الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المحتويات
الافتتاحية
عضل البنات سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز 7
موضوع العدد:
بيان ما يسمى معجزة محمد الخالدة والمعجزة القرآنية إعداد اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 11
خطاب سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى أمين عام المجلس الإسلامي الأروبي 43
الفتاوى إعداد اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 47
بحث في الكتاب
مباحث في القرآن الكريم الدكتور / محمد تقي الدين الهلالي 77
بحث في السنة
السنة ومكانتها الدكتور / محمد بن عبد الله العجلان 97
بحث في العقيدة
تعقبات على كتابة بعض الناس في العقيدة والتوحيد الشيخ / عبد الله بن عبد الرحمن جبرين 127
دراسات فقهية
الحدود في الإسلام الشيخ عبد الله عبد الغني خياط 187
حكم تناول الميتة الدكتور صالح بن فوزان الفوزان 203
حكم الشهادة فيما كان من حقوق العباد الدكتور عبد الله بن محمد الزين 221
الخمر في الشريعة الإسلامية الشيخ مساعد المعتق 233
مقالات إسلامية
صلاحية التشريع الإسلامي للبشر كافة الدكتور / محمد بن عبد الله العجلان 263
منع سفر البنات للخارج في سبيل الدراسة أو الانتساب للجامعات الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود 281
التبشير في منطقة الخليج والجزيرة العربية الدكتور / محمد بن سعد الشويعر 289
الجهاد في سبيل الله أسبابه وأهدافه الدكتور زاهر عواض الألمعي 303
موارد تقي الدين الفاسي في كتابه العقد الثمين الأستاذ معالي عبد الحميد حمودة 313
أسئلة وأجوبة إعداد التحرير 323
مؤتمرات إسلامية إعداد التحرير 329
صفحة فارغة
الافتتاحية
عضل البنات
لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فإن الله تبارك وتعالى قد بعث رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين فجاء بالهدى ودين الحق ودعا الناس إلى مكارم الأخلاق ومعالي الأمور، ورغب في الخير والتعاطف والتراحم والصلة بين الأقارب والأرحام.
ومن الأمور التي حث عليها الإسلام ورغب فيها الزواج؛ فقد ورد الأمر بذلك في العديد من آيات الكتاب الكريم والأحاديث النبوية الشريفة فمن ذلك قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} (1) وقال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (2).
فذكر تعالى في الآية الأخيرة أن الفقر ليس عيبا يحول دون تزويج الصالح، ووعد في آخر الآية بالتوسعة على أولئك الفقراء وهذه بشرى عظيمة من الله وترغيبا لمن يحجم عن تزويج الفقيرة بسبب فقره؛ فبين تعالى أنه سيغنيهم من فضله فهو واسع الفضل عليم بأحوال عباده مطلع
(1) سورة النساء الآية 3
(2)
سورة النور الآية 32
عليها، وقال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (1)، وجاء في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«تزوجوا الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة (2)» ، وقال:«حبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة (3)» ، وقال منكرا على من أراد التشديد على نفسه وحرمانها من بعض متع الحياة ومنها الزواج «أما إني أخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني (4)» .
وقد وصف الله رسله بأن لهم أزواجا وذرية فقال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} (5) كما وصف أولياءه الصالحين بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (6)، فهم يسألون ربهم أن يهبهم ذلك، قال بعض السلف: ما أرى قرة عين للمؤمن مثل زوجة صالحة وولد صالح.
هذا وإذا كان الإسلام قد رغب في الزواج وحث عليه فإنه قد نهى عن الامتناع منه وحذر الأولياء من ظلم مولياتهم ومنعهن من التزوج أو الحجر عليهن فقال تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (7) وذلك لما يترتب على منع المرأة من الزواج من المفاسد والمضار التي تعود عليهم وعلى المجتمع المسلم، كما أن منعها من الزواج يعتبر ظلما لها؛ حيث حرمها وليها ما أباحه الله لها وجعله من أسباب سعادتها العاجلة والآجلة ومن أسباب حصول العفة والذرية وتكثير الأمة الإسلامية، ولا شك أن ذلك المنع يورثها من الهموم والأسقام
(1) سورة الروم الآية 21
(2)
سنن النسائي النكاح (3227)، سنن أبو داود النكاح (2050).
(3)
سنن النسائي عشرة النساء (3940)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 285).
(4)
صحيح البخاري النكاح (5063)، صحيح مسلم النكاح (1401)، سنن النسائي النكاح (3217)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 285).
(5)
سورة الرعد الآية 38
(6)
سورة الفرقان الآية 74
(7)
سورة البقرة الآية 232
والأحزان ما الله به عليم؛ حيث ترى أمثالها قد تزوجن وولد لهن الولد ورزقهن الله الذرية وعشن عيشة هنيئة سعيدة وتحققت آمالهن في الحياة الكريمة والولد الصالح الذي يرجى بره وإحسانه ومنفعته لوالديه ودينه، وهي قد حرمت من ذلك كله بسبب عضلها من قبل وليها الظالم لها.
كما أن منع المرأة من الزواج فيه تقليل لنسل المسلمين ومصادمة لشرع الله الذي حث على الإكثار من النسل ليقوى به جانب المسلمين ويرهبوا عدوهم لما في الكثرة من القوة والغلبة والاستغناء عن الغير في كثير من مجالات الحياة.
فاتقوا الله أيها الأولياء فيمن ولاكم الله عليهن وجعل أمرهن إليكم، واعلموا أنكم ستحاسبون أمام حكم عدل فيما اقترفته أيديكم من الظلم لمولياتكم ومنعهن من الزواج الذي أباحه الله لعباده وجعله طريقا مشروعا للتناسل، تتكون فيه الأسر الصالحة وتربى فيه الأجيال المؤمنة بربها القائمة بأمر دينها النافعة لأوطانها.
