الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والدليل ينعكس فلا يلزم -إذا لم يوجد هذا منها- أن تكون ميتة، بل قد تكون حية وإن لم يوجد منها مثل ذلك. والإنسان قد يكون نائما فيذبح وهو نائم ولا يضطرب، وكذلك المغمى عليه يذبح ولا يضطرب، وكذلك الدابة قد تكون حية فتذبح ولا تضطرب لضعفها عن الحركة وإن كانت حية، ولكن خروج الدم الذي لا يخرج إلا من مذبوح وليس هو دم الميت دليل على الحياة والله أعلم " (1) انتهى. وقد حذفنا منه بعض الكلمات لغموضها. وهو جواب كما ترى مدعما بالأدلة، وفتاوى الصحابة وشواهد الواقع مما يؤيد ما اختاره في ذكاة المنخنقة وما ذكر معها، ولا يسع الباحث المنصف إلا أن يعترف بما جاء فيه من التحقيق والله أعلم.
(1) مجموع الفتاوى ص236 ج35 وانظر الاختيارات له ص363.
المسألة الرابعة في حكم أكل ما أهل به لغير الله:
قال الله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} (1) الآية الكريمة تحرم الأكل مما أهل به لغير الله وتجعله في صف الميتة والدم ولحم الخنزير، وفي آية أخرى تصفه بأنه (فسق){لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلَاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (2) وما أهل لغير الله به هو ما ذبح على غير اسمه تعالى من الأنصاب والأنداد والأزلام ونحو ذلك مما كانت الجاهلية ينحرون له (3) والمنع منه لأجل حماية التوحيد؛ لأنه من أعمال الوثنية، فكل من أهل لغير الله ذبيحة فإنه يتقرب إلى من أهل باسمه، وذلك من الإشراك بالله بصرف العبادة لغيره، وقد ذكر الفقهاء أن كل ما ذكر عليه اسم غير الله ولو مع اسم الله فهو محرم. . . إذ لا يجوز أن يذكر عند الذبح غير اسم المنعم بالبهيمة المبيح لها، فهي تذبح وتؤكل باسمه لا
(1) سورة البقرة الآية 173
(2)
سورة الأنعام الآية 145
(3)
تفسير ابن كثير ص 205 ج1.
يشاركه في ذلك سواه ولا يتقرب بها إلى من عداه ممن لم يخلق ولم ينعم ولم يبح ذلك (1).
والحكمة في تحريم هذا النوع: أن ما ذبح على هذه الصفة قد اكتسب خبثا أوجب تحريمه فهو ملحق بالنجاسة المادية والقذارة الحقيقية (2).
أنواع ما أهل به لغير الله:
ما أهل به لغير الله على نوعين: النوع الأول: ما ذبحه كتابي وسمى عليه غير اسم الله كالمسيح والزهرة وغيرهما فللعلماء في حكم هذه الذبيحة ثلاثة أقوال.
القول الأول: التحريم وهو قول الشافعية (3) والحنفية (4) وأصح الروايتين عن أحمد (5) لأن القرآن الكريم قد صرح بتحريم ما أهل به لغير الله، وهذا عام في ذبيحة الوثني والكتابي إذا أهل بها لغير الله.
القول الثاني: الإباحة وهو قول جماعة من السلف ورواية عن أحمد (6) لأن هذا من طعامهم، وقد أباح الله لنا طعامهم من غير تخصيص، وقد علم سبحانه أنهم يسمون غير اسمه (7).
القول الثالث -وهو قول المالكية -: أن ذبح أهل الكتاب إذا قصدوا به التقرب لآلهتهم بأن ذبحوه لآلهتهم قربانا وتركوه لا ينتفعون به فإنه لا يحل لنا أكله؛ إذ ليس من طعامهم لأنهم لا ينتفعون به. وأما ما ذبحوه لأنفسهم بقصد أكلهم منه ولو في أعيادهم لكن سموا عليه اسم آلهتهم مثلا تبركا فهذا يؤكل بكره؛ لأنه تناوله عموم: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (8)
الترجيح: والذي يترجح هو القول الأول وهو التحريم مطلقا لعموم قوله
(1) تفسير المنار ص98 ج2.
(2)
ظلال القرآن، سيد قطب ص157 ج1.
(3)
المجموع (9/ 78.
(4)
بدائع الصنائع (9/ 46).
(5)
أحكام أهل الذمة (1/ 249).
(6)
أحكام أهل الذمة (1/ 249 - 250).
