الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأصول على نحو يحقق مصالح الناس في كل عصر ومكان، ويفي بحاجاتهم ولا يضيق بها ولا يتخلف عن أي مستوى عال يبلغه المجتمع، وهذا هو واقع الشريعة الإسلامية التي جاءت من الله، جعلها عامة في المكان والزمان وخاتمة لكل الرسالات والنبوات من خلال مصادرها وطبيعة مبادئها وأحكامها وقواعد التعامل فيها، قال تعالى:{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (1) وقال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (2) ويقول سبحانه {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (3) ويقول تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (4).
(1) سورة الأحزاب الآية 40
(2)
سورة آل عمران الآية 85
(3)
سورة الأنعام الآية 38
(4)
سورة النحل الآية 44
3 -
شمولية الشريعة الإسلامية:
إن ختم الرسالات بهذه الرسالة ونسخ رسالات الأنبياء من قبله بها يستلزم أن تكون هذه الشريعة وافية بمتطلبات الحياة كلها. ومن لم يؤمن بهذه الحقيقة فإنه يلزم من كلامه أن هذا الدين جاء بالضيق والحرج والجور وهو ما لا يقول به مسلم، ومضاد لقول الله تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} (1).
وكما جاءت الشريعة الإسلامية عامة لكل البشر على اختلاف أجناسهم، لا فضل فيها لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، فإنها كذلك رسالة شاملة لكل جوانب الحياة ومناحي الاجتماع لم تترك شاردة ولا واردة إلا ذكرت فيها خبرا أو شملتها حكما أو كانت مندرجة تحت أصل أو قاعدة.
فقد تناولت تحديد الغاية من خلق الإنسان ووظيفته في الحياة ومركزه في
(1) سورة الحج الآية 78
هذا الكون، ونظمت علاقته بربه وصلته بإخوانه والمجتمع الذي يعيش فيه، وحددت الحقوق والواجبات، ووضعت أصولا لفض المنازعات وإيصال كل ذي حق حقه، وإقامة العدل بين الناس في كل جانب من جوانب نشاطاتهم وأعمالهم.
فهي منهج حياة كامل جمع بين الدنيا والدين، وبين العمل والعبادة وبين الظاهر والباطن. . . فضمن بذلك للإنسان خيري الدنيا والآخرة.
وقد قسم علماء الشريعة الدين في جملته إلى أربعة أقسام هي:
1 -
أصول الدين.
2 -
ما علم من الدين بالضرورة.
3 -
الأحكام المتعلقة بالأخلاق وقواعد السلوك.
4 -
الأحكام الشرعية العملية المكتسبة من الأدلة التفصيلية.
وهو ما يعرف في اصطلاح المتأخرين (بالفقه) وهو باب واسع يتناول معظم نشاطات البشر وهو ينقسم إلى:
1 -
العبادات التي تنظم العلاقة مع الله وتوثق به الصلة سبحانه.
2 -
المعاملات: وهذا الأخير يندرج تحته كثير من الأحكام والمعاملات مثل:
أ - الأحكام المتعلقة بتنظيم الأسرة بما يشمله من نكاح وطلاق وحقوق.
ب - أحكام المعاملات كالبيع والشراء والبيوع الجائزة والمحرمة والأمور التجارية عامة من شركات ومبادلات.
جـ- أحكام المرافعات والقضاء وفض المنازعات بين الناس وإقامة العدل في ظل الدولة الإسلامية.
د- تنظيم علاقة الدولة الإسلامية بالدول الأخرى في أيام السلم والحرب. . . إلخ
هـ- الحدود والعقوبات كحد الردة والزنا وشرب الخمر والقذف وغيرها من الحدود الشرعية.
فهذه الشمولية التي اتصفت بها الشريعة الإسلامية حتى تجاوزت الأمور الظاهرة إلى النيات المضمرة والمقاصد الخفية وإصلاح الإنسان من داخله وكبح جماح الغرائز البهيمية فيه ومحاسبة الإنسان على عمله الظاهر ونيته المضمرة وإقامة وازع من النفس عليها، قال صلى الله عليه وسلم «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى (1)» وقال العلماء: إن هذا الحديث نصف العلم؛ لأنه يعالج الجانب الخفي في النفس المستكن في الضمير، وبقية الأحكام تعالج الأعمال الظاهرة.
(1) صحيح البخاري بدء الوحي (1)، صحيح مسلم الإمارة (1907)، سنن الترمذي فضائل الجهاد (1647)، سنن النسائي الطهارة (75)، سنن أبو داود الطلاق (2201)، سنن ابن ماجه الزهد (4227)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 43).