واعلموا أن من الأمور التي تساعد على انتشار الزواج تيسيره والإقلال من مؤنته والقناعة في المهر وعدم المغالاة فيه إلى الحد الذي يرهق كاهل الصهر، ويدفعه إلى الاستدانة مما يجعله حبيس الهموم والأحزان بدلا من الراحة والاطمئنان اللذين ينشدهما في الزواج، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة (1)» ومما يشرع للمولى أن يختار لموليته الرجل الصالح التقي ولو لم يكن غنيا أو وجيها فإن في ذلك إحسانا إلى المرأة وعناية بمستقبلها وسلامة دينها، وأن الرجل الصالح ليصون دين المرأة ويمنعها مما يشينها ويساعدها على الاستقامة والصلاح مع ما في ذلك من طاعة للرسول صلى الله عليه وسلم في قوله:«إذا أتاكم من ترضون دينه، وأمانته، فزوجوه، إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير (2)» ومن كمال النصح لموليته أن يبحث لها هو بنفسه عمن يصلح زوجا لها فقد فعل مثل ذلك بعض السلف الصالح كما ثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه عرض على أبي بكر الصديق وعثمان بن عفان رضي الله عنهما الزواج من ابنته حفصة بعد وفاة زوجها لعلمه رضي الله عنه بصلاحهما وتقواهما ومنزلتهما في الإسلام، ومعلوم أن سنته تتبع كما قال عليه الصلاة والسلام: «عليكم
(1) مسند أحمد بن حنبل (6/ 82).
(2)
سنن الترمذي النكاح (1084)، سنن ابن ماجه النكاح (1967).
بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ (1)» الحديث.
ولا يخفى شدة الحاجة إلى هذا الأمر في هذا العصر لكثرة البنات وعزوف الكثير من الشباب عن المبادرة إلى الزواج فاتقوا الله أيها الأولياء، وبادروا إلى الإحسان إلى بناتكم ومولياتكم، واعملوا ما تستطيعونه نحو تزويجهن بالرجال الصالحين واكتفوا باليسير من المهر وليحذر كل منكم من عضل بنته أو أخته أو منعها من التزوج بالرجل الصالح المرضي دينا وأمانة واتبعوا سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وهديه تفوزوا بالسعادة في الدنيا والآخرة، وفق الله الجميع للفقه في دينه والعمل بالشرع المطهر وأعاذنا وإياكم من الظلم والانحراف والزيغ والضلال بعد الهدى إنه سميع مجيب، وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
(1) سنن الترمذي العلم (2676)، سنن ابن ماجه المقدمة (44)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 126)، سنن الدارمي المقدمة (95).
هيئة كبار العلماء
بيان ما يسمى
معجزة محمد الخالدة
والمعجزة القرآنية
إعداد
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
بيان ما يسمى معجزة محمد الخالدة
والمعجزة القرآنية
المعجزة القرآنية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه. . . وبعد ففي الدورة الاستثنائية الثالثة لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة بمدينة الرياض يوم السبت الموافق 1/ 2 إلى يوم 7 منه 1399 هـ اطلع المجلس على المعاملة المتعلقة بما سماه الأستاذ رشاد خليفة المعجزة القرآنية وعلى ما جاء فيها من أن كتابة المصحف بالرسم الإملائي ينافيها، واقترح إعداد بحث في الموضوع، فأعدت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بحثا في ذلك ضمنته ما يأتي:
أولا: بيان ما يسمى معجزة محمد الخالدة، والمعجزة القرآنية المذهلة ومناقشتها.
ثانيا: هل ما يقال من أنها معجزة قرآنية صحيح أولا؟ وهل تمتنع كتابة المصحف حسب قواعد الإملاء، محافظة عليها أولا. . .؟
وفيما يلي تفصيل ذلك بحول الله وقوته:
تمهيد
لقد عني الدكتور رشاد خليفة بإثبات إعجاز القرآن وحفظه من طريق سوى الطرق التي عهدها المسلمون من قبل، واهتم بإثبات استمرار ذلك ما دامت الحياة
الدنيا ليشاهد الناس جيلا بعد جيل كتاب الله معجزة خالدة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وآية بينة تدل على رسالته وصدقه فيما يوحى إليه من ربه سبحانه، وعلى بقاء ذلك محفوظا من التبديل، والتحريف، والزيادة والنقصان مدى الدهر، وتقوم به الحجة عليهم إلى جانب ما قامت به الحجة على من سبقهم من إخوانهم المسلمين الأولين من وجوه إعجاز القرآن وغيره، وهذا مما يدل - في ظاهره - على غيرته على دينه، وحرصه على مصلحة الأمة، فلفت نظر المسلمين إلى نواحي إعجاز أخرى لم يكن لهم ولا لمن سبقهم بها عهد ولا علم، فألقى محاضرة بين فيها ما اكتشفه من وجوه إعجاز القرآن وحفظه، ثم نشرت جريدة اليوم السعودية له مقالا في عددها رقم 2399 الصادر في 12/ 10 / 1398 زاد به الموضوع شرحا وإيضاحا ليزداد الذين آمنوا إيمانا إلى إيمانهم ويقينا إلى يقينهم بأن محمدا رسول الله حقا، وأن ما أوحي إليه إنما هو من عند الله، وأنه محفوظ من التغيير والتبديل والزيادة والنقص وأنه قد وصلنا كما نزل، ولتقوم به الحجة على الذين كفروا، تباعا أكثر فأكثر {وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} (1)، فجزاه الله عن اجتهاده خير الجزاء، وهدانا وإياه إلى الطريق المستقيم.
