المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المجاميع الحديثية الأمهات - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٩

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌مناقشة المحاضرة

- ‌مناقشة ما نشرت له جريدة " اليوم السعودية

- ‌كلمة تحذيرية حول إنكار رشاد خليفة للسنة المطهرة

- ‌خطاب من سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن بازإلى أمين عام المجلس الإسلامي الأوربي

- ‌ حكم نزول المرأة في السوق بدون إذن من زوجها

- ‌ جمع الرجل في عصمته أكثر من أربع زوجات

- ‌ اشترط في عقد الزواج أن تكون عصمة الزوجة بيدها

- ‌ أولى الناس بولاية المرأة في الزواج

- ‌ لي أخت من والدتي على أب ثان ولي أخت على أم ثانية تزوجهن رجل واحد وأنا الذي أتولى عليهن العقد

- ‌ ما هو الجواب شرعا وحقا فيمن ترك زوجته سنة أو أكثر من ذلك

- ‌ تناول حبوب منع الحمل

- ‌ إخوة الزوج وأبناء عمه ليسوا بمحارم لزوجته

- ‌ حكم لبس الكعب العالي للمرأة، ووضع المناكير

- ‌ طلق زوجته طلاق السنة ثم سلم ورقة الطلاق، ويريد مراجعتها، فهل المراجعة إجبارية على المرأة

- ‌ تزوج امرأة وأنجبت منه أولادا، ثم طالبته والدته بطلاق زوجته دون سبب أو عيب في دينها

- ‌ إذا توفي الزوج قبل أن يدخل بزوجته وجب لها جميع المهر المسمى

- ‌ زنى رجل ببكر ويريد أن يتزوجها

- ‌ هل يجوز أن يزوج بنته خال أبيه

- ‌مباحث في القرآن الكريم

- ‌انتفاع المسافرين بالنار في هذا الزمان

- ‌فضائل القرآن وشروطها

- ‌الأحاديث النبوية في هذا المعنى

- ‌تجويد القرآن

- ‌مهمة السنة

- ‌هل تستقل السنة بالتشريع

- ‌من علماء السنة من الصحابة والتابعين:

- ‌السنة في مدينة الرسول

- ‌مكة والسنة

- ‌تدوين السنة

- ‌في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم

- ‌المجاميع الحديثية الأمهات

- ‌في دعاء المخلوقين والتوسل بالأشخاص

- ‌الصوفية

- ‌ حد القذف

- ‌ حد المحاربة وقطع الطريق

- ‌ حد المسكر

- ‌خاتمة البحث

- ‌حكم تناول الميتة

- ‌المسألة الأولى: في تعريف الميتة وبيان الحكمة في تحريمها

- ‌المسألة الثانية: في بيان ما يستثنى من الميتة

- ‌المسألة الثالثة: في بيان حكم ما ذكي بعد قيام سبب الموت

- ‌المسألة الرابعة في حكم أكل ما أهل به لغير الله:

- ‌حكم الشهادة فيما كان من حقوق الله:

- ‌الخمر في الشريعة الإسلامية

- ‌تعريف الخمر

- ‌الخمر عند الفقهاء

- ‌حكم شرب الخمر ودليله

- ‌شبهات على تحريم الخمر وتفنيدها

- ‌التدرج التشريعي في تحريم الخمر وحكمه في ذلك

- ‌الوقت الذي حرمت فيه الخمر

- ‌حاجة الإنسان إلى ما ينظم حياته

- ‌رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وشريعته الجامعة

- ‌مفهوم الشريعة

- ‌خصائص الشريعة الإسلامية الخالدة

- ‌ أنها شريعة الله:

- ‌ عمومية الرسالة والشريعة لكل أجناس البشر:

- ‌ شمولية الشريعة الإسلامية:

- ‌سفر البنات العذارى إلى البلدان الخارجيةللانتساب بزعمهم

- ‌ الصراع بين النصرانية والإسلام وبين اليهودية والإسلام

- ‌ أمانة الدعوة الجماعية لأمة الإسلام في منطقة الخليج

- ‌ أهداف الجهاد

- ‌ أمور لا بد منها عند إرادة الجهاد

- ‌موارد تقي الدين الفاسي في كتابهالعقد الثمين

- ‌موارد التقي الفاسي في العقد الثمين

- ‌الموارد العلمية للكتاب

- ‌المصادر

- ‌مؤتمرات إسلامية

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌المجاميع الحديثية الأمهات

وجاء تابعو التابعين فسلكوا - في جملتهم - نفس المسلك السني الذي سلكه الأسلاف، فتمسكوا - في جملتهم أيضا - بالسنة التي صحت عندهم، وكما يقول ابن القيم:" كانت النصوص أجل في صدورهم وأعظم في نفوسهم من أن يقدموا عليها قول أحد من الناس أو يعارضوها برأي وقياس "(1) وكانوا في إجماعهم على الأخذ بالسنة الصحيحة - كما قال أحد الأئمة وهو الشافعي رضي الله عنه: " إن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس (2).

