المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌في دعاء المخلوقين والتوسل بالأشخاص - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٩

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌مناقشة المحاضرة

- ‌مناقشة ما نشرت له جريدة " اليوم السعودية

- ‌كلمة تحذيرية حول إنكار رشاد خليفة للسنة المطهرة

- ‌خطاب من سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن بازإلى أمين عام المجلس الإسلامي الأوربي

- ‌ حكم نزول المرأة في السوق بدون إذن من زوجها

- ‌ جمع الرجل في عصمته أكثر من أربع زوجات

- ‌ اشترط في عقد الزواج أن تكون عصمة الزوجة بيدها

- ‌ أولى الناس بولاية المرأة في الزواج

- ‌ لي أخت من والدتي على أب ثان ولي أخت على أم ثانية تزوجهن رجل واحد وأنا الذي أتولى عليهن العقد

- ‌ ما هو الجواب شرعا وحقا فيمن ترك زوجته سنة أو أكثر من ذلك

- ‌ تناول حبوب منع الحمل

- ‌ إخوة الزوج وأبناء عمه ليسوا بمحارم لزوجته

- ‌ حكم لبس الكعب العالي للمرأة، ووضع المناكير

- ‌ طلق زوجته طلاق السنة ثم سلم ورقة الطلاق، ويريد مراجعتها، فهل المراجعة إجبارية على المرأة

- ‌ تزوج امرأة وأنجبت منه أولادا، ثم طالبته والدته بطلاق زوجته دون سبب أو عيب في دينها

- ‌ إذا توفي الزوج قبل أن يدخل بزوجته وجب لها جميع المهر المسمى

- ‌ زنى رجل ببكر ويريد أن يتزوجها

- ‌ هل يجوز أن يزوج بنته خال أبيه

- ‌مباحث في القرآن الكريم

- ‌انتفاع المسافرين بالنار في هذا الزمان

- ‌فضائل القرآن وشروطها

- ‌الأحاديث النبوية في هذا المعنى

- ‌تجويد القرآن

- ‌مهمة السنة

- ‌هل تستقل السنة بالتشريع

- ‌من علماء السنة من الصحابة والتابعين:

- ‌السنة في مدينة الرسول

- ‌مكة والسنة

- ‌تدوين السنة

- ‌في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم

- ‌المجاميع الحديثية الأمهات

- ‌في دعاء المخلوقين والتوسل بالأشخاص

- ‌الصوفية

- ‌ حد القذف

- ‌ حد المحاربة وقطع الطريق

- ‌ حد المسكر

- ‌خاتمة البحث

- ‌حكم تناول الميتة

- ‌المسألة الأولى: في تعريف الميتة وبيان الحكمة في تحريمها

- ‌المسألة الثانية: في بيان ما يستثنى من الميتة

- ‌المسألة الثالثة: في بيان حكم ما ذكي بعد قيام سبب الموت

- ‌المسألة الرابعة في حكم أكل ما أهل به لغير الله:

- ‌حكم الشهادة فيما كان من حقوق الله:

- ‌الخمر في الشريعة الإسلامية

- ‌تعريف الخمر

- ‌الخمر عند الفقهاء

- ‌حكم شرب الخمر ودليله

- ‌شبهات على تحريم الخمر وتفنيدها

- ‌التدرج التشريعي في تحريم الخمر وحكمه في ذلك

- ‌الوقت الذي حرمت فيه الخمر

- ‌حاجة الإنسان إلى ما ينظم حياته

- ‌رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وشريعته الجامعة

- ‌مفهوم الشريعة

- ‌خصائص الشريعة الإسلامية الخالدة

- ‌ أنها شريعة الله:

- ‌ عمومية الرسالة والشريعة لكل أجناس البشر:

- ‌ شمولية الشريعة الإسلامية:

- ‌سفر البنات العذارى إلى البلدان الخارجيةللانتساب بزعمهم

- ‌ الصراع بين النصرانية والإسلام وبين اليهودية والإسلام

- ‌ أمانة الدعوة الجماعية لأمة الإسلام في منطقة الخليج

- ‌ أهداف الجهاد

- ‌ أمور لا بد منها عند إرادة الجهاد

- ‌موارد تقي الدين الفاسي في كتابهالعقد الثمين

- ‌موارد التقي الفاسي في العقد الثمين

- ‌الموارد العلمية للكتاب

- ‌المصادر

- ‌مؤتمرات إسلامية

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌في دعاء المخلوقين والتوسل بالأشخاص

لله، وقد أنكروا على من توسع في الخوض في ذلك بذكر أنه أكبر من العرش أو مثله أو دونه، وكذا بذكر المماسة وكون الرب محمولا على العرش كحمل الراكب على المركوب ونحو ذلك، فلا نقول بهذه التقديرات ولا نخوض في هذه الأبحاث لعدم النقل فيها ولما فيها من التدخل فيما لا يعني.

ثم قال بعد سطرين:

و (استوى) لغة معناها: استقر. فالاستقرار هنا بصفة الرحمة على العرش وما قواه. . . أما من اعتقد بأنه جلس واستقر على العرش فقد أشرك، لأنه توهمه جسما محدودا محمولا على عرشه. . الخ. والجواب قد تقدم أن السلف فسروا الاستواء بالاستقرار والعلو والارتفاع والصعود، ولم يقولوا ما قاله هذا الكاتب من أنه الاستقرار بصفة الرحمة على العرش فإنه بعيد. بل قالوا: استقر كما يشاء لا كاستواء المخلوق ولم يعتقدوا أنه جلس أو استقر على العرش كاستقرار المخلوق، ولم يقولوا إنه محتاج إلى العرش أو غيره، ولا توهموا ربهم جسما محدودا محتاجا إلى خلقه، فكل هذا تقول عليهم بلا علم، فإن كان يقصد أئمة الدعوة فليوقفنا على موضع من كتبهم فيه ما ذكر، وإلا فليسند القول إلى قائله، والذي يقول بتلك الأقاويل الكفرية يصدق عليه أنه حمار كما وصفه به الكاتب.

ص: 139

‌في دعاء المخلوقين والتوسل بالأشخاص

قال الكاتب في الصفحة الثالثة في السطر السابع:

(النداء) لغة معناه الدعاء وهو لا يتقيد بالعبادة إلا إذا كان لله عز وجل، أما النداء لغير الله فيرجع إلى عقيدة الداعي، إن كان يعتقد فيمن يناديه أنه يضر وينفع ويعطي ويمنع من غير إذن الله فقد أشرك. . . الخ

والجواب: لقد خبط هذا الكاتب وخلط وأخطأ في الكثير مما قاله أو تعمد فأنبه على أهم أخطائه فيما يأتي:

أولا: ذكر أن الدعاء لا يتقيد بالعبادة إلا إذا كان لله عز وجل، أما النداء

ص: 139

لغير الله فيرجع إلى عقيدة الداعي. . . الخ. وهذا قول باطل بعيد عن الصواب، صدر عن جهل بحقيقة الدعاء وبحقيقة العبادة وبالأدلة الواردة على ذلك، وأنا أشير إلى شيء من ذلك فأقول: أما الدعاء فهو لغة النداء، ويطلق شرعا على دعاء العبادة ودعاء المسألة، وهما متلازمان فدعاء العبادة هو فعل كل الطاعات وأداء جميع القربات امتثالا لأمر الله وتقربا إليه، وهو متضمن دعاء المسألة، فإن المصلي داع بلسان الحال فكأنه يقول: إنما أصلي طلبا برضا الله وجزيل ثوابه، وهكذا في جميع الأعمال الصالحة لسان حال من يفعلها يقول: أريد من فعلها مغفرة الله وجنته فهو سائل في نفس الأمر، أما دعاء المسألة فهو السؤال والطلب كسؤال الجنة والتعوذ من سخط الله ومن النار ونحو ذلك، وهو ولا بد مستلزم لدعاء العبادة، فإن حقيقة العبادة الذل والخضوع والتواضع والإذعان، فالذي يدعو ربه يسأله حال تذلل وخشوع وإنابة وإخبات، فالسؤال دعاء والذل عبادة، وهكذا المصلى والصائم والمتصدق والذاكر والقارئ والطائف والعاكف والراكع والساجد. فإن كلا من هؤلاء حال فعله يكون راغبا في فضل الله طالبا لمنه وعطائه، ويكون مع ذلك متذللا ومذعنا منقادا لأمر الله خاضعا مخبتا له وذلك هو حقيقة العبادة، ومتى كان كذلك ورأينا من يسأل ربه من فضله ويمد إليه يد الافتقار ويلهج بالدعاء مستمطرا من فضل ربه، فإنا نسميه داعيا سائلا لله، فإذا كان مع ذلك قد أهطع وأقنع وخشع وتذلل وتواضع حال سؤاله فهو لذلك عابد لربه ظاهرا نحكم بذلك حسب ما رأينا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «الدعاء هو العبادة (1)» ثم قرأ قول الله تعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} (2) الآية، ووجه الدلالة من الآية أنه تعالى أمر بدعائه، وذم المستكبرين عن عبادته، والقرينة تدل على أن المراد يستكبرون عن دعائي، وقال تعالى:{قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ} (3) فجعل دعاءهم عبادة، وقال عن الخليل عليه السلام

(1) رواه الترمذي في تفسير سورة غافر عن النعمان رضي الله عنه.

(2)

سورة غافر الآية 60

(3)

سورة غافر الآية 66

ص: 140

{وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} (1) ثم قال {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} (2) فعبر بالعبادة عن الدعاء، وبعد أن عرفت حقيقة الدعاء وحقيقة العبادة وتلازمهما فإن الأدلة واضحة على أن الدعاء حق الله لا يصرف منه شيء لغير الله قال تعالى {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (3) وقال {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ} (4) وقال {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} (5) ونحوها من الآيات.

فقول هذا الكاتب: أما النداء لغير الله فيرجع إلى عقيدة الداعي، إن كان يعتقد فيمن يناديه أنه يضر وينفع ويعطي ويمنع من غير إذن الله فقد أشرك.

