الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 -
الآثار التي تترتب على البقاء مع الأصل، والتي تترتب على العدول عنه إعمالا للدواعي الطارئة:
لما كان الترجيح بين الأقوال المختلفة لا يتوقف على أدلة كل منها فقط، بل يتوقف أيضا على ذكر لوازم الأقوال وما يترتب على العمل بكل منها من الآثار، وجب ذكر الآثار للنظر فيها إلى جانب الأدلة المتقدمة، وبعد المقارنة من هيئة كبار العلماء بين الأدلة والآثار يمكنها الترجيح. ويحسن قبل ذكر الآثار ذكر تمهيد لها في الفرق بين الشرع المنزل والمؤول، والمبدل.
تمهيد في الفرق بين الشرع المنزل، والمؤول، والمبدل:
من المعلوم أن ما يسمى شرعا يكون منزلا، ومؤولا، ومبدلا، فالمنزل ما أراده الله من الكتاب وما أراده الرسول صلى الله عليه وسلم من السنة، والمؤول ما فهمه العلماء من الشرع المنزل، ولذا انقسموا إلى قسمين: مصيبون، ومخطئون، فالمصيبون هم الذين أصابوا مراد الله ومراد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشرع المنزل، والمخطئون بخلافهم.
وأما المبدل فهو ما لم يرجع في وضعه إلى الكتاب والسنة من القوانين الوضعية ونحوها مما خالف الحكم فيه الكتاب والسنة الصحيحة، أو إجماع الأمة، وهذا القسم ليس بمقصود في بحثنا للإجماع على تحريمه. وفيما يلي بيان الآثار المترتبة على كل منهما:
أ-
الآثار المترتبة على البقاء مع الأصل:
1 -
في البقاء مع الأصل حفاظ تام على الشرع المنزل، وإعمال الأفكار في فهم أحكامه من عبادات ومعاملات، وأخلاق، وتدبر آياته ومواعظه إلى غير ذلك مما جاء به من هداية البشر وصلاح الناس أجمعين.
2 -
في البقاء مع الأصل ربط القلوب به، وزيادة الثقة فيه، وإذكاء روح الغيرة عليه في النفوس، وتربية المهابة والإجلال في القلوب.
3 -
في البقاء مع الأصل السلامة من الزيادة والنقص في التشريع والأمن من التغيير والتبديل، ومن المعلوم أن سد الذرائع واجب شرعا.
4 -
العناية بالفقه المؤول الذي دونه أسلافنا، وكان من خير ما ورثنا عنهم، ومن المعلوم أن مصادر التشريع لم تكن جميعها معلومة لكل واحد منهم.
وأن الفقه لم يكن وقفا على جماعة من العلماء دون غيرهم ولا كان الحق من آراء الفقهاء متعينا في قول جماعة منهم دون سائرهم، فكان البقاء مع الأصل، وترك الباب مفتوحا لدراسة الفقه المؤول ومقارنته بمصادر الشريعة، وتطبيقه على جزئياته نظريا وعمليا في الحياة الخاصة والعامة أوفق ليسر الشريعة وكمالها وإحاطتها بجميع الأحكام.
5 -
من المعلوم أن المسائل العلمية منها ما هو موضع إجماع - وهذا لا إشكال فيه - ومنها ما هو موضع خلاف، وهذه للخلاف فيها أسباب متعددة
منها ما يرجع إلى بقاء الدليل من عدمه. ومنها ما يرجع إلى طريق الأدلة. ومنها ما يرجع إلى متن الدليل. ومنها ما يرجع إلى دلالته. ومنها ما يرجع إلى ما يحيط به من اختلاف في التقعيد، فنراهم في بعض المذاهب يحبذون فهم الأدلة الشرعية وحكم المسائل الجزئية على التقعيد المذهبي. هذا من جهة، ومن جهة أخرى هم مختلفون في مسالك الترجيح بناء على اختلافهم في التقعيد، فتجد مرجوحا عند الشافعية راجحا عند الحنفية وهكذا.
ومن جهة ثالثة وصف القول بأنه راجح من حيث التقعيد الشرعي، لا من حيث التقعيد المذهبي، وصفه بذلك ليس من الأوصاف اللازمة، فقد يكون راجحا في وقت بالنظر لما يحيط به من ظروف وملابسات من اختلاف الأحوال والأزمنة والأمكنة والأشخاص، ويكون مقابله على هذا الأساس مرجوحا فتتغير الأمور ويكون المرجوح راجحا، والراجح مرجوحا، وهذا كما يجري في الظاهر ومقابله، يجري أيضا في المسائل ذات الأقوال المتساوية في ظن المجتهد. فإن هذا قد يكون بالنسبة لوقت، ويأتي وقت آخر يوجد فيه من القرائن ما يجعل واحدا منها راجحا، فراجحية القول في المسائل الخلافية إنما تظهر بعد دراسة واقع المسألة وتطبيقها على موضعها من الشرع،