الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأقول بكل ثقة واعتزاز إن ديني هو الإسلام وإيماني به لا يتزعزع، والقرآن كلام الله حقيقة، ومحمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين وهو رسول الله إلى الناس كافة، وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام من أنبياء الله، ومن أولي العزم من الرسل، والله قد بعث في كل أمة رسولا، والإسلام هو دين الله الخاتم الذي لا يقبل دينا غيره، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
هذا وقد أجريت تغييرا في ترتيب الأسئلة صنفتها حسب موضوعاتها، ولم ألتزم ترتيبها الأصلي، وسوف أثبت في آخر الأجوبة مجموعة الأسئلة حسب ترتيب واضعيها.
المساواة:
المساواة في البشر ترجع إلى مدى تطابقهم وتماثلهم في الصفات الخلقية والخلقية، فكلما تطابقت هذه الصفات أو تقاربت كانت المساواة والمماثلة أدق وأقرب، وإذا تفاوتت لزم التفاوت في الآثار.
وأخذا من هذه المقدمة فمن المتعذر الجزم بالتساوي المطلق بين بني البشر، غير أننا نقول: إن الأصل هو التساوي في الحقوق والواجبات لوجود الحد الأدنى من التماثل في القدرات البدنية والكفاءات الذهنية، التي تجعلهم قادرين على فهم النظم والقوانين، واستيعابها وتطبيقها والاستجابة لها والمحاسبة عليها، ولكن من المعلوم أن أصل خلقة البشر جاءت على التفاوت في المواهب والأخلاق مما يجعل هناك موانع جبلية واجتماعية وسياسية على نحو ما هو مثار في الأسئلة.
وبعض هذه الموانع قد يكون مؤقتا، وقد يكون دائما، وبعضها قد يكون قليل الحصول وقد يكون أغلبيا.
غير أن أثر كل مانع مقصور على نفسه فلا يمنع من المساواة في الحقوق
الأخرى، فصاحب الخلق الفاضل لا يساوي دنيء الخلق في مجاله، لكنه لا يمنع التساوي في الحقوق الأخرى، والذكي لا يساوي الغبي، والمرأة ليست كالرجل في صفاتها ومواهبها وقدراتها، وسيأتي للكلام على المرأة موضع مستقل إن شاء الله، هذه بعض الموانع الجبلية الخلقية.
ومن الموانع الاجتماعية - أي الموانع التي اتفق عليها المجتمع نتيجة للخبرة وممارسة الحياة، وهي في حقيقتها راجعة إلى القناعة العقلية المؤكدة للتفاوت في هذه الصفات - منع التساوي بين العالم والجاهل، فإن الناس متفقون على أن الجاهل لا يستحق الصدارة في المسئوليات والاعتماد عليه في قضايا الأمة وشئون المجتمع.
ومن الموانع السياسية ما يتفق عليه أهل الحكم والإدارة من منع بعض الفئات من تولي مسئوليات في الدولة لأسباب سياسية أو عسكرية، وهو أمر معترف به بين الأمم من غير إنكار، وذلك كمنع الأجنبي من تولي مسئولية من مسئوليات الحكم في الدولة حيث تقصر هذه الولايات والوظائف على الوطنيين، ومثله حق الانتخاب والمنع من بعض الحرف والاستثمار.
والتنظيم الخاص بالعسكريين والدبلوماسيين ومنعهم من الزواج بالأجنبيات، وأمثال ذلك كثير، ويندرج في ذلك منع الذميين في دولة الإسلام من تولي بعض الولايات.
ومثله منع أهل الذمة من الزواج بالمسلمات مما سيأتي له مزيد تفصيل.
ويمكن اعتبار هذين المثالين الأخيرين من الموانع الشرعية؛ لأن هذه أحكام مقررة في الشريعة الإسلامية وهي ترجع - كما يلاحظ القارئ - إلى أمور منطقية وأعراف اجتماعية صحيحة.
هذه أمثلة يمكن من خلالها فهم الضوابط، ومن ثم القناعة العقلية بعدم إمكان المساواة المطلقة بين الناس.
بل لو قيل بالمساواة المطلقة لترتب على ذلك أمور لا يطيقها البشر، ولأدى بالناس إلى إهمال مواهبهم وإهدار طاقاتهم، وذلك فساد قبيح ظاهر يئول إلى اختلال نظام العالم في إلغاء المميزات والحقوق التي تقود إلى البناء والإصلاح وتقدم العالم، وانهيار الشيوعية الذي نشهده هذه الأيام برهان ماثل لأهل العقل والحكمة.
وإذا كان الأمر كذلك، فإن التفاوت في المواهب واستغلالها وطريقة الاستفادة منها يترتب عليه تفاوت مادي فيما يستحقه كل صاحب موهبة، يفيد منها أهله ومجتمعه. ومن أجل هذا برز الترتيب الوظيفي في رؤساء المصالح ومديريها ومن دونهم.
والشريعة الإسلامية - وتمشيا مع الفطرة السليمة - لا يمكن أن تدعو إلى مساواة تلغى فيها هذه الفروق الفردية والمواهب الشخصية والتمايز الموجود بين بني الإنسان، مما له أثر في صلاح العالم أفرادا ومجموعات، وذلك الصلاح والإصلاح هو غاية الشريعة ومقصدها.
إذن هذا هو التفاوت المؤثر والمقتضي للمنع من المساواة عند وجوده.
أما التمايز بسبب الجنس أو اللون أو اللغة فهو غير مؤثر في شريعة الإسلام ألبتة، لكنه مشار إليه في الشريعة على أنه آية من آيات الله الدالة على عظمته وكمال قدرته واستحقاقه للعبادة سبحانه.
ولهذا النوع من التمايز وظيفة أخرى نبه إليها دين الإسلام، وهي وظيفة التعارف والتآلف، وفي النص القرآني الكريم:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} (1)
يؤكد ذلك في دين الإسلام أنه من المتقرر عند المسلمين أن الله لم يخلق شعبا فوق الشعوب، ولم يميز قوما على قوم، وقيمة الإنسان عند الله وعند الناس ما يحسنه ويقوم به من عمل صالح وجهد طيب في طاعة الله واتباع أمره وهو
(1) سورة الحجرات الآية 13