وقد رأينا أن نثبت في إعداد هذا البحث نص محاضرته، وأن نشير إلى رقم جريدة اليوم وتاريخ صدروها لمن أراد أن يطلع على نص ما نشرت له، ثم نعلق على كل منهما بما يتيسر، ليعود القارئ بما وجده في التعليق إلى ما أثبت في أصل بيان الإعجاز من قريب، ومن بعد هذا ختمنا البحث بكلمة تحذيرية أعدها سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، عرف فيها المدعو الدكتور رشاد خليفة، وأورد فيها بعض ما عرف عنه من بدع وأباطيل وناقشها ورد عليها، وأوضح سماحته مكانة السنة المطهرة.
(1) سورة المدثر الآية 31
بسم الله الرحمن الرحيم
معجزة محمد الخالدة
تقديم الدكتور رشاد خليفة
1396 -
1976
1976 -
1396
بسم الله الرحمن الرحيم. يعلمنا خالقنا جل وعلا في هذه الآية الكريمة من سورة الإسراء أن القرآن الكريم كتاب معجز لا يستطيع الإتيان بمثله إنس ولا جان. . . .، وفي الدقائق الستين القادمة فإنك سترى وتلمس أدلة مادية ملموسة على أن هذه الآية حقيقة واقعة. . . . في الدقائق الـ 60 القادمة سترى وتسمع وتلمس أدلة دامغة لا تقبل الشك أو الجدال على أن القرآن الكريم هو رسالة الله عز وجل إلى البشرية كافة. . . وأنه قد وصلنا سالما من أي تحريف أو تحوير أو زيادة أو نقصان. . . .
كما تعلمون جميعا فإن جميع الرسل الذين جاءوا برسالة الله سبحانه وتعالى جاءوا أيضا مؤيدين بمعجزات. . .، ظواهر غير طبيعية تثبت للناس أن هؤلاء الرسل قد بعثوا فعلا من قبل الخالق العظيم سبحانه وتعالى. . .، فسيدنا موسى عليه السلام عندما ذهب إلى فرعون أيده الله بمعجزات مثل تحول العصا إلى حية. . . .، كما أيد الله رسوله عيسى عليه السلام بمعجزات مثل إحياء الموتى وخلق الطير من الطين بإذن الله. . .
ولما كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين. . . فإنه من الطبيعي أن تكون معجزته هي خاتمة المعجزات. . .، وأن تكون معجزة خالدة مستمرة لكي يشهدها كل جيل من أجيال البشر منذ بعثته عليه السلام وحتى يوم القيامة. . . وهذه المحاضرة سوف تبرهن لنا أن هذه فعلا هي الحقيقة. . . . أن معجزة المصطفى صلى الله عليه وسلم فعلا معجزة أبدية مستمرة فأنتم ستشهدون الآن معجزة محمد الخالدة. . .، بما لا يدع مجالا للشك. . . وهذه حقيقة تختلف عن طبيعة المعجزات السابقة لجميع الرسل والأنبياء السابقين. . . فكما تعلمون معجزات الأنبياء السابقين كانت جميعها معجزات محدودة بالزمان والمكان. . .، فمثلا ليس بيننا من شهد سيدنا موسى وهو يلقي العصا فتتحول إلى حية. . .، ليس بيننا من شهد سيدنا عيسى يحيي الموتى. . .، لقد شهد هذه المعجزات فقط الناس الذين تواجدوا في مكان معين. . .
في زمان معين. . . أما المعجزة الختامية التي جاء بها خاتم النبيين. . .، فسترون الآن أنها معجزة مستمرة لا يحدها مكان أو زمان. . وكما يشهدها الآن جيلنا فقد
شهدتها الأجيال السابقة وسوف تشهدها الأجيال القادمة حتى يوم القيامة. . . .
ما هي معجزة محمد؟ يخبرنا القرآن الكريم في سورة العنكبوت الآية 49 و 50 أن معجزة محمد هي القرآن ذاته. . .، وقد اتضح بالفعل أن القرآن الكريم معجزة دائمة مستمرة، واتضح أنه كلما اكتشف العلم حقائق جديدة عن عالمنا هذا فإننا نجد أن الاكتشافات الجديدة قديمة قدم القرآن الكريم، وهذا ما شهدته الأجيال السابقة. . . . .، فعلى سبيل المثال عندما اكتشف أن الأرض تدور حول نفسها وحول الشمس وجد علماء القرآن أن هذه الحقيقة مذكورة في القرآن الكريم سورة النمل آية 88. . . وعندما اكتشف أن الشمس مصدر للضوء وأن القمر مجرد عاكس للضوء. . . اكتشفت الأجيال السابقة أن هذا الاكتشاف الجديد ليس جديدا بالمرة وأن القرآن قد بين هذه الحقيقة في سورة يونس الآية 5.
هذا الإعجاز العلمي الذي شهدته الأجيال السابقة في القرآن الكريم يستغرق الساعات الطوال لسرده كاملا. . . . ولكن الغرض من هذه المحاضرة هو دراسة نوع جديد من الإعجاز المادي الملموس الذي يشاء الله سبحانه وتعالى أن يشهده جيلنا نحن. . في هذا الزمن المادي. . . فنحن الآن وفي الدقائق القادمة سوف نشهد معجزة محمد بطريقة مادية ملموسة تماما كما شهد فرعون والسحرة وبنو إسرائيل معجزات موسى. . .، وكما شهد الحواريون معجزات عيسى. .، وهكذا سوف يتبين لنا استمرارية ودوام وخلود المعجزة الختامية لخاتم النبيين عليهم جميعا صلوات الله وسلامه. . .
