الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخمر في الشريعة الإسلامية
بقلم الشيخ مساعد المعتق
- من مواليد مدينة الزلفى عام 1369 هـ، تخرج من كلية الشريعة بالرياض، ثم نال درجة الماجستير من المعهد العالي للقضاء، وهو في المراحل الأخيرة من تحقيق كتاب المغني للخبازي بشرح منصور بن أحمد القاءاني، حيث تقدم بذلك للحصول على درجة الدكتوراه من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
- له مشاركات في الصحافة والإذاعة في مجال التوجيه الاجتماعي والديني.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من هو بالمؤمنين رءوف رحيم، والمبعوث برسالة الرحمة لسائر الخلق أجمعين، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلَاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (1) وبعد:
فإن الرحمة سمة بارزة من سمات التشريع الإسلامي الخالد، فما من حكم تشريعي، من تحليل أو تحريم، ترغيب أو ترهيب، ثواب أو عقاب إلا وفيه مصلحتنا دينيا ودنيويا، في معاشنا ومعادنا، وفيه يسر لا عسر {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (2) وفيه رفع للحرج ودفع للمشقة {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (3).
وما ذاك كله إلا لأن التشريع الإسلامي سماوي لا وضعي، إلهي لا بشري فليس فيه سمات التشريعات الوضعية، من تفاوت واختلاف وتناقض، فها هي تشريعات البشر وقوانينه مختلفة ومتفاوتة تبعا للعقول المقننة لها والتي تخضع في تقنينها لمقتضيات البيئة أحيانا والتأثر بالظروف أحيانا أخرى وتتناقض في كثير من الأحيان، فما هو مباح اليوم كان محظورا بالأمس، وما هو محظور اليوم قد يكون مباحا غدا أو بعد غد.
أما التشريع الإسلامي السماوي ففيه سمة الثبات فلا يعتوره ما يعتور قوانين البشر، لأن أحكامه قد روعي فيها مصالح الخلق منذ خلق الله الخلق {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (4).
فما من تشريع يشرع إلا وتجد الأمم تقول به الغد، وإن لم يكن فبعد الغد ولو إلى أمد، وتحريم الخمر خير شاهد على ما نقول.
نعم، إن تشريع الله في الخمر قد تراءت لسائر الخلق (حكمة تحريمه) لقد لمسوه لمس اليد فنادت الأمم بحظره ومنعه، ثم أباحته ليس لاقتناع عقلي بل في غيبة عقلية
(1) سورة الأنبياء الآية 107
(2)
سورة البقرة الآية 185
(3)
سورة الحج الآية 78
(4)
سورة الملك الآية 14
وهي وإن أباحته إلا أنها في صحوها ورشدها تقول بأضراره وخبائثه، إنه واقع يصرخ في وجوههم أن حكمة الله بالغة ونور الله ساطع، والله متم نوره.
ولكم يلمس البشر معالم الرحمة ومصالح العباد في التشريعات الإلهية وأخص بالذكر موضوع الخمر.
ومن أحسن ما سمعته أن في تحريم الخمر والعقاب عليه رحمتين، فحكم التحريم فيه رحمة، فإن ابتعد الشارب عن شربها فقد رحم عقله بل نفسه، لأن العقل ميزان الاتزان عند الإنسان، فإذا فقد وغشى عليه بغشاوة فقد أوقع الشارب نفسه في مواقع الهاوية، (فالرحمة في التحريم واضحة، والمصلحة في التحريم ظاهرة جلية).
أما الرحمة الثانية فيه ظاهرة للعيان إنها رحمة في العقاب حين يكون العقاب رادعا فيمنع استهتار الشارب وضرره على المجتمع بأسره، فإن الأضرار الواقعة والمتوقعة إذا ما نال صاحبها الجزاء انزجر وعند ذلك يكف أذاه ويؤخذ على يديه قبل أن يهلك ويهلك.
بعد كل هذا نستطيع أن نقول إن المصالح المتوخاة من تحريم الشرب عظيمة، والمصالح المتوخاة من العقاب الزاجر عميمة، والرحمة في هذا وذاك حاصلة.
أسأله تعالى أن يهدينا لأقوم سبيل وأن يلهمنا السداد والصواب في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
بعد كل ما ذكر لا يفوتني أن أنوه إلى أنني قد فكرت أن أقدم بحثا في مواضيع أخرى، ولكنني عدلت عن كل ذلك لأتطرق بهذا البحث إلى موضوع خطير جدا نظرا لابتلاء الناس به في زمننا الحاضر، وخير الموضوعات ما عالج داء وقدم له دواء وخيرها ما ربط بالواقع، وأعتقد أن هذا الموضوع من هذا القبيل والذي يحتاج إلى عناية ورعاية ليستخرج لنا من أقوال الأقدمين مادة علمية تعالج مشكلة استفحل أمرها في عصرنا الحاضر، نعم إنها قضية تهم الشباب المعاصر الذي تفتحت أعينه على عالم متهور في طعامه وشرابه فتناول ما حل له وما حرم عليه دون تمييز بين النافع والضار.
إنني سمعت الكثير، وكنت سأدون الكثير كذلك حول هذه القضية ولكن