الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منهي، مأمور بما ينفعه ويصلح شأنه ويسعده في الحياة وفى الآخرة، ومنهي عن كل ما يضر به في دينه أو دنياه على السواء، وكل ذلك من خالقه ومربيه الرحيم بخلقه اللطيف بعباده العالم بما يصلح حياتهم وآخرتهم.
وما رسالات الأنبياء في مختلف العصور إلا مظهر من مظاهر الرحمة الربانية بالخلق والعناية بالعباد، فكلما انحرفت البشرية في مسيرتها عن جادة الحق ومنهج الصواب وشارفت على الهلاك بعث الله لها نبيا من أنبيائه ليردهم به إليه ويهديهم إلى الصراط المستقيم.
رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وشريعته الجامعة
وقد ختمت رسالات الأنبياء عليهم السلام برسالة محمد صلى الله عليه وسلم التي أنزلها الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وحيا يتلى على الناس، وبيانا يذاع في الخلق، ومنهجا في الحياة يمدها بكل ما تحتاج إليه في نواحي الحياة المختلفة، لتقوم حياتها على الاستقامة، ومسيرتها على الرشد، وعقيدتها على الحق، وتنظم علاقة الفرد بربه في عقيدته وعبادته وعلاقته بأفراد أسرته وحدود واجباته وحقوقه على إخوانه وعلاقته بالآخرين أفرادا وجماعات، وقد جاءت أحكام هذا الدين وقواعده عامة شاملة لكل مناحي الحياة، ومنظمة لكل العلاقات بأسلوب عظيم وبلاغة عجيبة وتنظيم محكم ورسالة باقية، تمد الحياة بكل ما تحتاجه في كل عصر ومصر، متخطية حدود الزمان والمكان والأجيال، فهي دين الله الخالد ورسالته الباقية، التي نسخ الله بها جميع الأديان وختم بها كل الرسالات والنبوات، فلا دين بعد هذا الدين، ولا نبي بعد نبي هذه الأمة، وهي من صنع الله واختياره لخلقه، وهو العالم بحالهم ومستقبل حياتهم ومآلهم وهو الرءوف الرحيم بهم، وقد واجهت هذه الرسالة الإلهية في أول أمرها من بعض العرب إعراضا وجفوة ومعارضة وشدة، ولكنها لم تلبث طويلا حتى أظهرها الله في العرب ونصر الله بها رسوله وأعز بها جنده، ورفع الله بها شأن العرب، وأنقذ بها كل أجناس البشر واستفاء الناس ظلها،
وسعدوا بالحياة الحرة الكريمة في كنفها، فجعل الله لهم بها عز الدنيا وسعادة الآخرة، فقامت عليها دولة فريدة في التاريخ، وأمة عزيزة الجانب رحيمة في التعامل رشيدة في المنهج، تستضيء بنور الله وتسير على هديه وتطلب مرضاته، فأعطاها الله عز الدنيا وسعادة الآخرة وذكرا حسنا في الآخرين، وامتدت حدود هذه الدولة الراشدة حتى شملت ثلاثة أرباع المعمورة، وتفيأ الناس ظلالها أمنا ورخاء وسعادة ورفاهية ونظافة في الظاهر والباطن.
ولم تقصر هذه الشريعة في إقامة الحياة في كل جانب من جوانبها ومرفق من مرافق هذه الدولة الممتدة على معظم أجزاء الأرض على العدل والاستقامة والتراحم وتنظيمها لشئون هذا المجتمع الممتد على مقتضى أصول هذه الشريعة وقواعدها، وتحديد حقوق الأفراد وواجباتهم فيها، ولم تضق نصوص هذه الشريعة عن الوفاء بمتطلبات هذا المجتمع الكبير الذي تكون من أجناس متعددة وكان على ثقافات مختلفة في أي شأن من شئون الحياة، بل إن هذه الشرعة قد نظمت كل جوانب الحياة بما يحقق الرخاء والعدل والسعادة لكل فرد في المجتمع، ونظمت العلاقات بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ، وكانت أوربا وغيرها يعيشون في ظلال دامس وجهل مطبق وتخلف مريع.
ثم إن هذه الدول الإسلامية قامت ما شاء الله لها أن تقوم، وأمن الناس في ظلها وسعدوا بالحياة فيها، حتى دب الوهن إلى القائمين عليها شيئا فشيئا، وبدأ التفلت من أحكام هذا الدين والخروج على نصوصه خطوة خطوة، حتى وصل الأمر إلى غربة هذا الدين بين أهله، وتقلص ظل خلافته وهجران منهجه، وتم عزله عن الحياة في معظم ديار الإسلام إلا في مجالات محددة في نطاق الأحوال الشخصية وروابط الأسرة وبعض المعاملات، ولكن الأمة الإسلامية في مختلف أطوار حياتها ظلت تحن إلى هذا الدين وتتطلع إلى عودته إلى قيادة الحياة وإعادة تنظيم الحياة، في ظل نظامه وفق نصوصه واستعادة مكانتها الريادية في العلم، ولكن الطريق طويل والعقبات كثيرة والمثبطات متعددة، ولن يخلى بين هذه الأمة ودينها إلا بعد جهاد صادق وتضحيات كبيرة وعمل دائب مخلص، لكن على الرغم من هذا كله فإن المستقبل