إن مفتاح هذه المعجزة الختامية يوجد في الآية الأولى من القرآن الكريم: " بسم الله الرحمن الرحيم ". . . فإنك إذا عددت حروف هذه الآية لوجدتها 19. . . . هذه كما ترون حقيقة مادية ملموسة لا يستطيع أحد أن يجادلك فيها. . . .
وقد اكتشف أن كل كلمة في هذه الآية تتكرر في القرآن الكريم كله عددا من المرات، هو دائما من أضعاف الرقم 19. . .، فنحن نجد أن كلمة " اسم " تتكرر في المصحف الشريف بالضبط 19 مرة. . . وكلمة " الله " تتكرر 2698 مرة. . . 19 × 142. . .، وكلمة " الرحمة " تتكرر 57 مرة. . ثلاثة أضعاف
الرقم 19، وكلمة " الرحيم " تتكرر في القرآن 114 مرة. . . ستة أضعاف الرقم 19. . .، وقبل أن نسأل أنفسنا " ما معنى هذه الظاهرة التي لا نجدها في أي كتاب آخر في أي مكان في العالم؟ " قبل أن نبحث هذا السؤال أود التنبيه أولا إلى أن الشيطان قد يتدخل في هذه اللحظة ويهمس في قلبك قائلا:" ما يدريك أن هذه الأرقام صحيحة؟ " ما يدريك أن هذا الشخص لم يضع هذه الأرقام من نفسه؟ ". . .، ولكي نطرد الشيطان من أول المحاضرة وبطريقة نهائية. . . أود أن أذكركم أن هذه الأرقام جميعا مسجلة في كتب كثيرة. . وقد سجلت حتى من قبل أن نولد. . . فقد قام كثير من الناس بعد كلمات وحروف القرآن الكريم خلال القرون الأربعة عشر الماضية. . . وسجلوا أرقامهم في كتب كثيرة. . . ومن أمثلة هذه الكتب، كتاب أحمله معي في كل مكان واسمه " المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم " من وضع محمد فؤاد عبد الباقي وتنشره دار الشعب بالقاهرة. .، هذا الكتاب يبين عدد كل كلمة من كلمات القرآن الكريم.
والآن دعني أكرر هذه الملاحظات. . . هذه الحقائق المادية الملموسة. . . .
الآية الأولى في القرآن الكريم " بسم الله الرحمن الرحيم " تتكون من 19 حرف هذه حقيقة مادية ملموسة لا تقبل الشك أو الجدال. . . ويحسن بي أن أتوقف هنا قليلا لدراسة الرقم 19. . فهذا رقم خاص يتميز بخاصيتين هامتين أولهما أن الرقم 19 يحتوي على البداية والنهاية، الرقم 1 الذي هو بداية النظام الحسابي. . . .، والرقم 9 الذي هو نهاية النظام الحسابي. . .، والخاصية الثانية هي أن الرقم 19 لا يقبل القسمة بينما نجد أن الرقم 18 قابل للقسمة على 2، 3، 6، 9. . . وبينما نجد الرقم 20 قابل للقسمة على 2، 4، 5، 10 نجد أن الرقم 19 لا يقبل القسمة في الآية الأولى من القرآن، حيث تتركب من 19 حرفا، وكل كلمة في هذه الآية تتكرر أضعاف الرقم 19. . . فكلمة " اسم " تتكرر في القرآن الكريم كله بالضبط 19. . . مرة.
وفي الوقت المناسب قبل انتهاء هذه المحاضرة سوف أشرح لماذا أستعمل كلمة " اسم " وليس " بسم ". . وسترون أن كلمة " بسم " لها جانب
إعجازي خاص بها. . وكلمة " الله " تتكرر في المصحف الشريف كله 2698 مرة، 142 ضعف الرقم 19. . .، وكلمة " الرحمة " تتكرر 57 مرة. . . 3 أضعاف الرقم 19. . . وكلمة " الرحيم " تتكرر 114 مرة ستة أضعاف الرقم 19. . .، وكما ترون فإننا هنا نتحدث عن حقائق مادية لا تقبل الجدال. . .
الحقيقة المادية الأولى هي أن الآية القرآنية الأولى تتركب من 19 حرفا. . .، ولا يستطيع أحد أن يجادلك في صحة هذه الحقيقة. . . والحقيقة المادية الثانية هي أن كل كلمة من كلمات هذه الآية تتكرر في القرآن كله عددا من المرات هو دائما من مكررات الرقم 19. . .، ماذا تعني هذه الحقائق؟ هذه الملاحظات التي تتميز بأنها عادية واقعية وليست تفسيرا أو تخمينا أو اجتهادا. . . ماذا تعني هذه الملاحظات؟ إن هناك ثلاثة احتمالات فقط تشرح لنا معنى هذه الحقائق القرآنية.
