الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأنعام ويشركون في أكلها النساء والرجال كما حكاه الله عنهم بقوله: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ} (1).
فتحريم الميتة هو حكم الله المبني على العلم والحكمة. وإباحتها هي حكم الجاهلية المبني على الهوى والجهل {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (2) وطاعة الله في تحريمها توحيد، وطاعة أهل الجاهلية في إباحتها شرك {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} (3) لأن التحليل والتحريم حق لله سبحانه لا يشاركه فيه أحد {وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} (4).
(1) سورة الأنعام الآية 139
(2)
سورة المائدة الآية 50
(3)
سورة الأنعام الآية 121
(4)
سورة الرعد الآية 41
المسألة الثانية: في بيان ما يستثنى من الميتة
مما يجوز أكله منها مع الاستدلال
يستثنى من الميتة نوعان يباح أكلهما:
النوع الأول: ميتة البحر لقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} (1) فالمراد بطعامه ما مات فيه من حيوانه الذي لا يعيش إلا فيه، فتكون هذه الآية مخصصة لعموم قوله تعالى:{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ} (2) وقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} (3) ولقوله في حديث ابن عمر عنه صلى الله عليه وسلم: «أحلت لنا ميتتان ودمان: فأما الميتتان فالحوت والجراد (4)» الحديث (5). وحديث أبي هريرة رضي
(1) سورة المائدة الآية 96
(2)
سورة البقرة الآية 173
(3)
سورة المائدة الآية 3
(4)
سنن ابن ماجه الأطعمة (3314)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 97).
(5)
رواه أحمد وابن ماجه والدارقطني والأصح أنه موقوف / المنتقى ونيل الأوطار ص 152 - 153 ج8.
الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في البحر: هو الطهور ماؤه الحل ميتته (1)» وهو حديث صحيح (2) وكذلك حديث جابر في «قصة العنبر الذي ألقاه البحر فأكل منه الصحابة نصف شهر وذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: كلوا رزقا أخرجه الله عز وجل لكم (3)» فهذه الأحاديث أيضا تخصص الآيات العامة في تحريم الميتة.
النوع الثاني: الجراد (4) " بفتح الجيم وتخفيف الراء معروف، والواحدة جرادة، والذكر والأنثى سواء كالحمامة. ويقال: إنه مشتق من الجرد؛ لأنه لا ينزل على شيء إلا جرده، وخلقة الجراد عجيبة فيها عشرة أنواع من خلقة الحيوانات ذكر بعضها في هذين البيتين:
لها فخذا بكر وساقا نعامة
…
وقادمتا نسر وجؤجؤ ضيغم
حبتها أفاعي الرمل بطنا وأنعمت
…
عليها جياد الخيل بالرأس والفم
واختلف في أصله فقيل: إنه نثرة حوت فلذلك كان أكله بغير ذكاة، وفي ذلك حديث أنس:«أن الجراد نثرة حوت من البحر (5)» وحديث أبي هريرة: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حج أو عمرة فاستقبلنا رجل جراد فجعلنا نضرب بنعالنا وأسواطنا فقال: كلوه فإنه من صيد البحر (6)» والحديثان لو صحا لكان فيهما حجة لمن قال: لا جزاء فيه إذا قتله المحرم، وجمهور العلماء على خلافه. . . وإذا ثبت فيه الجزاء دل على أنه بري (7).
(1) رواه الأربعة وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما / تفسير ابن كثير ص7 ج2.
(2)
النووي في المجموع ص31 ج9.
(3)
متفق عليه / المنتقى مع شرحه ص 152 ج8.
(4)
ما بين القوسين من فتح الباري ص 620 - 621 ج9 ببعض تصرف.
(5)
ضعيف، أخرجه ابن ماجه / فتح الباري ص 621 ج9.
(6)
أخرجه أبو داود، وفي إسناده ميمون بن جابان، ولا يحتج بحديثه / مختصر المنذري للسفن ص 365 ج2.
(7)
فتح الباري.
أما حكم أكله فقد أجمع (1) العلماء على جواز أكله في الجملة بدليل الحديث السابق قريبا: «أحلت لنا ميتتان ودمان: أما الميتتان فالحوت والجراد (2)» وحديث عبد الله بن أبي أوفى (3) قال: «غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل معه الجراد (4)» لكن قال الجمهور: يحل؛ سواء مات باصطياد أو بذكاة أو مات حتف أنفه. وقال مالك (5) - في المشهور عنه - وأحمد في رواية (6): لا يحل إلا إذا مات بسبب بأن يقطع بعضه أو يسلق أو يلقى في النار حيا. فإن مات حتف أنفه لم يحل.
احتج الجمهور بالحديث السابق: «أحلت لنا ميتتان (7)» وقد يعترض عليه بأن رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ضعيف والصحيح أنه من قول ابن عمر (8) فلا يصح الاستدلال به على حل ميتة الجراد، ويجاب عن ذلك: بأن الرواية الموقوفة على ابن عمر والتي صححها بعض الحفاظ (9) تكفي في الدلالة على المطلوب؛ لأنها في حكم المرفوع؛ لأن قول الصحابي أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا أو أحل لنا كذا أو حرم علينا كذا كله في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهو بمنزلة قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أو أحل لنا كذا أو حرم علينا كذا، وهي قاعدة معروفة.
واحتج مالك بقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} (10) فإنه يدخل في عمومه ميتة الجراد فتكون محرمة - والراجح: ما ذهب إليه الجمهور - ويجاب عما استدل به مالك من عموم الآيات بأنها عامة مخصوصة بالحديث المذكور والله أعلم.
(1) فتح الباري، وشرح النووي على صحيح مسلم ص103 ج13، والمغني مع الشرح ص41 ج11.
(2)
سنن ابن ماجه الأطعمة (3314)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 97).
(3)
هو الصحابي ابن الصحابي رضي الله عنهما، شهد بيعة الرضوان وما بعدها، وتوفي بالكوفة سنة 86 هـ.
(4)
رواه الجماعة إلا ابن ماجه / المنتقى مع شرحه ص152 ج8.
(5)
بداية المجتهد ص 325 ج1.
(6)
المغني مع الشرح ص41 ج11.
(7)
سنن ابن ماجه الأطعمة (3314)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 97).
(8)
انظر نيل الأوطار ص153 ج8.
(9)
انظر نيل الأوطار ص153 ج8، والمجموع للنووي ص24 ج9.
(10)
سورة المائدة الآية 3