المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ نقول عن بعض الفقهاء المعاصرين - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٣٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌ المذهب المالكي:

- ‌ المذهب الشافعي:

- ‌ المذهب الحنبلي:

- ‌ نقول عن بعض الفقهاء المعاصرين

- ‌أولا: أدلة من قال بالمنع:

- ‌ثانيا: أدلة من قال بجواز الإلزام أو وجوبه:

- ‌ الدواعي والأسباب التي تبرر التدوين والإلزام:

- ‌تمهيد في الفرق بين الشرع المنزل، والمؤول، والمبدل:

- ‌ الآثار المترتبة على البقاء مع الأصل:

- ‌ الآثار التي تترتب على العدول عن الأصل:

- ‌ مدى تصرف إمام المسلمين في مجال الإلزام

- ‌ هل يكفر الإنسان وعلى لسانه لا إله إلا الله

- ‌ الصلاة خلف إمام ينكر أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ هل الإكراه بالقول أو الفعل يسوغ إظهار الكفر

- ‌ دراسة الفلسفة والمنطق والنظريات التي فيها استهزاء بآيات الله

- ‌ الحد الفاصل بين الكفر والإسلام

- ‌اتخاذ المسيحيين إخوانا

- ‌ الموالاة التي يكفر صاحبها وتخرجه من الملة

- ‌ مشاركة المسلم في الاحتفالات التي يقيمها البوذيون لموتاهم:

- ‌ زيارة الأقارب الذين يحبون الكفار

- ‌ كيفية التعامل مع النصراني المجاور في السكن أو في المدرسة

- ‌ تجنس الكافر بجنسية دولة مسلمة

- ‌ دخول غير المسلم مسجدا أو مصلى للمسلمين

- ‌ اتخاذ معبد للديانات الثلاث اليهودية والنصرانية والإسلام

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌ الازدواجية في إخراج الزكاة:

- ‌مفهوم الجهاد في الإسلام

- ‌مكانة الصبر:

- ‌حماسة المسلمين:

- ‌لا بد للجهاد من قاعدة:

- ‌جهاد اللسان:

- ‌فضل الجهاد:

- ‌المساواة:

- ‌الحرية:

- ‌ حرية الفكر لا حرية الكفر:

- ‌الحرية الحقيقية:

- ‌لا إكراه في الدين:

- ‌حكم الردة:

- ‌الرق:

- ‌الإسلام والرق:

- ‌موقف اليهود من الرقيق:

- ‌موقف النصرانية من الرقيق:

- ‌أوروبا المعاصرة والرقيق:

- ‌المرأة:

- ‌الميراث:

- ‌الطلاق:

- ‌الحضانة:

- ‌تعدد الزوجات:

- ‌تطبيق الشريعة:

- ‌الحدود والعقوبات الجسدية:

- ‌الجهاد في سبيل الله:

- ‌حقيقة الجهاد:

- ‌أمم الأرض والقوة:

- ‌أهم المصادر

- ‌أولا: تعريف المخدرات:

- ‌ثانيا: أنواع المخدرات والعقاقير المخدرة:

- ‌ثالثا: تصنيف المخدرات والعقاقير المخدرة:

- ‌رابعا: حكم تناول المخدرات في الشريعة الإسلامية:

- ‌خامسا: أدلة تحريم المخدرات والمفترات والعقاقير النفسية وغيرها:

- ‌سادسا: حكم تعاطي المخدرات للعلاج ومدى مشروعية التداوي بها:

- ‌سابعا: حكم الإعانة على تناول المخدرات:

- ‌تاسعا: حكم تصرفات من يتناول المخدرات:

- ‌المسألة الثالثة: من يؤدي الصلاة وهو تحت تأثير المخدر:

- ‌المسألة الرابعة: جناية متناول المخدرات على غيره:

- ‌عاشرا: عقوبة المخدرات في الشريعة الإسلامية:

- ‌ثانيا: عقوبة الإتجار بالمخدرات وتهريبها والترويج لها:

- ‌حادي عشر: الواجب الشرعي على المسلم إزاء مدمني ومهربي ومروجي المخدرات:

- ‌ثاني عشر: أسباب تعاطي المخدرات وانتشارها

- ‌ثالث عشر: الآثار السلبية المترتبة على تعاطي المخدرات:

- ‌أولا: الآثار الناجمة عن تعاطي المخدرات على الأفراد دينيا:

- ‌ثانيا: الآثار الناجمة عن تعاطي المخدرات على الأفراد اجتماعيا:

- ‌ثالثا: الآثار الناجمة عن تعاطي المخدرات على الأفراد سلوكيا:

- ‌رابعا: الآثار الناجمة عن تعاطي المخدرات على الأفراد صحيا:

- ‌خامسا: الآثار الناجمة عن تعاطي المخدرات على الأفراد اقتصاديا:

- ‌رابع عشر: طرق الوقاية من المخدرات وعوامل مكافحتها:

- ‌أولا: سن التشريعات الوقائية:

- ‌ثانيا: التوعية الدينية

- ‌ثالثا: مسئولية البيئة الاجتماعية:

- ‌رابعا: دور المؤسسات التربوية في الوقاية من المخدرات ومكافحتها:

- ‌خامسا: التوعية الإعلامية ودور وسائل الإعلام في مكافحة المخدرات والوقاية منها:

- ‌فهرس المصادر والمراجع

- ‌أقوال الأئمة فيه جرحا وتعديلا:

- ‌أولا: الأئمة الذين جرحوه:

- ‌ثانيا: الأئمة الذين وثقوه:

- ‌ثالثا: القول الراجح فيه:

- ‌إلى من يعود الضمير في قوله: عن أبيه عن جده:

- ‌منزلة حديثه عند العلماء:

- ‌من قرارت المجامع الفقهية

- ‌القرار السابعبشأن الظروف الطارئة وتأثيرها في الحقوق والالتزمات العقدية

- ‌القرار الثانيحكم الإحرام من جدة للواردين إليها من غيرها

- ‌بيان لهيئة كبار العلماء بشأن ما كتبلولي الأمر عن بعض الأمور

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌ نقول عن بعض الفقهاء المعاصرين

هـ -‌

‌ نقول عن بعض الفقهاء المعاصرين

الذين يدعون إلى هذه الفكرة:

1 -

قال (1) محمد رشيد رضا: وأما الاجتهاد في المعاملات والقضاء فهو الاجتهاد الحقيقي الذي يعجز عنه أكثر الناس ولا يقوم به إلا طائفة تتفرغ للاستعداد للقضاء والفتوى والتعليم، ويلزم الإمام أو السلطان سائر الناس بالعمل باجتهادهم على ما بينته تبيينا، فإن أصاب هؤلاء الحق والعدل فلهم أجران وإن أخطئوا بعد التحري وبذل الجهد في المعرفة فلهم أجر واحد ويعذرون هم ومقلدوهم العاملون بمقتضى اجتهادهم.

2 -

قال (2) أيضا: فما أجمعوا عليه من أمر الدين فهو الذي لا يسع مسلما تركه وما اختلفوا فيه يرد إلى الكتاب والسنة كما أمر الله تعالى بقوله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (3) أي مآلا وعاقبة، والرد في الأمور العامة منوط بأولي الأمر، وفي الوقائع الخاصة يعمل كل فرد بما ظهر له الدليل على صحته. . إلخ.

3 -

وسئل (4) ما قولكم - دام فضلكم - في أحكام السياسة والقوانين التي أنشأها سلطان البلد أو نائبه وأمر وألزم حكام بلده وقضاته بإجرائها وتنفيذها، هل يجوز لهم إطاعته وامتثاله لإطلاق قوله تعالى:{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} (5) الآية، أم كيف الحكم؟ أفتونا مأجورين؛ لأن هذا الشيء قد عم البلدان والأقطار.

فأجاب: إذا كانت تلك الأحكام والقوانين عادلة غير مخالفة لكتاب الله وما صح من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وجب علينا أن نعمل بها إذا وضعها أولو الأمر منا وهم أهل الحل والعقد، مع مراعاة قواعد المعادلة والترجيح

(1) مجلة المنار 4/ 368.

(2)

فتاوى المنار رقم 522 ص 1466.

(3)

سورة النساء الآية 59

(4)

فتاوى المنار رقم 406.

