المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٩

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌مناقشة المحاضرة

- ‌مناقشة ما نشرت له جريدة " اليوم السعودية

- ‌كلمة تحذيرية حول إنكار رشاد خليفة للسنة المطهرة

- ‌خطاب من سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن بازإلى أمين عام المجلس الإسلامي الأوربي

- ‌ حكم نزول المرأة في السوق بدون إذن من زوجها

- ‌ جمع الرجل في عصمته أكثر من أربع زوجات

- ‌ اشترط في عقد الزواج أن تكون عصمة الزوجة بيدها

- ‌ أولى الناس بولاية المرأة في الزواج

- ‌ لي أخت من والدتي على أب ثان ولي أخت على أم ثانية تزوجهن رجل واحد وأنا الذي أتولى عليهن العقد

- ‌ ما هو الجواب شرعا وحقا فيمن ترك زوجته سنة أو أكثر من ذلك

- ‌ تناول حبوب منع الحمل

- ‌ إخوة الزوج وأبناء عمه ليسوا بمحارم لزوجته

- ‌ حكم لبس الكعب العالي للمرأة، ووضع المناكير

- ‌ طلق زوجته طلاق السنة ثم سلم ورقة الطلاق، ويريد مراجعتها، فهل المراجعة إجبارية على المرأة

- ‌ تزوج امرأة وأنجبت منه أولادا، ثم طالبته والدته بطلاق زوجته دون سبب أو عيب في دينها

- ‌ إذا توفي الزوج قبل أن يدخل بزوجته وجب لها جميع المهر المسمى

- ‌ زنى رجل ببكر ويريد أن يتزوجها

- ‌ هل يجوز أن يزوج بنته خال أبيه

- ‌مباحث في القرآن الكريم

- ‌انتفاع المسافرين بالنار في هذا الزمان

- ‌فضائل القرآن وشروطها

- ‌الأحاديث النبوية في هذا المعنى

- ‌تجويد القرآن

- ‌مهمة السنة

- ‌هل تستقل السنة بالتشريع

- ‌من علماء السنة من الصحابة والتابعين:

- ‌السنة في مدينة الرسول

- ‌مكة والسنة

- ‌تدوين السنة

- ‌في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم

- ‌المجاميع الحديثية الأمهات

- ‌في دعاء المخلوقين والتوسل بالأشخاص

- ‌الصوفية

- ‌ حد القذف

- ‌ حد المحاربة وقطع الطريق

- ‌ حد المسكر

- ‌خاتمة البحث

- ‌حكم تناول الميتة

- ‌المسألة الأولى: في تعريف الميتة وبيان الحكمة في تحريمها

- ‌المسألة الثانية: في بيان ما يستثنى من الميتة

- ‌المسألة الثالثة: في بيان حكم ما ذكي بعد قيام سبب الموت

- ‌المسألة الرابعة في حكم أكل ما أهل به لغير الله:

- ‌حكم الشهادة فيما كان من حقوق الله:

- ‌الخمر في الشريعة الإسلامية

- ‌تعريف الخمر

- ‌الخمر عند الفقهاء

- ‌حكم شرب الخمر ودليله

- ‌شبهات على تحريم الخمر وتفنيدها

- ‌التدرج التشريعي في تحريم الخمر وحكمه في ذلك

- ‌الوقت الذي حرمت فيه الخمر

- ‌حاجة الإنسان إلى ما ينظم حياته

- ‌رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وشريعته الجامعة

- ‌مفهوم الشريعة

- ‌خصائص الشريعة الإسلامية الخالدة

- ‌ أنها شريعة الله:

- ‌ عمومية الرسالة والشريعة لكل أجناس البشر:

- ‌ شمولية الشريعة الإسلامية:

- ‌سفر البنات العذارى إلى البلدان الخارجيةللانتساب بزعمهم

- ‌ الصراع بين النصرانية والإسلام وبين اليهودية والإسلام

- ‌ أمانة الدعوة الجماعية لأمة الإسلام في منطقة الخليج

- ‌ أهداف الجهاد

- ‌ أمور لا بد منها عند إرادة الجهاد

- ‌موارد تقي الدين الفاسي في كتابهالعقد الثمين

- ‌موارد التقي الفاسي في العقد الثمين

- ‌الموارد العلمية للكتاب

- ‌المصادر

- ‌مؤتمرات إسلامية

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم

‌تدوين السنة

‌في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم

- -.

رأينا كيف أن للسنة النبوية - باعتبارها أصلا من أصول الإسلام - مكانتها الكبرى التالية مباشرة لمكانة القرآن: فهي - كما أسلفنا القول - تبين القرآن، فمن أنكرها فقد أنكر - على الحقيقة - القرآن نفسه، ومن خالفها فقد خالفه.

وقد جرى على هذا - عقيدة وعملا، منذ فجر الإسلام - كبار الصحابة ثم كبار التابعين، ثم تابعوا تابعيهم إلى اليوم والغد وإلى يوم الدين (1).

