الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والقصص ويس والشورى. . . لوجدت المجموع 969. . . . 19 × 15. . . هذا الإحكام الذي يعجز عن الإتيان بمثله أي مخلوق نجده في جميع الحروف النورانية بدون استثناء {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} (1) صدق الله العظيم. . .
وهكذا يشهد جيلنا. . كما شهدت الأجيال السابقة. . . وكما ستشهد الأجيال المستقبلة. . معجزة دائمة مستمرة في القرآن الكريم. . . معجزة محمد الخالدة.
(1) سورة هود الآية 1
مناقشة المحاضرة
اقتضت حكمة الله تعالى وعدله أن يرسل إلى عباده رسلا مبشرين ومنذرين ليخرج بهم الناس من الظلمات إلى النور، ويهديهم إلى صراط مستقيم، إنذارا إليهم وإقامة الحجة عليهم، قال الله تعالى:{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (1) ومضت سننه التي لا تتبدل في تأييد رسله بالآيات والمعجزات الباهرات، ليستيقن من أرسل إليهم بصدقة في دعوى الرسالة، ولا يختلج في قلوبهم منها ريبة وتقوم عليهم الحجة، ويلزمهم قبول ما يوحى إلى الرسل من أصول الدين وفروعه.
ولرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم كثير من المعجزات الحسية والروحية، إلا أن المعجزة الكبرى التي تحدى بها قومه هي القرآن ولا تزال الحجة به قائمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولا بد أن تكون من وراء الأسباب العادية حتى لا تنالها قوى الخلق ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، وبذلك يكون بها الإيمان والاطمئنان وبها التكليف والإلزام.
ولقد تحدى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قومه بأمر يعرفون طريقه ولهم بجنسه عهد، بل نبغوا فيه، وبلغوا ذروته.
(1) سورة النساء الآية 165
أولا: تحداهم بفصاحة القرآن وبلاغته وعلوا أسلوبه وإحكامه ودقة تعبيره، ولدا تكلف بعض سفهاء الأحلام منهم أن يأتوا بسور خيل إليهم أنها على نمطه وشاكلته فأضحكوا على أنفسهم العقلاء، وأما ذوي العقل والرأي منهم فأسلموا أنفسهم إلى العجز وأيقنوا من قرارة نفوسهم أنه الحق وأنه من عند الله لا من كلام البشر ولكن أكثرهم يجهلون فأبوا إلا الكفر أنفة واستكبارا.
ثانيا: تحداهم بتشريعه الكامل الموافق لمقتضى العقل والفطرة، الهادي جميع البشر إلى سواء السبيل في جوانب الحياة كلها عقيدة وعبادة واقتصادا وسياسة وأدبا وأخلاقا مع بقائه كذلك صالحا لهداية العالم وإصلاحه في جميع جوانب الحياة إلى يوم القيامة.
ثالثا: تحداهم بما تضمنه القرآن من الأخبار الغيبية التفصيلية المسهبة، وبوقوف الرسول صلى الله عليه وسلم من إخوانه المرسلين السابقين موقف المصدق لهم المبين لتحريف أقوامهم لشرائعهم المعلن لخزاياهم وفضائحهم في خروجهم على أنبيائهم بيان الواثق بنفسه المؤمن بما أوحي إليه من ربه وهو أمي عاش في أمه أمية ومن أمته أهل الكتاب الذين فضحهم بسوء صنيعهم مع رسلهم وفي شرائعهم ومع ذلك لاذوا بالصمت ولم يردوا عليه ما اتهمهم أو فضحهم به تبرئة لأنفسهم ودفعا للنقيصة والعار عنها فكان ذلك إيذانا بأنه رسول الله الصادق الأمين وأن ما جاء به إنما هو وحي من رب العالمين.
هذه جوانب الإعجاز القرآني المعهودة التي عرفها الصحابة وسلفنا الصالح وهي التي عرفها الكفار وعجزوا عن أن يأتوا بمثل القرآن من جهتها.