(7)
أحكام أهل الذمة (6) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (2/ 101).
(8)
سورة المائدة الآية 5
تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} (1) وهذا مما أهل به لغير الله.
وإباحة ذبائح أهل الكتاب وإن كانت مطلقة لكنها مقيدة بما لم يهلوا به لغير الله، فلا يجوز تعطيل القيد وإلغاؤه. بل يحمل المطلق على المقيد. وإن ادعى المخالفون العكس فقالوا: آية {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} (2) هي المطلقة وآية: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (3) مقيدة فيحمل المطلق على المقيد، فتقيد ذبيحة الكتابي عموم ما أهل به لغير الله.
قلنا: بل الصواب العكس فقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (4) مطلق فيما أهل به لغير الله. وما أهل به لله قيد منه ما أهل به لغير الله وبقي ما عداه. وهذا أولى لوجوه:
أحدها: أنه نص سبحانه على تحريم ما لم يذكر عليه اسمه ونهى عن أكله وأخبر أنه فسق. وهذا تنبيه على أن ما ذكر عليه اسم غيره أشد تحريما وأولى بأن يكون فسقا.
الثاني: أن قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (5) قد خص فيه ما يستحلونه من الميتة والدم ولحم الخنزير فلأن يخص منه ما يستحلونه مما أهل به لغير الله من باب أولى.
الثالث: أن الأصل في الذبائح التحريم إلا ما أباحه الله ورسوله، فلو قدر تعارض دليلي الحظر والإباحة لكان العمل بدليل الحظر أولى لثلاثة أوجه: أحدها: تأيده بالأصل الحاضر، الثاني: أنه أحوط، الثالث: أن الدليلين إذا تعارضا رجع إلى الأصل، والأصل هنا هو التحريم.
ما أهل به لغير الله فهو حرام مطلقا:
"حرم سبحانه ما ذبح لغير الله وما سمي عليه غير اسم الله وإن قصد به اللحم لا القربان، فقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من ذبح لغير الله ونهى عن ذبائح الجن وكانوا
(1) سورة البقرة الآية 173
(2)
سورة البقرة الآية 173
(3)
سورة المائدة الآية 5
(4)
سورة المائدة الآية 5
(5)
سورة المائدة الآية 5
يذبحون للجن، بل حرم الله ما لم يذكر عليه اسمه مطلقا كما دل على ذلك الكتاب والسنة في غير موضع وقد قال تعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (1) أي انحر لربك وحده كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (2) وقد قال إبراهيم وإسماعيل إذ يرفعان القواعد من البيت: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (3){رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} (4) فالمناسك هنا مشاعر الحج كلها كما قال تعالى: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ} (5) وقال تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} (6) وقال: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} (7) وقال: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (8) فالمقصود تقوى القلوب لله وهي عبادتها له وحده دون سواه بغاية العبودية له، والعبودية فيها غاية المحبة وغاية الذل والإخلاص، وهذه ملة إبراهيم الخليل " (9) " وكان المشركون يذبحون للقبور ويقربون لها القرابين، وكانوا في الجاهلية إذا مات لهم عظيم ذبحوا عند قبره الخيل والإبل وغير ذلك تعظيما للميت، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك كله، ولو نذر أن يذبح لغير الله لم يكن له أن يوفي به، ولو شرطه واقف لكان شرطا فاسدا" وقد عادت الجاهلية في أقبح صورها في بلاد كثيرة وصار الذبح لغير الله فيها أمرا مألوفا.
النوع الثاني: ما ذبحه غير كتابي من الوثنيين والمجوسيين والقبوريين وغيرهم لأصنامهم وأضرحتهم التي يتقربون إليها بذبح القرابين وأنواع النذور مما يعج به اليوم كثير من البلاد التي كانت فيما سبق إسلامية، والآن ظهرت فيها أعلام الشرك وصار
(1) سورة الكوثر الآية 2
(2)
سورة الأنعام الآية 162
(3)
سورة البقرة الآية 127
(4)
سورة البقرة الآية 128
(5)
سورة الحج الآية 67
(6)
سورة الحج الآية 34
(7)
سورة الحج الآية 37
(8)
سورة الحج الآية 32
(9)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ص 484 - 486 ج17.
كثير ممن ينتسبون إلى الإسلام من أهلها يتسابقون في الذبح لغير الله عند أضرحة الأولياء، مع أن نصوص الإسلام صريحة في منع الذبح لغير الله واعتباره شركا أكبر يخرج عن الملة وصريحة في منع ذكر اسم غير الله على الذبائح، وصريحة في تحريم ما ذبح على هذه النصب وجعله في عداد الميتة".