(5)

سورة المائدة الآية 92

ص: 30

والضرورات، وإن كانت جائرة مخالفة لنصوص الكتاب والسنة التي لا خلاف فيها، لم تجب الطاعة فيها؛ للإجماع على أنه «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (1)» وهذا نص حديث رواه بهذا اللفظ أحمد والحاكم عن عمران والحكم بن عمرو الغفاري، وصححوه بلفظ:«لا طاعة لأحد في معصية الله إنما الطاعة في المعروف (2)» ، ولا يشترط أن تكون هذه القوانين موافقة لاجتهاد الفقهاء فيما أصلوه أو فرعوه برأيهم؛ لأنهم صرحوا بأن الاجتهاد من الظن ولا يقوم دليل من الكتاب والسنة ولا من العقل والحكمة على أنه يجب على الناس أن يتبعوا ظن عالم غير معصوم، فلا يخرجوا عنه ولو لمصلحة تطلب، أو مفسدة تجتنب، ولا يغير هذا القيد.

وكذلك يطاع السلطان فيما يضعه هو أو من يعهد إليه ممن يثق بهم من القوانين التي ليس فيها معصية للخالق، وإن لم يكونوا من أولي الأمر الذين هم أهل الحل والعقد لأجل المصلحة لا عملا بالآية، ولكن إذا اجتمع أهل الحل والعقد ووضعوا غير ما وضعه السلطان وجب على السلطان أن ينفذ ما وضعوه دون ما وضعه هو؛ لأنهم هم نواب الأمة وهم الذين لهم حق انتخاب الخليفة، ولا يكون إماما للمسلمين إلا بمبايعتهم، فإن خالفهم وجب على الأمة تأييدهم عليه لا تأييده عليهم.

وبناء على هذه القاعدة التي لا خلاف فيها عند سلف الأمة؛ لأنها مأخوذة من نصوص القرآن الحكيم، قال الخليفة الأول في خطبته الأولى:"وليت عليكم ولست بخيركم، فإذا استقمت فأعينوني، وإذا زغت فقوموني" وقال الخليفة الثاني على المنبر أيضا: "من رأى منكم في اعوجاجا فليقومه" وله كلام آخر في تأييد هذه القاعدة، وقال الخليفة الثالث على المنبر أيضا:"أمري لأمركم تبع" وقال الخليفة الرابع في أول خطبة له - وكانت بعد ما علمنا من الأحداث والفتن -: "ولئن رد إليكم أمركم إنكم لسعداء وأخشى أن تكونوا في فترة" وهذا مأخوذ من قوله تعالى {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (3) الشورى آية 38.

(1) مسند أحمد بن حنبل (1/ 131).

(2)

صحيح البخاري أخبار الآحاد (7257)، سنن النسائي البيعة (4205)، سنن أبو داود الجهاد (2625)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 82).

(3)

سورة الشورى الآية 38

ص: 31

4 -

قال (1) الأستاذ مصطفى أحمد الزرقا: والاجتهاد الإسلامي قد أقر لولي الأمر العام من خليفة أو سواه أن يحد من شمول بعض الأحكام الشرعية وتطبيقها ويأمر بالعمل بقول ضعيف مرجوح إذا اقتضت المصلحة الزمنية ذلك فيصبح هو الراجح الذي يجب العمل به، وبذلك صرح فقهاؤنا وفقا لقاعدة "المصالح المرسلة، وقاعدة تبدل الأحكام بتبدل الزمان" ونصوص الفقهاء في مختلف الأبواب تفيد أن السلطان إذا أمر بأمر في موضوع اجتهادي "أي قابل للاجتهاد غير مصادم للنصوص القطعية في الشريعة" كان أمره واجب الاحترام والتنفيذ شرعا، فلو منع بعض العقود لمصلحة طارئة واجبة الرعاية، وقد كانت تلك العقود جائزة نافذة شرعا، فإنها تصبح بمقتضى منعه باطلة وموقوفة على حسب الأمر.

5 -

وقال (2) أيضا تعليقا على ذلك: جاء في كتاب الوقف من الدر المختار وحاشيته رد المختار نقلا عن معروضات المولى أبي السعود - وهو مفتي المملكة العثمانية ثم قاضي القسطنطينية في عهد السلطانين سليمان وسليم، ومن كبار رجال المذهب الحنفي المتأخرين المعول على فتاويهم وترجيحاتهم - أنه: صدر الأمر السلطاني بعدم نفاذ وقف المدين في القدر الذي يتوقف تسديد الدين من أمواله عليه قطعا لما يلجأ إليه بعض الناس من وقف أموالهم لتهريبها من وجه الدائنين.