الإعجاز الحسابي الذي هول أمره المحاضر وجعله حقيقة مادية ملموسة وهو لا يعدوا أن يكون أمرا مبناه التقدير والاعتبار في الأعداد، وذلك مما يختلف فيه الناس وكثير منه متكلف يلغي فيه صاحبه ما يختل معه حسابه ويعتبر فيه ما ينتظم به حسابه ليتم ما يريد من الخروج بظاهرة إعجاز جديدة وآية لم يعرفها الصحابة ولا
العرب الأولون الذين تحداهم الله تعالى بالقرآن.
ولا ينكر منصف أن يكون في القرآن جوانب أخرى من الإعجاز، وإنما ينكر العاقل الرشيد أن يكون منها ما ذكره الأستاذ خليفة واعتبره إعجازا حسيا ملموسا من عدد بعض الحروف وبعض الكلمات من بعض سور القرآن وحسابها، وجعل محور حسابها عدد حروف البسملة أل 19 في نظره أو عدد كلماتها الأربع لما فيه من الفرض والتخمين، والخطأ الواضح، والتناقض البين والاعتماد على أمر تقديري يزيد وينقص باعتبارات، فيختلف باعتبار النطق عنه باعتبار الخط ويختلف عند اعتبار الخط بعد الحرف المشدد حرفين أو حرفا.
قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله في حديثه عن تحزيب القرآن بالسور زمن النبي صلى الله عليه وسلم وتحزيبه بالتجزئة زمن عبد الملك بن مروان: " فإنه قد علم أن أول ما جزئ القرآن بالحروف تجزئة ثمانية، وعشرين، وثلاثين، وستين، هذه التي تكون رؤوس الأجزاء والأحزاب في أثناء السورة وأثناء القصة نحو ذلك كان في زمن الحجاج وما بعده، وروي أن الحجاج أمر بذلك، ومن العراق فشا ذلك، ولم يكن أهل المدينة يعرفون ذلك ".
وإذا كانت التجزئة بالحروف محدثة من عهد الحجاج بالعراق، فمعلوم أن الصحابة قبل ذلك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده كان لهم تحزيب آخر، فإنهم كانوا يقدرون تارة الآيات فيقولون خمسون آية، ستون آية، وتارة بالسور، لكن تسبيعه بالآيات لم يروه أحد ولا ذكره أحد فتعين التحزيب بالسور، ثم قال: وهذا الذي كان عليه الصحابة هو الأحسن لوجوه - ثم ذكر الوجه الأول والثاني - وقال: الثالث: إن التجزئة المحدثة لا سبيل فيها إلى التسوية بين حروف الأجزاء وذلك لأن الحروف في النطق تخالف الحروف في الخط، في الزيادة والنقصان يزيد كل منهما على الآخر من وجه دون وجه، وتختلف الحروف من وجه، وبيان ذلك بأمور:
أحدها أن همزات الوصل ثابتة في الخط، وهي في اللفظ تثبت في القطع وتحذف في الوصل، فالعاد إن حسبها انتقض عليه بحال القارئ إذا وصل وهو
الغالب فيها، وإن أسقطها انتقض عليه بحال القارئ القاطع وبالخط.
ويتبين ما في محاضرة الأستاذ رشاد من الخطأ والتخمين والتناقض بالوجوه الآتية:
الوجه الأول: إن البسملة خمس كلمات لا أربع كما قال الأستاذ رشاد، إذ الباء فيها وهي كلمة ولم يعدها وهي في خط المصحف ومنطوق بها، وعد همزة الوصل في كلمة اسم وهي غير مخطوطة ولا ملفوظ بها، ليتم له ما يريد.
الوجه الثاني: إن العلماء اتفقوا على أن البسملة بعض آية من سورة النمل، ثم اختلفوا فيما بعد ذلك فقيل: إنها آية من كل سورة كتبت في أولها، وقيل: آية مستقلة كتبت عند أول كل سورة لا آية منها، وقيل: إنها آية من سورة الفاتحة فقط، وقيل: إنها ليست آية من القرآن وإنما كتبت عند أوائل السور للفصل بينهما.
