المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المحتويات الافتتاحية: العلم وأخلاق أهله سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٣٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌ المذهب المالكي:

- ‌ المذهب الشافعي:

- ‌ المذهب الحنبلي:

- ‌ نقول عن بعض الفقهاء المعاصرين

- ‌أولا: أدلة من قال بالمنع:

- ‌ثانيا: أدلة من قال بجواز الإلزام أو وجوبه:

- ‌ الدواعي والأسباب التي تبرر التدوين والإلزام:

- ‌تمهيد في الفرق بين الشرع المنزل، والمؤول، والمبدل:

- ‌ الآثار المترتبة على البقاء مع الأصل:

- ‌ الآثار التي تترتب على العدول عن الأصل:

- ‌ مدى تصرف إمام المسلمين في مجال الإلزام

- ‌ هل يكفر الإنسان وعلى لسانه لا إله إلا الله

- ‌ الصلاة خلف إمام ينكر أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ هل الإكراه بالقول أو الفعل يسوغ إظهار الكفر

- ‌ دراسة الفلسفة والمنطق والنظريات التي فيها استهزاء بآيات الله

- ‌ الحد الفاصل بين الكفر والإسلام

- ‌اتخاذ المسيحيين إخوانا

- ‌ الموالاة التي يكفر صاحبها وتخرجه من الملة

- ‌ مشاركة المسلم في الاحتفالات التي يقيمها البوذيون لموتاهم:

- ‌ زيارة الأقارب الذين يحبون الكفار

- ‌ كيفية التعامل مع النصراني المجاور في السكن أو في المدرسة

- ‌ تجنس الكافر بجنسية دولة مسلمة

- ‌ دخول غير المسلم مسجدا أو مصلى للمسلمين

- ‌ اتخاذ معبد للديانات الثلاث اليهودية والنصرانية والإسلام

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌ الازدواجية في إخراج الزكاة:

- ‌مفهوم الجهاد في الإسلام

- ‌مكانة الصبر:

- ‌حماسة المسلمين:

- ‌لا بد للجهاد من قاعدة:

- ‌جهاد اللسان:

- ‌فضل الجهاد:

- ‌المساواة:

- ‌الحرية:

- ‌ حرية الفكر لا حرية الكفر:

- ‌الحرية الحقيقية:

- ‌لا إكراه في الدين:

- ‌حكم الردة:

- ‌الرق:

- ‌الإسلام والرق:

- ‌موقف اليهود من الرقيق:

- ‌موقف النصرانية من الرقيق:

- ‌أوروبا المعاصرة والرقيق:

- ‌المرأة:

- ‌الميراث:

- ‌الطلاق:

- ‌الحضانة:

- ‌تعدد الزوجات:

- ‌تطبيق الشريعة:

- ‌الحدود والعقوبات الجسدية:

- ‌الجهاد في سبيل الله:

- ‌حقيقة الجهاد:

- ‌أمم الأرض والقوة:

- ‌أهم المصادر

- ‌أولا: تعريف المخدرات:

- ‌ثانيا: أنواع المخدرات والعقاقير المخدرة:

- ‌ثالثا: تصنيف المخدرات والعقاقير المخدرة:

- ‌رابعا: حكم تناول المخدرات في الشريعة الإسلامية:

- ‌خامسا: أدلة تحريم المخدرات والمفترات والعقاقير النفسية وغيرها:

- ‌سادسا: حكم تعاطي المخدرات للعلاج ومدى مشروعية التداوي بها:

- ‌سابعا: حكم الإعانة على تناول المخدرات:

- ‌تاسعا: حكم تصرفات من يتناول المخدرات:

- ‌المسألة الثالثة: من يؤدي الصلاة وهو تحت تأثير المخدر:

- ‌المسألة الرابعة: جناية متناول المخدرات على غيره:

- ‌عاشرا: عقوبة المخدرات في الشريعة الإسلامية:

- ‌ثانيا: عقوبة الإتجار بالمخدرات وتهريبها والترويج لها:

- ‌حادي عشر: الواجب الشرعي على المسلم إزاء مدمني ومهربي ومروجي المخدرات:

- ‌ثاني عشر: أسباب تعاطي المخدرات وانتشارها

- ‌ثالث عشر: الآثار السلبية المترتبة على تعاطي المخدرات:

- ‌أولا: الآثار الناجمة عن تعاطي المخدرات على الأفراد دينيا:

- ‌ثانيا: الآثار الناجمة عن تعاطي المخدرات على الأفراد اجتماعيا:

- ‌ثالثا: الآثار الناجمة عن تعاطي المخدرات على الأفراد سلوكيا:

- ‌رابعا: الآثار الناجمة عن تعاطي المخدرات على الأفراد صحيا:

- ‌خامسا: الآثار الناجمة عن تعاطي المخدرات على الأفراد اقتصاديا:

- ‌رابع عشر: طرق الوقاية من المخدرات وعوامل مكافحتها:

- ‌أولا: سن التشريعات الوقائية:

- ‌ثانيا: التوعية الدينية

- ‌ثالثا: مسئولية البيئة الاجتماعية:

- ‌رابعا: دور المؤسسات التربوية في الوقاية من المخدرات ومكافحتها:

- ‌خامسا: التوعية الإعلامية ودور وسائل الإعلام في مكافحة المخدرات والوقاية منها:

- ‌فهرس المصادر والمراجع

- ‌أقوال الأئمة فيه جرحا وتعديلا:

- ‌أولا: الأئمة الذين جرحوه:

- ‌ثانيا: الأئمة الذين وثقوه:

- ‌ثالثا: القول الراجح فيه:

- ‌إلى من يعود الضمير في قوله: عن أبيه عن جده:

- ‌منزلة حديثه عند العلماء:

- ‌من قرارت المجامع الفقهية

- ‌القرار السابعبشأن الظروف الطارئة وتأثيرها في الحقوق والالتزمات العقدية

- ‌القرار الثانيحكم الإحرام من جدة للواردين إليها من غيرها

- ‌بيان لهيئة كبار العلماء بشأن ما كتبلولي الأمر عن بعض الأمور

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌ ‌المحتويات الافتتاحية: العلم وأخلاق أهله سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله

‌المحتويات

الافتتاحية:

العلم وأخلاق أهله سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز 7

بحث اللجنة:

تدوين الراجح من أقوال الفقهاء اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 19

فتاوى اللجنة:

فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 67

فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز 109

البحوث:

زكاة أسهم الشركات المساهمة الشيخ / عبد الله بن سليمان منيع 123

مفهوم الجهاد في الإسلام الدكتور / محمد بن سعد الشويعر 149

ص: 4

تلبيس مردود الدكتور / صالح بن عبد الله بن حميد 175

المخدرات والعقاقير النفسية الدكتور / صالح بن غانم السدلان 221

عمرو بن شعيب الدكتور / عبد العزيز بن أحمد الجاسم 299

نصيحة تتعلق بفضل صيام رمضان 315

من قرارات المجامع الفقهية 321

حكم من يسخر من القرآن لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز 337

بيان هيئة كبار العلماء بشأن ما كتب لولي الأمر عن بعض الأمور وما رأته الهيئة من وجوب النصيحة سرا 341

ص: 5

صفحة فارغة

ص: 6

الافتتاحية

العلم وأخلاق أهله

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن سلك سبيله إلى يوم الدين. . أما بعد:

فإن العلم معلوم لدى الجميع فضله، وأن أشرف شيء يطلبه الطالبون، ويسعى في تحصيله الراغبون، هو العلم الشرعي. فإن العلم يطلق على أشياء كثيرة، ولكن عند علماء الإسلام: المراد بالعلم هو العلم الشرعي، وهو المراد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عند الإطلاق، وهو العلم بالله وبأسمائه وصفاته، والعلم بحقه على عباده، وبما شرعه لهم سبحانه وتعالى.

والعلم بالطريق والصراط الموصل إليه وتفاصيله، والعلم بالغاية والنهاية التي ينتهي إليها العباد في الدار الأخرى.

هذا العلم الشرعي هو أفضل العلوم، وهو الجدير بالطلب والحرص على تحصيله؛ لأنه به يعرف الله سبحانه وتعالى، وبه يعبد. وبهذا العلم يعرف ما أحل الله وما حرم، وما يرضيه وما يسخطه. وبهذا العلم يعرف المصير إليه والنهاية من هذه الحياة، وأن قسما من هؤلاء المكلفين ينتهون إلى الجنة والسعادة، وأن الآخرين - وهم الأكثرون - ينتهون إلى دار الهوان والشقاء.

وقد نبه أهل العلم على هذا وبينوا أن العلم ينحصر في هذا المعنى، وممن نبه عليه؛ القاضي ابن أبي العز شارح الطحاوية في أول شرحه، ونبه عليه غيره كابن القيم وشيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة آخرين.

