المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المقام الثاني موافقة القرآن للحديث] - مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

[ابن الموصلي]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌[فصل فِي بَيَانِ حَقِيقَةِ التَّأْوِيلِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا]

- ‌[فصل تَنَازَعَ النَّاسُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ وَلَمْ يَتَنَازَعُوا فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ]

- ‌[فصل تَعْجِيزِ الْمُتَأَوِّلِينَ عَنْ تَحْقِيقِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يَسُوغُ تَأْوِيلُهُ مِنْ آيَاتِ الصِّفَاتِ وما لا يسوغ]

- ‌[فصل إِلْزَامِهِمْ فِي الْمَعْنَى الَّذِي جَعَلُوهُ تَأَوُّلًا نَظِيرَ مَا فَرُّوا مِنْهُ]

- ‌[فَصْلٌ شبهات الجهمي في الوجه والعين والجنب والساق والجواب عليها]

- ‌[فصل فِي الْوَظَائِفِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْمُتَأَوِّلِ]

- ‌[فصل بَيَانِ أَنَّ التَّأْوِيلَ شَرٌّ مِنَ التَّعْطِيلِ]

- ‌[فصل قَصْدَ الْمُتَكَلِّمِ مِنَ الْمُخَاطَبِ حَمْلَ كَلَامِهِ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ وَحَقِيقَتِهِ يُنَافِي قَصْدَ الْبَيَانِ]

- ‌[فصل فِي بَيَانِهِ أَنَّهُ مَعَ كَمَالِ عِلْمِ الْمُتَكَلِّمِ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ أَنْ يُرِيدَ بِكَلَامِهِ خِلَافَ ظَاهِرِهِ وَحَقِيقَتِهِ]

- ‌[فصل بَيَانِ أَنَّ تَيَسُّرَ الْقُرْآنِ لِلذِّكْرِ يُنَافِي حَمْلَهُ عَلَى التَّأْوِيلِ الْمُخَالَفَاتِ لِحَقِيقَتِهِ وَظَاهِرِهِ]

- ‌[فَصْلُ اشْتِمَالُ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ عَلَى الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ أَكْثَرَ مِنَ اشْتِمَالِهَا عَلَى مَا عَدَاهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يَقْبَلُ التَّأَوُّلَ مِنَ الْكَلَامِ وَمَا لَا يَقْبَلُهُ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَأْتِي الْمُعَطِّلُ لِلتَّوْحِيدِ الْعِلْمِيِّ بِتَأْوِيلٍ إِلَّا أَمْكَنَ الْمُعَطِّلُ لِلتَّوْحِيدِ الْعَمَلِيِّ أَنْ يَأْتِيَ بِتَأْوِيلٍ مِنْ جِنْسِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْقِسَامِ النَّاسِ فِي نُصُوصِ الْوَحْيِ]

- ‌[فَصْلٌ أَسْبَابٌ قَبُولُ التَّأْوِيلِ]

- ‌[فَصْلٌ أَهْلَ التَّأْوِيلِ لَا يُمْكِنُهُمْ إِقَامَةَ الدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ عَلَى مُبْطِلٍ أَبَدًا وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الآفَاتِ]

- ‌[حُجَجُهُ سُبْحَانَهُ الْعَقْلِيَّةُ والسمعية على توحيده وأسمائه وصفاته]

- ‌[موافقة صريح العقل لصحيح النقل]

- ‌[كَسْرُ الطَّاغُوتِ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُمْ إِذَا تَعَارَضَ الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ وَجَبَ تَقْدِيمُ الْعَقْلِ]

- ‌[تَقْدِيمَ الْعَقْلِ عَلَى الشَّرْعِ يَتَضَمَّنُ الْقَدْحَ فِي الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ]

- ‌[إتمام الله لدينه لا يحوجنا إلى العقل]

- ‌[اتفاق العقل والنقل]

- ‌[معارضة العقل للشرع من عادة الكفار]