(1) أعلام الموقعين ج1 ص7.

(2)

إعلام الموقعين ج1 ص7.

ص: 125

‌المجاميع الحديثية الأمهات

.

كان من أشهر علماء الإسلام وأسبقهم إلى العناية بالحديث والإفادة منه: مالك بن أنس (93 - 179 هـ) صاحب المذهب المالكي والذي عاش ومات في المدينة، فقد جمع كتابه " الموطأ " ورتبه على حسب أبواب الفقه. وقد كان مالك - لتمسكه الشديد بالحديث النبوي - يتورع عن الإفتاء بالرأي: " قال القعنبي: دخلت على مالك بن أنس في مرضه الذي مات فيه، فسلمت عليه، ثم جلست، فرأيته يبكي، فقلت له: يا أبا عبد الله! ما الذي يبكيك؟ فقال لي: يا ابن قعنب! ومالي لا أبكي؟ ومن أحق بالبكاء مني؟ والله لوددت أني ضربت بكل مسألة أفتيت فيها بالرأي سوطا -!! وقد كانت لي السعة فيما قد سبقت إليه، وليتني لم أفت بالرأي (1).

وقد روى أصحابه أنه كان يكثر أن يقول: {إِنْ نَظُنُّ إلَاّ ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} (2).

وجاء من بعده بنحو قرن محمد بن إسماعيل البخاري، وقد طوف في

(1) إعلام الموقعين ج1 ص81.

(2)

سورة الجاثية الآية 32

ص: 125

خراسان والعراق والحجاز ومصر والشام، يروي عن محدثيها، وعددهم نحو ألف شيخ. حتى اجتمع له بعد 16 عاما كتابه الشهير:" الجامع الصحيح " المعروف بصحيح البخاري والمشتمل على نحو 9 آلاف حديث، منها 3 آلاف مكررة، وقد اتسق للبخاري أيضا - بعد امتحان لما روى من حديث، وبعد نقد للرواة - كتابه:" الضعفاء في رجال الحديث " ومن معاصري البخاري والعاملين معه في الحقل الحديثي: مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (204 - 261 هـ)(1) وقد رحل إلى الحجاز ومصر والشام، والعراق، فاجتمع له في خمس عشرة سنة كتابه المعروف " صحيح مسلم " الشامل لاثنى عشر ألف حديث، والذي هو ثاني الصحيحين المعول عليهما عند أهل السنة.

والحق أن هذين الصحيحين، ومعهما باقي الكتب الستة المعول عليها في تحقيق السنة، وهي: سنن أبي داود (202 - 275 هـ)، وسنن الترمذي (209 - 279 هـ) وسنن ابن ماجه (209 - 273 هـ)، وسنن النسائي (215 - 303 هـ) ومعهما أيضا موطأ مالك - الآنف الذكر -، ومسند الإمام أحمد بن حنبل الذي يضم 30 ألف حديث، هذه كلها قدمت للفقهاء الحديثيين المادة الشرعية التي أفادوا منها في استنباط فقههم، واستغنوا بها عن اللجوء إلى الاجتهاد بالرأي.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

د. محمد بن عبد الله العجلان.

(1) انظر ترجمة مسلم في: الذهبي: تذكرة الحفاظ ج2 ص150، والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد ج13 ص 100.

ص: 126

تعقبات على كتابة بعض الناس

في العقيدة والتوحيد.

بقلم الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين.

- من مواليد مدينة القويعية عام 1352 هـ، استظهر القرآن الكريم، ثم درس النحو ومبادئ علوم الدين في مدينته ثم انتقل إلى مدينة الرياض، وانتظم في معهد إمام الدعوة العلمي وتخرج منه، وأتم دراسته في الحلقات العلمية، على يد سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم والشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم - رحمهما الله تعالى - وعلى يد سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - وفقه الله - ومن ثم التحق بالمعهد العالي للقضاء، وحصل على درجة الماجستير عام 1390 هـ.

- عمل مدرسا بمعهد إمام الدعوة ثم مدرسا بكلية الشريعة بالرياض، حتى انتقل إلى رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، وعمل فيها عضو إفتاء وذلك منذ سنة 1402 هـ، ولا يزال.

- له رسالة بعنوان (أخبار الآحاد في الحديث النبوي) قدمها لنيل درجة الماجستير، وستطبع قريبا إن شاء الله، وله نبذة في التدخين مادته وحكمه، وله مشاركات في شرح كثير من المناهج الدراسية والتعليق عليها.