ص: 7

وهو واضح ويتفاوت في الفضل بحسب متعلقاته، فأفضله وأعظمه وأشرفه ما يتعلق بالله وأسمائه وصفاته، وهو علم العقيدة، فإن الله جل وعلا له المثل الأعلى سبحانه وتعالى. وهو الوصف الأعلى من جميع الوجوه في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله.

ثم يلي ذلك ما يتعلق بحقه على عباده، وما شرعه من الأحكام، وما ينتهي إليه العاملون، ثم ما يتبع ذلك مما يعين عليه ويوصل إليه من علم قواعد العربية والمصطلحات الإسلامية في أصول الفقه، ومصطلح الحديث، وفي غير ذلك مما يتعلق بذلك العلم ويعين عليه وعلى فهمه، والكمال فيه.

ويلتحق بذلك علم السيرة النبوية، والتاريخ الإسلامي، وتراجم رجال الحديث وأئمة الإسلام. ويلتحق بذلك كل ما له صلة بهذا العلم.

وقد شرف الله أهل هذا العلم. ونوه بهم وعظم شأنهم سبحانه، واستشهدهم على توحيده والإخلاص له حيث قال عز وجل:{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (1)، فاستشهد أهل العلم على وحدانيته مع الملائكة، فالملائكة عليهم السلام، وأولو العلم الشرعي هم الشهداء على توحيد الله والإخلاص له، وأنه رب العالمين، وأنه الإله الحق، وأن العبادة لغيره باطلة، وكفى بها شرفا لأهل العلم، حيث استشهدهم على وحدانيته واستحقاقه في العبادة سبحانه وتعالى، وبين جل وعلا أنهم لا يستوون مع غيرهم بقوله سبحانه وتعالى:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (2)، ويقول عز وجل:{أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (3).

(1) سورة آل عمران الآية 18

(2)

سورة الزمر الآية 9

(3)

سورة الرعد الآية 19

ص: 8

فلا يستوي هؤلاء وهؤلاء، لا يستوي من يعلم أن ما أنزل الله هو الحق وهو الهدى، وهو طريق السعادة، مع الذين قد عموا عن هذا الطريق، وعن هذا العلم، فرق عظيم بين هؤلاء وهؤلاء، فرق بين من عرف الحق واستضاء بنوره وسار على هداه إلى أن لقي ربه وفاز بالكرامة والسعادة، وبين من عمي عن هذا الطريق واتبع هواه وسار في طريق الشيطان والهوى.

لا يستوي هؤلاء وهؤلاء. وقد بين الله سبحانه أنه يرفع درجات أهل العلم، وما ذلك إلا لعظيم آثارهم في الناس ونفعهم لهم. ولهذا قال أهل العلم: ما أحسن أثرهم على الناس، وما أقبح آثار الناس عليهم.

فآثارهم بتوجيه الناس إلى الخير، وإرشادهم إلى الحق، وتوصيلهم للهدى. وهي آثار عظيمة شكرها الله لهم، وشكرها المؤمنون، وعلى رأسهم الرسل عليهم الصلاة والسلام: فهم الهداة والدعاة، وهم أعلم الناس بالله وبشريعته، وأفضل الناس بعد الرسل وأتبعهم لهم، وأعلمهم بما جاءوا به، وأكملهم دعوة إليه وصبرا عليه، وإرشادا إليه. قال جل وعلا:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (1)، وقال سبحانه وتعالى:{وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} (2)، وبين عز وجل أن أهل العلم هم الذين يخشونه على الحقيقة والكمال، وإن كانت الخشية موجودة من المؤمنين عموما، ومن بعض الآخرين، ولكن خشية الله على الكمال والحقيقة للعلماء، وعلى رأسهم الرسل عليهم الصلاة والسلام:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (3) يعني الخشية الكاملة.

والعلماء هم العارفون بالله وبأسمائه وبصفاته، وبشريعته التي بعث بها رسله، ولهذا قال نبينا محمد عليه الصلاة والسلام لما قال له بعض الناس مستثقلا العلم

(1) سورة المجادلة الآية 11

(2)

سورة الأنعام الآية 83

(3)

سورة فاطر الآية 28

ص: 9

الذي أرشده إليه: «لسنا مثلك يا رسول الله! قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال: أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له (1)» .