نقول: إن دعاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك مطلقا سواء كان المدعو ملكا أو نبيا أو وليا أو جنيا أو صالحا أو شريفا أو سيدا أو شجرا أو قبرا أو غير ذلك، فأما إن دعا إنسانا حيا حاضرا قادرا وطلب منه ما يقدر عليه كقوله: يا فلان اسقني أو أطعمني أو احملني أو احمل رحلي ونحو ذلك فهذا جائز وهو من الأفعال المحسوسة التي لا يزال الناس يفعلونها ويعين بعضهم بعضا على فعلها وكذا إن قال: يا فلان ادع الله لي بالمغفرة والجنة أو أشركني في صدقاتك أو وقفك أو دعواتك ونحوها فإن دعاء المسلم لأخيه يظهر الغيب مما يثيبه الله عليه، وهذا بخلاف ما إذا قال: اغفر ذنبي وأدخلني الجنة أو خذ بيدي عن النار ونحو ذلك فإن هذا لا يجوز فعله مع الحي فضلا عن الميت لأنه مما لا يقدر عليه إلا الله، فلا يطلب إلا منه تعالى.

فنحن نستدل بفعل الإنسان على عقيدته، فمتى رأينا شخصا وقف عند قبر إنسان معظم في نفسه وخضع برأسه وتذلل وأهطع وأقنع وخشع وخفض صوته وسكنت جوارحه وأحضر قلبه ولبه أعظم مما يفعل في الصلاة بين يدي ربه عز وجل، وهتف باسم ذلك المقبور، وناداه نداء من وثق منه بالعطاء، وعلق عليه الرجاء

(1) سورة مريم الآية 48

(2)

سورة مريم الآية 49

(3)

سورة الجن الآية 18

(4)

سورة يونس الآية 106

(5)

سورة الأحقاف الآية 5

ص: 141

ونحو ذلك فإننا لا نشك أنه والحالة هذه يعتقد أنه يعطيه سؤله ويدفع عنه السوء، وأنه يستطيع التصرف في أمر الله، ففعله هذا دليل سوء معتقده، فلا حاجة لنا أن نسأله: هل أنت تعتقد أنه يضر وينفع من غير إذن الله. فالله تعالى ما كلفنا أن ننقب عن قلوب الناس، وإنما نأخذهم بموجب أفعالهم وأقوالهم الظاهرة، وهذا الشخص قد خالف قول الله تعالى:{وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (1) وقد رأينا خشوعه وتذلله أمام هذا المخلوق الميت وذلك هو عين العبادة كما عرفنا، فنحكم عليه بموجب فعله وقوله بأنه قد أشرك بالله وتأله سواه، فإن الإله هو الذي تألهه القلوب وتعظمه وتحبه وترجوه وتخافه وتعامله بما لا يصلح إلا لله، ولو لم يسمه الفاعل إلها، ولو لم يسم فعله تألها وتعبدا، فإن العبرة بالحقائق وما في نفس الأمر بخلاف الأسماء، فأهل هذا الزمان لما جهلوا حقيقة العبادة والتأله والدعاء ونحوه الذي هو من حق الله ولم يعرفوا معانيها وأصل وضعها صرفوها لغير الله وسموا ذلك توسلا واستشفاعا وتبركا واحتراما وهو عين عبادة ذلك المخلوق وعين الشرك الذي توعد الله عليه بالنار وحرمان الجنة.

(1) سورة يونس الآية 106

ص: 142

ثم قال الكاتب في الصفحة الثالثة في أول السطر التاسع:

أما من اعتقد فيمن يناديه بأنه من أهل العطاء وما ملك إلا بتمليك الله ولا يتصرف إلا بإذن الله فهو موحد. . الخ.

فنقول: لا حاجة لنا في التنقيب عن معتقده الذي يقوم بقلبه فإنه أمر خفي، وقد يقول بلسانه ما ليس في قلبه فنحن نأخذ بالظاهر فإن أفعاله تعبر عن ما في ضميره، ولو حاول تغييره لم يستطع، ثم نقول أيضا كيف يصلح اعتقاد أن المخلوق من أهل العطاء أي أنه يملك أن يعطي من يشاء مغفرة ورزقا ومالا وولدا وصحة وغنى. . . الخ؟ فإن الذي يملك ذلك هو الله وحده كما وصفه نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله:«اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت (1)» وقد أخبر الله عن كل ما يدعى

(1) رواه البخاري رقم 844 وغيره عن المغيرة رضي الله عنه.

ص: 142

من دونه بأنهم {مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (1) وإن أراد الكاتب أنه من أهل العطاء أي الذين أعطاهم الله نوعا من التصرف والملكية فهذا لا دليل عليه، وإنما خصائص الأنبياء نزول الوحي عليهم وتكليفهم بالتبليغ عن الله ما نزل إليهم ولم يعطهم شيئا من حقه الذي هو الدعاء والعبادة والتأله، ولا ملكهم رزق العباد وهبة الأولاد وشفاء الأسقام البدنية وغفران الذنوب ونحوها، وعلى هذا فمن اعتقد في نبي أو ملك أو ولي أو أي مخلوق أنه مفوض من الله في إهلاك من شاء أو إعطاء من أراد أو إدخاله جنة أو نارا فقد صادم النصوص وأشرك المخلوق في حق الخالق فإنه الله تعالى قال لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم وهو أشرف خلقه وأفضلهم {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} (2) فإذا كان سيد الخلق وخاتم الرسل لا يقدر على هداية عمه أو أقاربه فكيف يهدي أبعد الخلق وأشقاهم إذا دعوه مع الله وصرفوا له ما لا يستحقه إلا الله، ولقد أمره الله تعالى أن يعترف بعدم ملكيته لشيء من ذلك لأنه حق الله وحده قال الله تعالى:{قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا} (3) والرشد الهداية القلبية وإيصال الإيمان إلى القلوب، بخلاف البلاغ والبيان فإن وظيفته ورسالته كما قال تعالى {إِنْ عَلَيْكَ إلَاّ الْبَلَاغُ} (4) وقد أخبر بأنه يهدي إلى الحق أي يدل عليه كما قال عز وجل:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (5) والمراد هداية البيان والدلالة والإرشاد، فأثبت هداية البيان ونفى هداية التوفيق والإلهام وقبول الإسلام، فمع هذه النصوص الصريحة كيف يقال إن المخلوق يملك بتمليك الله الهداية والإضلال والإعطاء والمنع والإحياء والإماتة، أو يتصرف بإذن الله في الكون فيرسل الرياح ويثير السحب وينزل المطر وينبت النبات ويخلق ويرزق كل هذا جرأة على الله، وإنما جعل الله من معجزات عيسى ابن مريم عليه السلام شيئا من ذلك بإذن الله ثم انقطع برفعه

(1) سورة فاطر الآية 13

(2)

سورة القصص الآية 56

(3)

سورة الجن الآية 21

(4)

سورة الشورى الآية 48

(5)

سورة الشورى الآية 52

ص: 143

إلى السماء، ولم يذكر الله تعالى أن أحدا من الأموات أو الغائبين يهدي من أحب أو يرزق من يشاء بإذن الله، بل قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:{قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إلَاّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} (1) فهل يقال بعد هذا إنه هو أو من دونه بعد موته يملك بتمليك الله النفع والضر والإعطاء والمنع وأنه بناء على ذلك يطلب منه كما يطلب من الله فيدعى ويرجى وتعلق عليه الآمال ويخشع له العبد ويتواضع ويقف أمام قبره خاضعا ذليلا وخائفا راجيا، فإن هذا كله لازم قول هذا الكاتب حيث أباح نداءه وجعله مالكا متصرفا فيما هو من خصائص الرب تعالى، وقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال لعشيرته الأقربين:«أنقذوا أنفسكم من النار لا أغني عنكم من الله شيئا (2)» وقال لعمه العباس «لا أغني عنك من الله شيئا (3)» .

وهكذا قال لعمته ولابنته فاطمة الزهراء، وأمرهم بأن يعملوا عملا صالحا لوجه الله ينقذون به أنفسهم من النار ولا يعتمدون على قرابتهم منه أو شرفه عند الله، بل قال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر:«ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه (4)» وكل هذا حث للمسلم أن يعمل لله عملا خالصا لوجهه يكون سببا لنجاته يوم القيامة، فلا يعتمد على نسب ولا حسب ولا يرغب إلى أي مخلوق يدعوه أو يرجوه أو يخافه أو يعظمه كتعظيم الله تعالى، أو يعقد عليه أمله أو يعتقد أنه يملك من أمر الله شيئا مع قول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِِ شَيْءٌ} (5) وقوله {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} (6) فهل ذكر الله تعالى أنه قد ملك أحدا من خلقه شيئا من حقه؟ أو فوض إليه التصرف في عباده، بأن يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ويهدي

(1) سورة الأعراف الآية 188

(2)

صحيح البخاري الوصايا (2753)، صحيح مسلم الإيمان (204)، سنن الترمذي تفسير القرآن (3185)، سنن النسائي الوصايا (3644)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 361)، سنن الدارمي الرقاق (2732).

(3)

رواه البخاري برقم 2753 عن أبي هريرة.

(4)

من حديث أبي هريرة الطويل عند مسلم.

(5)

سورة آل عمران الآية 128

(6)

سورة آل عمران الآية 154

ص: 144

من يشاء ويضل من يشاء، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، ولقد قال تعالى:{وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} (1){وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ} (2) وقال عز وجل: {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ} (3) أي لا أحد يتولى أمرهم ولا أحد يقدر على هدايتهم ولو توسلوا بالأنبياء والأولياء والملائكة والصالحين والأصفياء، والقصد من ذلك أن يقبل العباد بقلوبهم على ربهم ويصدقوا الرغبة إليه، ويدعوه مخلصين له الدين وينصرفوا بقلوبهم وأعمالهم عن كل مخلوق تحقيقا لوصف العبودية التي هي غاية الذل مع غاية الحب، فهو سبحانه قريب مجيب كما قال تعالى:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (4)، فهو أعلم بعباده وهو المطلع على الضمائر والنيات، ويعلم ما تكنه الصدور وما توسوس به النفوس، ويعلم السر وأخفى، فكيف مع ذلك يعدل عنه العباد، وكيف يحتاج إلى من يعرفه بخلقه، وكيف يكون المخلوق أعلم من الرب الخالق تعالى بما في قلب الداعي، فالصدور عن الخالق إلى أحد من المخلوقين فيه غاية التنقص للرب عز وجل وسوء الظن به أنه لا يعلم بعباده حتى ينبهه غيره من المخلوقين، تعالى الله علوا كبيرا.