الاحتمال الأول: - هو أن هذه الحقائق حدثت عن طريق الصدفة. . . عن طريق المصادفة البحتة. . .، ونستطيع بسهولة أن نرفض هذا الاحتمال. . .، لأن المصادفة تحدث مرة واحدة أو ربما مرتين. .، ولكنها تحدث ثلاث مرات. . . أو أربع مرات كما نرى هنا. . . فأنت إذا أمسكت بأي كتاب عادي. . . . وقمت بعد الحروف في جملته الأولى. . . فإن احتمال أن كلمة واحدة من كلمات هذه الجملة تتكرر في الكتاب كله عددا من المرات له علاقة بعدد حروف الجملة. . . هذا الاحتمال جائز. . . ممكن عن طريق الصدفة أن يحدث ذلك. . . أما أن تكون كلمتان اثنتان من كلمات هذه الجملة تتكرران في الكتاب كله عددا من المرات هو من مضاعفات عدد حروف الجملة. . . فهذا احتمال ضعيف جدا. . ونستطيع جميعا أن نتفق على أن احتمال تكرار ثلاث كلمات من كلمات الجملة الأولى في الكتاب كله بطريقة لها علاقة بعدد حروف الجملة. . . . هذا الاحتمال من قبيل المستحيل. . . عن طريق المصادفة. . . ونحن هنا نرى أن كل كلمة في الآية القرآنية الأولى عدد مكرراتها في القرآن كله له علاقة مباشرة بعدد حروف الآية. . . الرقم 19. . .
الاحتمال الثاني: - هو أن سيدنا محمدا هو الذي صمم القرآن وكتبه بهذه الطريقة الحسابية الخاصة. . .، وهذا طبعا ما يعتقده غير المسلمين. .، إذ أنهم إذا علموا أو آمنوا بأن القرآن هو رسالة خالقهم إليهم جميعا لأصبحوا مسلمين. . .، وما يقوله هذا الاحتمال هو أن رجلا أميا لا يقرأ ولا يكتب ولا يعلم علوم الحساب المتقدم. . . هذا الرجل الأمي الذي عاش في القرن السابع الميلادي قال لنفسه في يوم من الأيام: " إنني سأكتب كتابا كبيرا تتركب الجملة الأولى فيه من 19 حرفا. . . .
وتتكرر كل كلمة من كلمات هذه الجملة في الكتاب كله عددا من المرات يكون من أضعاف الرقم 19. . . " ثم مضى هذا الرجل الأمي يكتب هذا الكتاب. . . متبعا هذا التصميم. . . على مدى 23 سنة. ويتبين لنا في الحال استحالة هذا الاحتمال وحماقته، ولو أصر المكابرون. . . والكفار المعاندون. . . على أن هذا الاحتمال ممكن. . . وأن محمدا هو كاتب القرآن. . . وأنه كتب القرآن بهذا التصميم الحسابي النادر الذي لم نره في أي كتاب آخر في التاريخ. . فإنه يمكننا سؤالهم: " إذا كان سيدنا محمد رجلا دجالا. .، وإذا كان هو الذي كتب القرآن الكريم بهذا التصميم. . . فلماذا لم يفتخر بين صحابته؟. . لماذا لم يجن ثمار جهوده أو يخبر أبناء جيله عن هذا المجهود العبقري الجبار؟ إن هذه الحقائق جميعها لم تكن معروفة قبل شهر يونيه. . حزيران. . 1975 الموافق لجمادى الثانية عام 1395. . .
إن جيلنا هذا هو الذي أراد الله سبحانه وتعالى أن يطلعه على هذه الحقائق الإعجازية. . . كجزء من معجزة محمد الخالدة المستمرة. .
الاحتمال الوحيد: - الذي يتبقى من دراسة هذه الظواهر القرآنية الإعجازية. . هو أن الخالق القادر على كل شيء - الله سبحانه وتعالى هو " كاتب القرآن الكريم "! وليست هذه هي الحقيقة الوحيدة التي تتبين لنا من دراسة هذه الملاحظات المادية الملموسة. . . حقيقة أن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون من قول البشر. . . وأنه حقا وصدقا رسالة الخالق عز وجل إلى الناس كافة. . . بل إن هناك حقيقة أخرى يجب أن نتذكرها وهي أن القرآن الكريم وصل إلينا سالما محفوظا من أي تحريف أو تحوير أو زيادة أو نقصان. . . فأنت عندما تقول
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (1) كلمة الله هنا معدودة ومحسوبة ومصممة. . . إنها واحدة من ألـ 2698 كلمات " الله " الموجودة في القرآن الكريم. . وعندما تستمر قائلا {اللَّهُ الصَّمَدُ} (2) كلمة الله هنا أيضا محسوبة وموضوعة في مكانها بإحكام الخلاق العليم سبحانه وتعالى. . . إنها أيضا واحدة من 2698 لفظ الله. . . إذ إنه في خلال الأربعة عشر قرنا الماضية. . . لو حدث أي تلاعب في كلمة واحدة مثل اسم. . . أو الله. . . أو الرحمة. . أو الرحيم بزيادة أو نقصان أو تحريف. . . لأصبح عدد مكررات هذه الكلمات في القرآن الكريم لا يقبل القسمة على 19. . . وتختفي بذلك هذه الظواهر القرآنية الحسابية الإعجازية. . .
هل للرقم 19 أي ذكر أو دلالة خاصة في القرآن الكريم نفسه؟ أي نعم.
إننا نجد هذا الرقم في سورة المدثر آية رقم 30. . ونجد أن هذا الرقم قد ذكر بخصوص أولئك الذين يزعمون أن القرآن الكريم من قول البشر. . . (آيات من سورة المدثر). هكذا نجد أن هذه الآيات الكريمة تقول بأن أي شخص يقرر أن القرآن من قول البشر، هذا الشخص سيعاقب. . . وسيكون عقابه تحت إشراف 19. . .
