الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإنزال العقاب، وإعطاء صكوك غفران بمحو الذنوب، ودخول الفردوس الأعلى، ومن صور ذلك في وقتنا المعاصر الطغيان المادي والتفسير المادي للتاريخ والحوادث واستعباد الشهوات والملذات.
ومن هنا فإن الدعوة إلى التوحيد والخضوع لله وحده دعوة لإقامة صرح الحرية، ورفض ورفع قيود الظالمين عن أعناق البشر.
وبهذا تحمى حرية الإنسان من أن يسلبها أولئك المتطاولون المغرورون، فلا يحني الإنسان رأسه أو تذل هامته لأحد من بني البشر أيا كان على الإطلاق، لأنه خضوع للباطل وتعد على الحرية.
لا إكراه في الدين:
الإكراه في الإسلام على الدين والعقيدة منفي من عدة جهات:
الأولى:
أن من آمن مكرها، فإن إيمانه لا ينفعه ولا أثر له في الآخرة، فلا بد في الإيمان أن يكون عن قناعة واعتقاد صادق واطمئنان قلب.
وقد جاء في القرآن الكريم: عن فرعون حين أدركه الغرق أنه أعلن الإيمان والتصديق بالله ربا ومعبودا، ولكن ذلك لم ينفعه {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (1){آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} (2)
وجاء في حكاية قوم آخرين: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ} (3){فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} (4)
بل التوبة من الذنوب والمعاصي لا تكون مقبولة إلا إذا كانت عن اختيار وعزم صادق.
(1) سورة يونس الآية 90
(2)
سورة يونس الآية 91
(3)
سورة غافر الآية 84
(4)
سورة غافر الآية 85
الثانية:
وظيفة الرسل والدعاة من بعدهم مقصورة على البلاغ وإيصال الحق إلى الناس، وليسوا مسئولين عن هدايتهم واعتناقهم للدين واعتقادهم الحق، فالمهمة هي البلاغ والإرشاد والمناصحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أما الاهتداء والإيمان فليس إلى الرسل ولا الدعاة.
وهذا يؤكد جانبا من جوانب الحرية ألا وهو تحرر الإنسان من كل رقابة بينه وبين خالقه، فالعلاقة مباشرة بين الإنسان وربه من غير واسطة أو تدخل من أحد مهما كانت منزلته، سواء أكان ملكا أو نبيا أو غير ذلك.
ومما يؤكد ذلك في القرآن الكريم ما جاء في حق محمد صلى الله عليه وسلم {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} (1){لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ} (2)
الثالثة:
واقع غير المسلمين في بلاد المسلمين:
عاش الذميون وغيرهم في كنف الدولة الإسلامية دون أن يتعرض أحد لعقائدهم ودياناتهم، بل لقد جاء في الكتاب الذي كتبه النبي محمد صلى الله عليه وسلم في أول قدومه المدينة ليرسم به منهجا ودستورا في التعامل:«ومن تبعنا من يهود فإنه له النصرة والأسوة. . لليهود دينهم وللمسلمين دينهم. . وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم (3)» ، وأقرهم على دينهم وأموالهم كما كان الحال مشابها مع نصارى نجران.
وصحابة الرسول من بعده ساروا على طريقه في معاملة غير المسلمين، فكان من أقوال خليفته أبي بكر رضي الله عنه لبعض قواده:" أنتم سوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له ".
ومن وصايا الخليفة الثاني عمر: " أوصي بأهل الذمة خيرا أن يوفى لهم بعهدهم، وأن يقاتل من وراءهم، وألا يكلفوا فوق طاقتهم ".
(1) سورة الغاشية الآية 21
(2)
سورة الغاشية الآية 22
(3)
سيرة ابن هشام جـ 2 ص 148 - 149 وتاريخ ابن كثير جـ 3 ص 246 - 247.