(1) سورة الزمر الآية 36

(2)

سورة الزمر الآية 37

(3)

سورة الإسراء الآية 97

(4)

سورة البقرة الآية 186

ص: 145

ثم قال الكاتب في السطر الثالث عشر من الصفحة الثالثة:

ومن أسف أن الوهابية قالوا: تمجيد الرسول بما يخرجه عن طبيعته البشرية باطل وزور وحكموا بكفر من وصفه بأنه نور، وغاب عن هؤلاء الحمير بأن الله وصفه بالسراج المنير. . . الخ.

جوابه أن يقال: مراده بالوهابية الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومن انتفع بدعوته السلفية رحمهم الله، وقد علم أنه رحمه الله لم يأت بجديد، وإنما جدد للناس ما اندرس من معالم التوحيد الذي هو حق الله على العبيد حيث خرج في

ص: 145

مجتمع قد غلب عليه الشرك ووسائله كعبادة الأموات وعمارة ما يسمى بالمشاهد برفع قبور الصالحين والأولياء وبناء القباب عليها وتحري الصلاة عندها، وبالعكوف حولها وبالذبح لها تعظيما واحتراما، وبإيقاد السرج عليها طوال الليل وبالنذور والهدايا إلى تلك الضرائح وتعليق الرجاء عليها والهتاف بأسماء الأموات وندائهم ودعائهم مع الله، كقبر شمسان وتاج ويوسف وزيد بن الخطاب ونحوهم، فبين لأهل زمانه أن حقهم علينا محبتهم واتباعهم والعمل مثل أعمالهم، فأما الدعاء والرجاء والذبح والنذر فهو خالص حق الله، وأورد لهم النصوص الصريحة في مصادمة ما فعلوه للتوحيد كقوله صلى الله عليه وسلم «لعن الله من ذبح لغير الله (1)» مع قوله تعالى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (2) أي خصه وحده بالصلاة والنحر، فمتى صلى أحد أو نحر لغير الله فقد أشركه في حق الله، وبين لهم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اتخاذ القبور مساجد فقال قبل أن يموت بخمس:«ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك (3)» وقال وهو في سياق الموت «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (4)» يحذر ما صنعوا، وقال صلى الله عليه وسلم:«لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج (5)» ودعا ربه فقال «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (6)» والمعنى أن الأولين أشركوا حيث تحروا الصلاة عند قبور الأولياء والأنبياء، فكل موضع قصدت الصلاة فيه فهو مسجد ولو لم يبن مسجدا له منبر موجه إلى القبلة، فإن المسجد ما يتخذ للركوع والسجود فيه.

فأهل ذلك الزمان قد غلب عليهم قصد قبور الأولياء والصالحين للصلاة عندها لاعتقاد أن للصلاة هناك مزية، وأنها أفضل من الصلاة في المساجد ومع

(1) من حديث علي عند مسلم 13/ 141 وغيره.

(2)

سورة الكوثر الآية 2

(3)

بعض من حديث جندب عند مسلم 5/ 13.

(4)

عن عائشة عند مسلم 5/ 12.

(5)

رواه أبو داود 3236 عن ابن عباس.

(6)

رواه أحمد 2/ 246 عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 146

جماعة المسلمين، أو أن ذلك الولي يشفع في هذه الصلاة لتقبل أو يضاعف ثوابها ونحو ذلك من الاعتقادات الفاسدة، ولا شك أن هذا تعظيم للمخلوق ورفع لمنزلته إلى درجة لا يستحقها إلا الله، فأما الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فإننا نمجده ونحبه ونقدم محبته على الأنفس والأموال فإن ذلك شرط لصحة الإيمان، لقوله صلى الله عليه وسلم «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين (1)» ولكن لا نخرجه بهذه المحبة عن طبيعة البشر فنجعله ربا أو إلها أو خالقا أو رازقا، وإنما ميزته الرسالة حيث فضله الله على جميع البشر وأنزل عليه الوحي وكلفه بحمل الرسالة وتبليغها إلى جميع الناس، مع أنه لا يزال متصفا بالبشرية وبالعبودية، قال الله تعالى {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} (2) بل إن الرسل كلهم لم يخرجوا عن وصف البشرية كما حكى الله عن الرسل قولهم لأممهم:{إِنْ نَحْنُ إلَاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} (3) ولما تعنت بعض المشركين وطلبوا منه بعض الآيات التي لا يقدر عليها إلا الله قال الله تعالى له: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إلَاّ بَشَرًا رَسُولًا} (4) فهل من دليل يفيد أن الرسل خرجوا عن طبيعة البشرية فصاروا يعلمون الغيب ويملكون التصرف في الكون، ويشاركون الرب في الإعطاء والمنع والضر والنفع ونحو ذلك، أليس قد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:{قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إلَاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إلَاّ نَذِيرٌ مُبِينٌ} (5) بل أمره الله تعالى أن ينفي عن نفسه هذه الأمور حيث قال تعالى: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} (6) بل قد وصفه الله تعالى بالعبودية التي هي تمام التذلل والخضوع للرب عز وجل فقال تعالى في مقام التحدي:

(1) رواه مسلم 2/ 15 وغيره عن أنس رضي الله عنه.

(2)

سورة الكهف الآية 110

(3)

سورة إبراهيم الآية 11

(4)

سورة الإسراء الآية 93

(5)

سورة الأحقاف الآية 9

(6)

سورة الأنعام الآية 50

ص: 147

{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} (1) وقال تعالى في مقام الإسراء: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} (2) وقال تعالى في مقام الدعوة {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} (3) وقال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} (4) وقال {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} (5) فذكر تعالى أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم ومميزاته أن أنزل عليه هذا الكتاب الذي أعجز الناس أن يعارضوه، ومن خصائصه أن أسرى ببدنه وروحه إلى المسجد الأقصى ثم عرج به إلى السماء إلى حيث شاء الله، ومن فضائله أن كلفه ربه بالدعوة إلى الله، وكل هذه المميزات لم تخرجه عن وصف العبودية لله بكل معانيها من كونه مملوكا للرب، ومن كونه ذليلا متواضعا وخاضعا له مطيعا، وهذا وصف فضل وشرف اتصف به المصطفون من عباد الله ولم يتكبروا عنه قال تعالى {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} (6) فنحن نقول لا يصح في تمجيد الرسول صلى الله عليه وسلم اعتقاد أنه خرج عن كل وصف البشرية إلى وصف الملكية أو إلى وصف الربوبية أو الألوهية ولا واسطة بينهما.

(1) سورة البقرة الآية 23

(2)

سورة الإسراء الآية 1

(3)

سورة الجن الآية 19

(4)

سورة الكهف الآية 1

(5)

سورة الفرقان الآية 1

(6)

سورة النساء الآية 172

ص: 148

فأما قوله: وحكموا بكفر من وصفه بأنه نور، وغاب عن هؤلاء الحمير بأن الله قد وصفه بالسراج المنير بصيغة المبالغة، بمعنى أن الله عز وجل يمد بواسطته كل من أراد هدايته بالأنوار والأسرار. . . الخ.

جوابه أن يقال: متى حكمنا بكفر من وصفه بأنه نور؟ أين نصوص علماء الدعوة في ذلك؟ هذا من الكذب الصريح والبهتان المبين، بل هم متبعون لما وصفه الله به من ذلك كما في قوله تعالى {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} (1)

(1) سورة المائدة الآية 15

ص: 148

قال أبو جعفر بن جرير الطبري رحمه الله في تفسير هذه الآية من سورة المائدة يعني بالنور محمدا صلى الله عليه وسلم الذي أنار الله به الحق وأظهر به الإسلام ومحق به الشرك، فهو نور لمن استنار به يبين الحق، ومن إنارته الحق تبيينه لليهود كثيرا مما كانوا يخفون من الكتاب (1) لكن لا يلزم من هذا الوصف أن يصرف له شيء من حق الله، فلا يدعى مع الله ولا يعظم كتعظيم الله ولا يوصف بشيء من خصائص الله، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مرين، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله (2)» ولما «قال له رجل: ما شاء الله وشئت. قال: أجعلتني لله ندا، قل ما شاء الله وحده (3)» وقال «ولا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا ما شاء الله ثم محمد (4)» وذلك لأن الواو تقتضي المساواة بين المشيئتين مع أن مشيئة المخلوق لا تحصل إلا بعد مشيئة الله كما قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إلَاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (5) ثم إنه صلى الله عليه وسلم هو أفضل الخلق وسيد ولد آدم، ومع ذلك لما «قال له وفد بني عامر: أنت سيدنا قال: السيد الله قالوا: وأفضلنا فضلا وأعظمنا طولا. قال: قولوا بقولكم أو بعض قولكم، ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد بن عبد الله - وفي لفظ - عبد الله ورسوله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزل الله (6)» فهكذا كان يؤدب أمته سيما ضعفاء الإيمان أو حدثاء الإسلام، مخافة أن يقعوا في الغلو الذي يحبط الأعمال، فنحن نعتقد أنه صلى الله عليه وسلم هو النور والسراج المنير، وهو أفضل الرسل وخاتم الأنبياء وسيد الخلق، والشفيع المشفع في يوم القيامة وهو صاحب لواء الحمد وله المقام المحمود والحوض المورود، ولكن حقه على أمته أن يؤمنوا ويصدقوا بأنه مرسل من ربه وأنه قد أنزل عليه الوحي، وهو هذا القرآن الكريم والسنة المطهرة، وقد

(1) تفسير الطبري 10/ 143.