ثم على تقدير أنها آية من القرآن لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة رضي الله عنهم أنها أول آية نزلت وحدها مستقلة، ولا أنها أول آية نزلت مع سورة الفاتحة ولا مع أول سورة العلق أو المدثر ولم يصح في ذلك حديث وكون شيء من الكلام آية من القرآن أو أول ما نزل منه ليس مما يحكم فيه العقل بل من الأمور التوقيفية التي لا مجال فيها للعقول.
وإذا لم يجتمع علماء الأمة على أن البسملة آية من القرآن، ولم يثبت نقلا أنها أول ما نزل من القرآن استقلالا أو مع غيرها منه، فكيف يجعل من هذا الاختلاف أصلا لإثبات ركن ركين في الدين وهو الرسالة ويعتبر مكرر كل حرف من حروف فواتح السور في سورته مضاعفا له ليجعل من ذلك دليلا على أن القرآن معجزة خالدة وأنه محفوظ إلى يوم القيامة لا يدخله تحريف ولا زيادة ولا نقصان.
الوجه الثالث: خطؤه في قوله إن المراد بتسعة عشر في آية {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} (1) هو الحروف 19 التي اشتملت عليها آية البسملة واعترف بأن هذا التفسير جديد، وأنه لا بد منه في ضوء المعلومات الجديدة وأيده بأن " بسم الله الرحمن الرحيم " نزلت مع سورة الفاتحة كاملة عقب آية {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} (2) فدل ذلك على أن المراد بهذا الرقم حروف البسملة 19، وهذا الذي اعتبره تحقيقا هو إلى الخرص والتخمين أقرب منه إلى التحقيق، فإنه بناه على نزول البسملة مع الفاتحة بعد آية {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} (3) وهذا يحتاج إلى إثبات بل لم يثبت في حديث صحيح أن البسملة نزلت مع الفاتحة ولا أن نزولها أو نزول إحداهما كان عقب آية {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} (4) وعلى تقدير ثبوت هذا الترتيب لا يدل على ما زعمه في تفسيرها.
ثم زعم أن الآية التي بعدها اشتملت على أسباب اختيار هذا الرقم وفيما ذكر خرص وتخمين ينافي سياق الكلام (ثم هو تفسير لا يعرف في لغة العرب التي بها نزل القرآن)، والصحيح أن المراد بتسعة عشر حفظة على النار من الملائكة كما هو بين من نص الآية التي بعدها وهي قوله تعالى:{وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إلَاّ مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إلَاّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا} (5) الآية وهو التفسير الذي قاله العلماء قديما وحديثا وهو الذي يجب المصير إليه دون سواه.
الوجه الرابع: ما وقع من الخطأ في عده بعض الكلمات في سور القرآن ومن الخطأ والتناقض في عده بعض الحروف في سوره أيضا، من
(1) سورة المدثر الآية 30
(2)
سورة المدثر الآية 30
(3)
سورة المدثر الآية 30
(4)
سورة المدثر الآية 30
(5)
سورة المدثر الآية 31
ذلك قوله الاعتماد في الحساب على عد الحروف اعتماد على أمر تقديري يزيد وينقص باعتبارات فيختلف باعتبار النطق عنه باعتبار الخط ويختلف عند اعتبار الخط بعد الحرف المشدد حرفين أو حرفا.
ثم قد يقع الخطأ في عد الكلمات أو الحروف ومن ذلك ما حصل في ص 14 من المحاضرة فإنه قال فيها:
أ - إن عدد مكررات (بسم) في المصحف الشريف 3 والواقع أنها أكثر، إذ هي في كل من سورة هود، والنمل، والحاقة، والعلق، مرة مرة وذكرت في سورة الواقعة مرتين، ثم نجد المحاضر بنى على تكرارها ثلاثا إعجازا قرآنيا عن طريق الحساب، فإذا ثبت خطؤه في العدد ثبت في الحكم بجعل ذلك معجزة فضلا عن كونها خالدة.
