الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وشرا مع نقل القرآن بالتواتر وحفظ السنة وسيرة أهل الصدر الأول بضبط وإتقان لم يتفق مثله لأمة من الأمم في نقل دينها أو تاريخها وهما صريحان في تحريم كل مسكر وفي تسميته خمرا، فهل يبعد أن يدعي أهل الكتاب مثل هذه الدعوى وينسبونها إلى أنبيائهم وهم لا يقولون بعصمتهم. لا يبعد عنهم ذلك فقد نسبوا إلى لوط ليس شرب الخمر فحسب بل الزنى بابنتيه لعنهم الله.
ثانيا: أننا إذا سلمنا بما نقلوه في العهدين القديم والجديد من الأخبار الدالة على حل الخمر وعدم التشديد إلا في السكر نقول:
(1)
إن هذا التحريم من إكمال الدين بالإسلام وقد مهد الأنبياء له من قبل بتقبيح السكر وذمه ولم يشددوا في سد ذريعته بالنهي عن التعليل من الخمر كما كان من افتتان البشر بشربها ومنافعهم منها كما فعل الإسلام في أول عهده.
(2)
أن الله تعالى ما حرم الخمر البتة فيما أكمل به الإسلام إلا وهو يعلم أن البشر سيدخلون في طور جديد تتضاعف فيه مفاسد السكر، وأن مصلحتهم وخيرهم أن يتسلح المؤمنون بأقوى السلاح الأدبي لاتقاء شرور ما يستحدث من أنواع الخمور الشديدة الفتك بالأجساد والأرواح التي لم يكن يوجد منها شيء في عصور أولئك الأنبياء عليهم السلام، وما ذاك إلا لسد ذريعة هذه المفسدة بتحريم قليل الخمر وكثيرها.
التدرج التشريعي في تحريم الخمر وحكمه في ذلك
لقد انتهج الإسلام خطة حكيمة في معالجة الأمراض الاجتماعية عندما سلك بالناس التدرج في تشريع الأحكام، وهو لطف من الله سبحانه وتعالى وكرامة لعباده؛ حيث لم يوجب عليهم الشرائع دفعة واحدة، ولكن أوجبها عليهم مرة بعد مرة، فقد فرض سبحانه الصلاة على العباد قبيل الهجرة بسنة ونصف تقريبا، ثم فرض عليهم الزكاة والصوم في السنة الثانية من الهجرة، وكذلك الخمر سلك الشارع في تحريمها مسلكا فقد كان المسلمون يشربونها في أول الإسلام وهو لهم حلال مدة إقامته عليه الصلاة
والسلام بمكة، فلما هاجر إلى المدينة بدأ الحق سبحانه بالتنفير منها عن طريق المقارنة بين شيئين: شيء فيها نفع ضئيل وشيء فيه ضرر جسيم. وقد أدرك بعض الصحابة شيئا من ضررها، فكانوا يتوقعون تحريمها، فكانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فنزل سبحانه {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} (1) فتركها قوم لقوله:{قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} (2) وشربها قوم لقوله {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} (3) ثم إن عبد الرحمن بن عوف صنع طعاما ودعا إليه ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعمهم وسقاهم الخمر وحضرت صلاة المغرب فقدموا أحدهم ليصلي بهم فقرأ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} (4) أعبد ما تعبدون. بحذف لا، فكانت هذه الحادثة تمهيدا لتحريمها عليهم أوقات الصلاة ونزل قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (5) فحرم الله السكر تحريما جزئيا في أوقات الصلاة، فلم يبق للمصر على شربها إلا الاغتباق بعد صلاة العشاء وضرره قليل، وكذا الصبوح من بعد صلاة الفجر لمن لا عمل له ولا يخشى أن يمتد سكره إلى وقت الظهر، ثم تركهم - جلت حكمته - على هذه الحال زمنا قوي فيه الدين ورسخ اليقين وكثرت الوقائع التي ظهر بها إثم الخمر، منها ما روي أن عتبان بن مالك صنع طعاما ودعا إليه رجالا من المسلمين فيهم سعد بن أبي وقاص وكان قد شوى لهم رأس بعير، فأكلوا وشربوا الخمر حتى أخذت منهم، فافتخروا عند ذلك وتناشدوا الأشعار، فأنشد بعضهم قصيدة فيها فخر قومه وهجاء الأنصار، فأخذ رجل من الأنصار لحي بعير فضرب به رأس سعد فشجه فانطلق سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكا إليه الأنصاري، فأنزل الله قوله سبحانه {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} (6) إلى قوله {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (7) فقال عمر: انتهينا ربنا انتهينا، فطلب الكثيرون من الصحابة تحريمها، فأجابهم الله وحرمها تحريما كليا في جميع الأوقات.
(1) سورة البقرة الآية 219
(2)
سورة البقرة الآية 219
(3)
سورة البقرة الآية 219
(4)
سورة الكافرون الآية 1
(5)
سورة النساء الآية 43
(6)
سورة المائدة الآية 90
(7)
سورة المائدة الآية 91