(2)

رواه البخاري 2445 عن عمر رضي الله عنه.

(3)

رواه أحمد 4/ 214 عن ابن عباس رضي الله عنه.

(4)

رواه أحمد 5/ 72 عن الطفيل أخي عائشة لأمها.

(5)

سورة الإنسان الآية 30

(6)

رواه أحمد 4/ 24 عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه.

ص: 149

أمر الله تعالى بالإيمان به ورتب عليه الثواب قال الله تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا} (1) وقال عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} (2) وقال تعالى {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ} (3) فالإيمان به يقتضي تصديقه واعتقاد رسالته وصحة ما جاء به عن ربه وصدقه في كل ما بلغه عن الله تعالى، مما يستلزم طاعته والسير على نهجه واتباعه في ما جاء به وما فعله على وجه التقرب والسنية، وقد علق الله على اتباعه الاهتداء ومحبة الله وغفران الذنوب حيث قال تعالى:{وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (4) وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (5) وهذه هي آية المحبة، فإن أدعياء محبة النبي صلى الله عليه وسلم كثير، فمن كان صادق المحبة فإنه يحرص على اتباع هدي محمد صلى الله عليه وسلم ويطبق تعاليمه ويتخذه أسوة وقدوة حسنة، ويحرص كل الحرص على امتثال كل ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم من الإرشادات والتعاليم، فيمتثل الأوامر ويبعد عن النواهي والزواجر، ويقلده عليه الصلاة والسلام في أفعاله وسننه غير مبال بمن خالفه من أهل زمانه، ويصبر على ما يوجه إليه من المقت واللوم والعذل والتنقص والرمي بالتشدد والتزمت أو الغلو في الدين أو نحو ذلك، كما يحصل من أغلب الناس مع القائمين بخصال الفطرة والمتنزهين عن الشبهات من معاملات ربوية أو مشاهدة أفلام أو صور خليعة أو أغاني فاتنة، مع تصريح أولئك المستهترين بمحبة الرسول صلى الله عليه وسلم والتصديق برسالته، وكأنهم يعتقدون أن صدق محبته إنما يتمثل في الإطراء ومدحه بما لا يستحقه إلا الله وإشراكه مع ربه في الملك، أو إعمال المطي إلى قبره ثم الهتاف ورفع الصوت بدعائه وطلبه الحاجات التي لا يقدر عليها إلا الله، وقد يتعلقون بحكايات مكذوبة أو أحاديث لا

(1) سورة التغابن الآية 8

(2)

سورة الحديد الآية 28

(3)

سورة الأعراف الآية 158

(4)

سورة الأعراف الآية 158

(5)

سورة آل عمران الآية 31

ص: 150

أصل لها كقولهم إن الله قال له: لولاك ما خلقت الكون، أو ما خلقت الأفلاك، وكقولهم: إن الله قال لآدم: لولا محمد ما خلقتك، ونحوها من الأكاذيب التي بنوا عليها وصفه صلى الله عليه وسلم بأنه يعلم ما في اللوح المحفوظ وكل ما في الكون، وأنه يملك الدنيا والآخرة فيعطي ويمنع ويسعد ويشقي ويهدي ويضل، وهم مع هذا يخالفون سنته الثابتة كما في حلق اللحى وإطالة الشوارب وشرب الخمر وإسبال اللباس وتعظيم العصاة وموالاة الكفار، ونحو ذلك مما هو عين المحادة والمخالفة لسنته صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك من تسويل الشيطان حيث دعاهم إلى الغلو فيه من بعض الجهات وإلى مخالفة سنته من جهات أخرى، فهذه إشارة إلى بعض أعمال هؤلاء الأقوام الذين سمى ممثلهم علماء الإسلام وأهل التوحيد بالوهابية وجعلهم بمنزلة الحمير، وكأنه بهذا الوصف يشير إلى مثل اليهود الذي ذكره الله بقوله:{كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} (1) لكن هذا المثل ينطبق على هذا الكاتب وأضرابه الذين يقرءون القرآن وتمر بهم أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وفيها النهي عن دعاء غير الله كقوله: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (2) وكقوله: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ} (3) وقوله {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إلَاّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ} (4) ثم يخالفونها صريحا فهم أقرب إلى الشبه بالحمار الذي يحمل أسفارا والله المستعان.

(1) سورة الجمعة الآية 5

(2)

سورة الجن الآية 18

(3)

سورة يونس الآية 106

(4)

سورة يونس الآية 107

ص: 151

ثم قال الكاتب في السطر السادس عشر:

فمن اعتقد أن مدد الرسول انقطع لانتقاله إلى الرفيق الأعلى فقد أساء الأدب مع الرسول ويخشى عليه الموت على الكفر والعياذ بالله تعالى.

جوابه: أن يناقش عن مدد الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد مماته، فإن أراد بمدده دلالته على الخير وإرشاده للأمة وإيضاحه للحق والهدى وتبليغه لما أرسل به وبيانه لعلوم الشريعة أكمل بيان، فهذا لم ينقطع بموته، فإن الأمة لا تزال تستضيء

ص: 151

بأنوار هدايته وتسير على النهج الذي رسمه لها وتستمد من سنته ما يوضح لها طرق الهدى، فمن صد عن سنته وأعرض عنها فهو أضل من حمار أهله، أما إن أراد بمدد الرسول صلى الله عليه وسلم فوائد اتباعه وآثار الاقتداء بسنته وبركات العمل بشريعته فهذا أيضا لم ينقطع بموته، فنحن نعتقد أن من سار على نهجه واقتفى طريقه حصلت له البركات وأمده الله بفضله وعطائه وانتفع في هذه الحياة بنتائج هذا الاتباع كسائر الأعمال الصالحة، فإن العمل الصالح سبب في كثرة الخير وحلول البركة وسعة الرزق وطيب الحياة ورغد العيش، والنصر على الأعداء وحصول العلم والفهم والفتح من الله والإلهام والتوفيق لعمل الصالحات والحفظ عن المنكرات، لكن لا يضاف المدد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إلا حيث إنه ببركة اتباعه، وإلا فالله هو الذي يمد العاملين، ويعطيهم ويتفضل عليهم، لأنه تعالى مالك الملك وبيده النفع والضر والعطاء والمنع والخفض والرفع، فإن أراد هذا الكاتب بمدد الرسول صلى الله عليه وسلم إعطاءه لمن سأله ونصره لمن استنصر به وإجابته لمن دعاه ونحو ذلك فمثل هذا لا يملكه الرسول صلى الله عليه وسلم لا في حياته ولا بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، بل هو إلى الله تعالى كما قدمنا بعض الأدلة على ذلك كقوله تعالى:{قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا} (1){قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} (2) وقوله {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} (3) وقوله صلى الله عليه وسلم لأقاربه «أنقذوا أنفسكم من النار لا أغني عنكم من الله شيئا (4)» وقوله في حديث الغلول: «لا أغني عنك من الله شيئا قد أبلغتك (5)» فإذا كان لا يملك جنس هذا المدد في حياته فهكذا لا يملكه بعد مماته، بل لا يملكه أحد من خلق الله لا ملك مقرب ولا نبي مرسل فضلا عن غيرهما، فمن اعتقد أنه صلى الله عليه وسلم يمد من سأله ويعطي من طلبه وينفع من دعاه مع الله فقد جعله لله ندا وصرف له خالص حق الله، وهذا النوع من الإمداد هو مراد هذا الكاتب وأضرابه وغاب عنهم أن الصحابة ومن

(1) سورة الجن الآية 21

(2)

سورة الجن الآية 22

(3)

سورة الأنعام الآية 50

(4)

رواه البخاري 4771 عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(5)

رواه البخاري رقم 3073 وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 152

بعدهم من أئمة المسلمين لم يعتقدوا هذا الاعتقاد ولم يفعلوا معه ما يدل عليه، فلو كانوا يعتقدون فيه هذا النوع لتهافتوا إلى قبره يطلبون منه المدد والإعطاء، فكم نزلت بهم من مصيبة وكم وقعت من فتنة كوقعة الحرة ونحوها، وكم سلط عليهم الأعداء ولم يحفظ أنهم جاءوا إلى القبر مستنصرين ولا فزعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قائلين المدد يا رسول الله، ولو كان هذا اعتقادهم لتوافدوا إلى قبره أفواجا وأقبلوا إليه من كل حدب وصوب زرافات ووحدانا، فلما لم يفعلوا عرف أن هذا الاعتقاد إنما هو من بدع المتأخرين حيث أوقعهم الشيطان في ذلك الاعتقاد السيئ ونتائجه الشركية وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ولقد كان الصحابة رضي الله عنهم يطلبون منه الدعاء في حياته بالغيث وإنزال المطر ورفع العذاب وبالمغفرة والجنة وبسعة الرزق وطيب الحياة، فيدعوا الله لهم ويجيب الله دعوته لكرامته عليه ولفضله وشرفه وليكون ذلك من جملة معجزاته، فأما بعد موته فلم يطلبوا منه شيئا من ذلك أبدا، بل لما قحطوا عام الرمادة توسلوا بعمه العباس رضي الله عنه (1) لشرفه وكبر سنه وقرابته من النبي صلى الله عليه وسلم فطلبوا من الله أن يجيب دعوته لهم لأنه حي موجود بينهم، ولم يتوسلوا بالنبي لله لأنهم عرفوا عدم جواز ذلك ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

(1) رواه البخاري رقم 101 عن أنس رضي الله عنه.

ص: 153

ثم قال هذا الكاتب في السطر السابع عشر:

(التوسل) كلمة التوحيد لا تتم إلا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فكيف يتهم بالشرك من توسل به إلى الله، لك أيها المسلم العاقل أن تتوسل إلى الله بكل ما يحبه الله إن الله يحب المتقين ذاتا وصفات. . . الخ.