د- صلاحية الشريعة للناس في كل زمان ومكان: -
مصادر الشريعة الإسلامية هي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وما يتفرع عنهما من مصادر وأصول مرتبطة بهما، وهي محددة في كتب الأصول والكتاب والسنة بما تضمناه من نصوص وأحكام، جاءت على قدر كبير من الدقة والأحكام الموروثة والمبادئ العامة والقواعد المقررة، مما يجعل هذه الشريعة صالحة لكل زمان ومكان، تتسع لكل تطور وتتطور الحياة في ظلها بلا أي توقف أو وقوع حرج أو ضيق، بل إنها تحفظ للإنسان توازنه في بنائه وتكوينه وتلبية مطالب حياته في شكل متكامل واضح ومرن.
وأمور الناس في الحياة: إما ثابتة مستقرة لا يتطرق إليها التحول أو التغيير باختلاف الزمان أو المكان، وإما أمور قابلة للتغير والتبدل والانعطاف، وتختلف النظرة إليها من وقت لآخر، وتختلف فيها الأفهام، وهذا يحتاج إلى ضبط وتقييد يتسع لكل المتغيرات والظروف، ويحفظ فيها الحق وحسن الأداء تحت كل الظروف والمتغيرات.
وتبعا لهذه الأمور الموجودة في الحياة جاءت نصوص الشريعة على ضربين متمايزين ينتهيان إلى مصب واحد وهو جلب المصالح للعباد ودفع الضرر عنهم في كل زمان ومكان.
أما الضرب الأول من النصوص فإنها جاءت أحكامها نصية لا مجال للاجتهاد فيها، وقد شملت أقساما من أحكام الدين وأصول التعامل لأن هذه
الأحكام لا تتغير ولا تتبدل مع اختلاف الزمان أو المكان، وهذا واضح في مجال العقيدة في الله وتوحيده وإخلاص العمل له، لأن الإنسان يحتاج إلى هذه العقيدة كحاجته إلى الطعام والشراب والنكاح وقد فطر على ذلك، والألوهية ومقتضياتها لا تتغير ولا تتبدل لا باختلاف الزمان ولا المكان.
وكذلك جاءت أحكام الشريعة في قواعد الأخلاق ومحاسن العادات والآداب على اختلافها إذ هي أمور تظل مطلوبة ومحمودة في كل الظروف والأحوال.
كما أن لبعض المعاملات التي تتصل بعلاقات الأفراد في محيط الأسرة وأحكام النكاح والطلاق والحضانة وغيرها صيغة استقرار، كلها جاءت أحكامها تفصيلية لأنها لا يختلف الحكم فيها باختلاف الزمان أو المكان.
والميراث هو الآخر قد تولى الله بيانه بنفسه سبحانه، فأعطى كل ذي حق حقه بلا وكس ولا شطط، ولم يترك فيه مجالا لمجتهد إلا في مسائل فرعية بسيطة نادرة الوجود، بل جاءت النصوص في هذه الأحكام كلها نصية من كتاب الله.
وكذا تحريم بعض المعاملات كالربا وبيع ما لا يجوز بيعه ومنع الضرر والجهالة في المعاملات.
كما شملت العقوبات كلها مثل:
1 -
عقوبة الردة عن الإسلام.
2 -
عقوبة الزنا.
3 -
عقوبة السرقة.
4 -
عقوبة القصاص في النفس وما دونها.
5 -
عقوبة القذف.
6 -
عقوبة قطع الطريق.
7 -
عقوبة شرب الخمر.
أما الضرب الثاني من الأحكام الشرعية فقد جاءت على شكل قواعد وأصول ومبادئ عامة فيها مجال لاجتهاد المجتهدين، وفي ذلك غاية التكريم للعقل الذي ميز الله به الإنسان ودعا إلى استخدامه في إطار العقيدة السليمة والقيم الإسلامية الأصيلة التي لا تتبدل ولا تتغير بتغير الزمان والمكان.
ولكي يكون الاجتهاد أصيلا، لا تعبث به الأهواء والغايات، فإنه ينبغي ألا يتعرض له ويمارسه إلا القادرون عليه، وهم أولئك الذين توفرت فيهم شروط الأهلية لمثل هذا العمل، وهي أحكام تتعلق بقضايا تختلف تطبيقاتها من وقت لآخر ومن جيل إلى جيل، ويحتاج البشر إلى التفكير في الوصول إلى ما يلائم حياتهم في كل زمان ومكان وهذه المبادئ العامة مثل:
أ - الشورى في الحكم: فقد قال تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (1) وقوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِِ} (2) وفعل النبي صلى الله عليه وسلم في منزله في غزوة بدر وسؤاله لأصحابه وقول الحباب بن المنذر لما نزل الرسول صلى الله عليه وسلم ببدر: أهذا منزل أنزلك الله أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هي المشورة والحرب والمكيدة، فأشار الحباب بن المنذر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنزل، فرحل ونزل على رأي أصحابه في بدر وكذا الحال في أسرى بدر فإنه صلى الله عليه وسلم استشار أصحابه فيهم كما استشار أصحابه في كثير من أمور الحرب والسلم مثل غزوة الأحزاب وغيرها فكان مبدأ الشورى إسلاميا يلزم الأخذ به للنصوص الشرعية فيه وعمل الرسول صلى الله عليه وسلم به مع أصحابه ولكن الناس يجتهدون في الطريقة التي تتحقق بها طريقة الشورى وصيغتها وأساليبها وتنظيماتها.