فالعلماء بالله وبدينه وبأسمائه وصفاته هم أخشى الناس لله، وأقوى الناس في الحق على حسب علمهم به، وعلى حسب درجاتهم في ذلك، وأعلاهم في هذا وأكملهم فيه هم الرسل عليهم الصلاة والسلام، فهم أخشى الناس لله، وأتقاهم له، وقد جاءت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان فضل العلم، وتكاثرت في ذلك.

فمن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: «من سلك طريقا يلتمس فيه علما، سهل الله له به طريقا إلى الجنة (2)» ، خرجه مسلم في صحيحه رحمه الله. فهذا يدلنا على أن طلاب العلم على خير عظيم، وأنهم على طريق نجاة وسعادة لمن أصلح نيته في طلب العلم وابتغى به وجه الله عز وجل.

وقصد العلم لنفس العلم، وللعمل لا لأجل الرياء والسمعة، أو لأجل مقاصد أخرى، من المقاصد العاجلة، وإنما يتعلمه لمعرفة دينه، والبصيرة بما أوجب الله عليه، وليسعى في إخراج الناس من الظلمات إلى النور فيعلم ويعمل ويعلم غيره من المقاصد الحسنة التي أمر المسلم بها، فكل طريق يسلكه في طلب العلم فهو طريق إلى الجنة، ويعم ذلك جميع الطرق الحسية والمعنوية. فسفره من بلاد إلى بلاد أخرى، وانتقاله من حلقة إلى حلقة ومن مسجد إلى مسجد، بقصد طلب العلم، فهذا كله من الطرق لتحصيل العلم. وهكذا المذاكرة في كتب العلم والمطالعة والكتابة، كلها من الطرق أيضا.

فجدير بالطالب أن يعنى بجميع الطرق الموصلة إلى العلم، وأن يحرص عليها قاصدا وجه ربه عز وجل، يريد الله والدار الآخرة، يريد أن يتفقه في دينه وأن يتبصر به، يريد أن يعرف ما أوجب الله عليه، وما حرم عليه، يريد أن يعرف ربه على بصيرة وبينة، ثم يعمل بذلك، يريد أن ينقذ الناس ويكون من دعاة الهدى وأنصار الحق، ومرشدا إلى الله على علم وهدى، فهو حيثما

(1) صحيح مسلم الصيام (1108).

(2)

صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2699)، سنن الترمذي القراءات (2945)، سنن ابن ماجه المقدمة (225)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 252)، سنن الدارمي المقدمة (344).

ص: 10

تصرف على خير عظيم بهذه النية الصالحة، حتى نومه من طرق الجنة، إذا نام ليتقوى على طلب العلم، وأداء الدرس كما ينبغي ليتقوى على حفظ كتاب في العلم، ليتقوى على السفر في طلب العلم، فنومه عبادة، وتصرفاته الأخرى بهذه النية عبادة، بخلاف من ساءت نيته، فهو على خطر عظيم، جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة (1)» رواه أبو داود رحمه الله بإسناد جيد.

وهذا وعيد عظيم لمن ساءت نيته.

وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «من تعلم العلم ليباهي به العلماء أو ليجاري به السفهاء، أو ليصرف به وجوه الناس إليه فالنار النار (2)» .

وتعلم العلم يكون بمعرفته والعمل به لله؛ لأن الله أمر بذلك، وجعله وسيلة لمعرفة الحق. وجاء في الحديث الصحيح:«أن أول من تسعر بهم النار ثلاثة: منهم الذي طلب العلم وقرأ القرآن لغير الله، ليقال: هو عالم وليقال له: قارئ (3)» ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فعليك يا عبد الله، أيها الطالب للعلم: عليك بإخلاص العبادة والنية لله وحده، وعليك بالجد والنشاط في سلوك طرق العلم والصبر عليها، ثم العمل بمقتضى العلم، فإن المقصود هو العمل، وليس المقصود هو أن تكون عالما أو تعطى شهادة راقية في العلم، فإن المقصود من وراء ذلك كله هو أن تعمل بعلمك، وأن توجه الناس إلى الخير، وأن تكون من خلفاء الرسل عليهم الصلاة والسلام في الدعوة إلى الحق. وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:«من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (4)» متفق على صحته.

فهذا يدل على فضل العلم وأنه من علامات الخير والسعادة، ومن علامات التوفيق، وأن الله أراد بالعبد خيرا أن يفقهه في دينه، وأن يتبصر في ذلك، حتى يعرف الحق من الباطل، والهدى من الضلال، وحتى يعرف ربه بأسمائه وصفاته، وعظيم حقه، وحتى يعرف النهاية لأولياء الله ولأعدائه.