والتفسير القديم لهذا الرقم 19 هو أنهم حفظة جهنم. . .!! إلا أننا في ضوء المعلومات الجديدة التي نراها هنا لا بد من الوصول إلى تفسير جديد. . هذا التفسير الجديد لهذه الآية الكريمة. . الآية 30 من سورة المدثر هو أن أل 19 هي حروف البسملة. . . الآية الأولى في كتاب الله العظيم. . . ويؤيد هذا التفسير ما نكتشفه من مراجعة ترتيب نزول القرآن الكريم. . . . فنحن جميعا نعلم أن سيدنا جبريل عندما جاء بالوحي لأول مرة. . . فإنه أحضر لخاتم النبيين محمد عليه الصلاة والسلام. . . أحضر الآيات الأولى من سورة العلق. . . {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (3) وهذه السورة -على فكرة - هي رقم 19 من نهاية القرآن وتتركب من 19 آية وفي المرة الثانية أحضر الروح الأمين الآيات القليلة الأولى من سورة القلم. . {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} (4) وفي الزيارة الثالثة. . . جاء الوحي بسورة المزمل. . . الآيات القليلة الأولى. . . وفي المرة الرابعة أحضر جبريل عليه السلام الآيات الأولى من سورة المدثر. . . حتى قوله تعالى: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} (5)؟ لقد جاء الوحي الأمين بالتسعة
(1) سورة الإخلاص الآية 1
(2)
سورة الإخلاص الآية 2
(3)
سورة العلق الآية 1
(4)
سورة القلم الآية 1
(5)
سورة المدثر الآية 30
عشر حرفا " بسم الله الرحمن الرحيم ". . بإجماع العلماء. . . جاء سيدنا جبريل في المرة الخامسة بسورة الفاتحة. . . التي تبدأ بالتسعة عشر حرفا " بسم الله الرحمن الرحيم ". . وبإجماع العلماء كانت الفاتحة هي أول سورة كاملة يأتي بها سيدنا جبريل. . . بالإضافة إلى هذه الحقائق من ترتيب النزول التي تدل على أن الرقم 19 في سورة المدثر يرمز إلى التسعة عشر حرفا " بسم الله الرحمن الرحيم ". . . فإن الآية التالية لآية {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} (1) تعلمنا أسباب اختيار الرقم 19 بكل وضوح. . إذ تقول الآية 31 من سورة المدثر: {وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إلَاّ} (2) تعني أن الأسباب التي من أجلها اخترنا الرقم 19 هي خمسة أسباب:
السبب الأول: {فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا} (3) أي إزعاجا لهم. . ولا شك أن هذه الحقائق الإعجازية الكامنة في التسعة عشر حرفا " بسم الله الرحمن الرحيم " سوف تزعج الكفار أيما إزعاج.
السبب الثاني: {لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} (4) فهناك المسيحيون الطيبون واليهود الطيبون كما يخبرنا القرآن الكريم في الآية 113 من سورة آل عمران وأهل الكتاب هؤلاء يرون أن القرآن الكريم كتاب عظيم لا غبار عليه. ولكنهم ليسوا متأكدين أنه كتاب من عند الله فهذه الحقائق الكامنة في التسعة عشر سوف تساعدهم. . . . {لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} (5) ليتأكدوا أن القرآن العظيم هو بالفعل رسالة الله إليهم. . . مصدقا لما بين يديهم ومهيمنا عليه. . . . . .
السبب الثالث: كما توضح الآية 31 من سورة المدثر: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} (6) فنحن نؤمن وقبل أن تتبين لنا هذه الحقائق الإعجازية أن القرآن هو رسالة الله عز وجل للناس كافة. . . ولكن إيماننا لا شك يزداد ويقوى بظهور هذه المعجزات العظيمة.
السبب الرابع: {وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ} (7) بمحو أي آثار للشك أو الريبة فيما يتعلق بكون القرآن الكريم تنزيل من الرحمن الرحيم.
السبب الخامس: والأخير. . لكشف المنافقين والكافرين وإظهار حقيقتهم المتعصبة العمياء.
(1) سورة المدثر الآية 30
(2)
سورة المدثر الآية 31
(3)
سورة الممتحنة الآية 5
(4)
سورة المدثر الآية 31
(5)
سورة المدثر الآية 31
(6)
سورة المدثر الآية 31
(7)
سورة المدثر الآية 31
وأخيرا فإن الآية 31 من سورة المدثر تقول لنا في نهايتها: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إلَاّ هُوَ} (1) إذن فالرقم 19 ليس عدد حراس جهنم. . . ويجدر بنا أن نتقبل تفسيرا جديدا لهذا الرقم في ضوء هذه الحقائق الجديدة التي تتكشف لنا في القرآن العظيم.
وبالرغم من أن هذه الحقائق الإعجازية تكفي لإثبات أن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون من قول البشر. . . فقد شاء الله سبحانه وتعالى أن يكون الدليل المدعم لرسالته دامغا بما لا يدع إلا للمكابرين. . . إذ يتضح لنا أن هذه الحقائق ليست إلا جزءا ضئيلا من الإعجاز الحسابي المادي المرتبط بالآية القرآنية الأولى " بسم الله الرحمن الرحيم ". . .
فالقرآن الكريم يتميز بخاصية هامة لا نجدها في أي كتاب آخر. . . هذه الخاصية هي وجود الحروف الغامضة أو الحروف النورانية المعروفة أيضا باسم فواتح السور. . . . نجد أن بالضبط نصف الحروف الأبجدية. . . أربعة عشر حرفا في تركيب أربع عشرة فاتحة من فواتح السور هي: ق، ن، ص، طه، يس، حم، الم، الر، طسم، عسق، المر، المص، وكهيعص. . . وهذه الفواتح نجدها في 29 سورة. . .