وقد حذرت السنة نفسها من الكذب فيها أو عدم التثبت في روايتها:

روى البخاري ومسلم وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن كذبا علي ليس ككذب على أحد، فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار (2)» ، وقال:«من حدث بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين (3)» (روي على صيغة التثنية والجمع).

ولكن الثابت عند أغلب علماء السنة أن الأحاديث النبوية لم تكتب على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وذلك امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تكتبوا عني شيئا إلا القرآن، ومن كتب شيئا فليمحه (4)» وقد ذكر العلماء أن هذا النهي كان لمنع الناس من أن يلتبس على بعضهم الحديث النبوي بالقرآن الذي كان الوحي يتنزل به على الرسول تباعا، وأن النهي كان أيضا لمنع الناس من أن تشغلهم السنة عن الكتاب.

وقد ذكر ابن حجر العسقلاني وغيره سببين آخرين لتأخر تدوين السنة عن

(1) انظر: محمد مصطفى الأعظمي: دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه ج1 ص12 - 20.

(2)

صحيح البخاري الجنائز (1291)، صحيح مسلم مقدمة (4)، سنن الترمذي الجنائز (1000)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 252).

(3)

صحيح مسلم مقدمة (1)، سنن الترمذي العلم (2662)، سنن ابن ماجه المقدمة (41).

(4)

رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري.

ص: 120

العهد النبوي هما: (الأول): أن أكثر المسلمين وقتئذ لم يكونوا يعرفون الكتابة، (والثاني): أن الذاكرة الخارقة التي كانوا يتمتعون بها أغنتهم عن التدوين الكتابي.

وقد ناقش الأسباب كلها - في موضوعية ودقة - الدكتور محمد مصطفى الأعظمي في رسالته: دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه (1).

على أن هناك أحاديث كتبها - فعلا - بعض الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وإذن منه:

في الصحيحين: «أن أبا شاه اليمني التمس من النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب له شيئا سمعه من خطبته عام الفتح، فقال: اكتبوا لأبي شاه (2)» .

وفي سنن الترمذي: «كان رجل من الأنصار يجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسمع منه الحديث، فيعجبه ولا يحفظه، فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: استعن بيمينك، وأومأ بيده إلى الخط (3)» .

وفي صحيح البخاري: أن أبا هريرة كان يقول: " لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر حديثا مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو بن العاص، فإنه كان يكتب وأنا لا أكتب "(4).

وفي سنن الدارمي (5): روى يحيى بن أيوب عن أبي قبيل، عن عبد الله بن عمرو، قال:" كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب ما يقول ". قال الذهبي: هذا حديث حسن غريب رواه سعد بن عفير عنه.

(1) ج1 ص73 وما بعدها.

(2)

صحيح البخاري الديات (6880)، صحيح مسلم الحج (1355)، سنن أبو داود العلم (3649)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 238).

(3)

سنن الترمذي العلم (2666).

(4)

باب العلم 39.

(5)

ج1 ص126.

ص: 121

وقد كتب أيضا الشيخ محمد الحافظ التيجاني كتابة نافعة وكاملة في موضوع تدوين السنة وإبطال احتجاج من ادعى أن الحديث لم يكتب في عصر النبوة والصحابة (1).

ولما لحق النبي صلى الله عليه وسلم بربه، وانقطع نزول القرآن، وكان المسلمون قد حفظوه في الصدور، ثم في السطور، وأصبح من المستحيل خلطه بحرف واحد أو حركة واحدة من عند غير الله، انتفى بالضرورة كل خوف من أن تلتبس أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بالنص القرآني فزاد عدد من يسجلون بالكتابة هذه الأحاديث:

روي عن سعيد بن جبير: أنه كان يجلس مع ابن عباس، فيسمع منه الحديث، فيكتبه في واسطة الرحل، فإذا نزل نسخه (2).

وعن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، قال: " كنا نكتب الحلال والحرام، وكان ابن شهاب يكتب كل ما يسمع، فلما احتيج إليه علمت أنه أعلم الناس (3).

وعن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه احترقت كتبه يوم الحرة، في خلافة يزيد، وكان يقول:" لو أن عندي كتبي بأهلي ومالي "(4).

وصحيح أن الصحابة والتابعين كان بين بعضهم وبعض تفاوت في درجات العلم بالنسبة القولية والفعلية والتقريرية، وهو أمر طبيعي؛ لأن الصحابة لم يكونوا سواء في الصحبة والقرب من الرسول صلى الله عليه وسلم، ولأن التابعين أيضا لم يكونوا متماثلين أو متعادلين، ولكن هذا الاختلاف لم يفض غالبا إلى خطأ أو اضطراب يستحق الذكر، سواء في المتون أو في الشروح، فهم جميعا لم يألوا جهدا في تعهد السنة حفظا بألفاظها ومعانيها، وتطبيقا بحروفها وبروحها، وإعلاما بإبلاغها لمن لم يشهدها أو لم يشهد من شهدها، وبنقلها للأخلاف وتعليمهم إياها.