ب - ومن ذلك أنه اعتبر الألف من كلمة (بسم) وهي غير منطوقة ولا مكتوبة فيها حسب رسم المصحف ليتم له نظامه الحسابي الإعجازي وترك الباء وهي منطوق بها في البسملة ومكتوبة في رسم المصحف وغيره، ولم يعتبر الحرفين جميعا لئلا يختل العدد الذي يراد بناء النظام الحسابي الإعجازي عليه، وقد اعترف في نفس الموضع بهذا التحايل في اعتبار العدد والمعدود.
جـ- ومن ذلك أنه أخطأ وتناقض في قوله ص 16 " إخوان لوط، هؤلاء مذكورون في القرآن 12 مرة. . . إلى أن قال نجد أن هؤلاء الذين كذبوا لوطا يسمون في القرآن دائما قوم لوط ما عدا في سورة ق فإنهم يسمون إخوان لوط هذا هو الاستثناء الوحيد " اهـ والواقع أن كلمة لوط تذكر أحيانا وكلمة قوم لوط أو آل لوط أحيانا وأن لفظ لوط ذكر في القرآن أكثر من اثنتي عشر مرة، وليس شيء من هذه الكلمات بعينه ذكر في القرآن اثنتي عشر مرة، فكلامه في هذه الصفحة جامع بين التناقض والخطأ في العدد والمعدود.
د- ومن ذلك أنه أخطأ في مكرر حرف نون في سورة القلم.
ومن ذلك أن مكرر حرف ص في كل من سورة الأعراف ومريم وص لا يقبل القسمة على 19 باعترافه، فاحتال باعتبار مجموع مكرر حرف ص في السور الثلاث مضاعفا لئلا تختل قاعدته، ولا يخفى ما في هذا من التكلف بل التلاعب في اعتبار مكرر الحرف في السورة مرة باستقلال وإهمال استقلاله واعتباره مع غيره مرة أخرى.
هـ- ومن ذلك قوله: " إن كلمة بصطة من قوله تعالى في سورة الأعراف: {وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً} (1) مكتوبة بالصاد لا بالسين وكلنا نعرف أنه ليس في اللغة العربية كلها كلمة بصط بالصاد كما أن المعروف أن كلمة بصطة بالصاد في هذه الآية توقيفية، ومعنى توقيفية هي أن سيدنا جبريل عليه السلام عندما جاء بهذه الآية قال للنبي صلى الله عليه وسلم قل لكتاب الوحي يكتبوا هذه الكلمة بالصاد وليس بالسين. .) أهـ، ثم رتب على ذلك معجزة حسابية ترجع إلى عدد حروف ص في سورة الأعراف.
وهذا الكلام خطأ من أوجه:
الأول: أن مادة بصط عربية كمادة بسط.
ففي القاموس المحيط البصط هو البسط في جميع معانيه.
الثاني: أن بصطة بالصاد قراءة سبعية قرأ بها نافع وابن كثير وخير فيها قالون بين الصاد والسين.
الثالث: كون كتابتها بالصاد توقيفية بالخبر الذي ذكر يحتاج إلى إثبات وأنى له ذلك، فبناء إعجاز حسابي قرآني على ذلك يبعث في النفس ريبة ويفتح ثغرة للملحدين وكل من يزعم أن القرآن من قول البشر لا وحي من عند الله، لبنائه على كذب واحتيال وتكلف وتخمين.
وومن ذلك استدلاله بعدم حدوث أي تلاعب في عدد كل من الكلمات الأربع - بسم - الله - الرحمن - الرحيم - في القرآن بزيادة أو نقصان
(1) سورة الأعراف الآية 69
أو تحريف، على أن القرآن وصل إلينا سالما محفوظا، ولا شك في أن القرآن وصل إلينا سالما محفوظا لكن الاستدلال على ذلك بما ذكره غير مسلم، إذ لا يلزم من سلامة هذه الكلمات الأربع من التحريف ومن الزيادة أو النقص في عددها عدم الزيادة أو النقص أو التحريف فيما سواها.