14 حرف يتركب منهم 14 فاتحة تتواجد في بداية 29 سورة. . . فإذا جمعنا 14 + 14 + 29 نجد المجموعة 57 ثلاثة أضعاف الرقم 19 وسوف نجد الآن أن الرقم 19 هو القاسم المشترك الأعظم بين جميع فواتح السور بدون استثناء وهنا أجد الفرصة المناسبة للحديث عن كلمة " بسم " وكلمة " اسم " فنحن إذا نظرنا إلى الآية القرآنية الأولى " بسم الله الرحمن الرحيم " نجدها تتكون من حروف نورانية. . . وهي الحروف التي تشترك في تركيب فواتح السور. . . ما عدا الحرف " باء " فإنه ليس من الحروف النورانية كما أننا نعلم أن كلمة " بسم " هي عبارة عن حرف الجر " باء " زائد كلمة " اسم ". . . ولولا أن الحرفين " باء " و " ألف " قد دمجا في حرف واحد لأصبح عدد حروف الآية 20 ليس 19. . . ولاختل كل هذا النظام. . . ولما كان الحرف " ألف " هو الحرف الرسمي لكونه من الحروف النورانية. . رغم عدم كتابته. . . ولما كان حرف الباء ضروريا من
(1) سورة المدثر الآية 31
أجل المعنى كان من اللازم النظر إلى مكررات كلمة " اسم " حيث نجدها بالضبط 19 وأيضا كلمة " بسم " حيث نجد عدد مكرراتها في المصحف الشريف 3. . . ونجد أن حاصل ضرب 19 × 3 يساوي عدد الحروف النورانية مضافا إلى عدد الفواتح التي تدخل هذه الحروف في تركيبها مضافا إلى عدد السور ذات الفواتح 14 + 14 + 29 = 19 × 3 = 57 وهكذا نجد الربط الكامل التام بين " بسم الله الرحمن الرحيم " والحروف النورانية، فواتح السور. . .
فلننظر الآن إلى أحد هذه الفواتح. . . ولنبدأ بالحرف " ق ". . إننا نجد هذا الحرف كفاتحة في سورة ق وفي سورة الشورى. . . وإذا عددت مكررات الحرف ق في سورة (ق) لوجدتها 57 (19 × 3). . . ثم إذا عددت مكررات الحرف ق في السورة الوحيدة الأخرى التي تحتوي على هذا الحرف كفاتحة وهي سورة الشورى. . . لوجدت أن هذه السورة رغم أنها أطول من سورة ق مرتين ونصف فإنها تحتوي على نفس العدد من الحرف ق 57 (19 × 3). . .
وإذا جمعنا عدد مكررات الحرف ق في هاتين السورتين 57 = 57 فإن النتيجة تساوي عدد سور القرآن الكريم 114 (19 × 6) إذا كان الحرف ق يرمز إلى القرآن المجيد فإن هذه الظاهرة المادية الملموسة تقول لنا بوضوح إن أل 114 سورة هي القرآن. . . كل القرآن. . . ولا شيء غير القرآن، من الذي صمم القرآن بهذه الطريقة؟
من الذي يمكن أن تتوفر لديه القدرة على معرفة توزيع الحروف الأبجدية في القرآن الكريم ومعرفة أن هناك سورتين فقط تحتويان على هذا العدد المتساوي الذي يساوي مجموعه في السورتين بالضبط عدد سور القرآن؟ من الذي يمكنه أن يعرف ذلك حتى قبل اكتمال نزول القرآن؟ لا شك أن الإجابة واضحة. . . فالله وحده هو الذي علم ويعلم توزيع الحروف الأبجدية في رسالته وهو سبحانه الذي وضع هذه الحروف في أوائل بعض السور كرموز لهذه المعرفة التي لا يستطيعها أي مخلوق. . . وهو سبحانه الذي حفظ أسرار هذه الحروف لمدة أربعة عشر قرنا كمظهر من مظاهر استمرارية المعجزة القرآنية وخلودها. . . إذ يشاء الخالق عز وجل
أن يكون جيلنا هو الجيل الذي يطلع على أسرار هذه الحروف. . . شاء سبحانه أن يكون هذا الزمان المادي هو الوقت الذي تنكشف فيه الدلائل المادية الملموسة الكامنة في هذه الحروف. . . .
ولكي ندرك مدى الإحكام في التوزيع الحسابي لحروف القرآن دعنا ندرس، آية قصيرة من آيات سورة (ق) - على سبيل المثال - وهي الآية رقم 13 {وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ} (1) هذه آية قصيرة نقرأها ونمر بها عادة مر الكرام، ولكنها تحتوي معجزة قرآنية بينة، فإخوان لوط هؤلاء مذكورون في القرآن الكريم 12 مرة. . .
في سورة الأعراف آية رقم 80. . . في سورة هود الآيات 70 و 74 و 89. . . في سورة الحج الآية رقم 43. . . في سورة الشعراء آية 160. . . في سورة النحل آية 54 و 56. . . في سورة العنكبوت الآية 28. . . في سورة ص آية رقم 13. . . في سورة ق الآية رقم 13. . . وفي سورة القمر آية رقم 33. . . . ونجد أن هؤلاء الناس الذين كذبوا لوطا يسمون في القرآن دائما " قوم لوط ". . . هذا هو الاستثناء الوحيد. . . نراهم يسمون قوم لوط. . . قوم لوط. . . قوم لوط. . . ما عدا في سورة ق فإنهم يسمون " إخوان لوط "
وتستطيعون طبعا أن تتخيلوا ما يحدث لعدد مكررات الحرف ق في سورة ق لو أن التعبير " قوم لوط " استعمل بدلا من " إخوان لوط ". . . طبعا سيزداد عدد الحرف ق ويصبح 58 بدلا من 57. . . والرقم 58 ليس من مكررات الرقم 19. . . لا يقبل القسمة على 19. . . كما أن هذا العدد 58 لن يساوي عدد الحرف ق في السورة الوحيدة الأخرى التي تفتتح بالحرف ق وهي سورة الشورى وبالإضافة إلى ذلك فإن مجموع الحرف ق في السورتين يصبح 115 وليس 114 عدد سور القرآن الكريم. . . وهكذا ترون بالدليل المادي الملموس أن تحريف كلمة واحدة يؤدي إلى اختلال واختفاء هذا النظام الحسابي المعجز الذي نراه في القرآن الكريم، والذي يكمن في الآية القرآنية الأولى " بسم الله الرحمن الرحيم " وفي الحروف النورانية فواتح السور. . . .
