الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثا: مسئولية البيئة الاجتماعية:
(أ) الأسرة.
(ب) الأصدقاء.
(ب) المجتمع المحلي.
(أ) الأسرة هي الخلية الأولى في المجتمع.
وفي بيئتها، ينشأ الأبناء في أطوار حياتهم الأولى ويتمثلون بآبائهم عن طريق المحاكاة والتقليد، بحيث تتطبع نماذج سلوكهم بدرجة كبيرة بالدور الذي يمارسه كل من الأب والأم معهم. وإذا كانت التنشئة الاجتماعية متكاملة متوافقة مع مبادئ الإسلام وقيمه الأخلاقية وآدابه الرفيعة ومثله العليا، فإن الأبناء يستقون من الخصائص النفسية والعقلية والأخلاقية ما يمكنهم من التوافق الاجتماعي السليم.
وأهم مراحل العمر في التنشئة الاجتماعية هي: الطفولة والمراهقة ودور الأسرة في هذه المظاهر:
(1)
الاهتمام بذات الطفل وإمكاناته واستعداداته وقدراته.
(2)
إتاحة الفرص أمام الطفل لممارسة الأعمال الهادفة في جو يتسم بالحرية دون الفوضى والمؤازرة دون المخاذلة والحماية دون الإهمال.
ويلاحظ أن الإفراط والمغالاة في تنشئة الصغار يدفعان بالصغير إلى التقيد بالحدود أكثر من اللازم، بل قد يؤدي به الحال إلى الصلابة والجمود، كما أن التراخي في التنشئة يؤدي إلى تجاوز الصغير الحدود والآداب المرعية وعدم مراعاة الحقوق والمشاعر.
كما ينبغي على الأسرة أن تراقب أبناءها مراقبة مستمرة وأن تكون قدوة
طيبة لهم في السلوك والأخلاق والقول والفعل وأن تتكفل بحاجات أبنائها الأساسية والضرورية ما استطاعت إلى ذلك سبيلا وفي حدود إمكاناتها المتاحة. وأخيرا، على الأسرة أن تتساءل بدقة عن الدور الذي تقوم به نحو أبنائها قبل أن تلوم أحدا أو تعلق أخطاءها على غيرها.
(ب) تخير الأصدقاء وجماعة الرفاق:
ثبت من خلال الدراسات والتجارب أن المرء يتكيف سلوكه حسب المجموعة التي تحيط به وأن للصداقات الخاصة أثرا عميقا في توجيه النفس والعقل. ولها نتائج هامة فيما يصيب الإنسان، بل الجماعة كلها من تقدم أو تأخر ومن قلق أو اطمئنان.
وقد عني الإسلام بهذه الصلات التي تربطك بأشخاص يؤثرون فيك ويتأثرون بك ويقتربون من حياتك اقترابا خطيرا لأمد طويل.
إن هذه الصلات إن بدأت ونمت نبيلة باركها الله، وإن كانت رخيصة مهينة ردها في وجوه أصحابها:
{الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} (1){يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُُونَ} (2)
إن أثر الصديق في صديقه عميق، ومن ثم كان لزاما على المرء أن ينتقي إخوانه وأن يبلو حقائقهم حتى يطمئن إليها ويثق في معدنها!
فإن كانوا قرناء خير يعينونه على أداء الواجب وحفظ الحقوق ويحجزونه عن السوء واقتراف الحرام فهم قدوة حسنة يجب أن يستمسك بهم ويحرص على مودتهم، وإلا فليحذر الانخداع بمن يزينون له طرق الغواية أو يسترسلون معه في أسباب اللغو واللهو.
إن الطبع يسرق من الطبع وما أسرع أن يسير الإنسان في الاتجاه الذي يهواه صاحبه وللعدوى قانونها الذي يسري في الأخلاق كما يسري في الأجسام.
(1) سورة الزخرف الآية 67
(2)
سورة الزخرف الآية 68
وقد شوهد أن عدوى السيئات أشد سريانا وأقوى فتكا من عدوى الحسنات (1) ففي أحيان كثيرة تنتقل عدوى التدخين من المصاب بها إلى البريء منها وتنتقل حمى الإدمان على المخدرات من المبتلى بها إلى البعيد عنها ويندر أن يقع العكس لذا أمر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بتخير الجليس فقال: «ومثل الجليس الصالح كمثل صاحب المسك إن لم يصبك منه شيء أصابك من ريحه، ومثل جليس السوء كمثل صاحب الكير إن لم يصبك من سواده أصابك من دخانه (2)» فعلى المسلم أن يتخير الأصحاب وأن ينأى بنفسه على مجالسة أصحاب المعاصي. وعلى الأسرة أن تختار وتشجع أبناءها على الصحبة الخيرة التي تعود عليهم بالخير.
(ج) مسئولية المجتمع في مكافحة هذه الآفات:
المجتمع المحلي يشمل الأسرة والمدرسة والأصدقاء والمساجد ودور الإعلام وهيئات وإدارات الدولة والهيئات الأمنية والصحية والاجتماعية وكلها مؤسسات لها دورها وكيانها ولها أولوياتها في التأثير على الأفراد (3).
والمجتمع المسلم يمتاز بميزات لا يمكن أن تتوفر في أي مجتمع آخر، ذلك أنه يقيم أساس بنيانه على طاعة الله وطاعة رسوله والانقياد لأمر الله وتحكيم شرعه في الحياة، ثم هو بعد ذلك يتواصى أفراده فيما بينهم بالحق ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، والآيات الدالة على هذا الأمر كثيرة والأحاديث النبوية وفيرة في هذا المجال، ومن ذلك:
قال تعالى: {وَالْعَصْرِ} (4){إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (5){إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (6)
وقال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (7) الآية [110 من سورة آل عمران].
(1) انظر: خلق المسلم، الشيخ محمد الغزالي ص189.
(2)
سنن أبي داود جـ 5/ 166 حديث رقم 4829.
(3)
الإدمان: د / عبد المجيد سيد أحمد منصور ص288.
(4)
سورة العصر الآية 1
(5)
سورة العصر الآية 2
(6)
سورة العصر الآية 3
(7)
سورة آل عمران الآية 110
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول له يا هذا اتق الله ودع ما تصنع، فإنه لا يحل لك ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض. ثم قال أي قرأ من القرآن: ثم قال: [يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم،: كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصرا أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم يلعنكم كما لعنهم (5)»
فالمجتمع الإسلامي لا يكون مجتمعا إسلاميا حقا حتى يقيم هذه الصفات الطيبة وينفذ هذه الأوامر الإلهية الصريحة. ومجتمع هذا شأنه لا بد أن يقوم بدوره في مقاومة الفساد فلا يقبل أن تنتشر في ربوعه أي نوع من أنواع الخبائث ولا يرضى أن يدخل إلى بيئته من يروجها وينشر الفساد بين أفراده، بل يزدري أصحاب المعاصي ويلفظهم ويحتقرهم ويضيق عليهم الخناق ويسرع بالتبليغ عنهم إلى السلطات المسئولة ليأخذوا جزاءهم ويكونوا عبرة لغيرهم والله من وراء القصد.
(1) سن أبي داود جـ 4/ 508 حديث رقم 4336.
(2)
سورة المائدة الآية 78 (1){لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}
(3)
سورة المائدة الآية 79 (2){كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}
(4)
سورة المائدة الآية 80 (3){تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ}
(5)
سورة المائدة الآية 81 (4){وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}