الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الراجح من القولين:
وباستعراض أدلة الفريقين ومناقشتها يظهر أن الأرجح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، وهو يتفق مع ما ذهب إليه جهابذة اللغة من القول بالعموم لغة، وقد صرح بذلك صاحب القاموس بقوله: والعموم أصح، ولذلك عندما حرم الله الخمر فهم الصحابة وهم أهل اللسان أن كل شيء يسمى خمرا يدخل في النهي فأراقوا المتخذ من التمر والرطب ولم يخصوا ذلك بالمتخذ من العنب، وعلى فرض أن الإطلاقين في اللغة على سواء أو أن الأرجح الخصوص فالجميع خمر شرعا، والحقيقة الشرعية مقدمة على الحقيقة اللغوية عند الاختلاف.
حكم شرب الخمر ودليله
لقد ثبت تحريم الخمر في الكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب. . . فقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (1){إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (2).
وجه الدلالة. . أن القرآن أطلق على الخمر لفظ الرجس، والرجس في اللغة هو الشيء القذر، وفي الشرع هو الشيء المحرم، ونهى جل وعلا بهذا النص عن الاقتراب منها، وأتبع النص المفيد وجوب ترك الخمر بذكر أوصافا تشعر العاقل بأن الخمر شيء قبيح يجب الابتعاد عنه فهي تصد عن ذكر الله وعن الصلاة وتوقع البغضاء والعداوة بين الناس وهذه محرمة، فما أدى إليها يكون محرما؛ لأن مقدمة الحرام حرام.
وقد أسهب المفسرون في بيان الأوجه الدالة على التحريم من الآيتين نذكر منها ما يلي:
1 -
أن الله جعلها رجسا من عمل الشيطان، وكلمة الرجس تدل على منتهى القبح
(1) سورة المائدة الآية 90
(2)
سورة المائدة الآية 91
والخبث ولذلك أطلقت على الأوثان فهي أسوأ مفهوما من كلمة الخبث، وقد علم من عدة آيات أن الله أحل الطيبات وحرم الخبائث، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام «الخمر أم الخبائث (1)» . رواه الطبراني في الأوسط من حديث عبد الله بن عمر.
2 -
أنه صدر الجملة بإنما الدالة على الحصر للمبالغة في ذمها، كأنه قال: ليست الخمر وليس الميسر إلا رجسا فلا خير فيها البتة.
3 -
أنه قرنها بالأنصاب والأزلام التي هي من أعمال الوثنية وخرافات الشرك، وقد أورد المفسرون هنا حديث «شارب الخمر كعابد وثن (2)» .
4 -
أنه جعلها من عمل الشيطان لما ينشأ عنها من الشرور والطغيان، وهل يكون عمل الشيطان إلا موجبا لسخط الرحمن.
5 -
أنه جعل الأمر بتركها من مادة الاجتناب، وهو أبلغ من الترك لأنه يفيد الأمر بالترك مع البعد عن المتروك بأن يكون التارك في جانب بعيد عن جانب المتروك، ولذلك نرى القرآن لم يعبر بالاجتناب إلا عن ترك الشرك والطاغوت الذي يشمل الشرك والأوثان وسائر مصادر الطغيان وترك الكبائر عامة وقول الزور الذي هو من أكبرها قال تعالى {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} (3).
6 -
أنه جعل اجتنابها مصدرا للفلاح ومرجاة له، فدل ذلك على أن ارتكابها من الخسران والخيبة في الدنيا والآخرة.
7 -
أنه أمر بتركها بصيغة الاستفهام المقرون بفاء السببية.
8 -
أنه جعلهما مثارا للعداوة والبغضاء وهما شر المفاسد الدنيوية المتعدية إلى أنواع من المعاصي في الأقوال والأعراض والأنفس. ولذلك سميت الخمرة بأم الخبائث وأم الفواحش.
9 -
أنه جعلهما صادين عن ذكر الله وعن الصلاة وهما روح الدين وعماده وزاد المؤمن وعتاده.
(1) سنن النسائي الأشربة (5666).
(2)
سنن ابن ماجه الأشربة (3375).
(3)
سورة الحج الآية 30
أما الأدلة على تحريمها من السنة فقد وردت الأحاديث الكثيرة التي تبلغ بمجموعها رتبة التواتر الذي يفيد اليقين. منها:
(1)
حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كل مسكر خمر وكل خمر حرام (1)» .
(2)
ما روي عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لعن الله الخمر وشاربها وساقيها ومبتاعها وبائعها وعاصرها وحاملها والمحولة إليه (2)» .
(3)
(4)
ما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يا أيها الناس إن الله يبغض الخمر، ولعل الله سينزل فيها أمرا، فمن كان عنده منها شيء فليبعه ولينتفع به، قال فما لبثنا إلا يسيرا حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله حرام الخمر فمن أدركته هذه الآية وعنده منها شيء فلا يشرب ولا بيع، قال فاستقبل الناس بما كان عندهم منها طرف المدينة فسفكوها (4)» .
(5)
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال «يا رسول الله إنا بأرض يصنع فيها شراب من العسل يقال له البتع، وشراب من الشعير يقال له المزر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل مسكر حرام (5)» رواه الإمام أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي.
(6)
ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أسكر كثيره فقليله حرام (6)» .
وجه الدلالة: أن هذه الأحاديث تعلن بصراحة لا لبس فيها أن الخمر محرمة من أي نوع اتخذت، من عنب أو تمر أو شعير أو غيره، فحرمت شربها واستعمالها وعصرها وشتى أنواع التصرف بها، وإنها كبيرة من الكبائر المهلكة؛ لأن الكبيرة ما فيه حد أو وعيد شديد، وقد اجتمعت كل هذه الأمور في الخمر.
(1) صحيح مسلم الأشربة (2003)، سنن الترمذي الأشربة (1861)، سنن أبو داود الأشربة (3679)، سنن ابن ماجه الأشربة (3390)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 98).
(2)
سنن أبو داود الأشربة (3674)، سنن ابن ماجه الأشربة (3380)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 97).
(3)
صحيح مسلم المساقاة (1579)، سنن النسائي البيوع (4664)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 324)، موطأ مالك الأشربة (1598).
(4)
صحيح مسلم المساقاة (1578).
(5)
صحيح البخاري الأدب (6124)، صحيح مسلم الأشربة (1733)، سنن أبو داود الأشربة (3684)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 417)، سنن الدارمي الأشربة (2098).
(6)
سنن الترمذي الأشربة (1865)، سنن أبو داود الأشربة (3681)، سنن ابن ماجه الأشربة (3393)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 343).