا في حاجتك.
فلولا السياق هنا ما صح قبول هذا التركيب الذي تمثله جملة: «أنا عبد الله» .
(1) السيرافي: شرح كتاب سيبويه، 2/ 119
(2)
الكتاب: 2/ 80، 81