ص: 127

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم وبارك على من لا نبي بعده محمد النبي الكريم وعلى آله وصحبه. وبعد.

فلقد قرأت النصيحة الصادرة من أحد علماء مصر، والتي بعث بها المرسل المسترشد محمود عبد الله راشد من الجمهورية العربية المصرية إلى مفتي مكة المكرمة، وبعد أن قرأت فيها عنوانها تفاءلت به، ولكن اتضح أنه قد أخطأ الحق في بعض المواضيع فيما يتعلق بالصفات وفيما يتعلق بالأعمال، فأحببت أن أعلق عليها بعض التنبيهات على ما ظهر لي أنه خطأ وأوضح الصواب في ذلك حسب ما وصل إليه علمي، وأستشهد على ذلك ببعض أقوال العلماء الصالحين المخلصين وأقدم ما يتعلق بالصفات مرتبا ذلك حسب أسطر الصفحات.

فأقول أولا:

في السطر الحادي عشر من الصفحة الأولى قال في إثبات بعض الصفات: يسمع بغير أصمخة وآذان ويرى بغير حدقة وأجفان، ويتكلم بغير شفة ولسان، إلخ

فأقول: إن طريقة سلف الأمة إثبات الصفات حسب ورودها، واعتقادها صفات حقيقية لها معان مفهومة، ونفي التشبيه عنها، وإبعاد كل ما يتوهم فيه التشبيه وما هو من خصائص المخلوقين، مع الاقتصار في النفي والإثبات على ما وردت به النصوص، فنحن نثبت صفة السمع والبصر والكلام مع إثبات الحقيقة ونفي التشبيه، فأما ذكر الأصمخة والأذن والأحداق والأجفان والشفة واللسان، فلا نتعرض لها بنفي ولا إثبات، وننكر على من أثبتها وعلى من نفاها، مع وصف الله تعالى بأنه الأحد الصمد، وقد فسر الصمد بأنه المصمت الذي لا جوف له أو بالسيد الذي كمل في سؤدده وكلاهما معروف في اللغة.

وأقول ثانيا: قال في السطر الحادي والعشرين من الصفحة الأولى ما نصه.

كتهمة الوهابية للذات العلية يعتقدون بأن الله جسم محدود مؤلف من أعضاء، يد محسوسة يبطش بها ورجل يمشي بها، يجلس ويقوم ويغدو ويروح وينزل ويرتفع فأصبحوا كإخوانهم النصارى في الناسوت واللاهوت، لعب إبليس

ص: 128

بلحاهم حتى أرداهم وأخرجهم من دائرة الإسلام؛ لأن المجسمة ليسوا من الإسلام في شيء إلخ.

والجواب أن يقال: مراده بالوهابية أتباع أئمة الدعوة السلفية التي قام بها في نجد الشيخ محمد بن عبد الوهاب - مجدد القرن الثاني عشر - وهو أتباعه رحمهم الله ليس لهم مذهب خاص بل هم في العقيدة على معتقد السلف الصالح والأئمة الأربعة ومن تبعهم بإحسان، وهم في الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل إمام السنة والحديث، مع أنهم لا يعيبون من تبع مذهب إمام من الأئمة المعتبرين، وإذا تبين لهم الحق والصواب في غير مذهب إمامهم تبعوه مع من كان، وقد ذكرنا آنفا أننا متبعون للنص والدليل ندور معه حيث دار، ففيما ذكره هذا القائل عدة أخطاء:

الأول: تسميته لهم بالوهابية بعد أن عرفت أنهم لم يختصوا بشيء ولم يبتدعوا جديدا وأن كل ما قالوه: أنهم متبعون للنصوص وللسلف الصالح؛ ولأن القائم بالدعوة ليس هو عبد الوهاب وإنما هو ابنه الشيخ محمد، فهم المحمديون أصلا وفرعا، ولأن الوهاب اسم من أسماء الله تعالى فهو الذي وهبهم الهداية والعلم والعمل.