والجواب: نقول نعم لا تتم شهادة أن لا إله إلا الله إلا بشهادة أن محمدا رسول الله ذلك لأنه الذي دل على التوحيد ودعا إليه ولأن الله تعالى نوه برسالته كما في قوله تعالى {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} (1) وقوله {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (2) وقد فسرت هذه البشهادة بأنها طاعته فيما أمر

(1) سورة الفتح الآية 29

(2)

سورة الأعراف الآية 158

ص: 153

وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع. وفسرت الشهادة له بالعبودية والرسالة بأنه عبد لا يعبد، ورسول لا يكذب بل يطاع ويتبع، فليس معنى هذه الشهادة أو من مستلزماتها التوسل بذاته وسؤال الله بجاهه ونحو ذلك. فأما قوله: فكيف يتهم بالشرك من توسل به إلى الله. فنقول: إن أراد من توسل بطاعته واتباعه، فلا بأس بذلك كأن يقول: اللهم أني أسألك وأتوسل إليك بإيماني وتصديقي واتباعي لرسولك وطاعتي له أن تغفر لي ونحو ذلك، كما يجوز التوسل بسائر الأعمال الصالحة كقصة أصحاب الغار الذين توصل أحدهم ببره لابويه، والثاني بعفته عن الحرام، والثالث بأمانته وأدائه حق الغير مع غلته. (1)، فيجوز أن نتوسل إلى الله بالصلوات والأذكار والصدقة والجهاد ونحوها من أعمال العبد التي يرحمه الله بسببها ويقبل دعاءه وهكذا إن أراد التوسل بمحبته واحترامه وتوقيره والصلاة والسلام عليه وتعظيم سنته وشرعه وما جاء به فهذا من التوسل المشروع، فيقول: يا رب أسألك وأتوسل إليك بمحبتي لك ولنبيك وباحترامي له ولسنته أن تهب لي من فضلك وترزقني حلالا وتبارك لي فيما أعطيتني، ونحو ذلك.

وهكذا إن أراد التوسل بدعائه وشفاعته فلا بأس بذلك، ولكن يطلب ذلك كله من الله ويوجه إليه سؤاله، فيقول اللهم اجعلني ممن تناله شفاعة نبيك يوم القيامة، أو اللهم وفقني للعمل الصالح الذي أنال به شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم أو اجعلني من المؤمنين الذين يدخلون في دعائه واستغفاره صلى الله عليه وسلم، وكل هذا ونحوه جائز إن شاء الله ولا يخالف فيه أحد من أئمة الدعوة أو غيرهم من أهل السنة، وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستغفر للمؤمنين كما في قوله تعالى {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} (2) فأنت تدعو الله أن يجعلك من المؤمنين الذين يعمهم هذا الاستغفار.

(1) رواه البخاري رقم 3465 عن ابن عمر رضي الله عنه.

(2)

سورة محمد الآية 19

ص: 154

أما إن أراد هذا الكاتب السؤال بذاته أو الإقسام بذاته على الله، أو السؤال بحقه أو بجاهه فهذا لا يجوز، فلم يرد ذلك عن الصحابة ولا عن أحد من أئمة الدين أو علماء المسلمين المقتدى بهم، ولا نقل أن أحدا منهم قال: اللهم إني أسألك بحق نبيك أو أنبيائك أو بجاه أو حرمة فلان، أو أتوسل إليك بنبيك ونحو هذا ولم يفعلوه في الاستسقاء ولا في غيره، لا في حياته ولا بعد مماته لا عند قبره ولا عند قبر غيره، ولم يرد هذا في شيء من الأدعية المشهورة بينهم، وإنما ينقله المتأخرون الذين وقعوا في الغلو والشرك وينقلون في ذلك أحاديث ضعيفة أو موضوعة لا تقوم بها حجة، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 1/ 202 عن أبي حنيفة وأصحابه أنهم صرحوا بالنهي عن ذلك، وقالوا لا يسئل بمخلوق ولا يقول أحد: أسألك بحق أنبيائك. ثم نقل عن أبي حنيفة قال: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به، وأكره أن يقول: بمعاقد العز من عرشك، أو بحق خلقك، وقال أبو يوسف: معقد العز من عرشه هو الله فلا أكره هذا، وأكره أن يقول: بحق فلان أو بحق أنبيائك ورسلك وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام.

قال القدوري: المسألة بحقه لا تجوز، لأنه لا حق للخلق على الخالق فلا تجوز وفاقا ا. هـ.

ومعنى قوله: لا حق للمخلوق على الخالق، أي لا يجب على الله حق لخلقه، بل هو سبحانه المتفضل على عباده وهو الذي وفقهم للهداية والأعمال الصالحة، وامتن على من شاء منهم بالفضيلة والكرامة والنبوة والولاية، فليس لأحد عليه حق واجب نظير ما يجب للمخلوق على المخلوق من الحق الذي يطالب به ويلزم من عليه الحق بأدائه، فأما ما ورد من الأحاديث في حق العباد على الله كقوله صلى الله عليه وسلم:«حق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا (1)» . فهو حق تفضل وتكرم ووعد وعدهم به وهو لا يخلف الميعاد.

(1) رواه مسلم 1/ 232 وغيره عن معاذ رضي الله عنه.

ص: 155

فأما قول الكاتب: أيها المسلم العاقل أن تتوسل إلى الله بكل ما يحبه.

جوابه: ما تقدم من أن التوسل الجائز هو التقرب إلى الله بكل الأعمال الصالحة التي يحبها، فمتى عمل المسلم الحسنات وتقرب إلى الله بالقربات التي

ص: 155

يحبها كان ذلك أعظم التوسل، وهو معنى قوله تعالى {اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} (1) أي تقربوا إليه بالأعمال التي يحبها وتكون موصلة لكم إلى مرضاته، فأما التوسل بالذوات والأشخاص وسؤال الله بحقهم فإن ذلك لا يجوز ولم يفعله السلف الصالح ولو كان خيرا لسبقونا إليه.

أما قول هذا الكاتب: إن الله يحب المتقين ذاتا وصفات أحياء وأمواتا، ويحب من أحبهم، ويحب من اقتدى بهم، ويحب من توسل بهم إليه.

فالجواب: صحيح أن الله تعالى يحب المتقين ويحب من أحبهم واقتدى بهم، ولكن محبتهم تستلزم محبة أعمالهم، فمن أحبهم صادقا تتبع أفعالهم فطبقها وعمل مثل أعمالهم، فإن كنت تحب المتقين فاتق الله حق تقاته حتى يحبك الله كما أحبهم، وإذا كنت تحب المتقين فقلدهم في أفعالهم، فإن من أحب الرسول صلى الله عليه وسلم استن بسنته وعمل بالشرع الذي بلغه، ومن أحب الصالحين أصلح أعماله واقتفى آثار عباد الله الصالحين فهذه علامات المحبة قال الله تعالى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (2) فمن أحب المتقين وانهمك في الذنوب وأشرك بالله واقترف المعاصي وخالف سيماء أهل التقوى فدعواه كاذبة خاطئة، فأما التوسل بحبهم إلى الله فجائز فإن حب أولياء الله وأهل الخير والصلاح من أعمال البر التي يثيب الله عليها.

فإذا قلت: أسألك يا رب وأتوسل إليك بحبك وحب أوليائك وأهل التقوى والصلاح من عبادك أن تهب لي من فضلك وجودك ونحو ذلك فلا بأس بذلك، كالتوسل بسائر الأعمال القلبية، فأما التوسل بذواتهم وأشخاصهم أو بحقهم وجاههم فقد عرفت أنه منكر من القول وزور، وأنه من وسائل تعظيمهم ورفع ذواتهم إلى ما لا يستحقه إلا الله فيكون شركا أو من وسائل الشرك، والله {لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} (3) بل قد توعد على الشرك بأعظم الوعيد فكيف يحب أهله أو يثيبهم ولكن أكثرهم يجهلون.

(1) سورة المائدة الآية 35

(2)

سورة آل عمران الآية 31

(3)

سورة النساء الآية 116

ص: 156

ثم قال الكاتب في السطر الحادي والعشرين من الصفحة الثالثة:

قال صلى الله عليه وسلم: «توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم» .

أقول: هكذا أهل الجهالة والضلالة يتعلقون بما هو أوهى من بيت العنكبوت، فنحن نطالبهم بإثبات هذا المقال كحديث مرفوع، حتى يتم الاستدلال به، فإنه حديث لا أصل له أبدا، قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 1/ 319 وروى بعض الجهال عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم» . وهذا الحديث كذب ليس في شيء من كتب المسلمين التي يعتمد عليها أهل الحديث، ولا ذكره أحد من أهل العلم بالحديث، مع أن جاهه عند الله تعالى أعظم من جاه جميع الأنبياء والمرسلين. فإذا كان موسى وعيسى وجيهين عند الله عز وجل فكيف بسيد ولد آدم صاحب المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون، وصاحب الكوثر والحوض المورود. وهو صاحب الشفاعة يوم القيامة. . . وهو صاحب اللواء، آدم ومن دونه تحت لوائه. . ولكن جاه المخلوق عند الخالق تعالى ليس كجاه المخلوق عند المخلوق، فإنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه. . . والمخلوق يشفع عند المخلوق بغير إذنه فهو شريك له في حصول المطلوب، والله تعالى لا شريك له. . . الخ.

وقال أيضا في الفتاوى 1/ 346: وقد تقدم أن ما يذكره بعض العامة من قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان لكم حاجة فاسألوا الله بجاهي» . حديث باطل لم يروه أحد من أهل العلم، ولا هو في شيء من كتب الحديث، وإنما المشروع الصلاة عليه في كل دعاء. ولهذا كما ذكر العلماء الدعاء في الاستسقاء، وغيره ذكروا الصلاة عليه، ولم يذكروا فيما شرع للمسلمين في هذه الحال التوسل به، إلى آخر كلامه رحمه الله.

ص: 157

ثم قال الكاتب: فيا أخا الإنصاف ما دام المتوسل موحدا، والمتوسل به يحبه الله والمسئول والمقصود بالطلب الله جل جلاله فلا شرك ولا وثنية.