والمقصود هنا بيان أكل هذا النوع من الذبائح؛ لأنه تعبد به لغير الله، فالأكل منه مشاركة لأهله فيه ومشايعة لهم عليه وهو مما يجب إنكاره ولا يجوز إقراره ولا يكفي ترك أكله، بل لا بد من مقاومته وتطهير البلاد منه حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله وحده، وفق الله المسلمين للقيام بذلك كما قام به نبيهم وسلفهم الصالح، (ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما صلح به أولها) وهو توحيد الله سبحانه والجهاد في سبيله والدعوة إليه قولا وعملا. نسأل الله أن يحقق ذلك إنه سميع مجيب وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.
الدكتور صالح بن فوزان الفوزان
صفحة فارغة
حكم الشهادة فيما كان من حقوق العباد
بقلم الدكتور عبد الله بن محمد الزبن
اشترط بعض الفقهاء لوجوب الشهادة على الشاهد شروطا عددوها، وهي:
الأول: طلب المدعي الشهادة فيما كان من حقوق العباد حقيقة أو حكما، وإنما قال أو حكما ليدخل من عنده شهادة لا يعلم بها صاحب الحق وخاف الشاهد فوت الحق، فإنه يجب عليه أن يشهد بلا طلب، لكون صاحب الحق طالبا لأدائه حكما.
الثاني: أن يعلم الشاهد أو يغلب على ظنه أن القاضي يقبل شهادته، فإن علم أو ترجح عنده أنه لا يقبلها فلا يلزمه الأداء، ولو شك في قبول شهادته من عدمه فالأحوط أنه يؤديها لإحياء حق العبد عند قبول شهادته.
الثالث: أن يتعين عليه الأداء، فإن لم يتعين بأن كان المتحملون جماعة فأدى غيره ممن تقبل شهادته فقبلت لم يأثم لعدم لحوق ضرر بالمدعي من تأخره عن شهادته، بخلاف ما إذا أدى غيره ولم تقبل، فإن من لم يؤد ممن تقبل شهادته يأثم بامتناعه، وهذا إذا لم تكن شهادته أسرع قبولا من غيره، فإن كانت أسرع وجب عليه الأداء، وإن كان هناك من تقبل شهادته.
الرابع: ألا يخبر عدلان ببطلان المشهود به، فلو شهد عند الحاكم عدلان أن المدعي قبض دينه، أو أن الزوج طلق زوجته ثلاثا، أو أن المشتري أعتق العبد، أو أن الولي عفا عن القاتل لا يسعه أن يشهد بالدين والنكاح والبيع والقتل، وإن لم يكن المخبرون عدولا فالخيار للشهود إن شاءوا شهدوا بالدين وأخبروا القاضي بخبر غير العدول، وإن شاءوا امتنعوا عن الشهادة، وإن كان المخبر واحدا - عدلا أو فاسقا - لا يسعه ترك الشهادة.
الخامس: أن يكون القاضي الذي طلب الشاهد للأداء عنده عدلا، فلو كان غير عدل فإن للشاهد أن يمتنع عن الأداء حتى يشهد عند قاض عدل، لأنه ربما لا يقبل شهادته ويجرحه، وفي هذا ضرر أدبي للشاهد، وعلى هذا لو غلب على ظنه أنه يقبله - لشهرته مثلا - ينبغي أن يتعين عليه الأداء إحياء للحق.
السادس: ألا يقف الشاهد على أن المقر أقر خوفا إن كان يشهد على إقرار، فإن علم بذلك لا يشهد، فإن قال المقر: أقررت خوفا وكان المقرر له سلطانا فإن كان في يد عون من أعوان السلطان ولم يعلم الشاهد بخوفه شهد عند القاضي وأخبره أنه كان في يد عون من أعوان السلطان. وكذلك إذا خاف الشاهد على نفسه من سلطان جائر أو غيره وسعه الامتناع.
السابع: أن يكون موضع الشاهد قريبا من موضع القاضي، فإن كان بعيدا بحيث لا يمكنه أن يغدو إلى القاضي لأداء الشهادة ويرجع إلى أهله في يومه ذلك قالوا: لا يأثم، لأنه يلحقه الضرر بذلك، وقد قال الله تعالى:{وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} (1).