(1) سنن أبو داود العلم (3664)، سنن ابن ماجه المقدمة (252)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 338).

(2)

سنن الترمذي العلم (2654).

(3)

صحيح مسلم الإمارة (1905)، سنن الترمذي الزهد (2382)، سنن النسائي الجهاد (3137)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 322).

(4)

صحيح البخاري العلم (71)، صحيح مسلم الإمارة (1037)، سنن ابن ماجه المقدمة (221)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 93)، موطأ مالك كتاب الجامع (1667)، سنن الدارمي المقدمة (226).

ص: 11

فالنهاية لأولياء الله الجنة والسعادة بجوار الرب الكريم، والنظر إلى وجهه سبحانه وتعالى في دار الكرامة.

والنهاية لأعداء الله دار النكال والعذاب والهوان، والحجاب عن الله عز وجل.

وبهذا نعلم عظم العلم وشرفه، وأنه أفضل شيء وأشرفه لمن أصلح الله نيته؛ لأنه يتوصل به إلى معرفة أفضل واجب وأعظم واجب، وهو توحيد الله والإخلاص له، ويتوصل به أيضا إلى معرفة أحكام الله، وما أوجب على عباده، فهو واجب عظيم يوصل إلى أداء واجبات عظيمة؛ لإسعاده للعباد، ولا نجاة لهم إلا بالله ثم بالعلم بها، والتمسك بها والاستقامة عليها.

والعلماء الذين أظهروا العلم هم خيرة الناس، وأفضلهم على وجه الأرض، وعلى رأسهم أئمتهم الرسل عليهم الصلاة والسلام والأنبياء، فهم القدوة وهم الأساس في الدعوة والعلم والفضل، ويليهم أهل العلم على طبقات: فكل من كان أعلم بالله وبأسمائه وصفاته وأكمل في العمل والدعوة، كان أقرب الناس من الرسل، ومن درجاتهم ومنازلهم في الجنة. فأهل العلم هم أئمة هذه الأرض ونورها وسرجها، وهم أولى بها من غيرهم، يرشدون الناس إلى طريق السعادة، ويهدونهم إلى أسباب النجاة، ويقودونهم إلى ما فيه رضا الله جل وعلا، والوصول إلى كرامته والبعد عن أسباب غضبه وعذابه.

فالعلماء هم ورثة الأنبياء، وهم أئمة الناس بعد الأنبياء يهدون إلى الله، ويرشدون إليه، ويعلمون الناس دينهم، فأخلاقهم عظيمة، وصفاتهم حميدة، علماء الحق، علماء الهدى، خلفاء الرسل، الذين يخشون الله ويراقبونه ويعظمون أمره - وهو من تعظيمه سبحانه. هؤلاء أخلاقهم أرفع الأخلاق وأسماها؛ لأنهم سلكوا مسلك الرسل، وساروا على نهجهم وطريقهم في الدعوة إلى الله على بصيرة، والتحذير من أسباب غضبه والمسارعة إلى ما عرفوا من الخير قولا وعملا، والابتعاد عما عرفوا من الشر قولا وعملا، فهم القدوة، والأسوة بعد

ص: 12

الأنبياء، في أخلاقهم العظيمة، وصفاتهم الحميدة، وأعمالهم الجليلة، وهم يعملون ويعلمون، ويوجهون طلابهم إلى أسمى الأخلاق وخير السبل.

وسبق أن العلم قال الله قال رسوله، هذا هو العلم الشرعي، هو العلم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يعين على ذلك.

فالواجب على أهل العلم أن يتمسكوا بهذا الأساس العظيم، وأن يدعوا الناس إليه، وأن يوجهوا طلابهم إليه، وأن يكون الهدف دائما العلم بما قال الله وقال رسوله، والعمل بذلك، وتوجيه الناس وإرشادهم إلى ذلك. ولا يجوز التفرق والاختلاف ولا الدعوة إلى حزب فلان وحزب فلان، ورأي فلان، وقول علان، وإنما الواجب أن تكون الدعوة واحدة إلى الله ورسوله، إلى كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، لا إلى مذهب فلان، أو دعوة علان، ولا إلى الحزب الفلاني، والرأي الفلاني.

يجب على المسلمين أن تكون طريقتهم واحدة وهدفهم واحدا، وهو اتباع كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.

