الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جـ- تقطع الأيدي والأرجل من خلاف
د- النفي على التفصيل المذكور الموضح في الآية
ثم هناك
حد المسكر
في أي لون من ألوانه، فالخمر ما خامر العقل واختلط به سواء كان من عصير العنب أو غيره كالحشيش والأفيون والكوكايين وغيرهما مما لا أعرف له حصرا.
فحده ثمانون جلدة؛ لأن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه استشار الصحابة في حد الخمر، فقال عبد الرحمن بن عوف: اجعله كأخف الحدود ثمانين، وكتب إلى خالد بن الوليد عامله على الشام وإلى أبي عبيدة، رواه الدارقطني وغيره.
هذا ولقد هداني البحث إلى مطالعة كلمة كتبها صاحب كتاب (جريمة الرشوة في الشريعة الإسلامية) الأستاذ عبد الله بن عبد المحسن المنصور الطريقي في رده على من يوجه النقد لعقوبة الجلد فقال:
قد يقال إن هذه العقوبة تنافي الآدمية وتهدر الإنسانية وتتعارض مع تقدم المدنية إلى غير ذلك من الأقوال.
والجواب: أن عقوبة الجلد تمتاز بأنها موجهة إلى حساسية الجاني المادية، وأن الخوف من ألم الجلد هو أول ما يخافه المجرمون، فيجب الاستفادة من ذلك بإرهابهم، وأما إنقاص الاحترام الإنساني ففكرة لا محل لها في العقاب، ولا يصح أن يحتج بها لمن لا يوفر الاحترام لنفسه، وزيادة على ذلك فإن الأساس في هذه العقوبة أنها لا تكون للإتلاف، وإنما تكون بالقدر اللازم للردع والزجر تبعا لاختلاف الجرائم والأشخاص والأحوال، وإذا كان مستساغا أن يكون الإعدام نفسه جزاء لبعض الجرائم تعترف به غالبية الدول وهو لا يهدر آدمية الشخص فقط، بل يهدر حياته ويستأصله من المجتمع جزاء ما اكتسب من جرم. فإذا كان الأمر كذلك فأي كلام يقال في عقوبة الجلد يمكن أن يوجه أكثر منه لعقوبة الإعدام.
خاتمة البحث
نربط ختام البحث بما سبق أن ذكرناه في صدره وهو أن هذه الحدود هي
الحصن المنيع الذي يمنع من تحدثه نفسه بانتهاكه السياج الذي يقي المجموعة الإسلامية من السطو والجرأة على حرمان المسلم من حق الحياة أو الاستهتار بقتله أو حرمانه من حقه المشروع كسرقة ماله أو السطو على عرضه، ونعني بالعرض إفساد الزوجة على زوجها أو إحدى المحارم بالاتصال بها جنسيا، أو بالمحاربة والإفساد في الأرض.
وتعتبر إقامتها والأخذ بها شريعة مفروضة شرعها الإسلام لا يصح الإخلال بها أو التهاون في إقامتها أو التسامح وعدم العدل في إنزالها بالناس على حد سواء، بحيث تنزل بالأمير والصعلوك والرجل والأنثى والحر والعبد والشريف الحسيب ومن كان من الدهماء، وفي الإعراض عن إقامتها فساد في الأرض وجناية على المجتمع وسلب للأمن الذي هو من قوام الحضارة الإنسانية.
وأبرز الأدلة على سعادة المجتمع الذي يأخذ بها ويقيمها ويتعارف على مراعاة العدل في إقامتها أبرز الأدلة أن الأمة الإسلامية في عصورها المتألقة وقرونها المفضلة عاشت دهرها آمنة في سربها سعيدة بتماسكها وتضامنها وأخذها على يد الظالم منها، ونبذها لكل ما يناهز شريعتها أو يفسد الأخلاق فيها أو يكون أسوة سيئة في مجتمعها، شعارها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما شفع حبه أسامة بن زيد رضي الله عنه في المخزومية التي قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدها لسرقتها:«أتشفع في حد من حدود الله؟ والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها (1)» .
أما لو انعكس الوضع وقامت للمجاملات والمحسوبيات والصداقات أو أية صلة من الصلات - قام لها - منار بين المسلمين، وأخذت ذلك بعين الاعتبار لانهار البنيان واهتزت الروابط وضعفت الغيرة على الإسلام؛ حتى لو انتقص من أطرافه أو نال منه خصومه لما سمعت نأمة ولا رأيت انتفاضة، وذلك مع الأسف واقع المسلمين وأكثرهم في الحاضر، وما ذاك إلا لتخلي المسلمين عن مقومات دينهم والوسيلة الوحيدة لعزتهم والمكانة اللائقة بهم، كأمة من حقها أن تسود الدنيا كما ساد سلفها، وأن تحمل مشعل الهداية إلى العالم كما حمله الأولون من خيارها، ومن البدهي إذن أن لا يعير المسلمون في أعقاب الزمن حملات أعداء الإسلام المسعورة - أعداء
(1) صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3475)، صحيح مسلم الحدود (1688)، سنن الترمذي الحدود (1430)، سنن النسائي قطع السارق (4902)، سنن أبو داود الحدود (4373)، سنن ابن ماجه الحدود (2547)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 162)، سنن الدارمي الحدود (2302).