(1) سورة البقرة الآية 282
ولقوله صلى الله عليه وسلم: «أكرموا الشهود فإن الله تعالى يستخرج بهم الحقوق ويدفع بهم الظلم (1)» .
وإذا كان بين مكان الشاهد ومحل الحكم مسافة تحتاج إلى الركوب وأركبه المشهود له دابة عنده فإن هذا يمنع قبول شهادة الشاهد إذا لم يكن هناك عذر، إما إذا كان هناك عذر كأن لا يقدر الشاهد على المشي إلى موطن الحكم، ولا يستطيع كراء دابة يركبها لفقره فإنه لا يمنع من قبول شهادته هذا الركوب.
أما إذا أكل الشاهد من طعام المشهود له فينظر إن كان الطعام مهيأ لأجله لم تقبل شهادته، وإن كان غير مهيأ له تقبل.
وروي عن محمد بن الحسن أنها لا تقبل في الحالتين. وعن أبي يوسف أنها تقبل فيهما للعادة الجارية به. وبقول أبي يوسف يفتى في مذهب الحنفية.
وعلى كل حال يترتب على هذا الشرط أنه إذا كان المكان بعيدا بحيث لا يستطيع الشاهد أن يعود إلى منزله في يوم شهادته بعد أن يؤديها لم تجب عليه مهما كبر الحق المشهود به، ولو بلغ الآلاف المؤلفة من دنانير الذهب، وفي هذا صعوبة كبيرة على صاحب الحق وضرر عظيم لا يساويه ضرر مبيت الشاهد ليلة بعيدا عن منزله، ويترتب عليه أيضا أن الشاهد متى كان قادرا على دفع أجرة الكراء وجب عليه أن يدفعها من ماله الخاص، وفي هذا إضرار بالشهود، وإلجاء لهم على ألا يشهدوا على الحقوق مهما عظمت تخلصا من الغرامات التي تلحقهم من جرائها،
(1) رواه الخطيب في التاريخ، وابن عساكر، والبانياسي في جزئه عن ابن عباس، وقد أخرجه الدكتور محمد الزحيلي عند تحقيق كتاب: أدب القضاء لابن أبي الدم، وقال بأنه حديث ضعيف، ونسب إلى الذهبي القول بأنه منكر، انظر: مختصر شرح الجامع الصغير للمناوي ج1 ص92، أدب القضاء لابن أبي الدم ص98، كنز العمال ج7 ص12.
فوجب منعا لما يصيب المشهود له والشاهد من الضرر أن يفكر في هذه المسألة كل التفكير حتى يتوصل إلى حل مانع من تلك الأضرار.
أقول: والحل الذي يمكن اتباعه في هذه المسألة في نظري هو أحد ثلاثة أمور:
الأول: أن يتكفل المشهود له بدفع نفقات الشاهد من أجرة ذهاب وإياب ونفقة طعام ومبيت. ووجهة النظر في هذا أنه صاحب المصلحة في هذه الشهادة، ولا يعتبر ذلك تهمة بالنسبة للشاهد؛ لأن هذا يدخل في باب إكرام الشهود الذي ورد به النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال:«أكرموا الشهود فإن الله تعالى يستخرج بهم الحقوق ويدفع بهم الظلم (1)» .
الثاني: أن يكلف الشاهد بالمبيت لأجل أداء الشهادة ويحكم القاضي بنفقاته على المحكوم عليه. ووجهة النظر في هذا أن المحكوم عليه ظهر أنه مبطل في دعواه أو مماطل في أداء الحق وكل منهما ظلم والظالم يتحمل تبعات ظلمه.
الثالث: أن يذهب الشاهد إلى أقرب قاض له ويطلب منه إثبات شهادته ويرسل بهذه الشهادة إلى قاضي البلدة التي بها المشهود له. وهذا جائز كما نص عليه الفقهاء في باب كتاب القاضي إلى القاضي. وبأحد هذه الحلول تؤدى الشهادة ولا يحصل ضرر كبير على أي من الشاهد والمشهود له.
(1) سبق تخريجه والإشارة إلى تخريج الدكتور محمد الزحيلي له وقوله بأنه ضعيف إلا أنه استدرك وقال: لكن معناه صحيح. هذا وقد ذكر في مختصر شرح الجامع الصغير عند بيانه لمعاني الكلمات معنى إكرام الشهود بأنه يكون بملاطفتهم وإلانة القول لهم، انظر: مختصر شرح الجامع الصغير للمناوي ج1 ص92، أدب القضاء لابن أبي الدم ص98، كنز العمال ج7 ص12.