وأما ما جرى من الاختلاف بين أهل العلم في المذاهب الأربعة وغيرها، فالواجب أن يؤخذ منه ما هو أقرب إلى الصواب، وهو القول الذي هو أقرب إلى ما قاله الله ورسوله نصا أو بمقتضى قواعد الشريعة. فإن الأئمة المجتهدين إنما هدفهم ذلك، وقبلهم الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم. وهم الأئمة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، فهم أعلم الناس بالله، وأفضلهم وأكملهم علما وخلقا. فقد كانوا يختلفون في بعض المسائل، ولكن دعوتهم واحدة، وطريقهم واحد. يدعون إلى كتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وهكذا من بعدهم من التابعين وأتباع التابعين؛ كالإمام مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد، وغيرهم من أئمة الهدى؛ كالأوزاعي والثوري وابن عيينة وإسحاق بن راهويه، وأشباههم من أهل العلم والإيمان، دعوتهم واحدة، وهي الدعوة إلى كتاب الله، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانوا ينهون أتباعهم عن تقليدهم، ويقولون: خذوا من حيث أخذنا. يعنون من الكتاب والسنة.

ص: 13

ومن جهل الحق وجب عليه أن يسأل أهل العلم المعروفين بالعلم والفضل، وحسن العقيدة والسيرة، ويتبصر في ذلك، مع تقدير العلماء، ومعرفة فضلهم، والدعاء لهم بمزيد من التوفيق وعظيم الأجر؛ لأنهم سبقوا إلى الخير العظيم، وعلموا وأرشدوا، وأوضحوا الطريق، فرحمة الله عليهم، فلهم فضل السبق، وفضل علمهم ودعوتهم إلى الله؛ من الصحابة ومن بعدهم من أهل العلم والإيمان. فيعرف لهم قدرهم وفضلهم، ويترحم عليهم ويتأسى بهم في النشاط في العلم والدعوة إلى الله، وتقديم ما قاله الله ورسوله على غيره، والصبر على ذلك، والمسارعة إلى العمل الصالح، ويتأسى بهم في هذه الفضائل العظيمة، ويترحم عليهم، ولكن لا يجوز أبدا أن يتعصب لواحد منهم مطلقا، وأن يقال: قوله هو الصواب مطلقا. بل يقال: كل واحد قد يخطئ ويصيب، والصواب فيما وافق ما قاله الله ورسوله، وما دل عليه شرع الله من طريق الكتاب والسنة. وإجماع أهل العلم، فإذا اختلفوا وجب الرد إلى الله ورسوله، كما قال سبحانه وتعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (1)، وقال عز وجل:{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (2)، هكذا قال أهل العلم قديما وحديثا.

ولا يجوز أبدا التعصب لزيد أو عمرو، ولا لرأي فلان أو علان، ولا لحزب فلان أو الطريقة الفلانية، أو الجماعة الفلانية، كل هذا من الأخطاء الجديدة التي وقع فيها كثير من الناس.

فيجب أن يكون المسلمون هدفهم واحد، وهو اتباع كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام في جميع الأحوال؛ في الشدة والرخاء، في العسر واليسر، في السفر والإقامة، وفي جميع الأحوال. وعند اختلاف أهل العلم ينظر في أقوالهم، ويؤيد منها ما وافق الدليل من دون تعصب لأحد من الناس.

(1) سورة النساء الآية 59

(2)

سورة الشورى الآية 10

ص: 14

أما العامة وأشباه العامة، فيسألون أهل العلم، ويتحرون في أهل العلم من هو أقرب إلى الخبر وأقرب إلى السداد والاستقامة. يسألونه عن شرع الله، وهو يعلمهم بذلك ويرشدهم إلى الحق حسب ما جاء في الكتاب والسنة، وأجمع عليه أهل العلم.

والعالم يعرف بصبره وتقواه لله، وخشيته له سبحانه وتعالى، ومسارعته إلى ما أوجب الله ورسوله، وابتعاده عما حرم الله ورسوله.

هكذا يكون العالم سواء كان مدرسا أو قاضيا أو داعيا إلى الله أو في أي عمل، فواجبه أن يكون قدوة في الخير، وأن يكون أسوة في الصالحات، يعمل بعلمه ويتقي الله أين ما كان، ويرشد الناس إلى الخير، حتى يكون قدوة صالحة لطلابه، ولأهل بيته ولجيرانه ولغيرهم ممن عرفه، يتأسون به: بأقواله وأعماله الموافقة لشرع الله عز وجل.