الثاني: رميه لهم بالتجسيم، فهم لم يقولوا بذلك أبدا، ولم يستعملوا هذه اللفظة إثباتا ولا نفيا، فمن قال إن الله جسم فهو مبتدع، وكذا من نفى الجسم فهو مبتدع أيضا، حيث إن هذه اللفظة لم ترد في النصوص ولم يستعملها السلف والأئمة، ولو كان خيرا لسبقونا إليه، مع أنا نثبت الصفات الواردة ونعتقد حقيقتها وننفي عنها التشبيه والتمثيل، ولا يلزم أن نكون مجسمة إذا قلنا: بأن الله فوق عباده على عرشه بائن من خلقه، أو قلنا إن له يدا ووجها وعينا كما يشاء، أو قلنا إنه ينزل ويجيء لفصل القضاء كما يشاء، فإن هذه الصفات ونحوها قد وردت بها النصوص، فنحن نعتقد حقيقتها ولا نمثلها بخصائص المخلوق ولا نثبت لها كيفية أو مثالا، فكما لم ندرك كنه الذات وماهيتها، فكذا نقول في هذه الصفات فإنا نثبتها إثبات

ص: 129

وجود لا إثبات تكييف وتحديد، كما قال ذلك أكابر الأئمة فكيف يلزم من ذلك أن نكون مجسمة؟!.

وهكذا قوله: " محدود ". نفضل ترك الخوض في الحد مع أنه من المسائل التي أثبتها بعض السلف ونفاها البعض، ولكن الأفضل التوقف حيث إن البحث في ذلك مبتدع وإن اللفظ لم يرد في الأدلة ومع ذلك فعذر من أثبت الحد ومن نفاه أن لكل منهما مقصدا ظاهره الصحة. وبالجملة فلا اختصاص لنا بهذا دون غيرنا ولكن هذا الكاتب مزجي البضاعة في عقيدة السلف وأقوالهم، وكان الأولى أن يوجه طعنه ولومه على علماء السلف وأئمتهم، فإن هذه الأقوال والمذاهب المأثورة عنهم مدونة في مؤلفاتهم الموجودة المشهورة.

الثالث: قوله عن الوهابية إنهم يصفون الرب تعالى بأنه مؤلف من أعضاء. يد محسوسة يبطش بها ورجل يمشي بها إلخ.

والجواب: أن هذا من جنس ما قبله قول عليهم بلا علم، فإن التأليف جمع المتفرق، أو تركيبه من أدوات مختلفة وهذه اللفظة محدثة في العقيدة لا نقول بها ولا نستعملها في عقائدنا ولم ترد في النصوص حيث إن لازمها قول باطل كما ذكرنا، فأما إثبات اليد والرجل حيث وردت فإنا نقتصر على ذلك فقد تكاثرت الأدلة على إثبات اليد بما لا يدع مجالا في أنها يد حقيقية، لكنا نقول: إنها لا تشبه خصائص المخلوق وإن الله يقبض بها السماوات والأرض كما أخبر عن ذلك، وأما الرجل فقد ورد في السنة أن الله يضع رجله أو قدمه على النار، وورد في القرآن ذكر الساق ووضح في الحديث، فإذا أثبتنا ذلك لم يلزم أن نكون مجسمة، ولم يلزم أنا نقول: إن الله تعالى مؤلف من أعضاء، بل نقول: إن ذاته حقيقية وصفاته حقيقية كما يليق به، كما أنا لا نقول: بالبطش والمشي الذي رمانا به، بل نقتصر على الوارد في الكتاب والسنة.

الرابع: زعمه أنهم يصفون الله بأنه يقوم ويجلس ويغدو ويروح وينزل ويرتفع. . . إلخ.

الجواب: إن هذا قول لا حقيقة له ولا عمدة له في هذا النقل، فهذه

ص: 130

مؤلفاتهم وعقائدهم مطبوعة شهيرة ولا يوجد فيها هذه الألفاظ، فإنهم ينفون الصفات التي لم ترد في الوحيين ويتقيدون بالأدلة، ولكن أعداءهم يلزمونهم بلوازم باطلة، فإذا أثبتوا الاستواء كما يليق بالله أو فسروه بالعلو والارتفاع - كما قاله السلف وأهل اللغة - لم يلزم أنهم قائلون بالجلوس والقيام، فقد تكاثرت الأدلة على إثبات العلو الحقيقي بكل معانيه، وعلى إثبات العرش وأن الله تعالى مستو عليه كما يشاء، فليس لنا إنكار ذلك أو تسليط التأويلات التي هي تحريف للكلم عن مواضعه على تلك الأدلة واضحة الدلالة، فمتى ألزمنا أعداؤنا بلوازم باطلة زاعمين أنها تلزم من قال بموجب تلك النصوص لم نلتفت إلى تلك الإلزامات وأوضحنا خطأهم في هذا الإلزام. فأما إثبات النزول والمجيء فليس لنا إنكاره وقد صرحت به النصوص وتواردت على إثباته الأدلة التي لا تحتمل التأويل، ومع ذلك نتوقف عن الكيفية ونكلها إلى الله ولا نقول إنه إذا نزل يخلو منه العرش أو تحصره السماوات. . . إلخ، بل نقول إن الرسول الناصح لأمته صلى الله عليه وسلم قد أخبر بهذا النزول وأن الله تعالى قد أخبر بالمجيء يوم القيامة فنحن نثبت ذلك كما ورد ولا نضيف إليه شيئا من عند أنفسنا فما ألزمونا به غير لازم.