(1) سورة الشورى الآية 38
(2)
سورة آل عمران الآية 159
ب - العدالة: التي قررها الإسلام في نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (1) وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَاّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (2) فهذا المبدأ مبدأ شرعي عظيم به تتحقق مصالح الخلق وتنتظم الحياة، وتنفيذ هذا المبدأ واجب ولكن طرائق تنظيمات الجهات التي تقوم على تحقيق العدل قد تختلف من زمان إلى آخر ومن مكان إلى غيره وفي ذلك متسع، وعلى المجتهدين أن يبذلوا ما في وسعهم للوصول إلى تحقيق العدل بين الناس وفق شريعة الله وعلى هديه.
جـ- المساواة: وهي مبدأ من المبادئ الإسلامية التي قررها الكتاب العزيز والسنة النبوية المطهرة وكانت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه أصدق تطبيق لهذا المبدأ العظيم، فإن الحاكم هو الله في كل شأن من شئون الحياة، والخلق كله أمام حكم الله سواء، لا فرق بين كبير وصغير ولا بين رئيس ومرءوس، ولا بين قريب أو بعيد، فالكل أمام الشريعة سواء، الحكم في كل شأن من شئونهم لله وحده، والعلماء ورثة الأنبياء وهم أولى الناس بالخشية من الله وإنفاذ حكمه على الوجه الذي يرضيه ومجالات هذه المساواة وطريقة تحقيقها، وإن اختلف الناس فيها فإنه مبدأ صالح لكل زمان ومكان ويتسع لكل تطور وتقدم ويواجه به كل الظروف وتحقيقه هدف من أهداف الشريعة.
(1) سورة النساء الآية 135
(2)
سورة المائدة الآية 8
وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (1) وقال صلى الله عليه وسلم «كلكم لآدم وآدم من تراب لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى (2)»
د- منع الضرر: في جميع أشكاله وصوره عن الناس، وهذا الضرر يتصور وجوده في كل باب من أبواب المعاملات والتعامل بين الناس، وهي قاعدة عظيمة النفع وكبيرة الفائدة، فلا يجوز للإنسان أن يلحق الضرر بنفسه ولا بغيره، كما لا يجوز أن يقابل الضرر بفعل ما يضر بغيره، وقد جاء منع الضرر في أبواب متعددة من الدين؛ فجاء في باب الرضاعة كقوله تعالى:{لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ} (3) وجاء قوله تعالى بعد ذكر الأنصباء في المواريث {غَيْرَ مُضَارٍّ} (4) وقال صلى الله عليه وسلم «لا ضرر ولا ضرار (5)» وقد رتب الفقهاء على هذه القاعدة مسائل متعددة وأحكاما كثيرة.
وهذه الأحكام الأربعة الآنفة الذكر إن هي إلا أمثلة موجزة للأحكام الشرعية التي جاءت على شكل قواعد ومبادئ عامة، أوردناها للدلالة على نوع الأحكام العامة كما أوردنا مثلها من الأحكام الخاصة، ولا أعتقد أن منصفا يعرف الشريعة الإسلامية ومراميها وأحكامها ثم يبيح لنفسه أن يقول بعدم صلاحيتها لكل زمان ومكان، أو أن يصيخ لسماع أقوال المستشرقين الحاقدين الذين يريدون عزل هذا الدين عن الحياة وفصل هذه الأمة عن تاريخها وعقيدتها ومعقد عزها ومصدر أمنها وسعادتها.
وما آلت إلى ما آلت في الأجيال المتأخرة إلا بسبب تساهلهم في حمل أعباء هذه الرسالة وتقاعسهم عن القيام بالواجب تجاهها، ولذا فقد حل بها
(1) سورة الحجرات الآية 13
(2)
مسند أحمد بن حنبل (5/ 411).
(3)
سورة البقرة الآية 233
(4)
سورة النساء الآية 12
(5)
سنن ابن ماجه الأحكام (2340)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 327).