الإسلام الذين يرمونه بالرجعية، ويتهمونه بالتخلف عن ركب الحضارة، ويصمونه بكل عيب، ويعزون تأخر المسلمين وتخلفهم عن الغرب وتقاعسهم عن الأخذ بأسباب النهوض هو تطبيق تعاليم الإسلام؛ بما في ذلك إقامة الحدود التي يعتبرها همجية وحشية من بقايا القرون الوسطى.
أقول لا يعر المسلمون في أعقاب الزمن ذلك وأكثر منه اهتمامهم، ولا ينقموا على الوسائل التي يتخذها أعداء الإسلام للكيد له، وشباك المستشرقين والمبشرين التي ينصبونها لردة المسلمين عن دينهم وإبعادهم عن ركائزه وفضائله ومقوماته، ولكن الله سبحانه وعد - ووعده الحق - بأنه لن يترك المسلمين الأوفياء لدينهم المخلصين في الأخذ به وإشاعته واتساع أبعاده، أقول لن يترك الله المسلمين تغشاهم موجات الضلال والانحلال دون أن يحقق لهم وعده بالنصر ويأخذ بأيديهم عن أن ينزلقوا إلى متاهات الباطل، أو ينخذلوا في جهادهم، أو تكون عليهم الدبرة في مصاولتهم لعدوهم، فوعد الله لن يتخلف وقد قال سبحانه {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (1) وقال تعالى {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (2) وفي الحديث «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى تقوم الساعة (3)» وصلى الله وسلم وبارك على صفوة خلقه وعلى آله وصحبه ومن سار على دربهم وانتهج وسلك سبيلهم إلى يوم الدين.
الشيخ
عبد الله عبد الغني خياط
مراجع البحث
1 -
تفسير ابن كثير الجزء الأول
2 -
صفوة التفاسير، المجلد الأول
3 -
تفسير البيضاوي
4 -
بداية المجتهد
5 -
نيل الأوطار، الجزء السابع
(1) سورة محمد الآية 7
(2)
سورة الروم الآية 47
(3)
صحيح مسلم الإمارة (1920)، سنن الترمذي الفتن (2229)، سنن أبو داود الفتن والملاحم (4252)، سنن ابن ماجه الفتن (3952)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 279).
6 -
شرح النووي على الأربعين
7 -
حاشية السيد رشيد على شرح النووي
8 -
دليل الفالحين
9 -
فقه الإسلام تأليف حسن أحمد الخطيب
10 -
الروض المربع الجزء الثاني
11 -
جريمة الرشوة في الشريعة الإسلامية
المصادر والمراجع
- ابن حنبل، أحمد الشيباني - المسند - القاهرة - المطبعة الميمنية.
- ابن رشد، أبو الوليد محمد - بداية المجتهد ونهاية المقتصد - القاهرة - مكتبة الكليات الأزهرية 1389 هـ.
- ابن علان المكي، محمد الصيقي الشافعي - دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين - الطبعة الأولى - القاهرة - مطبعة الأنوار 1347 هـ - 1928 م.
- ابن كثير - أبو الفداء إسماعيل القرشي الشافعي - تفسير القرآن العظيم - القاهرة - مطبعة المنار (بهامشه تفسير البغوي).
- البخاري - محمد بن إسماعيل - الجامع الصحيح المسند المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه - القاهرة - شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده 1378 هـ.
- البهوتي، منصور بن يونس - الروض المربع شرح زاد المستنقع - القاهرة - المطبعة السلفية 1349 (ومعه حاشية للشيخ عبد الله أبو بطين).
- البيضاوي.
- الخطيب، حسن أحمد - فقه الإسلام - القاهرة - مطبعة سيد علي حافظ 1371 هـ 1952 م.
- الشوكاني، محمد بن علي - نيل الأوطار بشرح منتقى الأخبار - القاهرة.
- العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر - فتح الباري بشرح صحيح البخاري -
القاهرة - المطبعة السلفية.
- عودة، عبد القادر - التشريع الجنائي في الإسلام.
- النسائي، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب - المجتبى - مراجعة: حسن محمد المسعودي - الطبعة الأولى - مصر - المطبعة المصرية بالأزهر 1342 هـ.
- النووي، أبو زكريا يحيى بن شرف - الأربعون النووية وشرحها - الطبعة الثانية - القاهرة - مطبعة المنار 1342 هـ (ضمن مجموعة الحديث النجدية).
- النيسابوري، مسلم بن الحجاج - المسند الصحيح المختصر من السنن بنقل العدل عن العدل عن رسول صلى الله عليه وسلم تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي - بيروت - دار إحياء التراث العربي.