الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ختامية {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلَاّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (1)، وليس للرسول صلى الله عليه وسلم خيار في إبلاغ رسالة الله. فلقد قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (2)، حتى قيل إن هذه الآية من أشد الآيات التي نزلت على رسول صلى الله عليه وسلم.
وأمام هذه التكاليف بإبلاغ رسالة الله لا بد للدعوة من خصوم يقفون في طريقها ويمنعون وصولها إلى الناس عندئذ لا بد من تحطيم مراكز القوى التي تصد عن سبيل الله. . . {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إلَاّ عَلَى الظَّالِمِينَ} (3).
(1) سورة سبأ الآية 28
(2)
سورة المائدة الآية 67
(3)
سورة البقرة الآية 193
أما
أهداف الجهاد
في سبيل الله: فهي إعلاء كلمة الله في الأرض، وإقامة الحق والعدل بين الناس وجعل الحاكمية لله وحده، فلا يهتدى إلا بهدي الله ولا يحكم إلا بشريعته. . . ولهذا لا يكاد يذكر القتال أو الجهاد إلا مقرونا بسبيل الله تفريقا بينه وبين القتال من أجل الثارات والأطماع الدنيوية وحب السيطرة والاستعباد، فالإسلام لا يريد من القتال إبادة الحرث والنسل ونشر الخراب والدمار. . . بل إن من أهداف الإسلام إسعاد البشرية وهدايتها، ونشر الأمن والرخاء فوق ربوعها، وهو لا يلجأ للقتال إلا عند الضرورة.
أما مشروعية الجهاد: فكانت بعد الهجرة، فإنه لم يختلف العلماء في أن القتال قبل الهجرة كان محظورا على المسلمين كقوله تعالى:{فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ} (1) وقوله {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (2) فلما استقر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وصارت له شوكة. . . أنزل الله تعالى قوله: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} (3) فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل من قاتله ويكف عمن كف عنه،
(1) سورة المائدة الآية 13
(2)
سورة المؤمنون الآية 96
(3)
سورة البقرة الآية 190
وروى جماعة من الصحابة منهم أبو بكر الصديق وابن عباس أن أول آية نزلت في القتال هي قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} (1).
وقد أيد هذا أبو بكر بن العربي في كتابه أحكام القرآن، وذكر أن القتال كان إذنا ثم أصبح فرضا بعد ذلك (2).
والجهاد في سبيل الله: يكون بالنفس وبالمال وباللسان، وقد أعظم الله الثمن للمجاهدين بالأنفس والأموال فقال جل وعلا:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (3).
وروى أبو داود والإمام أحمد والنسائي وابن حبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم (4)» .
والذين جادوا بأنفسهم في سبيل الله بشرهم الله بالحياة الطيبة وأنهم عند ربهم يرزقون فقال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (5){فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (6).
والمال عنصر هام للمجاهدين في سبيل الله، وقد ضرب لنا سلفنا الصالح النماذج الخيرة في مجال التبرع بالمال للجهاد وإعداد العدة، فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم للتبرع للجهاد في غزوة تبوك عندما واجهت المسلمين شدة من قلة الأموال والموارد، وكان لا بد من إعداد العدة وتجهيز الجيش بما
(1) سورة الحج الآية 39
(2)
انظر أحكام القرآن لابن العربي ج1 ص102 وتفسير القرطبي ج2 ص347.
(3)
سورة التوبة الآية 111
(4)
سنن النسائي الجهاد (3096)، سنن أبو داود الجهاد (2504)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 153)، سنن الدارمي الجهاد (2431).
(5)
سورة آل عمران الآية 169
(6)
سورة آل عمران الآية 170