من الضعف والهوان ما ندعو الله أن يرفعه.
ولا شك أن المستقبل لهذا الدين، ولكن متى عمل أتباعه على نصرة دين الله وعملوا على إحياء هذا الميراث وتجلية هذه العقيدة، وقدموا لها كل جهد ونفس وطاقة.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
دكتور: عبد الله بن محمد العجلان
(1) سورة النور الآية 55
صفحة فارغة
منع سفر البنات للخارج في سبيل الدراسة
أو الانتساب للجامعات
بقلم الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود
رئيس المحاكم الشرعية والشئون الدينية بقطر
قد يبدو للبعض للنظرة الأولى أن سفر البنات للدراسة في الخارج مشكلة تعاني منها بعض البلاد الإسلامية - وخاصة دول الخليج دون البعض الآخر، والواقع المشاهد أن الأقطار الإسلامية كلها تعاني من الأضرار والويلات التي تجرها سفر البنات للدراسة مما يقضي بضرورة معالجة هذه المشكلة ووضع حد لها حماية لمجتمع من المسلمين من الفساد وتردي الأخلاق.
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد: فإن بقاء الأمم واستدامة سعادتهم هو باستقامة أخلاقهم، فإذا ذهبت أخلاقهم ذهبوا، وليعتبر المعتبر بالبلدان التي قوضت منها خيام الإسلام وترك أهلها فرائض الصلاة والزكاة والصيام واستباحوا الجهر بمنكرات الفسوق والعصيان، كيف حال أهلها وما دخل عليهم من النقص والجهل والكفر وفساد الأخلاق والعقائد والأعمال حتى صاروا بمثابة البهائم يتهارجون في الطرقات، لا يعرفون صياما ولا صلاة، ولا يعرفون معروفا، ولا ينكرون منكرا، ولا يمتنعون من قبيح ولا يهتدون إلى حق، قد ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ففشا من بينهم الفوضى والشقاق، وقامت الفتن على قدم وساق، يقتل بعضهم بعضا ويسبي بعضهم أموال بعض بحجة الاشتراكية
المبتدعة التي ما أنزل الله بها من سلطان، هذا وإن الجرائم الصغائر تقود إلى الكبائر، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم ذلك تحذيرا عن محقرات الذنوب، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«العين تزنى وزناها النظر، والقلب يتمنى ويشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه (1)» يقول الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (2) فوقاية النفس من النار تحصل بأداء ما افترض الله وترك ما حرم الله، كما أن وقاية الأهل من النار تحصل بأمرهم بالخير ونهيهم عن الشر، تحصل بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، فما نحل رجل أهله وأولاده أفضل من أن ينحلهم أدبا حسنا يهذبهم على الصلاح والصلاة والتقاة، ويردعهم عن السفاه والفساد والردى، وكلكم راع ومسئول عن رعيته فالرجل راع على أهله وأولاده وبناته ومسئول عن رعيته والمرأة راعية على أهل بيتها وعلى أولادها وبناتها ومسئولة عن رعيتها، فمتى كان الرجل راعيا على أهل بيته وعلى أولاده فمن واجب رعيته أن يرعاهم بالعدل والإصلاح والدعوة إلى الخير، وأن يأخذ بأيدي أولاده إلى الصلاة في المسجد معه حتى يتربوا على محبة الصلاة في الجماعة، فإن من شب على شيء شاب على حبه، ولأنه بأخذ يد الولد إليها ومجاهدته عليها يعود حبها ملكة راسخة في قلبه تحببه إلى ربه وتقربه من خلقه وتصلح له أمر دنياه وآخرته، كما إن المرأة راعية في بيت زوجها أن تأمر أولادها وبناتها بالوضوء والصلاة في وقتها وتعلمهم سائر وسائل الطاعة، وأن تجنبهن من عوامل التكشف والخلاعة.
وقد كنت عملت رسالة عنوانها: الطلاب المبتعثون إلى الخارج، ودعوت الناس فيها إلى أن يكون تعلم بناتهم في بلدانهم؛ لأن تعلم بناتهم في بلدانهم أنجى لهن من وقوعهن في الشبهات والفتن التي تزيغهن عن معتقدهن الصحيح، ثم تقودهن إلى الإلحاد والتعطيل والزيغ عن سواء السبيل، إذ ليس في الخارج علوم يقتبسونها أو يلتمسونها مما هو معدوم في بلدهن، وإن الوقاية خير من العلاج، والدفع أيسر من الرفع
(1) صحيح البخاري القدر (6612)، صحيح مسلم القدر (2657)، سنن أبو داود النكاح (2152)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 343).
(2)
سورة التحريم الآية 6