- ‌[الاحتجاج بشهادة العقل وحده باطلة]

- ‌[غاية ما ينتهي إليه من عارض الشرع بالعقل]

- ‌[كذب من زعم أن السلف لا يدرون معاني ألفاظ الصفات]

- ‌[أنواع التوحيد الصحيحة والباطلة]

- ‌[تسمية أهل الزيغ توحيد الرسل شركا وتجسيما]

- ‌[لفظ الجسم لم ينطق به الوحي إثباتا لا نفيا]

- ‌[الجهة والفوقية والعلو نفيها عنه سبحانه تعطيل]

- ‌[فصل إنكار القدرية خلق أفعال العباد وتسميتهم بذلك بالعدل]

- ‌[العقل يصدق ما جاء الوحي أشد مما يصدق كثير من المحسوسات]

- ‌[أصول المعارضين للشرع بالعقل تنفي وجود الصانع لا صفاته فحسب]

- ‌[فصل مذهب أهل الكلام في الصفات]

- ‌[معارضة الوحي بالعقل]

- ‌[الفطرة والمعقول يثبتان صفات الله]

- ‌[أحسن ما قيل في المثل الأعلى]

- ‌[الصحابة كانوا يستشكلون بعض النصوص ببعضها لا بمعقولات]

- ‌[إنكار الصحابة على من عارض النصوص بآراء الرجال]

- ‌[الجهمية أول من عارض الوحي بالرأي]

- ‌[قيام ابن تيمية بالحجة واليد على غزو أهل الضلال]

- ‌[إثبات الصفات لا يلزم منه التشبيه]

- ‌[إفحام من ينكر الصفات]

- ‌[توحيد الجهمية والفلاسفة مناقض لتوحيد الرسل]

- ‌[أقوى الطرق وأدلها على الصانع]

- ‌[الأصل الذي قاد إلى القول بالتعطيل]

- ‌[فصل اتفاق الحكماء مع السلف على علو الله]

- ‌[فصل مناقشة من يمنعون الإشارة الحسية إليه تعالى]

- ‌[مناقشة نفاة الصفات وإفحامهم]

- ‌[فصل الْجَهْمِيَّةُ الْمُعَطِّلَةُ مُعْتَرِفُونَ بِوَصْفَهِ تَعَالَى بِعُلُوِّ الْقَهْرِ وَعُلُوِّ الْقَدْرِ]

- ‌[فصل رؤية الرب إمكانها بالعقل وإثباتها بالشرع]

- ‌[نفي الشبيه ليس في نفسه مدح]

- ‌[فَصْلٌ حُجَّةِ الْجَهْمِيِّ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَرْضَى وَلَا يَغْضَبُ وَلَا يُحِبُّ وَلَا يَسْخَطُ وَالْجَوَابُ عَنْهَا]

- ‌[إدراك حكمة الله في خلقه]

- ‌[معنى قضاء الله في عباده وتنزيهه عن الظلم]

- ‌[فصل استدلال الجبرية بقوله تعالى لا يسأَل عما يفعل]

- ‌[فصل ذوو الأرواح الذين يلحقهم اللذة والآلام أربعة أَصناف]

- ‌[فصل العدل الإلهي في الثواب والعقاب]

- ‌[فصل حكمة الله تعالى في خلق الضدين]

- ‌[فصل العبودية إنما تظهر عند الامتحان بالشهوات]

- ‌[حكمة الله تعالى في خلق إبليس]

- ‌[رحمة الله سبقت غضبة]

- ‌[فصل من عدله سبحانه أنه لا يزيد أحدا في العذاب على القدر الذي يستحقه]

- ‌[فصل في كسر الطاغوت الثالث الذي وضعته الجهمية لتعطيل حقائق الأسماء والصفات]

- ‌[فصل القول بالمجاز قول مبتدع]

- ‌[تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز تقسيم فاسد]