والجواب أن يقال: إذا كان المتوسل به هو ما يحبه الله من الحسنات والأعمال الصالحة وحب أهل الخير واتباعهم، فالمتوسل والحال هذه موحد فلا

ص: 157

شرك ولا وثنية، أما إن كان المتوسل به هو ذوات المخلوقين وأشخاصهم فهذا بدعة ووسيلة إلى تعظيمهم وإعطائهم ما لا يستحقه إلا الله فهو بدعة أو وسيلة إلى الشرك، والوسائل لها أحكام المقاصد، فهو وإن لم يكن شركا صريحا لكنه ذريعة إليه، وقد جاءت الشريعة بسد الذرائع وقطع الأسباب التي توقع في الشرك، فإن البناء على القبور وتجصيصها وإسراجها والصلاة عندها إنما منع منه لكونه ذريعة ووسيلة إلى الغلو في أهلها، ومن ثم دعاؤهم وعبادتهم من دون الله، فهكذا سؤال الله بجاه الأولياء والأنبياء أو بحقهم أو الاستشفاع بهم أو الإقسام على الله بهم، ونحو ذلك هو من هذا النوع، ولو كان الداعي في الحقيقة إنما دعا الله وسأله فإنه بتوسله قد ابتدع وتوسل إلى الله بحق مخلوق مع أنه لا حق للمخلوق على الخالق إلا ما تكرم به وتفضل به على عباده من الوفاء بوعده فهو لا يخلف الميعاد.

ثم قال الكاتب في السطر الرابع والعشرين من الصفحة الثالثة:

ومن أسف أن الوهابية قالوا: إن التوسل برسول الله شرك.

وجوابه: يعرف مما سبق وهو الإنكار لهذا المقال، فإن التوسل بمحبته وطاعته والتأسي به جائز لأن هذه الأشياء من أفضل القربات، فلك أن تقول: اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بمحبتي لك ولرسلك وطاعتي لك ولرسولك أن تعطيني وتهب لي ونحو ذلك، فأما التوسل بذاته صلى الله عليه وسلم في حضوره أو مغيبه أو بعد موته، مثل الإقسام بذاته أو بغيره من الأنبياء، أو السؤال بنفس ذواتهم لا بدعائهم، فهذا لا نقول إنه شرك لكنه بدعة ووسيلة إلى الشرك، ولم يفعله الصحابة ولا السلف الصالح، فإن عمر رضي الله عنه توسل بالعباس لما أجدبوا وقصد بذلك دعاءه لكبر سنه وفضله، وكذا معاوية ومن معه توسلوا بيزيد بن الأسود الجرشي لصلاحه وتقاه ولم يتوسلوا بنبي الله لا عند قبره ولا غير قبره، وقد كان من الممكن أن يأتوا إلى قبره فيتوسلوا به بأن يقولوا نسألك أو نتوسل إليك بنبيك أو بجاه نبيك ونحوه كما هو الواقع من هذا الكاتب وأضرابه، وبالجملة فنحن لا نقول إن التوسل بالأنبياء شرك، ولكنه بدعة ووسيلة إلى الشرك فننهى عنه.

ثم قال الكاتب: وما أنكروه وحاربوه ثابت في كتابهم (الورد المصفى

ص: 158

المختار) ثم ذكر الدعاء المشهور: اللهم إني أسألك بنور وجهك الذي أشرقت له السماوات والأرض وبكل حق هو لك وبحق السائلين عليك. . . الخ.

جوابه: إن هذا الدعاء لا بأس به ولا دلالة على السؤال بذوات الأنبياء والأولياء حيث لم يقل أسألك بحق الأنبياء والصالحين أو بجاههم ومنزلتهم، وإنما سأل بحق السائلين، والمراد ما جعله حقا على نفسه لكل من سأله ودعاه بقوله:

{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (1) فكل من سأل الله فله حق الإجابة مع أنه حق تفضل وامتنان وكرم وليس حق وجوب كما اعترف بذلك هذا الكاتب واستدل بقوله تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (2) وكقوله: {وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} (3) وكحديث معاذ: «حق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا (4)» فحق السائلين عليه أن يجيبهم كما وعدهم، وهو حق أوجبه على نفسه، فسؤال الله تعالى بهذا الحق سؤال له بأفعاله لا بذوات السائلين، وإنما هو كقوله في الدعاء الآخر «أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك (5)» ، فالاستعاذة بمعافاته التي هي فعله كالسؤال بحق السائلين الذي هو إثابتهم وهو من فعله تعالى.

ثم قال الكاتب في السطر الثاني من الصفحة الأخيرة

فمن اتخذ إمامه النجدي ابن عبد الوهاب كانت آخرته هباب؛ لأنه استحل دماء المسلمين وأموالهم بشبه واهية لا تبرر موقفه من الله، قام بحروب دامية ذهب ضحيتها أرواح طاهرة. . الخ.

أقول: لقد أخطأ هذا الكاتب، فالشيخ محمد رحمه الله هو إمام وقدوة في تجديد التوحيد وعلم يهتدى به في هذا الباب فتح الله على قلبه ونور بصيرته فتفطن لما فيه الناس - في زمانه - من الانهماك في الشرور والتقرب إلى أرباب

(1) سورة غافر الآية 60

(2)

سورة الروم الآية 47

(3)

سورة التوبة الآية 111

(4)

رواه مسلم 1/ 232 عن معاذ رضي الله عنه.

(5)

رواه مسلم 4/ 203 وغيره عن عائشة رضي الله عنها.

ص: 159

القبور، فدعاهم إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له وحده وحذرهم من كل ما ينافي التوحيد أو ينافي كماله أو يقدم فيه أو يوقع في الشرك أو يجر إليه، فهدى الله على يديه من أراد بهم خيرا وعاقبة حسنة فأما من أصر وعاند واستمر على ذلك الشرك المنافي لدين الرسل فإنه أمر بقتاله بعد إقامة الحجة عليه وبعد إيضاح الدليل، لأنه حين بقي على ذلك الشرك المبطل للعبادات والموجب للخلود في النار حل بذلك دمه وما له كسائر المشركين.

وقد بين رحمه الله في مؤلفاته أن ما وقع فيه أهل زمانه هو عين شرك الأولين يخلصون في الشدة فيدعون الله وحده وينسون ما يشركون، أما مشركو زمن الشيخ رحمه الله فشركهم دائم في الرخاء والشدة، ولهم من الواقع والحكايات في ذلك الشيء الكثير من أن الشيخ رحمه الله ما أتى بشيء من قبل نفسه بل جدد للناس ما اندرس من أعلام الدين، فأخرجه الله في وقت قد اشتدت فيه غربة الإسلام واستحكمت فيه ظلمات الجهالة والهدى فبين للناس ما خلقوا له وأمروا به، فأطاعه واتبعه من وفقهم الله وأراد بهم خيرا وأيده الله بأمراء هذه الدولة الميمونة وهم آل سعود رحمهم الله فقاموا بنصرة التوحيد وجاهدوا في الله حق جهاده، وقمع الله بهم كل مشرك ومعاند حتى ظهر الحق وتجلى وشهد بأحقيته القاصي والداني، وألفت في سيرة هذا الإمام المؤلفات وكتب عنه علماء من أقاصي البلاد وهم لم يروه ولم يعاصروه، وإنما نقلت إليهم أخباره ومؤلفاته فبنوا عليها أنه صالح مصلح، وأن كل ما رمي به من التكفير ونحوه لا أصل له، بل هو مما ولده عليه أعداؤه الذين شرقوا بالحق وصعب عليهم الانفطام عن تلك المألوفات، أو خافوا باتباعه حرمانهم من المناصب أو المصالح الدنيوية أمثال أحمد بن زين دحلان وعلوي الحداد وداود بن جرجيس ويوسف النبهاني وجميل صدقي الزهاوي ونحوهم.

وقد رد عليهم أئمة الدعوة ومن وافقهم، وأوضحوا في الردود أن غالب ما سطروه كذب وبهتان عظيم، فهذا الكاتب ونحوه قد راجت عنده مؤلفات أولئك المضللين ولم يقرأ الردود عليها، وإلا لعرف وهاء تلك الحكايات التي تنسب إلى هذا الإمام، وعرف أحقية ما ادعي عليه، وعرف أن أتباعه هم أهل النجاة إن شاء الله

ص: 160

أينما كانوا، فهم أهل الحياة الطيبة في الدنيا وأهل السعادة والفوز في الآخرة بفضل الله ورحمته، وعرف أنه لم يستحل دماء المسلمين ولم يكفر الناس كما يذكر عنه خصومه، وإنما كفر المشركين الذين قد صرفوا جل عبادتهم لغير الله، وقد أيد ما قاله بالأدلة الواضحة والبراهين الساطعة من الآيات والأحاديث التي تنص على ضلال من يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وتنص على أن أولئك المدعوين لا يسمعون دعاءهم ولو سمعوا ما استجابوا لداعيهم ويوم القيامة يكفرون بشرك من أشركهم مع الله (1) فكيف تكون تلك النصوص - التي سبق ذكر بعضها - شبها واهية لا تبرر موقفه من الله، وأي دليل أوضح من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي أثبتها الشيخ رحمه الله في كتاب التوحيد الذي قد طبع وانتشر، وقرأه القاصي والداني والمحب والمبغض والعدو والصديق، ولم يقل أن أحدا رد عليه أو تعقبه، أو قال إن تلك النصوص التي ضمنها هذا الكتاب وغيره شبهات واهية كما يستلزمه قول هذا الكاتب، ثم إنه كما سبق ما أذن في القتال إلا بعد أن أقام الحجة وأزال المعذرة ودحض الشبه التي تشبث بها من تعلق على المخلوقين والأولياء، فالذين قتلوا في الحروب التي وقعت بينه وبين خصومه: إما شهداء قتلوا في سبيل الله والذب عن توحيده ونصر دينه، وإما أشقياء يقاتلون في سبيل الطاغوت ويناضلون عن الشرك، فأرواحهم دنسة ملطخة بالكفر والنفاق والشرك والشقاق، ففي قتلهم إراحة للمسلمين وتمكين لهذا الدين.

