الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من غير خجل ولا حياء ويقولون وقولهم النكر والضلال بأنه لم يرد نص صريح من الكتاب والسنة بتحريم هذه السموم الضارة الخطيرة التي هي سم قاتل وداء عضال وجرثومة تستشري في جسم الأغبياء والجهلاء والمخدوعين {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} (1).
إن من يقول بحل شيء من هذه السموم، فلا يخلو إما أنه مخدوع جاهل أو مكابر معاند، وعلى كل حال، فإنه يستتاب فإن تاب ورجع إلى الله وأناب وإلا فسيحفر قبره بيده ويلقى حتفه بنفسه جزاء وفاقا.
(1) سورة الكهف الآية 5
تاسعا: حكم تصرفات من يتناول المخدرات:
"إذا تناول المسلم شيئا من هذه المواد المخدرة باختياره وكان عالما بها وبحرمتها وسكر منها، فقد يحدث منه طلاق لزوجته أثناء غياب عقله من أثر تناوله لهذه المواد. وقد يتصرف تصرفا خاطئا يؤدي إلى إزهاق الأرواح وإتلاف الأموال وقد يتفوه وهو في نشوة السكر وغيبوبة العقل بكلمة الكفر. وقد يقذف غيره وقد يعتق ويقر وينفي ويثبت فهل يؤاخذ بهذا كله؟ أم أن هذا من قبيل الأقوال وما كان كذلك فليس مؤاخذا به إلا ما كان من قبيل الأفعال"(1). وقبل أن نحرر الكلام في هذا المقام يجب أن نميز بين السكران الفاقد للتكليف الذي لا نية له ولا إرادة، وبين من لم يصل في سكره إلى هذه الحالة، بل له تمييز وقصد وإرادة وبناء على هذا فإن السكران له حالتان:
الحالة الأولى: ألا يتكلم إلا بما يعقل ويتحفظ عن كثير من الكلام ويسمع الخطاب ويرد الجواب.
الحالة الثانية: أن يخلط في كلامه ويتصرف تصرفات تضر بنفسه وبالآخرين ولا يفرق بين العدو والصديق ويغمى عليه ولا يعلم بما يقول.
(1) النية وأثرها في الأحكام الشرعية د / صالح الغانم السدلان جـ 2/ 890.
وأحسن ما قيل في حد السكران الذي لا يميز أنه الذي لا يعلم ما يقول لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (1) الآية 43 سورة النساء.
والذي يتناول من هذه المواد والعقاقير المخدرة لا يخلو حاله من واحدة من هاتين الحالتين، بل إن الحالة الأولى بهم أغلب وبحالهم أنسب فإننا نرى أن أكثر المتعاطين لهذه المواد والمدمنين عليها يشربون ويباشرون الأعمال ويتصرفون مع وجود نشوة السكر التي تظهر على أحدهم عدم الانضباط في بعض الكلام والحركات وملامح الوجه. وبما أن الأمر كذلك فإنهم مؤاخذون بما يتكلمون به من طلاق وعتاق وإقرار ونفي وإثبات وإن تعدوا في خلال سكرهم هذا فقتلوا أو جرحوا لزم القود منهم والقصاص (2) والدليل على ذلك:
(1)
أن أكثر أهل العلم جعلوا جميع تصرفات السكران الفاقد للعقل القولية والفعلية لازمة له، مؤاخذا بما يترتب عليها (3) فأولى أن يؤاخذ من لم يصل في سكره إلى حد سقوط التكليف.
(2)
أن البعض ممن يشرب المخدرات بل أكثرهم يشربها بقصد أن تكسبه قدرة على ارتكاب المحرمات وفعل المنكرات، فالأولى أن يؤدب هؤلاء بمؤاخذتهم بكل تصرفاتهم جزاء وفاقا.
(3)
أن هذا الصنف من السكارى هم الذين حصلت بسببهم كثير من المصائب الفادحة: انتهاك للأعراض وسفك الدماء وتعد على الأبرياء.
بقي أن نبين حكم تصرفات من غاب عقله وفقد التمييز بين حقائق الأشياء بسبب تناوله لهذه المواد. وسيشمل الكلام المسائل الآتية:
1 -
حكم طلاق السكران بسبب تناوله شيئا من هذه المواد.
2 -
حكم معاملات من غاب عقله بتناوله لهذه المواد.
(1) سورة النساء الآية 43
(2)
انظر النية وأثرها في الأحكام الشرعية د / صالح السدلان المرجع السابق في هامش " 1 " جـ 2 ص892.
(3)
صحيح مسلم بشرح النووي 11/ 200.
3 -
حكم من يؤدي الصلاة وهو تحت تأثير المخدر.
4 -
جناية متناول المخدرات على غيره.
5 -
الإقرار بالقتل أو الحد.
المسألة الأولى: حكم طلاق السكران بسبب تناوله شيئا من هذه المواد المخدرة عالما مختارا:
اختلف أهل العلم في طلاق السكران بسبب محرم هل يقع أم لا؟ على قولين:
القول الأول: أن طلاقه يقع وإلى هذا ذهب سعيد بن المسيب والشعبي والنخعي وميمون بن مهران والحكم ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي في أحد قوليه وأبو حنيفة وصاحباه وسليمان بن حرب وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه، (1) واستدلوا.