وترون بالدليل المادي الذي لا يقبل الشك أو الجدال أن أثناء ألـ 1400 سنة الماضية. . . لو حدث تحريف أو تحوير أو ضياع أو إضافة لكلمة واحدة. . . كلمة
(1) سورة ق الآية 13
واحدة تحتوي الحرف ق مثل " ق ". . " قال ". . . " يقول ". . . " قوم ". . . تحريف كلمة واحدة مثل هذه في سورة ق أو في سورة الشورى يؤدي إلى اختلال هذا الميزان الإلهي الحساس. . . .
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (1) صدق الله العظيم. . .
وهكذا ترون أن هناك حقيقتان واضحتان لا بد أن نذكرهما جيدا، وتظهران لنا من هذه الحقائق التي نلاحظها في القرآن:
أولا: أن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون من قول البشر.
ثانيا: أن القرآن الكريم قد حفظ بقدرة الله وضمانه من أي تحريف أو تحوير أو ضياع أو إضافة ليكون رسالة الخالق سبحانه وتعالى إلى الناس كافة.
أيها الإخوة والأخوات. . . هذه العلاقة الوثيقة المباشرة التي بين الحرف ق والرقم 19، عدد حروف " بسم الله الرحمن الرحيم " تجدونها شاملة لجميع الحروف النورانية. . . فواتح السور. . . بدون استثناء. . .
إذا ننتقل الآن إلى الحرف " ن " نجد أن هذا الحرف تفتح به سورة واحدة في القرآن الكريم سورة القلم {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} (2) وإذا عددت مكررات الحرف ن في هذه السورة لوجدت العدد 133 = 19 × 7. . . . .
كذلك الحرف ص. . .، نحن نجد هذا الحرف كفاتحة في سورة الأعراف " المص " وفي سورة مريم " كهيعص " وفي سورة ص. . ونجد أن مجموع مكررات الحرف ص في هذه السور الثلاثة هو 152 = 19 × 8، وهنا يجدر بي أن أتوقف قليلا لأضرب مثالا آخر يوضح الإحكام العظيم في توزيع كل حرف من حروف القرآن الكريم. . . ففي سورة الأعراف. . . الآية رقم 69. . . نجد التعبير {وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً} (3) ونجد أن كلمة " بصطة " مكتوبة بالصاد ليس بالسين. . وكلنا نعرف أنه ليس في اللغة العربية كلها كلمة " بصط "
(1) سورة الحجر الآية 9
(2)
سورة القلم الآية 1
(3)
سورة الأعراف الآية 69
بالصاد. . . . كما أن المعروف أن كلمة " بصطة " بالصاد. . . في هذه الآية " توقيفية " ومعنى توقيفية هي أن سيدنا جبريل عليه السلام عندما جاء بهذه الآية. . قال للنبي صلى الله عليه وسلم " قل لكتاب الوحي يكتبوا هذه الكلمة بالصاد وليس بالسين ". . ومن الواضح الآن للجميع أهمية الحرف ص هنا. . إذ لو كتبت كلمة " بسطة " بالسين كما نعرفها لأصبح مجموع مكررات الحرف ص في السور الثلاث 151 وهذا الرقم ليس من مكررات الرقم 19. . . أي أنه بتغيير حرف واحد نجد أن هذا الإحكام الحسابي المعجز يختل ويختفي وتصبح هذه الحروف النورانية عديمة المعنى وعديمة الدلالة.
وعندما ننتقل إلى فواتح السور المركبة من أكثر من حرف نلاحظ حقيقة قرآنية غاية في الإعجاز. . . إذ أن هذه الحروف تتواجد في هذه السور - مكررات الرقم 19 - بل أيضا إذا عددت الحروف المتشابهة في السور ذات الفواتح المتشابهة فإنك تجد أن هذا العدد أيضا من مكررات الرقم 19. . أي سواء كان الجمع أفقيا داخل السورة الواحدة. . أو رأسيا شاملا لجميع السور التي تفتح بنفس الحرف. . فإنك المجموع في الحالتين من مكررات الرقم 19.
ولتوضيح هذه الظاهرة الإعجازية. . دعنا ننظر إلى الفاتحة " طه " نجد هذين الحرفين النورانيين في أول سورة طه، ونجد أن عدد مكررات الحرف ط + عدد مكررات الحرف هـ يساوي 342. . . 19 × 18. . . وأيضا إذا أضفت مجموع مكررات الحرف ط في جميع السور التي تبدأ بهذا الحرف وهي سور طه والشعراء والنمل والقصص. . . إلى مجموع مكررات الحرف هـ في السور التي تبدأ به وهي سورتي مريم وطه. . فإنك تجد هذا المجموع 589 = 19 × 31. . . .
ومثال أخير لهذا التشابك الإعجازي تجده في سورة يس. . . إذا عددت الحرف ي والحرف س في هذه السورة تجد المجموع ي + س يساوي 258. . . 19 × 15. . . وفي نفس الوقت إذا أضفت مكررات الحرف ي في سورتي مريم ويس إلى مكررات الحرف س في جميع سوره وهي الشعراء والقلم