وبناء على الأمر صرح الفقهاء من بعده بعدم نفاذ مثل هذا الوقف شرعا، وقد كانت النصوص في أصل المذهب صريحة في نفاذ وقف المدين ولو كان دينا محيطا بجميع أمواله؛ لأن الدين إنما يتعلق بذمته لا بعينه- ومضى إلى أن قال- والمهم جدا في هذه النصوص ليس هو الموضوعات التي وردت فيها، بل المبدأ الفقهي الذي تتضمنه لما له من

(1) المدخل الفقهي العام 1/ 191 ونسبه إلى رد المختار 1/ 55.

(2)

المدخل الفقهي العام 1/ 192 وما بعدها.

ص: 32

تأثير ذي بال في شتى الأحكام. . . - ومضى إلى أن قال- تحت عنوان "مشكلة إعطاء هذه الصلاحية لولاة الأمور والحل الصحيح لها" قال:

بقي أن يقال: إن إعطاء هذه الصلاحية لولي الأمر العام يؤدي إلى إمكان أن يتصرف هذا الحاكم بحسب هواه في تغيير الأحكام الاجتهادية وتقييدها بأوامر أو قوانين زمنية يصدرها. . . - إلى أن قال-: والجواب أن هذه النصوص الفقهية مفروضة في إحدى حالتين: إما أن يكون الحاكم نفسه من أهل العلم والتقوى والاجتهاد في الشريعة كما كان في الصدر الأول من العهد العباسي، وإما ألا يكون عالما مجتهدا، وعندئذ لا يكون لأوامره هذه الحرمة الشرعية إلا إذا صدرت بعد مشورة أهل العلم في الشريعة وموافقتهم.

6 -

قال (1) محمد سلام مدكور تحت عنوان "تقييد القاضي على أن يحكم بمذهب أو رأي معين" قال: إذا قيد الحاكم القاضي أن يقضي بخلاف مذهبه وبالضعيف من مذهبه فهذا التقييد باطل ولم نقف على خلاف في هذا بين المتقدمين من فقهاء المذاهب، والدليل على ذلك أن القاضي مأمور أن يحكم بالحق، والحق ما يعتقده صحيحا - سواء كان الاعتقاد عن طريق بذل الجهد والنظر، أم عن طريق الاقتناع برأي إمامه والعلم بمذهبه - وهذا يتفق مع قولهم: إن من شرط صحة القضاء أن يحكم القاضي برأيه من غير تفرقة بين ما إذا قيده السلطان أو لم يقيده، ولا بين ما إذا كان القاضي مجتهدا أو مقلدا؛ لأن المقلد رأيه هو رأي إمامه الذي هو مذهبه. وفي (2) رسائل ابن عابدين عن أنفع الوسائل أن القاضي المقلد لا يجوز له أن يحكم إلا بما هو ظاهر في المذهب إلا أن ينص الفقهاء على أن الفتوى على غير ذلك، وفي (3) حاشية ابن عابدين على الدر:

(1) المدخل للفقه الإسلامي 378 هـ وما بعد.

(2)

رسائل ابن عابدين جزء 2/ 75.

(3)

حاشية ابن عابدين 4/ 369.

ص: 33

" ولو قيد السلطان القاضي بصحيح مذهبه كما في زماننا تقيد بلا خلاف، ولو قيده بضعيف المذهب فلا خلاف بعدم صحة حكمه "وهذان النقلان يشعران بأنه إذا قيده بغير مذهبه لا يتقيد به بطريق الأولى، كما يشعران بأن هذا التقييد لا يتجه إلى المجتهد أيضا بطريق الأولى، كما (1) أن ابن قدامة الحنبلي يقول: إنه لا يجوز أن يقلد القضاء الواحد على أن يحكم بمذهب بعينه عند أحمد والشافعي، ولا أعلم فيه خلافا؛ لأن الحق لا يتعين في مذهب، وهذا يشعر أيضا بالإطلاق بالنسبة للقاضي مجتهدا أو مقلدا، هذا الإطلاق المستفاد من كلمة "أن يقلد القضاء الواحد" وقد فصل (2) الماوردي الكلام في هذا التقييد وقال: إنه إما أن يكون بالنسبة لجميع الأحكام أو لبعضها، وقد نقل (3) مثله ابن فرحون عن بعض فقهاء المالكية، وهذا التفصيل لا نرى فيه فرقا أكثر من أن ذلك الشرط إذا كان يقصد به عدم سماع القاضي بعض الدعاوى فإنه يتقيد به وهذا غير ما نتكلم عنه من تقييد ولي الأمر للقاضي أن يقضي بمذهب أو رأي.