- ‌[تفريقهم بين الحقيقة والمجاز لاضطراد وفساده]

- ‌[أن العرب لم تضع جناح الذل لمعنى ثم نقلته من موضعه إلى غيره]

- ‌[الألفاظ التي تستعمل في حق الخالق والمخلوق لها ثلاث اعتبارت]

- ‌[أن الله تعالى هو الذي علمهم البيان بألفاظهم عما في أنفسهم]

- ‌[اللغة كلها حقيقة أو كلها مجاز]

- ‌[أنواع القرائن]

- ‌[تقسيم معاني الكلام إلى خبر وطلب واستفهام]

- ‌[نقل كلام ابن جني في المجاز والرد عليه]

- ‌[فصل ذكر ما ادعوا فيه المجاز من القرآن]

- ‌[المثال الأول قوله وجاء ربك والملك صفا صفا]

- ‌[المثال الثاني اسم الرحمن ورحمة الله]

- ‌[المثال الثالث استواء الله على عرشه]

- ‌[المثال الرابع إثبات اليدين حقيقة لله تعالى]

- ‌[المثال الخامس إثبات الوجه لله تعالى حقيقة]

- ‌[المثال السادس اسم الله النور وقوله تعالى الله نور السماوات والأرض]

- ‌[المثال السابع إثبات فوقية الله تعالى على الحقيقة]

- ‌[المثال الثامن إثبات نزوله حقيقة]

- ‌[حديث الجمعة وهو شجي في حلوق المعطلة]

- ‌[حديث لقيط بن عامر الجهني وفيه فوائد]

- ‌[النزول إلى الأرض يوم القيامة تواترت به الأحاديث وجاء به القرآن]

- ‌[فصل اختلاف أهل السنة في نزول الرب تبارك وتعالى على ثلاثة أقوال]

- ‌[فصل ثبوت الانتقال والحركة لله تعالى]

- ‌[المثال التاسع معية الله تعالى وقربه من عباده]

- ‌[المثال العاشر نداء الله ومناجاته وكلامه بحرف وصوت]

- ‌[فصل مذاهب الناس في كلام الله]

- ‌[مذهب الاتحادية]

- ‌[مذهب الفلاسفة المتأخرين]

- ‌[مذهب المعتزلة]

- ‌[مذهب الكلابية]

- ‌[مذهب الأشعري]

- ‌[مذهب الكرامية]

- ‌[مذهب السالمية]

- ‌[فصل مذهب أتباع الرسل]

- ‌[مسألة تكلم العباد بالقرآن]

- ‌[فصل جواب السؤال هل حروف المعجم قديمة أو مخلوقة]

- ‌[فصل كون الكلام في محاله]

- ‌[فصل سماع كلام الله مباشرة وبواسكة]

- ‌[فصل وجود القرآن في المصحف]

- ‌[فصل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك]

- ‌[فصل منشأ النزاع هل كلام الرب بمشيئتة أم لا]

- ‌[فصل هل يمكن وجود حرف نطقي بلا صوت]

- ‌[فصل الاحتجاج بالأحاديث النبوية على إثبات صفات الله المقدسة العلية]

- ‌[المقام الأول بيان إفادة النصوص الدلالة القاطعة على مراد المتكلم]

- ‌[المقام الثاني موافقة القرآن للحديث]

- ‌[فصل كلام الشافعي في الاحتجاج بالسنة]

- ‌[فصل المقام الرابع إفادتها للعلم واليقين]

- ‌[فصل التفصيل في خبر الواحد وأنه ليس سواء]

- ‌[كلام الإمام ابن حزم في أن خبر الواحد يفيد العلم قطعا]

- ‌[فصل استدلال ابن القيم على أن خبر الواحد يفيد العلم قطعا]

- ‌[فصل الاستدلال بأحاديث الآحاد في العلم كالعمل]

- ‌[فصل المقام الخامس هذه الأخبار لو لم تفد اليقين فإن الظن الغالب حاصل منها]