الخامس: قوله: فأصبحوا كإخوانهم النصارى في الناسوت واللاهوت. . . إلخ.

فنقول: هذا تشبيه باطل وبعيد عن الصواب فما وجه الشبه؟! فإن النصارى زعموا أن اللاهوت وهو الإله اتحد بالناسوت وهو الإنسان أو عيسى، وقالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم، وقالت النصارى المسيح ابن الله، وذلك هو عين الكفر والضلال، فأما أتباع السلف والأئمة فما قالوا شيئا من قبل أنفسهم وإنما وصفوا الله تعالى بما وصف به نفسه أو وصفه به أعلم الخلق بربه وهو محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا أثبتوا لله الصفات الواردة واعتقدوها حقيقة لتواتر النصوص بها، ثم نفوا عنها كل أنواع التشبيه وخصائص المخلوقين واعتقدوا أنها تليق بالله كما يشاء، لم يلزم أن يكونوا كالنصارى في قولهم باللاهوت والناسوت، وبكل حال فإن هذا الكاتب عليه أن يوجه عيبه ولومه إلى الأئمة المتبعين كمالك والشافعي وأحمد وإسحاق ونحوهم، فهل يتجرأ أن يقول عليهم إنهم وهابية وإنهم إخوان النصارى؟

ص: 131

هذا ما لا يستطيعه لما لهم عند جمهور الأمة من المكانة الراقية فلو رماهم بذلك لأنكر عليه الخاص والعام وسددت إليه سهام الملام.

السادس: قوله: لعب إبليس بلحاهم حتى أرداهم وأخرجهم عن دائرة الإسلام. . . إلخ

فنقول: هذا تهور وجرأة على الله وعلى المسلمين وأهل الدين واستهزاء وتمسخر بشعائر الإسلام وتكفير لأهل العقيدة السليمة وإخراج لهم عن دائرة الإسلام، وتلك مصيبة عظمى لو يعلم أثرها هذا الكاتب لم يتجرأ على ذلك. فإنه:

أولا: زعم أنهم قد أطاعوا الشيطان مطلقا وأنه هو الذي أوقعهم في هذا الاعتقاد السلفي الذي قد سار عليه جمهور سلف الأمة وأهل القرون المفضلة، فإذا كان إبليس قد لعب بهم فقد لعب أيضا بأولئك الأئمة والقادة الأجلاء.

ثانيا إخراجه لهم من الإسلام وهي إحدى الكبر فبأي خصلة أخرجهم من الدين أما كانوا يدينون لله بالتوحيد ويعملون بمعنى الشهادتين ويحافظون على إقامة أركان الإسلام ويبتعدون عن كل المحرمات ويحذرون منها ويحرصون على إخلاص دينهم لربهم وحده فلا يجعلون منه شيئا لغيره كائنا من كان، فمن كفرهم فقد أنكر حقيقة التوحيد وأباح الكفر والشرك فهو أولى بما قال وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «ومن دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه (1)» أي رجع إليه تكفيره، وفي حديث آخر «أن رجلا ممن قبلنا قال: والله لا يغفر الله لفلان: فقال الله تعالى: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان إني قد غفرت له وأحبطت عملك (2)» فهل ينتبه هذا الكاتب ويرتدع عن مثل هذا التهور والتسرع في التفكير.

السابع: قوله: لأن المجسمة المشبهة ليسوا من الإسلام في شيء. . . . إلخ.

فنقول: ونحن نبرأ إلى الله أن نصفه بالتشبيه أو التمثيل بشيء من

(1) رواه مسلم 2/ 49 عن أبي ذر رضي الله عنه.

(2)

رواه مسلم 16/ 174 عن جندب رضي الله عنه.

ص: 132

المخلوقات، ولقد أوضحنا أن أئمة الدعوة بريئون من وصمة التشبيه أو التمثيل الذي يرميهم به أعداؤهم قديما وحديثا، وأنه لا يلزم من إثباتهم صفة الاستواء والنزول والمجيء وسائر الصفات الذاتية والفعلية أن يكونوا مشبهة، فإنهم تابعون للنصوص الصريحة في الإثبات ومصرحون بنفي مشابهة المخلوقات كما يثبت غيرهم الصفات العقلية. وينفون عنها التشبيه، وكما يثبت الباقون الذات الحقيقية ويتوقفون عن معرفة ماهيتها وكنه حقيقتها، وقد يكون النافون أولى بالتشبيه؛ لأنه لم يتبادر إلى أذهانهم سوى دلالة النصوص على التشبيه ولم يفهموا منها إلا هذا المعنى الباطل، فاعتقدوا أن ظاهر النصوص غير مراد؛ لأنه بزعمهم يدل على مماثلة الله للمخلوقات، تعالى الله وتقدس.

