الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذه الدلالة اللغوية توطن العمل لغاية هي المفهوم الإسلامي للجهاد، الذي يعني التحمل احتسابا لما أعده الله من أجر للمجاهدين. ورغبة في تغلب الإسلام على الكفر إرضاء لله وامتثالا لأمره سبحانه، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك بالطاعة القولية والعملية حتى يكون الدين كله لله. يقول سبحانه:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} (1)، وقوله:{وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} (2).
(1) سورة البقرة الآية 193
(2)
سورة الأنفال الآية 72
حماسة المسلمين:
والمسلمون لمحبتهم لدينهم ورغبتهم في الدفاع عنه، ولفرط ما يوقعه المشركون على المسلمين من أذى، فقد كبرت الحماسة في نفوسهم بعدما بدأ عددهم يتكاثر، فكانوا يتمنون أن يفرض عليهم أمر بالقتال، وكانت كثير من آي الذكر الحكيم في السور المكية، وبداية العهد المدني توطن النفوس، وتهيئها للاستجابة والتحمل، وترغبها في الجزاء الأخروي، وتحمسها لنشر دين الله في الأرض، وكل ذلك من أجل إدراك المفهوم البعيد نحو الجهاد والغاية التي شرع من أجلها، وهي إقامة شرع الله، وفتح القلوب له ترغيبا أو ترهيبا، فإذا قبلته وذاقت حلاوته فلن ترضى عنه بديلا. كما قال سبحان:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (1){إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (2).
ففي مثل هذه الآيات منهج مرسوم لما يحققه الجهاد من دفاع عن الكرامة الإسلامية، ومحافظة على الشخصية المتميزة في التعامل، ليكون للمسلم قوة
(1) سورة الممتحنة الآية 8
(2)
سورة الممتحنة الآية 9
ومهابة، هي العزة التي يحرص عليها الإسلام نحو أبنائه في ظل خيمة الإسلام الوارفة وحمايته القوية: عقيدة وعملا، ومنهج سلوك وميدان تعامل.
فالآيات التي تحث على الجهاد سواء في جهاد النفس أو في جهاد الهوى والشيطان، كلها تنبئ عن عمق ما يرنو إليه المجاهد، وما يحرص منهج التشريع في الإسلام على تحقيقه بقوة الجهاد، إذ كثير من الأمور لا تأتي بالمهادنة والملاينة، والتراخي في العرض، والليونة في الصد.
فالنظرة البعيدة، والتهيئة الحاضرة، لا بد أن تستند على قاعدة أساسية لهذا المنطلق، وذلك ببيان حقيقة الدين وما يصبح عليه الذين آمنوا، والتمجيد لحالتهم الدنيوية بالتمكين، ولمعادهم الأخروي بالنعيم المقيم، ومقاربة ذلك تشويقا ببيان حقيقة الكفر، وما يئول إليه الذين كفروا من خسارة وخذلان في الدنيا، وعاقبة سيئة، وشقاوة أبدية في الدار الآخرة التي هي مصير أزلي لكل إنسان في هذه الدنيا.
وفي هذه المعادلة المرتبطة بالجهاد، يتضح من النتائج الحتمية التي هي وعد من الله جل وعلا، ووعده سبحانه حق لا مراء فيه، بيان حكمة عمليات الجهاد القتالية والتشجيع عليه، بإكرام الله لمن استشهد أثناء القتال، وما أعد الله له سبحانه من مكانة رفيعة حتى لا يزهد فيه أحد، ولما يتركه من نتائج في رفع الظلم، واستقرار النفوس وأمن المجتمعات.
أما من يخوض الحرب ولم يتحقق له فضل الاستشهاد، فإن الله يعده بالنصر على الأعداء، والعلو في الدنيا عندما ينتصر لدينه، ويتفانى في الذود عنه، ونفي الشبهات التي يسلطها أعداء الله، وأعداء دين الإسلام، وذلك بالحرص على إظهاره على الباطل، وتغليب سلطانه على غيره، وهذا مدخل من مداخل الدعوة لدين الله وترغيب الآخرين فيه تفقها وتعليما وتوضيحا وترغيبا، لأن مبدأ الجهاد: الدعوة إلى دين الله وإسماع الآخرين صوت هذا الدين، ومنهجه في مخاطبة النفوس ومعالجته لشئون الحياة، وإعطاء المهلة في ذلك لترعوي القلوب،