وعلى طالب العلم أن يحذر غاية الحذر من التساهل فيما أوجب الله، أو الوقوع فيما حرم الله، فإنه يتأسى به في ذلك، فإذا تساهل تساهل غيره، وهكذا في السنة والمكروهات، ينبغي له أن يحرص على تحري السنن، وإن كانت غير واجبة ليعتادها وليتأسى الناس به فيها، وأن يبتعد عن المكروهات والمشتبهات حتى لا يتأسى به الناس فيها.

فطالب العلم له شأن عظيم، وأهل العلم هم الخلاصة في هذا الوجود، فعليهم من الواجبات والرعاية ما ليس على غيرهم، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته (1)» .

فأهل العلم رعاة وهداة، فعليهم أن يعنوا برعيتهم، الشعوب رعية لهم فعليهم أن يعنوا بهذه الرعية، وأن يخافوا الله فيها، وأن يرشدوها إلى أسباب النجاة، ويحذروها من أسباب الهلاك، وأن يغرسوا فيما بينهم حب الله ورسوله، والاستقامة على دين الله، والشوق إلى الله وإلى جنته وكرامته، والحذر من النار، فالنار بئس المصير، يجب الحذر منها، والتحذير منها، وأولى الناس بهذا الأمر هم العلماء، وطلاب العلم، هكذا يكون حالهم أبدا. وهكذا تكون أخلاقهم

(1) صحيح البخاري الجمعة (893)، صحيح مسلم الإمارة (1829)، سنن الترمذي الجهاد (1705)، سنن أبو داود الخراج والإمارة والفيء (2928)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 121).

ص: 15

أبدا، مسارعة إلى مرضاة الله، وابتعاد عن معاصي الله، ودعوة إلى الله، وإرشاد إليه، ووقوف عند حدوده، وأخذ بالأحوط دائما، وبعد عما حرم الله، وعما كرهه الله، حتى يتأسى بهم إخوانهم من المؤمنين، وحتى يتأثر بهم المسلمون أينما كانوا.

وأسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا أن يوفقنا وإياكم إلى ما يرضيه وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعا، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وصالحين مصلحين، كما أسأله سبحانه أن ينصر دينه، ويعلي كلمته، ويوفق ولاة أمر المسلمين لكل ما فيه رضاه وصلاح العباد والبلاد، وأن يصلح لهم البطانة، وأن يمن عليهم بتحكيم شريعة الله بين عباده والتحاكم إليها، ونبذ ما خالفها.

أما العلوم الأخرى فلها شأن آخر: من استخراج المعادن، وشئون الزراعة والفلاحة، وسائر أنواع الصناعات النافعة. وقد يجب منها ما يحتاجه المسلمون، ويكون فرض كفاية، ولولي الأمر فيها أن يأمر بما يحتاجه المسلمون، ويساعد أهلها في ذلك، أي بما يعينهم على نفع المسلمين، والإعداد لعدوهم. وعلى حسب نية العبد تكون أعماله عبادة لله عز وجل، متى صلحت النية وخلصت لله، وإذا فعلها بدون نية كانت من المباحات: أعني أنواع الصناعات المباحة، واستخراج المعادن والزراعة والفلاحة وغير ذلك.

وكلها أمور مطلوبة، ومع صلاح النية تكون عبادة، ومع خلوها من ذلك تكون أمورا مباحة، وقد تكون فرض كفاية في بعض الأحيان، إذا دعت الحاجة إليها، ووجب على ولي الأمر أن يلزم بذلك من هو أهل لها، فهي أمور لها شأنها، ولها أحوالها الداعية إليها، وتختلف بحسب النية وبحسب الحاجة.

أما علم الشرع فلا بد منه، والله خلق الثقلين ليعبدوه وليتقوه، ولا سبيل إلى هذا إلا بعلم الشرع، علم الكتاب والسنة كما تقدم. فعلى طلبة العلم التفقه في الدين، وتعلم أحكام الله والتبصر في ذلك، ومعرفة العقيدة السلفية

ص: 16

الصحيحة التي سار عليها الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم، وسار عليها أتباعهم بإحسان، وهي الإيمان بالله ورسوله، والإيمان بأسماء الله وصفاته، وإمرارها كما جاءت على الوجه الذي يليق بالله سبحانه وتعالى، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ولا زيادة ولا نقصان.