وأقول ثالثا: قال في السطر الثاني من الصفحة الثانية:

أما الآيات المتشابهات فلا بد فيها من التأويل خوف التجسيم والتشبيه. . إلخ.

والجواب: أن هذا قول خاطئ مخالف لقول الراسخين في العلم الذين يقولون في المتشابه: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} (1) فقد ذم الله الزائغين الذين {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} (2) إن هذا الكاتب اعتقد أن آيات الصفات فقط هي القسم المتشابه وحده، وهو قول خاطئ من حيث العموم فإنها محكمة جلية ظاهرة المعاني مفهومة الدلالة، فسرها السلف والأئمة وأوضحوا معاني ما اشتملت عليه، ولم يفوضوا لفظها كما يزعم أهل الكلام ولم يحرفوا معانيها كما يدعي هذا الكاتب ونحوه أن تأويلها لازم خوف التجسيم. . إلخ. فأما قوله لأن القرينة تصرف اللفظ عن ظاهره. . إلخ. نقول ليس ثم قرينة يحتاج معها إلى تحريف الكلم عن مواضعه فمتى قلنا {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} (3) واعتقدنا أن الألفاظ دالة على معاني صحيحة مفهومة للمخاطبين وأنها دالة على صفات تناسب الموصوف وتباين صفات المحدثات ونحو ذلك لم نحتج إلى صرف اللفظ

(1) سورة آل عمران الآية 7

(2)

سورة آل عمران الآية 7

(3)

سورة آل عمران الآية 7

ص: 133

عن ظاهره، حيث يتكلف في هذا الصرف وحيث يكون المعنى المصروف إليه بعيدا عن السياق وعن المفهوم المتبادر للسامعين، فإن المخاطبين به عند نزوله لم يحرفوا معانيه، ولم يفهموا منه شيئا من خصائص المخلوق بل أثبتوا كل الصفات الواردة واعتقدوها لائقة بالموصوف، فلما جاء من بعدهم وفشت فيهم المذاهب الكلامية توسعوا في البحث فاعتقدوا أن ظاهر النصوص يقتضي التجسيم والتشبيه فسلطوا عليها أنواع التأويل كأضراب هذا الكاتب هداهم الله.

فأما قوله: فمن كان هذا شأنه لا بداية ولا نهاية، كيف تعتقد أنه جسم محدود مؤلف من أعضاء يتحرك وينتقل من مكان إلى مكان آخر ويترك وراءه فراغا؟

هذا عليه فيه ملاحظات منها قوله: لا بداية ولا نهاية، قال ذلك بعد الآية الكريمة:{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ} (1) وهو تفسير مبتدع فإن هذه الأسماء قد بين معانيها النبي صلى الله عليه وسلم ووضحها بقوله في دعاء الاستفتاح: «أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء (2)» .

ومنها قوله: كيف نعتقد أنه جسم محدود. والجواب: أنه لا يلزم من إثبات الصفات على ما يليق بها القول بأنه جسم محدود، ثم قد سبق الرد على قوله جسم محدود مؤلف من أعضاء، وبينا أن هذه ألفاظ بدعية لا يجوز الخوض فيها إثباتا ولا نفيا. . إلخ. ومنها قوله: يتحرك وينتقل من مكان. . . إلخ فنقول إنهم بالقول بذلك أئمة الدعوة السلفية وهو كقوله آنفا: يجلس ويقوم ويغدو ويروح وينزل ويرتفع وقد ذكرنا الجواب عنه آنفا وأوضحنا أنه لا يلزم من إثبات المجيء والنزول الذي وردت به الأدلة أن نقول بالحركة والانتقال المحسوس الذي هو من خواص المحدثات والمركبات، بل مجيء الله ونزوله هو كما يليق به وهو حق حقيقي ليس بمجاز ولا يصح نفيه بعد ثبوته في النصوص التي دلالتها قطعية.

(1) سورة الحديد الآية 3

(2)

رواه مسلم 17/ 35 عن أبي هريرة رضي الله عنه، وكذا رواه أحمد وأهل السنن.