ثم على تقدير سلامة ما ذكره المحاضر من الأخطاء والتناقض لا يصح أن يعتبر أصلا في إثبات الرسالة وأن القرآن وحي من عند الله، لأنه ميسور يمكن الحساب أن يأتوا بسورة بل سور يتحرون فيها جوانب الحساب التي ذكرها المحاضر دون رعاية لجانب الفصاحة والتشريع وأنباء الغيب، كما يفعل من يذكر تاريخ ميلاد أو وفاة أو حادث في بيت من شعر أو نصف بيت ويتحرى فيه حروفا حسابها بالجمل يؤدي المطلوب، فهذا وأمثاله مما يدخل تحت الأسباب العادية ويقع في حدود طاقة البشر فلا يصح أن يكون معجزة لنبي يتحدى بها أمته بما أنزل الله عليه من القرآن.
ونختتم الحديث عن المحاضرة بأن المحاضر لم يكتف ببيان غرضه من محاضرته وهو إثبات إعجاز القرآن بطريقة رياضية حسابية جعل مفتاحها عدد حروف وكلمات - بسم الله الرحمن الرحيم -، بل زاد أمرين عد كلا منهما معجزة قرآنية، وافتتح بهما محاضرته فذكر:
أولا: أن قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} (1) دليل على دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس وجعل إثبات ذلك بالقرآن معجزة خالدة، وهذا خطأ بل تحريف للقرآن عن مواضعه، وتفسير له بغير ما قصد منه ودل عليه سياق الكلام، فإن الآية نزلت بيانا لأهوال يوم القيامة عند النفخ في الصور، بدليل قوله تعالى في الآية التي قبلها:{وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إلَاّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} (2) ثم قال بعدها:
(1) سورة النمل الآية 88
(2)
سورة النمل الآية 87
{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً} (1) ونظير ذلك قوله تعالى في سورة الواقعة: {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا} (2){وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا} (3){فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا} (4) فتفسيرها بدوران الأرض لتكون معجزة مخالف لسياق الكلام، وخروج بها عن نظائرها من آيات القرآن في نفس الموضوع، بل مخالف لظاهر الآية نفسها، فإن الدوران لا يقابل الجمود بل الذي يقابل جمود الجبال وجعلها رواسي للأرض كونها هباء منبثا كالعهن المنفوش تطيرها الرياح فتمر مر الحساب بعد أن كانت أحجارا صلبة متماسكة مستقرة على الأرض أوتادا لها، فكيف يجعل الخطأ في بيان المراد من الآية معجزة يثبت بها أن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول الله وأن القرآن تنزيل من رب العالمين؟.
ثانيا: أن قوله تعالى في سورة يونس: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا} (5) الآية وقوله تعالى في سورة الفرقان: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا} (6) دليل على أن نور القمر مستفاد من نور الشمس وذلك دليل على إعجاز القرآن وهذا استنباط باطل فإنه ليس في الآيتين دليل على ذلك ولا فهم العرب منهما هذه النظرية العلمية وهم أهل العربية وأعرف باللغة التي بها نزل القرآن، وإعجاز القرآن لا يحتاج في إثباته إلى أمثال ما ذكر المحاضر، وكون نور القمر مستفاد من نور الشمس لا يتوقف ثبوته على القرآن بل عرف من طريق آخر كحادث خسوف القمر المتكرر على مر الزمان، ومعرفة ذلك في متناول البشر لكونه متصلا بعلم التسيير وهو من علم الفلك فيعرفه من له دراية بعلم الفلك فكيف يجعل ذلك دليلا تثبت به الرسالة وإعجاز القرآن؟
(1) سورة النمل الآية 88
(2)
سورة الواقعة الآية 4
(3)
سورة الواقعة الآية 5
(4)
سورة الواقعة الآية 6
(5)
سورة يونس الآية 5
(6)
سورة الفرقان الآية 61