هكذا درج أهل العلم على الطريقة التي درج عليها الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ودرج عليها أصحابهم وأتباعهم بإحسان.

فنسأل الله لطلبة العلم التوفيق، وأن يعينهم على كل ما فيه رضاه. وأن يهدي بهم العباد، ويصلح بهم الأحوال، إنه جل وعلا على كل شيء قدير. وصلى الله وسلم على نبينا محمد عبد الله ورسوله، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.

الرئيس العام

لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

ص: 17

صفحة فارغة

ص: 18

تدوين الراجح من أقوال الفقهاء

(القسم الثاني)

إعداد

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

4 -

أقوال فقهاء الإسلام قديما وحديثا في إلزام ولاة الأمور القضاة أن يحكموا بمذهب معين أو رأي معين.

تمهيد:

تقدم ذكر الدواعي إلى تدوين أحكام يلزم القضاة أن يحكموا بها فيما يرفع إليهم من القضايا، وأن التفكير في ذلك بدأ في القرن الثاني من الهجرة في خلافة أبي جعفر المنصور حين عرض عليه عبد الله بن المقفع ذلك، وتكلم أبو جعفر مع الإمام مالك فيها، وقد وضع كل منهما الأمر في نصابه، حيث رفعه الأول إلى المسئولين عن الأمة من ولاة الأمور وأهل السلطة فيها، ورده الخليفة إلى أهل العلم والفقه في الدين، ولم يكن تأثير الدواعي على النفوس قاصرا في ذلك العهد على ابن المقفع بل تجاوزه إلى غيره، فقد نقل فقهاء المالكية أن سحنون بن سعيد التنوخي ولى رجلا سمع بعض كلام أهل العراق وأمره ألا يتعدى الحكم بمذهب أهل المدينة. فهذا قد تمكنت منه الفكرة أكثر ممن سبقه، واستمر تأثيرها في العلماء وغيرهم جيلا بعد جيل حتى وقتنا الحاضر مع تفاوت في مدى تأثره بها، فمنهم من لم يستجب لها، ومنهم من استسلم لها فقال بها، ودافع عنها، وعمل بمقتضاها عندما أتيحت له الفرصة، ولكل وجهته.

وفيما يأتي ذكر أقوال الفقهاء، وما استندوا إليه مع المناقشة، وبالله التوفيق.

ص: 19

أ- المذهب الحنفي:

أ- قال (1) ابن عابدين: ولو قيد السلطان القاضي بصحيح مذهبه كما في زماننا تقيد بلا خلاف، ولو قيده بضعيف المذهب فلا خلاف بعدم صحة حكمه.

2 -

وقال (2) أيضا نقلا عن معروضات أبي السعود: إن العبد الآبق إذا كان من عبيد العسكرية فقد صدر الأمر السلطاني بمنع القضاة من بيعه كيلا يتخذ العبيد الأباق وسيلة للتخلص من خدمة الجيش- ثم قال-: وحينئذ لا يصح بيع هؤلاء العبيد، بل يؤخذون من مشتريهم ويرجع المشتري بالثمن، وكذلك بيع العبيد الآبقين من الرعايا إذا بيعوا بغبن فاحش، وبذلك ورد الأمر السلطاني فليحفظ فإنه مهم.

3 -

وقال (3) أيضا على قول صاحب الدر: "ولو قضى بجواز بيعها لم ينفذ بل يتوقف على قضاء قاض آخر إمضاء وإبطالا".

قال: أي قضى به حنفي مثلا على إحدى الروايتين عن الإمام من أن القاضي لو قضى بخلاف رأيه ينفذ قضاؤه ما لم يقيده السلطان بمذهب خاص.

4 -

وقال (4) أيضا على قول صاحب تنوير الأبصار في صلاة العيدين: "ويصلي بهم الإمام ركعتين مثنيا قبل الزوائد وهي ثلاث تكبيرات في كل ركعة " قال: هذا مذهب ابن مسعود وكثير من الصحابة ورواية عن ابن عباس، وبه أخذ أئمتنا الثلاثة. وروي عن ابن عباس أنه يكبر في الأولى سبعا، وفي الثانية ستا - وفي رواية خمسا - منها ثلاثة أصلية،

(1) حاشية ابن عابدين 4/ 369.

(2)

حاشية ابن عابدين 3/ 325.

(3)

حاشية ابن عابدين 3/ 51.

(4)

حاشية ابن عابدين 1/ 779 - 780.

ص: 20