ص: 134

ثم إن هذا الكاتب ذكر مثالا لتأويل بعض الآيات المتشابهة كما زعم وهي قوله {وَجَاءَ رَبُّكَ} (1) فأقحم فيها لفظ: أمر، فقال: وجاء أمر ربك والملك. . . إلخ وهذا تفسير الجهمية ومن تبعهم ولا عبرة بكثرة من قاله من المتقدمين، والمتأخرين، فإننا متبعون للأدلة، فقد ذكر الله الإتيان وأضافه إلى ذاته، وفرق بين إتيانه وإتيان بعض آياته، فقال عز وجل {هَلْ يَنْظُرُونَ إلَاّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} (2) وقال تعالى {هَلْ يَنْظُرُونَ إلَاّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} (3) إلخ. ومتى قلنا إن الله يجيء كما يشاء إتيانا يليق به لم يلزم القول بالحركة الموهومة، مع أن تأويله بالأمر لم ينقل عن أحد من السلف وهم الأسوة وبهم القدوة.

ثم ذكر مثالا ثانيا للتأويل الذي التزم سلوكه خوفا من التشبيه فقال في السطر الثامن من الصفحة الثانية (النزول) معناه الهبوط من أعلى إلى أسفل ثم الرجوع ثانيا إلى مكانه وهذا أيضا مستحيل، إذا لا بد من التأويل، نزول من وإفضال وقبول توبة، بمعنى التنزل، لا كنزول الأجسام والصور. . . إلخ.

والجواب أن يقال: وردت أحاديث كثيرة صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في أن الله تعالى ينزل كل ليلة، وذكرت بلفظ النزول وبلفظ الهبوط، والذين نقلوها هم نقلة أحكام الشريعة ولم ينكرها أحد من السلف، ولم يقولوا إن المراد نزول فضله أو منه أو قبوله التوبة. إلخ. كما أنهم لم يكيفوا ذلك ولم يشبهوه بنزول الأجسام واعتبروه مثل المجيء والإتيان الذي أثبته الله لنفسه، ولم يلزم من إثباته ما هو مستحيل بل الجميع نص على حقيقته، وهو من خصائص المتصف به لأنه تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (4) في ذاته ولا في صفاته.

ثم ذكر مثالا ثالثا لصرف اللفظ عن ظاهره فقال في السطر العاشر في

(1) سورة الفجر الآية 22

(2)

سورة الأنعام الآية 158

(3)

سورة البقرة الآية 210

(4)

سورة الشورى الآية 11

ص: 135

الصفحة الثانية: وهذا كحديث «الحجر الأسود يمين الله في الأرض (1)» لما كانت اليد هي موضع التقبيل والتبجيل والاعتراف بالفضل والجميل كان الحجر بمنزلة اليد لا عينها.

فنقول أولا: إن هذا لم يثبت حديثا مرفوعا، وإنما هو من قول ابن عباس في الحكمة من استلام الحجر وتقبيله. وثانيا: إن ابن عباس قد بين في تمام كلامه ما يبعد الوهم فقال: فمن صافحه أو قبله فكأنما صافح الله وقبل يمينه، فقد بين أن الحجر ليس هو عين يمين الله تعالى، فإن المشبه غير المشبه به، فقد بين أن مستلمه ليس مصافحا لله وأنه ليس هو عين الله فليس في هذا إيهام، ولا يحتاج إلى تأويل، حيث إن السياق لا يدل على التشبيه، ثم ذكر جملة من الآيات وصرفها عن ظاهرها متبعا في ذلك تأويلات الجهمية وأتباعهم؛ ففي السطر الثاني عشر قال {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} (2) هذه إشارة إلى علو المكانة لا المكان.

والجواب: أن هذا تأويل المعتزلة ونحوهم حيث ينكرون صفة العلو الذاتي لله تعالى، أما أهل السنة فيقولون: إن الله تعالى في السماء كما يشاء. وكما في هذه الآية والتي بعدها، وكما وردت به السنة في جملة أحاديث ولا يقولون: إن السماء تحويه أو تحصره تعالى عن ذلك علوا كبيرا. بل يقولون إن المراد بالسماء جهة العلو، فإن كل ما علا فهو سماء أو أن المراد: من على السماء كقوله {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ} (3) أي عليها. وأدلة العلو متواترة متنوعة الدلالة، صريحة لمن تأملها ولا يلزم منها محذور كما تقول الجهمية ومن تبعهم.

ثم قال في نفس السطر {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} (4) أي ذاته {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} (5) أي عنايتي ورعايتي لك.

فنقول هذا تأويل خاطئ، حيث أنكر ما أثبته الله لنفسه من صفة الوجه

(1) لم أجده هكذا في الأمهات.

(2)

سورة الملك الآية 16

(3)

سورة التوبة الآية 2

(4)

سورة الرحمن الآية 27

(5)

سورة طه الآية 39

ص: 136

والعين، وقد وردت أدلة متنوعة في الكتاب والسنة بذلك ومن طلبها وجدها في كتب الحديث والعقائد، ولم يزل السلف يأثرونها ويروونها من غير تكبر، ولم يقولوا إنها تشبه خصائص المخلوق؛ بل إنها صفة للرب تعالى كسائر صفاته نؤمن بها ولا نكيفها حيث لم يخالفها عقل سليم ولا نقل صحيح، بل النقول المتكاثرة المتواردة على حكم واحد يتعذر تأويلها.