(1) انظر: كتابه: سنة الرسول الله صلى الله عليه وسلم ص29 - 71 ط، مجمع البحوث الإسلامية.

(2)

أبو شهبة: الكتب الصحاح الستة ص20.

(3)

أبو شهبة: الكتب الصحاح الستة ص20.

(4)

أبو شهبة: الكتب الصحاح الستة ص20.

ص: 122

هكذا حرص الصحابة والتابعون على السنة الحرص الذي ينبغي لها بوصفها أحد الشطرين الرئيسين والأصلين الأساسيين لشريعتهم ولميراثهم.

غير أنه جاء على المسلمين - في أعقاب عهد هؤلاء - حين من الدهر خافوا فيه على هذه السنة - وهي ما هي جوهر دين وارتفاع شأن - أن يضيع منها شيء إما لموت حفاظها وعلمائها - وإن الموت لواقع ماله من دافع - وإما لكيد الكفار والمنافقين الذين كانوا يظهرون الإسلام، ويبطنون خصومته ومناوأته، فكانوا يحاولون تمزيقه وتشويهه عن طريق تحريف الأحاديث وتبديلها أو اختلاقها أصلا، ونسبتها للرسول صلى الله عليه وسلم.

هناك عم الإحساس بشدة الحاجة إلى إجراء عام حاسم يمنع أسباب الضياع والفساد، ويتمثل هذا الإجراء في جمع السنة وتدوينها.

وقد تصدى لهذه المهمة التاريخية التي كان المسلمون يرقبونها خليفة المسلمين الراشد: عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه:

كتب عمر إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الفقيه التابعي الذي كان أميرا على المدينة والذي ولي قضاءها: أن انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سننه، أو حديث عمرة، أو نحو هذا فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء (1) فكتبه له (2).

وكتب عمر نفسه إلى أبي بكر بن حزم نفسه أيضا أن افحص لي عن أسماء خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرجال والنساء ومواليه، فكتب إليه (3).

ويلخص ابن حجر العسقلاني ذلك الموقف فيقول: " قال العلماء: كره

(1) ابن سعد: الطبقات الكبرى ج8 ص353.

(2)

الرازي: الجرح والتعديل.

(3)

ابن سعد: الطبقات الكبرى ج8 ص353.

ص: 123

جماعة من الصحابة والتابعين كتابة الحديث، واستحبوا أن يؤخذ عنهم حفظا، لكن لما قصرت الهمم، وخشي الأئمة ضياع العلم دونه، وأول من دون الحديث: ابن شهاب الزهري، على رأس المائة، بأمر عمر بن عبد العزيز، ثم كثر التدوين، ثم كثر التصنيف، وحصل بذلك خير كثير، فلله الحمد " (1).

وقد اختلفت مناهج جمع السنة وتدوينها:

فمن الجامعين - في أول عهد الجمع - من كان يخلط بالأحاديث النبوية أقوال الصحابة وفتاوي التابعين.

ومنهم من ألف المسانيد التي تجمع أحاديث كل صحابي على حدة بصرف النظر عن الموضوع، والمثل في هذه الطريقة: مسند الإمام أحمد.

ومنهم من أقاموا جمعهم على أساس الأبواب الفقهية، فيبدأ مثلا بذكر الأحاديث النبوية في موضوع الصلاة، ثم في موضوع الصوم، ثم في الحج، وهكذا.

ومن هؤلاء وأولئك من لم يختر مادة لجمعه سوى الأحاديث الصحاح، مثلما فعل الشيخان: البخاري ومسلم، ومنهم من أورد الأحاديث بمختلف مراتبها مكتفيا بذكر أسانيدها للقراء يرون فيها رأيهم.

والمهم أن الإخلاص في نقل السنة والتشدد في روايتها ودراستها متونا وأسانيد، والتزام شروطها وقواعدها كان ديدن هؤلاء الجامعين الدارسين، وكم منهم من ركب الظلام، وخاض القفار، وصبر على اللأواء، وحرارة القيظ وصبارة القر، من أجل التماس حديث، أو فحص حال محدث، أو تصحيح خبر، أو تمحيص مروية.

وقد دعاهم إلى هذه الرحلات الشاقة ما هو معلوم من أن الصحابة والتابعين، لما فتح الله عليهم الأمصار شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، ارتحلوا إليها وسكنوها، وقد كانوا - بالضرورة - يحملون أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، مما يمكن أن لا يكون من محفوظات غيرهم، فقصد إليهم الحديثيون ليأخذوا عنهم.

(1) فتح الباري ج1 ص208.

ص: 124