(1) مأخوذة من نص الآية الكريمة في سورة فاطر، آية 14.

ص: 161

ثم قال هذا الكاتب في السطر الرابع في الصفحة الرابعة:

وغاب عن هذا المجرم قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (1) وقال عليه الصلاة والسلام: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار (2)»

(1) سورة البقرة الآية 256

(2)

رواه البخاري برقم 31 عن أبي بكرة رضي الله عنه.

ص: 161

وقال: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر (1)» وقال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} (2) الآية. . الخ.

جوابه أن يقال أنت أيها القائل أولى بوصف الإجرام، حيث بالغت في نفي بعض صفات الله الكمالية التي أثبتها لنفسه، وحيث أجزت للناس دعاء غير الله والتوسل بذوات المخلوقين الذي هو وسيلة إلى الإشراك بالله، وحيث روجت تلك الأكاذيب على أهل الجهل وضعفاء البصائر لتوقعهم في الضلال، وحيث ظلمت أهل العلم والدين ورميتهم بما هم بريئون منه من الإجرام والزندقة والتشبيه فأنت أولى بهذه الأوصاف، وقد ذكرنا سابقا قول النبي صلى الله عليه وسلم «من دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه (3)»

أي رجع عليه تكفيره أو رميه للأبرياء بالإجرام والزندقة، فأما الآية الكريمة فقد نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعرف معناها ولم يتوقف عن الغزو والقتال للكفار وبعث السرايا والجيوش لقتال المشركين وتوصيتهم بالدعوة ثم القتال، كما في حديث بريدة من قوله:«فإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال فأيتهن ما أجابوك لها فاقبل منهم وكف عنهم (4)» . فذكر الإسلام ثم الجزية ثم قال: «فإن هم أبوا فاستعن بالله قاتلهم (5)» وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} (6) وقال تعالى: {سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} (7) فالقتال إلى أن يحصل الإسلام هو إكراه على الدين، فعلى هذا فالآية منسوخة بآيات القتال العام للمشركين، أو خاصة بأهل الكتاب الذين يبقون على دينهم مع بذل الجزية ولا يكرهون على الدين، أو خاصة بمن نزلت فيه من أولاد الأنصار الذين تهودوا أو تنصروا فمنع الله أولياءهم من إكراههم على الدخول

(1) رواه مسلم 2/ 44 عن ابن مسعود رضي الله عنه.

(2)

سورة النساء الآية 93

(3)

رواه مسلم 2/ 49 عن أبي ذر رضي الله عنه.

(4)

صحيح مسلم الجهاد والسير (1731)، سنن الترمذي السير (1617)، سنن أبو داود الجهاد (2612)، سنن ابن ماجه الجهاد (2858)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 358).

(5)

رواه مسلم 12/ 37 عن بريدة رضي الله عنه.

(6)

سورة التوبة الآية 123

(7)

سورة الفتح الآية 16

ص: 162

في الإسلام، وعلى كل حال فمتى أصر الكافرون أو المشركون على كفرهم وعاندوا فإنه فرض على المسلمين وولاة أمورهم قتالهم حتى يسلموا ويوحدوا لله تعالى، ومتى ارتدوا وخرجوا عن الإسلام أو فعلوا ما يناقضه وجب إقامة الحد عليهم ولو بالقتل لحديث «من بدل دينه فاقتلوه (1)» وقد شرع الله الجهاد في سبيله وعمل به المسلمون في كل زمان ومكان، فقاتلوا أصناف الكفار، حتى توسعت رقعة الإسلام ودخل الناس في دين الله عن طوع واختيار أو عن إلجاء وإكراه، وعلى ذلك حمل قوله صلى الله عليه وسلم:«عجب ربك من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل (2)» .

فأما حديث: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما (3)» الحديث، وحديث:«سباب المسلم فسوق وقتاله كفر (4)» وآية: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا} (5) فقد قيدت بالمسلم والمؤمن الذي أسلم لله وحده، وآمن به ربا وإلها وعمل بحقيقة الإلهية، فوحد الله وأخلص له الدين واستسلم لله بالتوحيد، وانقاد له بالطاعة وتبرأ من الشرك ومن المشركين أينما كانوا، ونابذهم وأظهر لهم البغض والعداوة، فهذا هو الذي سبابه فسوق وقتاله كفر، ومن قتله متعمدا فجزاؤه جهنم، وهؤلاء لم يقاتلهم الشيخ محمد رحمه الله بل صادقهم ووافقهم ونصح لهم وأحبهم وصافاهم لأنهم إخوته في الدين، وإنما قاتل من أشرك بالله الشرك المحبط للأعمال بدعاء الأموات والاستنجاد بهم والهتاف بأسمائهم والحلف بهم، وتعظيمهم بما لا يستحقه إلا الله، فهم قد أبطلوا توحيدهم ونقضوا إيمانهم وأخلوا بوصف الإسلام، فقاتلهم ليرجعوا إلى دينهم وينيبوا إلى ربهم، فله عليهم المنة والفضل، حيث بين لهم الحق وردهم إليه فأجره على الله.

(1) رواه البخاري 3017 وغيره عن ابن عباس رضي الله عنه.

(2)

رواه البخاري برقم 3010 وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

صحيح البخاري الإيمان (31)، صحيح مسلم الفتن وأشراط الساعة (2888)، سنن النسائي تحريم الدم (4122)، سنن أبو داود الفتن والملاحم (4268)، سنن ابن ماجه الفتن (3965)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 51).

(4)

صحيح البخاري الإيمان (48)، صحيح مسلم الإيمان (64)، سنن الترمذي البر والصلة (1983)، سنن النسائي تحريم الدم (4108)، سنن ابن ماجه المقدمة (69)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 385).

(5)

سورة النساء الآية 93

ص: 163

ثم قال هذا الكاتب في السطر السابع من الصفحة الأخيرة:

وهو يعلم يقينا بأن الأمة وافقت بالإجماع على أن التوسل وارد وثابت بالكتاب والسنة، ومضى على ذلك أكثر من ألف ومئتي سنة حتى ظهر ذلك الزنديق النجدي فحكم بكفر المتوسلين. . . الخ.

ص: 163

جوابه: أن نقول أنت مطالب بإثبات هذا الإجماع أو ذكر من حكاه من الأولين والآخرين، وبيان دلالة النصوص من الكتاب والسنة كما تزعم، وقد قدمنا أمثلة للتوسل الوارد الجائز عند الأمة، وهو التوسل بالأعمال الصالحة كقصة أصحاب الغار، وأنه دعاء لله وحده ليس فيه تعظيم لمخلوق، ونقلنا عن الفتاوى 1/ 202 ما ذكره عن أبي حنيفة وأبي يوسف والقدوري حيث منعوا المسألة بحق فلان أو الأنبياء والرسل لأنه لا حق للخلق على الخالق. . . . الخ.

أما النصوص فلا دلالة فيها على مراد المشركين من السؤال بالحق والجاه، وقد تقدم رد دلالة قوله:(بحق السائلين عليك) وأما الشبهات التي يتشبث بها أولئك المشركون فقد ناقشها علماء الدعوة وأوضحوا أنه لا دلالة فيها على دعاء الأموات والتوجه والتوسل بهم في الدعاء لضعف تلك الآثار أو لبعدها عن وجه الاستدلال ولمصادمتها للنصوص الواضحة الجلية التي تضمنها كتاب التوحيد وشروحه.

أما قول هذا الكاتب حتى ظهر ذلك الزنديق النجدي فحكم بكفر المتوسلين. . . الخ. فنقول: هل شققت عن قلبه حتى اطلعت على نفاقه وزندقته، أما تخشى أن يرجع إليك ذلك الإثم والظلم الكبير، فالشيخ رحمه الله هو الصالح المصلح الناصح للأمة المخلص لها، الودود الشفيق على عباد الله، حيث ألفى أهل زمانه قد غرقوا في الكفر والشرك وصرفوا حق الله من العبادة والتعظيم لغيره من المخلوقات، وأوقعهم الجهل بالشرك وحقيقته والجهل باسم الإله ومعنى العبادة وأنواع التعظيم في أن أشركوا بالله عن قصد أو عن غير قصد، فلما تبين لهم الحق رجعوا إليه وترحموا على ذلك الشيخ الذي هداهم الله على يديه، فأما من عرف وعاند فإنما حمله على ذلك إما الحسد والبغي والتكبر عن الاتباع للحق مع من هو دونه في نظره، وإما البخل بالجاه والمنصب والمصلحة الدنيوية خوف أن تنقطع عنه تلك المصالح متى تابع الحق واعترف به، وإلا فإن الأدلة التي أدلى بها الشيخ في كتاب التوحيد دلالتها أوضح من الشمس في رابعة النهار، ولكن أكثر الناس لا يعلمون. أما قوله: فحكم بكفر المتوسلين. فجوابه كما تقدم أنه لم يحكم بكفرهم

ص: 164

وإنما ذكر أنه بدعة ووسيلة إلى الشرك والوسائل لها أحكام المقاصد.

ثم قال: وغاب عن هذا المجرم بأن الأمة فيها آلاف من العلماء العالمين والأولياء الكاملين الذين اتقوا الله فعلمهم الله لا يساوي هذا الجهول تراب نعالهم.

وجوابه: إن وصفك له بالإجرام والجهالة من جملة ما أقذعت به من السب، وأنت تعلم أن سباب المسلم فسوق، فأنت أولى بوصف الإجرام وأنت الجهول حقا جهلا مركبا، ثم نقول أين أولئك العاملون والأولياء الكاملون لعلهم في زعم هذا الكاتب أمثال دحلان والنبهاني وبا بصيل ونحوهم ممن عميت بصائرهم عن نور الحق، وقد رد عليهم أئمة الدعوة ومن هو على مسلكهم وأوضحوا أخطاءهم وكذبهم وتهافتهم، ولكن هذا الكاتب ممن راجت عليه تلك الكتابات المشحونة بالكذب والبهتان، وعظم أولئك الأغبياء أو المعاندين وانخدع بما سطروه أو تفوهوا به عن هذا الإمام من أنه مجرم وجاهل وزنديق وظالم، وأنه يكفر المسلمين ويقتل الأبرياء ويبغض الرسول ويكفر من توسل به. . . الخ. ولو رجع إلى مؤلفات الشيخ رحمه الله وكتابات تلاميذه وأتباعه لوجد فيها الحق والصواب، وعرف أنه ما ابتدع شيئا من قبل نفسه، وإنما نبه أهل زمانه على ما أخطئوا فيه من مسمى العبادة والإلهية والتوحيد، فالذين وافقوه وشهدوا بصحة ما جاء به وموافقته للصواب هم أكثر وأفقه وأعلم من أولئك المخالفين المعاندين، أفلا تتذكرون.

