الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنها تحدد بجلاء المقصود من هذه القوة الإسلامية أنه شرط لا ينفك عنه أبدا، بل لو انفك عنه لبطل المصطلح ولفسد الأمر واضمحل الهدف، إن معنى "في سبيل الله " أن كل عمل يقوم به المسلم يقصد به وجه الله، ثم المصالح العامة وسعادة الأمة فهو في سبيل الله، فإنفاق المال في وجوه الخير والبر إذا قصد به المنفق منافع دنيوية أو ثناء الناس فهو ليس في سبيل الله حتى ولو دفعه إلى مسكين أو معوز. إن كلمة "في سبيل الله" مصطلح يطلق على الأعمال التي تؤدى خالصة لوجه الله من غير أن يشوبها شيء من شوائب الأهواء والشهوات. والجهاد ما قيد بهذا القيد إلا للدلالة على هذا المعنى.
فالجهاد الإسلامي الحق لا بد أن يكون مجردا من كل غرض مبرءا من كل هوى أو نزعات شخصية لا يقصد إلا تأسيس نظام عادل يقوم عليه الناس بالقسط، ينشر الحق وينصر العدل. وفي النص القرآني:{الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ} (1)
وفي النص النبوي: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله (2)» البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد.
والقرآن والسنة مملوآن ببيان هذا المعنى وتأكيده وضرورة التزامه.
(1) سورة النساء الآية 76
(2)
صحيح البخاري العلم (123)، صحيح مسلم الإمارة (1904)، سنن الترمذي فضائل الجهاد (1646)، سنن النسائي الجهاد (3136)، سنن أبو داود الجهاد (2517)، سنن ابن ماجه الجهاد (2783)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 417).
أمم الأرض والقوة:
إذا كان هذا هو مفهوم الإسلام وأمة الإسلام ومفهوم الجهاد في سبيل الله. وكانت القوة أمرا لازما للأمة والأفراد لتستقيم الحياة بمادياتها ومعنوياتها، فلا غرو أن تكون الأمم والشعوب على طول التاريخ تحب القوة وتستعد بها لتحفظ مكانتها وتعيش حياتها كريمة مصانة.
وأحب أن أنبه في خاتمة المطاف إلى تلك القوى الشريرة التي صحبت الاستعمار في كل تاريخه، تلك القوى والحروب التي أثارها المستعمرون على الأمم المستضعفة في مشارق الأرض ومغاربها وجاسوا خلال الديار يبحثون عن أسواق لبضائعهم وأراض لاستعمارهم ليستبدوا بمنابع الثروات ويفتشوا عن
المناجم والمعادن وما تغله أرض الله الواسعة من حاصلات: غذاء لبطونهم ومددا لمصانعهم ومعاملهم دون أصحابها الأصليين، يبحثون عن ذلك وقلوبهم ملأى بالجشع ونفوسهم مفتوحة بالشره تتقدمهم دبابات مجنزرة وفوق رءوسهم طائرات في جو السماء محلقة بآلات مؤلفة من العساكر المدربة يقطعون على البلاد سبل رزقها وعلى أهاليها الوادعين طريقهم إلى الحياة الكريمة. لم تكن حروبهم في سبيل الله، ولكنها في سبيل الشهوات الذاتية والأهواء الأنانية حملات وغارات على شعوب وادعة آمنة لم يكن ذنبها إلا أن الله قد أنعم عليهم بمعادن الأرض وكنوزها، معادن في الباطن وخصبا في الظاهر أو أن تكون سوقا لبضائعهم ومتنزها لبني جلدتهم الذين لفظتهم أرضهم. والأدهى والأمر أنهم قد يغيرون على بلاد آمنة لمجرد أنها تقع في طريق بلاد قد استولوا عليها من قبل.
ولكن أظهروا في هذه الأيام تحضرا واستمساكا بالقوانين الدولية والمواثيق، فإنهم ما اطمئنوا إلى ذلك إلا بعد ما ثبتوا أقدامهم ورتبوا أنفسهم ولو اختل شيء من ذلك لما حفظوا عهدا ولما التزموا بقانون وإن لهم من البراعة في تفسير القوانين والتواءات العبارات ما يجعل لهم ألف مخرج وألف معبر ناهيك بما أعدوا به أنفسهم من فنون الأسلحة الفتاكة مما لا يخطر على بال الشيطان الرجيم من متفجرات نووية وهيدروجينية وجرثومية وكيميائية. ومع هذا تجد من يثير قضية الجهاد الإسلامي مصحوبة بتلفيق من صور شراسة الطبع والخلق والهمجية وسفك الدماء وما ألقى القنبلة الذرية في هيروشيما إلا أكبر دوله متقدمة. فيا ليت أنهم قالوا كلمة صادقة لوجه الله وفي سبيل الله.
والله ولي التوفيق وهو يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم.