الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتناقش محاسن هذا الدين بالمقارنة مع أي مبدأ أو عقيدة، فإن لم يقبلوا الدخول في دين الإسلام بعد مهلة المراجعة، فإنهم يطالبون بدفع الجزية عن يد وهم صاغرون، أما مع عدم الاستجابة وبعد انتهاء فترة الخيار التي يجب على القائد المسلم تقديمها لمن يريد قتالهم، فإنه لا مناص من القتال، الذي يؤيد الله به الفئة المؤمنة، ويثبت به أقدام المجاهدين، بإهلاك الكافرين وإحباط أعمالهم. وهذا ما يتم في الدور العملي للجهاد.
لا بد للجهاد من قاعدة:
فعندما تكالبت قوى الشر، وازداد كيدها في محاولة للقضاء على النور الذي أضاءه الله برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، تحرك الشر أكثر من ذي قبل، بعدما أذن الله لنبيه الكريم عليه الصلاة والسلام بالهجرة إلى المدينة، فقد شعر أعداء دين الله بأن هذا المنتجع الجديد قد يفتح عليهم جبهة جديدة يكبر حجمها بتكاثر من يدخل في الإسلام ويتأصل كيانهم بتقاطر جمعهم من كل مكان، وذلك بعدما أصبح لهم قاعدة ينطلقون منها، وأنصارا يزداد عددهم ويسندون ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، مما جعل الخطر في نفوس المشركين يزداد والخوف يتضاعف، كما حصل بعد ذلك في كل زمان ومكان من تكالب قوى الشر على المسلمين. كلما شعروا بنقاط ضعف فيهم ووجود ثغرة ينفذون منها.
ولذا خطط المشركون لاستئصال شأفة المسلمين والقضاء على الدعوة بالمكيدة لمحمد صلى الله عليه وسلم، في محاولة منهم لكي يطغى صوت الباطل على دعوة الحق {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (1).
فبدأ التحالف مع القبائل الأخرى، وسعوا إلى تمكين القوة المعنوية في حلفائهم بالوعود والترغيب، وهذه ظاهرة تبرز في كل عصر ومصر، كما هي
(1) سورة الصف الآية 8
لدى قوى الشر التي تريد التصدي للحق، ولا سبيل إلى علاجها - كما يبرز في مكائدها وتحالفها ضد الإسلام وأهله، مهما تسترت خلفه من أقنعة، أو سارت وراءه من غايات ومبادئ - إلا بنفس العلاج الجهادي الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا القول الكريم:{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} (1) ثم مدح الله هذه الفئة بصالح أعمالهم وجميل صفاتهم، وذلك بقوله:{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (2). فكان هذا إيذانا للبدء بالقوة، ودخول طور جديد في حياة المسلمين وتهيئة نفوسهم لتقبل الجهاد، والثبات في ملاقاة أعداء الله: ردا للظلم، وانتصارا لشرع الله، واحتسابا لما وعدوا به في إحدى الحسنيين: إما الظفر على الأعداء أو الشهادة في سبيل الله. وفي كلا الحالين رفع للذلة عن المسلمين، وإعانة للمظلوم، وتقوية للأمة الإسلامية.
قال أبو السعود في تفسيره، عندما مر بهذه الآية الكريمة: أي بسبب أنهم ظلموا وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم، كان المشركون يؤذونهم، وكانوا يأتونه عليه الصلاة والسلام بين مضروب ومشجوج ويتظلمون إليه، فيقول عليه الصلاة والسلام:«اصبروا فإني لم أومر بالقتال» حتى هاجروا فأنزلت هذه الآية، وهي أول آية نزلت في القتال، بعدما نهي عنه في نيف وسبعين آية، وقد وعدهم بالنصر وأكد ذلك بمؤكد، وأن المراد ليس تخليصهم من أيدي المشركين، بل تغليبهم وإظهارهم عليهم، والإخبار بقدرته على نصرتهم، وارد على سنن الكبرياء (3).
أما ابن كثير رحمه الله، فقد أورد قول مجاهد والضحاك وغيرهما من علماء السلف الذي جاء فيه: هذه أول آية نزلت في الجهاد، واستدل بعضهم بأن
(1) سورة الحج الآية 39
(2)
سورة الحج الآية 41
(3)
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم 4: 28.