ص: 165

ثم قال الكاتب: الوهابية هم شر البرية، نظروا إلى حضرة الرسول نظرة احتقار كنظرة إبليس لآدم عليه السلام، حيث إنهم جردوه من كل مزاياه التي خصه الله بها من محبة ومنزلة وكرامة ووجاهة، وقالوا إن المتوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم كالمستشفع بالصنم سواء بسواء لا فرق عندهم بين سيد البشر والحجر. . . الخ.

جوابه أن نقول: سبحانك هذا بهتان عظيم فأئمة الدعوة السلفية هم أولى الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم ينظرون إليه نظرة إكبار واحترام، فلا يصح عندهم الإيمان إلا بالشهادة بالرسالة والنبوة، ويرون بطلان الصلاة بدون هذه الشهادة،

ص: 165

ويعلنونها في الأذان وفي الخطب وفي الجمع والأعياد وفي مؤلفاتهم، ويرون أن محبته على النفس والأهل والمال والولد والناس أجمعين، وأن من آثار محبته حب سنته واتباعه والتأسي به، وأنه الواسطة بين الأمة وبين الله، فإنه الذي دعا إلى توحيد الله وعبادته وهدى الله الأمة على يديه، وأوجب الله على الأمة طاعته وقرنها بطاعة الله في أكثر من أربعين موضعا وأمرنا باتباعه، وعلق عليه الاهتداء ومحبة الله ومغفرته، فهو أمينة على وحيه وخيرته من خلقه وسفيره بينه وبين عباده، أمر الله الأمة أن يتقبلوا كل ما بلغه عن ربهم ويقنعوا بحكمه ويرضوا ويسلموا له تسليما، وأمرهم باحترامه في حياته بقوله:{لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} (1) ومدح الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله، ونهاهم عن دعائه باسمه العلم بقوله:{لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} (2) وأمر بتوقيره بقوله: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} (3) فأئمة الدعوة الذين سماهم هذا الكاتب وهابية يعترفون للرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الحقوق وهذه الأوصاف ونحوها، ولكنهم لا يعطونه شيئا من حق الله، كالدعاء والخوف والرجاء والتوكل والاستعانة والإنابة والتعظيم، والركوع والسجود ونحوها، فكلها حقوق لله تعالى لا يصلح صرفها لغيره لا لملك مقرب ولا نبي مرسل، وأحب أن أنقل هنا أبياتا في تفصيل حق الله وحق رسوله صلى الله عليه وسلم من نونية ابن القيم، قال رحمه الله تعالى:

لله حق لا يكون لغيره

ولعبده حق هما حقان

لا تجعلوا الحقين حقا واحدا

من غير تمييز ولا فرقان

فالحج للرحمن دون رسوله

وكذا الصلاة وذبح ذي القربان

وكذا السجود ونذرنا ويميننا

وكذا عتاب العبد من عصيان

وكذا التوكل والإنابة والتقى

وكذا الرجاء وخشية الرحمن

(1) سورة الحجرات الآية 2

(2)

سورة النور الآية 63

(3)

سورة الفتح الآية 9

ص: 166

وكذا العبادة واستعانتنا به

إياك نعبد ذاك توحيدان

وكذلك التسبيح والتكبير والت

هليل حق إلهنا الديان

لكنما التعزير والتوقير حق

للرسول بمقتضى القرآن

والحب والإيمان والتصديق لا

يختص بل حقان مشتركان

هذي تفاصيل الحقوق ثلاثة

لا تجهلوها يا أولي العدوان

حق الإله عبادة بالأمر لا

بهوى النفوس فذاك للشيطان

ورسوله فهو المطاع وقوله ال

مقبول إذ هو صاحب البرهان

وهو المقدم في محبتنا على ال

أهلين والأزواج والولدان

وانظر شرح هذه الأبيات في شرح قصيدة الإمام ابن القيم 2/ 348 للشيخ أحمد بن عيسى رحمه الله فأئمة الدعوة الذين اقتدوا بالسلف الصالح والأئمة يحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل قلوبهم ويعتقدون أن له عند الله الكرامة والرفعة والمنزلة العالية والوجاهة والقرب من الله، ولكن مع هذه الخصائص لا يصح أن يصرف له شيء من حق الله تعالى، ولا يتوسل بذاته ولا بذات غيره من الخلق وإنما يتوسل بمحبته واتباعه وتصديقه.

ولقد كذب هذا الكاتب في أنهم جعلوا المتوسل به كالمتوسل بالصنم، وأنه لا فرق عندهم بين سيد البشر والحجر. نعوذ بالله من البهت والزور والفجور، وهكذا زعمه أنهم نظروا إليه نظرة احتقار كنظرة إبليس لآدم، فكيف احتقروه وهم يشهدون له بالرسالة ووجوب الطاعة ويرون أن الطرق مسدودة إلا من طريقه، وأن من قدم حكم غيره على حكمه فقد ضل سواء السبيل، فأين الاحتقار الذي زعمه هذا الكاتب؟ فليس من لازم محبته ووجاهته دعاؤه مع الله أو الاستغاثة به دون الله، فالله تعالى يقول:{فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (1) والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله (2)» رواه أحمد والترمذي عن ابن عباس (3) فهذا الكاتب وأمثاله عندهم أن من تمام محبته واعتقاد وجاهته أن يعظم

(1) سورة الجن الآية 18

(2)

سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (2516)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 308).

(3)

كما في المسند 1/ 293.

ص: 167

كتعظيم الله، فيحلف به دون الله مع قوله صلى الله عليه وسلم:«من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك (1)» أو يصرف له شيء من حق الله، أو يعتقد في ذاته الشريفة أنه يملك الضر والنفع، أو يعلم الغيب أو نحو ذلك، فليس هذا من لوازم الإيمان برسالته، ولا من علامات محبته، وإنما هو من الغلو الذي نهى عنه بقوله صلى الله عليه وسلم «وإياكم والغلو في الدين (2)» وبقوله «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله (3)» .

(1) رواه أحمد 1/ 47 وغيره عن عمر رضي الله عنه.

(2)

رواه أحمد 1/ 5215 وغيره عن عباس رضي الله عنه.

(3)

رواه البخاري برقم 3445 عن عمر رضي الله عنه.

ص: 168

ثم قال الكاتب: وليس لديهم أي دليل يدل على صدق دعواهم، غير أنهم لما أنزلوه هذه المنزلة الحقيرة، تشبهوا باليهود في تحريف كلام الله، كل آية أنزلها الله في حق عباد الأصنام والمشركين طبقوها على المسلمين الموحدين، وأنكروا كل حديث صحيح وافقت عليه الحفاظ، وأجمعت على صحته الأمة، وهذا الموقف المعاند احتقار لشأن الرسول. . الخ.

جوابه: أن نقول إن هذا الكاتب وأضرابه لا يفهمون دلالة الآيات والأحاديث لما تكبروا عن الحق وقبوله وأشربوا الكفر ومحبة الشرك عقوبة عاجلة قال الله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} (1) فلو كانوا يفقهون ويعقلون لكفاهم بعض تلك الأدلة المتقدم بعضها {وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} (2) والأدلة على ما دعا إليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أكثر من أن تحصر كقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا} (3){قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا} (4) وقوله تعالى:

(1) سورة الأعراف الآية 146

(2)

سورة يونس الآية 101

(3)

سورة الجن الآية 20

(4)

سورة الجن الآية 21

ص: 168

{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (1) وقوله: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} (2) الآية وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (3){إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} (4) وقوله: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} (5){وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلَاّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} (6) ونحو ذلك كثير فهل يقال: إن هذه الآيات بطل معناها وأنها مقصورة على مشركي العرب قبل الإسلام وهل يقال: إن الأنبياء والأولياء يستجيبون لمن دعاهم ويملكون التصرف في الكون، والضر والنفع والعطاء والمنع، ويعلمون الغيب ويشفعون بدون إذن الله ويملكون الشفاعة مع قوله تعالى:{قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} (7) هذا والأدلة على وجوب التوحيد والإخلاص والنهي عن الشرك ووسائله كثيرة كما في كتاب التوحيد، وشرحه فتح المجيد، وسائر مؤلفات أهل العلم والإخلاص، ودلالتها واضحة ولم يقل أحد من الشراح ولا الرواة أنها خاصة بعباد الأصنام في الجاهلية قبل هذا الكاتب وأضرابه.

فأما قوله وأنكروا كل حديث صحيح. . الخ. جوابه أن الأحاديث المزعومة هي أمثال الحديث الموضوع السابق بلفظ: «إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي» الخ.

وقد عرفت أنه كذب لا أصل له وتقدم حديث: «اللهم أسألك بحق السائلين عليك (8)» وعرفت أن السائلين هم الذين يدعون الله وحقهم عليه أن يجيبهم وهو حق تفضل وتكرم، فنحن نقول لهذا الكاتب: أين تلك الأحاديث التي وافقت عليها الحفاظ، وأجمعت على صحتها الأمة هل هناك حديث في الصحيحين أو في أحدهما

(1) سورة الجن الآية 18

(2)

سورة الأحقاف الآية 5

(3)

سورة فاطر الآية 13

(4)

سورة فاطر الآية 14

(5)

سورة سبأ الآية 22

(6)

سورة سبأ الآية 23

(7)

سورة الزمر الآية 44

(8)

سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (778)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 21).

ص: 169