(1)
بعموم قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (2) من غير تفريق بين السكران وغيره إلا من خص بدليل.
(2)
ولأن عقله زال بسبب معصية فينزل قائما وعقوبة عليه وزجرا له عن ارتكاب المعصية.
(3)
أنه مكلف يؤاخذ بجنايته.
(4)
ما ورد من الآثار: «لا قيلولة في الطلاق (3)» ، «كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه (4)» وغير ذلك من الآثار.
القول الثاني: لا يقع طلاقه، وهو قول عثمان بن عفان رضي الله عنه وعمر بن عبد العزيز والقاسم وطاوس وربيعة ويحيى بن سعيد الأنصاري والليث
(1) المغني لابن قدامة 7/ 114.
(2)
سورة البقرة الآية 229
(3)
المصنف لعبد الرزاق الصنعاني جـ 7/ 78.
(4)
المصنف لعبد الرزاق الصنعاني جـ 7/ 78. قال ابن حزم في المحلى جـ 1/ 257 " لا قيلولة في الطلاق " حديث موضوع، وقال: أثر: " كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه " خبر مكذوب.
وإسحاق وأبي ثور والمزني وهو مذهب الظاهرية والشافعي في أحد قوليه وهو رواية في مذهب أحمد واستقر عليها مذهبه مستدلين:
1 -
بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (1) فجعل سبحانه قول السكران غير معتبر، لأنه لا يعلم ما يقول.
2 -
صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالمقر بالزنا أن يستنكه ليعتبر قوله الذي أقر به أو يلغى.
3 -
ولأنه مفقود الإرادة أشبه المكره.
4 -
ولأنه زائل العقل أشبه المجنون والنائم.
5 -
ولأن العقل شرط التكليف ولا يتوجه التكليف إلى من لا يفهمه.
الترجيح: والراجح القول الثاني وهو أنه لا يقع طلاق السكران وهو ما رجحه ابن حزم الظاهري وابن تيمية وابن القيم رحمهم الله تعالى، وذلك للأسباب الآتية:
1 -
قوله تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (2) الآية. ففي هذا النهي إشارة إلى أن ما يقوله السكران- وهو في حالة سكره- غير معتد به.
2 -
قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} (3) سورة المائدة آية 89. ولا شك أن الطلاق يمين واليمين لا يعتد بها إلا إذا كانت صادرة عن عزيمة بقصد الحمل على فعل شيء أو تركه وهذا ما يشير إليه قوله: {بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} (4) وطلاق السكران لا يمكن أن يقال عنه: إنه صادر عن عزيمة وإرادة حقيقية، فحمل ما تلفظ به في هذا الصدد على اللغو أقرب، وقد رفعت المؤاخذة عن اللغو بنص القرآن الكريم.
(1) سورة النساء الآية 43
(2)
سورة النساء الآية 43
(3)
سورة المائدة الآية 89
(4)
سورة المائدة الآية 89
3 -
قوله صلى الله عليه وسلم في حق ماعز الأسلمي: «أشرب خمرا (1)» بعد قوله صلى الله عليه وسلم «أبه جنون؟ (2)» يومئ إلى أن السكر يترتب عليه إبطال الإقرار الذي صدر منه أثناءه فكذلك يبطل به لفظ الطلاق إذ كل منهما قول.
4 -
ليس في الموضوع نص صريح والأصل بقاء ما كان على ما كان " حتى يرتفع حكم الأصل بدليل. والأصل هو وجود الرابطة الزوجية فلا ينبغي أن يرتفع هذا الحكم إلا بدليل صحيح صريح. وبهذا يترجح عدم وقوع طلاق السكران بسبب تناوله شيئا من هذه المواد المخدرة. . والله أعلم (3).
(1) صحيح مسلم الحدود (1695).
(2)
صحيح مسلم الحدود (1695).
(3)
انظر: النية وأثرها في الأحكام الشرعية للمؤلف جـ 2/ 890.
المسألة الثانية: حكم معاملات من غاب عقله بتناوله لهذه المواد:
إذا حدث تصرف من بيع أو شراء أو هبة أو غيرها من أنواع المعاوضات المالية أثناء فقده لتمييزه من شرب هذه المواد المخدرة. . فما الحكم؟
انقسم جمهور الفقهاء في هذه القضية إلى قسمين:
أحدهما: يرى عدم صحة تصرفات من سكر بسبب تناوله لهذه المواد فيما يتعلق بالمعاوضات من بيع وشراء وإجارة وهبة. . إلخ، وهو ما يستفاد من كلام علماء المالكية والحنابلة وبعض الشافعية وابن حزم الظاهري.
ثانيهما: يرى صحة هذه العقود وهم علماء الحنفية والصحيح من مذهب الشافعية وقول عند الحنابلة.
والراجح: القول الأول: وهو عدم صحة تصرفات السكران في المعاوضات المالية لما يلي:
1 -
أن الأصل في فاقد العقل عدم مؤاخذته بأقواله وأفعاله.
2 -
أن القول بصحة تصرفاته يعتبر عقوبة أخرى تضاف إلى العقوبة على السكر، لكنها هنا لا ينحصر أثرها على الجاني نفسه، بل سيمتد أثرها