الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك يحتاج إلى مزيد من الوقت وهو ما لم يتح لي نظرا لانشغالي بالقضاء ومشكلاته التي لا تكاد تنتهي.
ومهما يكن من أمر فإنني بذلت جهدي، فإن أصبت الحق فمن الله تعالى فله الشكر والحمد أولا وأخيرا وهذا مبتغاي، وإن أخطأت فإنني أستغفر الله ولي في واسع رحمته الرجاء.
تعريف الخمر
الخمر لغة:
الخاء والميم والراء أصل واحد يدل على التغطية والمخالطة في ستر، فالخمر مأخوذ من خمر إذا ستر، ومنه خمار المرأة وكل شيء غطى شيئا فقد خمره، ومنه الحديث أنه عليه الصلاة والسلام أتي بإناء من لبن فقال «هلا خمرته ولو بعود تعرضه عليه (1)» والخمر بالتحريك كل ما سترك من شجر أو بناء أو غيره يقال توارى العبد عني في خمر الوادي وخمره. ومنه قولهم دخل فلان في خمار الناس: أي فيما يواريه ويستره منهم. وقال العجاج يصف جيشا:
في لامع العقان لا يمشي الخمر
…
بوجه الأرض ويشتاق الشجر
ويقال خمر فلان شهادته، وأخمرها: أي كتمها، فالخامر هو الذي يكتم شهادته.
سبقت الإشارة إلى أن لفظ الخمر منقول من مصدر خمر الشيء. . . وقد اختلف أهل اللغة في وجه هذا النقل:
فنقل عن ابن الأعرابي أنه قال سميت الخمر خمرا، لأنها تركت حتى اختمرت واختمارها تغير ريحها كما يقال خمرت العجين فتخمر بأن تتركه فلا تستعمله حتى يجود.
وخمر الرأي: أي تركه حتى يتبين فيه الوجه.
وعلى هذا تكون مصدرا أريد به اسم المفعول.
وقال أبو بكر الأنباري سميت الخمر خمرا لأنها تخامر العقل. من المخامرة وهي
(1) صحيح البخاري الأشربة (5624)، صحيح مسلم الأشربة (2012)، سنن الترمذي الأطعمة (1812)، سنن أبو داود الأشربة (3731)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 319)، موطأ مالك الجامع (1727).
المخالطة، ومنه قولهم خامره داء إذا خالط جوفه، وأنشد كثير عزة:
هنيئا مريئا غير داء مخامر
: أي مخالط
وقيل لأنها خامرت العقل، أي لابسته فكتمته:(أي غطته) وكل مكموم مخمور. قال الراغب في مفردات القرآن سمي الخمر لكونه خامرا للعقل أي ساترا ومنه الحديث «خمروا آنيتكم (1)» ومنه خمار المرأة لأنه يغطي رأسها. وهذا القول أخص من الذي قبله لأنه لا يلزم من المخالطة التغطية. وتكون على هذا القول والذي قبله مصدرا أريد به اسم الفاعل.
وقيل لأنها خمرت بالظروف وغطيت حتى وصلت لدرجة الغليان. ومنه حديث المختار بن فلفل: قلت لأنس: الخمر من العنب أو من غيرها؟ قال ما خمرت من ذلك فهو الخمر وتكون على هذا مصدرا أريد به اسم المفعول.
ولا مانع من صحة هذه الأقوال كلها لثبوتها عن أهل اللغة وأهل المعرفة باللسان ولاشتمال الخمر على الصفات المذكورة، ولذا قال ابن عبد البر: لأوجه كلها موجودة في الخمر لأنها تركت حتى أدركت وسكنت، فإذا شربت خالطت العقل حتى تغلب عليه وتغطيه.
وللخمر أسماء كثيرة ذكر منها ابن سيده في المخصص ما يزيد على عشرين اسما وأشهرها الصهباء والشمول والخندريس والراح والرحيق وغير ذلك. . .
أجمع أهل اللغة على أن الخمر يطلق على النيء من ماء العنب المشتد إطلاقا حقيقيا، واختلفوا في إطلاقه على غيره بالنسبة لكون الإطلاق من قبيل الحقيقة أو المجاز؟.
فذهب الكثير منهم إلى أن كل شيء يستر العقل ويغطيه من الأشربة المسكرة يسمى خمرا حقيقة، سواء أكان متخذا من ثمرات النخيل والأعناب أو من غيرها، وسواء كان نيئا أو مطبوخا لأنها سميت بذلك لمخامرتها للعقل وسترها له، وممن قال بذلك من أئمة اللغة الجوهري وأبو نصر القشيري والدينوري وصاحب القاموس، - قال في القاموس تحت مادة الخمر: الخمر ما أسكر من عصير العنب وعاتم كالخمرة وقد يذكر والعموم أصح لأنها حرمت وما بالمدينة خمر عنب، وما كان شرابهم إلا البر والتمر.
(1) صحيح البخاري بدء الخلق (3280)، سنن الترمذي الأطعمة (1812)، سنن أبو داود الأشربة (3731)، سنن ابن ماجه الأشربة (3410)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 395)، موطأ مالك الجامع (1727).
وقال أبو البقاء في كلياته " كل شراب مغط للعقل سواء كان عصيرا أو نقيعا مطبوخا كان أو نيئا فهو خمر ".
ومما يدل على العموم لغة الاشتقاق، فإن أرباب الاشتقاق من أهل اللغة قالوا: إن مادة الخمر في الأصل موضوعة للتغطية والمخالطة في ستر.
سمي الخمار خمارا لأنه يغطي رأس المرأة - والخمر بالتحريك كل ما سترك من شجر أو بناء أو غيره.
ويقال: توارى الصيد عني في خمر الوادي وخمره، ومنه قولهم: دخل فلان في خمار الناس أي: فيما يواريه ويستره منهم. والخامر هو الذي يكتم شهادته، فهذه الاشتقاقات دالة على أن الخمر ما يكون ساترا للعقل كما سميت مسكرا لأنها تسكر العقل أي تحجزه فهذه الاشتقاقات وحدها من أقوى الأدلة على العموم.
ولا يقال هذا في إثبات اللغة بالقياس. وهو غير جائز؛ لأننا نقول: ليس هذا إثباتا للغة بالقياس بل هو تعيين المسمى بواسطة هذه الاشتقاقات كما أن الحنفية يقولون: إن مسمى النكاح هو الوطء وأثبتوه بالاشتقاق ومسمى الصوم هو الإمساك وأثبتوه بالاشتقاق.
ذهب فريق آخر من أهل اللغة إلى أن إطلاق اسم الخمر على النيء من ماء العنب إذا اشتد وصار مسكرا إطلاق حقيقي، وإطلاقه على غيره من سائر الأنبذة من قبيل المجاز.
قال في لسان العرب: الخمر ما أسكر من عصير العنب لأنها خامرت العقل، والتخمير التغطية، يقال خمر وجهه وخمر إناءك والمخامرة المخالطة، وقال أبو حنيفة الدينوري: قد يكون الخمر من الحبوب فجعل الخمر من الحبوب، قال ابن سيدة وأظنه تسمحا لأن حقيقة الخمر إنما هي للعنب دون سائر الأشياء، وفي المعرب: الخمر: النيء من ماء العنب إذا غلا واشتد وقذف بالزبد. كما احتجوا بقول أبي الأسود الدؤلي وهو حجة في اللغة:
دع الخمر تشربها الغواة فإنني
…
رأيت أخاها مغنيا بمكانها
فإن لا تكنه أو يكنها فإنه
…
أخوها غذته أمه بلبانها