ثم قال في السطر الذي يليه {وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} (1) أي بقدرته {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} (2)«ويد الله مع الجماعة (3)» أي يؤيدهم بنصره. . . الخ.

وهذا تأويل باطل من جنس ما قبله، فقد تكرر ذكر اليد واليدين للرب تعالى في العديد من الآيات والأحاديث والتصريح بذكر اليمين، ونحو ذلك من العبارات الصريحة، فإن تأويلها بالقدرة بعيد عن الصواب، وقد ذكرها الله في قوله لإبليس:{مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (4) بلفظ المثنى، ولو كان المراد القدرة لما حسن ذكر التثنية، ولقال إبليس: وأنا خلقتني يا رب بقدرتك. ثم إنه ادعى الإجماع على تأويل اليد بالقدرة والتأييد والنصر والرعاية والحماية والعناية، وليس كذلك فإجماع الصحابة والتابعين سابق لهؤلاء على أن يد الله صفة من صفاته، وتبعهم على ذلك سلف الأمة والأئمة الأربعة ونصره ابن جرير في تفسير قول الله تعالى:{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} (5) فأين الإجماع على ما قال، ومن الذي حكاه كما قال هذا الكاتب؟! ثم إنه أورد بيت شعر اعتمده فيما قال، ونص البيت:

وكل نص أوهم التشبيها

أوله أو فوض ورم تنزيها

(1) سورة الزمر الآية 67

(2)

سورة الفتح الآية 10

(3)

من حديث رواه الترمذي والنسائي.

(4)

سورة ص الآية 75

(5)

سورة المائدة الآية 64

ص: 137

وهذا البيت مذكور في منظومة لبعض الأشاعرة ونحن نقول:

أولا: إن صاحب النظم لا ينبغي اتخاذه عمدة فإنه إنما بني كلامه على معتقده الذي اعتنقه عن مشائخه الذين تلقى عنهم هذه العقيدة السيئة.

ثانيا: لا يظن أن نصوص الشرع من الكتاب والسنة توهم التشبيه أبدا، فإن السلف والأئمة لم يكونوا يفهمون أو يتوهمون أن النصوص توهم التمثيل بصفات المخلوقين، أو ما هو من خصائصهم، فالله تعالى أعلى وأجل من أن يكون كلامه الذي وصف به نفسه لا يظهر منه إلا ما هو كفر أو ضلال.

ثالثا: إلزامه بالتأويل والتفويض ويعتقد أن السلف يفوضون النصوص أي يسكتون عن المراد بها مع الاعتقاد أنها لا تدل على صفات حقيقية في نفس الأمر، فألزم إما بالتأويل وهو في الحقيقة تحريف للكلم عن مواضعه لكن ينفي دلالته على الصفات في نفس الأمر، وإما بالتفويض الذي هو السكوت المراد مع روح التنزيه وهو اعتقاد أنها لا تفيد صفات لله في نفس الأمر. وكلا الأمرين خطأ، وإنما الصواب ترك التأويل وإثبات حقيقة الصفات التي أفادتها تلك النصوص، مع تفويض العلم بالكيفيات والماهيات، ومع اعتقاد أنها لا يفهم منها تشبيه الرب أو شيء من صفاته بالمخلوقين فلا تشبيه ولا تعطيل.

ثم قال في السطر الخامس عشر من الصفحة الثانية:

فمن هذا شأنه لا بداية ولا نهاية كيف يجلس ويستقر على مخلوق ضعيف تحمله الملائكة، وتحفه من كل جانب ملائكة، هذا مستحيل. . . الخ

فيقال: تكرر قوله: لا بداية ولا نهاية وذكرنا أن الصواب التفسير النبوي الأول والآخر فأما قوله: كيف يجلس. . . الخ. فالجواب أن الله تعالى وصف نفسه بأنه على العرش استوى في سبعة مواضع من القرآن، وفسر العلماء الاستواء بما يدل على العلو والارتفاع والاستقرار والتزموا نفي العلم بالكيفية وتفويضها إلى الله، ولا أذكر في كتب السلف التفسير بالجلوس، فنسبته إلى أهل السنة أو أئمة الدعوة كذب عليهم، بل منهم من فوض وقال (استوى) استواء يليق بالله تعالى، ومنهم من قال: علا وارتفع كما يشاء مع عدم العلم بالكيفية، وليس في ذلك محذور والحمد

ص: 138