ومما يؤيد وجهتنا في عدم أثر هذه التفرقة ما علق به (4) ابن فرحون على ما نقله إذ يقول: " إن جميع تلك التقييدات لا يجوز للإمام اشتراطها؛ لأنه اشتراط ما لا يجوز، ومن كان لا يقتضي إلا بما أمره به من ولاه فليس بقاض على الحقيقة" ولما قيد القانون في مصر من زمن بعيد القضاء في المحاكم الشرعية بالمذهب الحنفي فيما لم يرد به قانون خاص فقد استلزم ذلك أن يكون القضاء فيها مقصورا على من كان حنفي المذهب حتى لا يحكم القاضي بخلاف مذهبه بأمر من السلطان، وبعد أن اتفق الفقهاء (5) على بطلان تقييد

(1) المغني 9/ 106.

(2)

الأحكام السلطانية / 64.

(3)

تبصرة الحكام 1/ 16 / 17.

(4)

تبصرة الحكام 1/ 16.

(5)

انظر المغني 9/ 109، الماوردي / 64، التبصرة / 1 - 16.

ص: 34

السلطان للقاضي على أن يقضي بمذهب معين، فقد تناولوا عقد التولية نفسه على هذا القيد بما خلاصته أنه إذا كان تم العقد على اشتراطه سواء أكان في صيغة العقد أو متقدما عليه فإن عقد التولية باطل عند غير الأحناف صحيح عندهم، وإذا كان غير مشروط في صيغة العقد فعقد التولية صحيح إجماعا.

مما تقدم يتبين:

أولا: الفرق بين الولاة والعلماء والرعية في القرون الأولى، والولاة والعلماء والرعية في القرون الأخيرة لهذه الأمة الإسلامية لاختلاف أحوالهم علما وأمانة وعدلا، وفي قوة الثقة وضعفها، وكثرة المشاكل وقلتها، ويترتب على هذا الأمر الثاني.

ثانيا: الفرق بين القاضي المجتهد والمقلد، فالقاضي المجتهد يجب عليه أن يحكم فيما يرفع إليه من القضايا بما وصل إليه باجتهاده، ولا يجوز للحاكم العام إلزامه حين التولية أو بعدها أن يحكم بمذهب معين أو قول معين، فإن ألزمه بطل الشرط وصحت التولية، وقيل: يبطل الشرط والتولية جميعا، وإن كان الإلزام بعد التولية بطل الإلزام، وقضى بموجب اجتهاده. . أما القاضي المقلد فقيل فيه بما ذكر من الخلاف في حكم المجتهد، وقيل: تصح التولية ويمضي الشرط كان ذلك عند التولية أم بعدها ويلزمه العمل بما قيد به ولو خالف اعتقاده.

ثالثا: الفرق بين المسائل العلمية الكلية، والقضايا الجزئية، فحكم القاضي أو ولي الأمر لا يرفع الخلاف في الأولى، فيبقى لغيره حق النظر والحكم فيها بما يراه عن اجتهاد، ويرفع الخلاف في الثانية، فليس لأحد أن ينقض حكم ولي الأمر أو القاضي فيها بعينها إلا إذا خالف نص الكتاب أو السنة الصحيحة أو الإجماع.

رابعا: عموم التشريع وشموله فلا يحتاج إلى أحد سوى الله ورسوله في التشريع وإلى ولاة الأمور من العلماء والأمراء وأئمة المسلمين الفهم والتنفيذ لا غير، وإذا عرفت الأقوال فلنشرع في الأدلة ومناقشتها.

ص: 35