الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعلي الله درجاتهم في الدنيا والآخرة وينصرهم في الدنيا والآخرة ولهم رزق كريم في الدنيا والآخرة وهم المتبعون للقرآن السعداء به، واقتصر على هذا القدر من آيات كتاب الله العزيز، لأن المقام لا يتسع لأكثر منها - وفيها بيان كاف.
الأحاديث النبوية في هذا المعنى
1 -
عن النواس بن سمعان قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان أو ظلتان سوداوان بينهما شرق، أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما (1)» رواه مسلم.
الظلة والغمامة: ما أظل الإنسان فوق رأسه كالسحاب ونحوه، والفرقان تثنية فرق بالكسر، وهو السرب من الطير، والشرق الضوء والنور، وتحاجان عن صاحبهما: أي تشفعان له، والشاهد في قوله وأهله الذين كانوا يعملون به في أن أهل القرآن حقا هم الذين يقرءونه ويعملون به، أما الذين يقرءونه ولا يعملون به فليسوا بأهله، ولا ينالون هذا الفصل.
عن الحارث الأعور قال: مررت بالمسجد فإذا الناس يخوضون في الأحاديث فدخلت على علي فأخبرته فقال: أو قد فعلوها؟ قلت نعم، قال أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ألا إنها ستكون فتنة، قلت: ما المخرج يا رسول الله؟ قال: كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أذله الله وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع به العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا من قال به صدق ومن عمل به أجر، ومن حكم به
(1) صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (805)، سنن الترمذي فضائل القرآن (2883)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 183).
(2)
سنن الترمذي فضائل القرآن (2906)، سنن الدارمي فضائل القرآن (3331).
(3)
سورة الجن الآية 1 (2){إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا}
عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم (1)»، رواه الدارمي والترمذي وقال: هذا حديث في إسناده مجهول وفيه الحارث ثم قال:
ليس لهذا الحديث إسناد صحيح، ولكن معناه صحيح، ولذلك رواه المنذري في الترغيب والترهيب، والبغوي في المصابيح، وابن كثير في التفسير، والأحاديث التي كانوا يخوضون فيها وشغلتهم عن القرآن هي القصص والأخبار والحكايات التي لا طائل تحتها، والمساجد إنما بنيت للصلاة وذكر الله، وخير الكلام كلام الله، وبه ينبغي أن تعمر المساجد لا بالرأي والأباطيل، قال الشعبي رحمه الله: والله لقد بغض إلى أهل الرأي المسجد، حتى لهو أبغض إليهم من كناسة المسجد.
وقوله أوقد فعلوها إنكار عليهم، والضمير عائد على الفعلة الشنيعة، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيء الفتن بعد زمانه عليه الصلاة والسلام، ولا شك أن من تمسك بكتاب الله وسنة رسوله التي هي بيانه عصمه الله من الفتن في كل زمان ومكان، وفي زماننا هذا فتن عظيمة ولا مخرج منها للدول والشعوب وآحاد الناس إلا باتباع القرآن اتباعا حقيقيا، والعمل به وتحكيمه ورفع رايته، وقوله نبأ ما قبلكم أخبار الأمم السابقة وما أصابها من العذاب بإعراضها عن كتب الله ورسل الله، وخبر ما بعدكم من سوء عواقب الظالمين والفاسقين عن أمر الله، والمتعدين لحدود الله، وأشراط الساعة، فمن تمسك به هداه الله دائما سبل السلام كما تقدم في آية المائدة وحكم ما بينكم الأحكام الشرعية التي تحتاج إليها الأمة إلى يوم القيامة.
وقوله هو الفصل أي الفاصل بين الحق والباطل، وليس فيه شيء من الهزل، بل هو جد كله من تركه من جبار قصمه الله أي ترك القرآن من الجبارين القاهرين لخلق الله المتعالين عن حكم الله، قصمه الله، أي أهلكه ومن ابتغى الهدى أي طلب الحق والرشاد والعدل في غير القرآن أي مما يضاد القرآن ويناقضه أضله الله أي أخرجه عن سبل السلام وأوقعه في سبل الهلاك. وقوله وهو حبل الله المتين قال الحافظ ابن كثير عن أبي جعفر الطبري بسنده إلى أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء والأرض (2)» وروى ابن مردويه بسنده إلى عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن هذا القرآن هو حبل الله المتين وهو النور المبين وهو الشفاء النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه (3)» ، وروي
(1) سورة الجن الآية 2 (3){يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ}
(2)
سنن الترمذي المناقب (3788)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 17).
(3)
سنن الترمذي فضائل القرآن (2906)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 91)، سنن الدارمي فضائل القرآن (3331).
من حديث حذيفة وزيد بن أرقم نحو ذلك. انتهى.
فمن تمسك بالقرآن كما تمسك به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والصالحون من بعدهم من جماعات وآحاد أوصله إلى السعادة الأبدية، ومن أعرض عنه، فإن له معيشة ضنكا، أي ضيقة نكدة في هذه الدنيا، ويحشره الله يوم القيامة أعمى لأنه كان في الدنيا أعمى لا يستضيء بنور القرآن، {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلا} (1) فكل ما أصاب المنتمين إلى الإسلام في هذا الزمان هو بسبب إعراضهم عن القرآن، ومن شك فليجرب، وكيف يشك عاقل في ذلك، وهذا تاريخ المسلمين أمامنا، كأننا ننظر إليه بأعيننا مطابق لهذا الوعيد كل المطابقة، وقد اعترف بهذا الموافق والمخالف حتى الملحدون أعداء الدين اعترفوا بأن القرآن هو الذي نفخ في أتباعه روح الحياة، وبعثهم على اقتباس المدنيات وعلوم الحضارة كما قرره (جوزيف ماك كيب)، ونقله عن كبار الفلاسفة الملحدين في كتابه (مدينة العرف في الأندلس) في أكثر من موضع، ويحتمل أن يكون الحبل بمعنى العهد في قوله تعالى {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} (2) من أعرض عن القرآن فقد نقض عهد الله، فالمعنيان متلازمان.
قوله لا تزيغ به الأهواء يعني أن من كان هواه تبعا للقرآن، يحيي ما أحيا القرآن، ويميت ما أمات القرآن، ويثبت ما أثبته القرآن، وينفي ما نفاه القرآن، ويرفع ما رفعه القرآن، ويخفض ما خفضه القرآن، ويدور معه كيفما دار، فهو سعيد موفق منصور مهتد؛ لأن القرآن هو الصراط المستقيم، فمن خرج عنه وقع في الزيغ والهلاك، ويشابه هذا المعنى حديث الأربعين، قال النووي: عن أبي محمد عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به (3)» حديث حسن صحيح، رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح.
ومصداقه في كتاب الله عز وجل، قال تعالى في سورة النساء (65){فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (4) فلا تصح دعوة الإيمان ولا تدرك ثمرته، وهي السعادة إلا برد كل نزاع إلى كتاب الله وسنة رسوله، والرضا بما يصدر عنهما من حكم مع التسليم والإذعان والمحبة.
(1) سورة الإسراء الآية 72
(2)
سورة آل عمران الآية 103
(3)
أخرجه الخطيب في تاريخه (4/ 491)، والبغوي في شرح السنة (ح/104)، والحسن بن سفيان كما في فتح الباري، وقال ابن حجر: رجاله ثقات، وقد صححه النووي في آخر الأربعين. انظر: فتح الباري (13/ 289).
(4)
سورة النساء الآية 65