- ‌[فصل المقام السابع اختلاف درجة الدليل بحسب درجة فهم المستدل]

- ‌[فصل المقام الثامن انعقاد الإجماع على قبول أحاديث الآحاد]

- ‌[فصل ليس في السنة ما يخالف القرآن]

- ‌[فصل المقام التاسع والعاشر أن قولهم خبر الواحد لا يفيد العلم قضية كاذبة]

الفصل: ‌[المقام الثاني موافقة القرآن للحديث]

الثَّامِنُ: بَيَانُ الْإِجْمَاعِ الْمَعْلُومِ عَلَى قَبُولِهَا وَإِثْبَاتِ الصِّفَاتِ بِهَا.

التَّاسِعُ: بَيَانُ أَنَّ قَوْلَهُمْ خَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ، قَضِيَّةٌ كَاذِبَةٌ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ إِنْ أُخِذَتْ عَامَّةً كُلِّيَّةً، وَإِنْ أُخِذَتْ خَاصَّةً جُزْئِيَّةً لَمْ تَقْدَحْ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِجُمْلَةِ أَخْبَارِ الْآحَادِ عَلَى الصِّفَاتِ.

الْعَاشِرُ: جَوَازُ الشَّهَادَةِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأَخْبَارُ، وَالشَّهَادَةِ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَخْبَرَ بِهَا عَنِ اللَّهِ.

أَمَّا الْمَقَامُ الْأَوَّلُ فَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ.

[المقام الثاني موافقة القرآن للحديث]

وَأَمَّا الْمَقَامُ الثَّانِي، فَنَقُولُ هَذِهِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ فِي هَذَا الْبَابِ يُوَافِقُهَا الْقُرْآنُ، وَيَدُلُّ عَلَى مِثْلِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ، فَهِيَ مَعَ الْقُرْآنِ بِمَنْزِلَةِ الْآيَةِ مَعَ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ مَعَ الْحَدِيثِ الْمُتَّفِقَيْنِ، وَهُمَا كَمَا قَالَ النَّجَاشِيُّ فِي الْقُرْآنِ: إِنَّ هَذَا وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُطَابَقَةَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ لِلْقُرْآنِ وَمُوَافَقَتَهَا لَهُ أَعْظَمُ مِنْ مُطَابَقَةِ التَّوْرَاةِ لِلْقُرْآنِ.

فَلَمَّا كَانَتِ الشَّهَادَةُ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَخْبَارَ وَالْقُرْآنَ يَخْرُجَانِ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ فَنَحْنُ نُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَهَادَةً عَلَى الْقَطْعِ وَالْبَتِّ، إِذْ شَهِدَ خُصُومُنَا شَهَادَةَ الزُّورِ أَنَّهَا تُخَالِفُ الْعَقْلَ وَمَا يَضُرُّهَا أَنْ تُخَالِفَ تِلْكَ الْعُقُولَ الْمَنْكُوسَةَ إِذَا وَافَقَتِ الْكِتَابَ وَفِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ عِبَادَهُ عَلَيْهَا وَالْعُقُولَ الْمُؤَيَّدَةَ بِنُورِ الْوَحْيِ وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ بِمُوَافَقَةِ الْقُرْآنِ لِمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى.

فَإِذَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ أَنَّ لِلَّهِ عِلْمًا وَقُدْرَةً، فَذَكَرْنَا قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ " وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ» " كَانَ هَذَانِ الْخَبَرَانِ مَعَ الْقُرْآنِ بِمَنْزِلَةِ الْآيَةِ مَعَ الْآيَةِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ " «أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي» " وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ " «إِنَّ رَبِّي غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ» "

ص: 531

وَأَحَادِيثُ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ كَذَا وَيَكْرَهُ كَذَا» ، وَأَحَادِيثُ «إِنَّ اللَّهَ يَعْجَبُ مِنْ كَذَا» ، وَأَحَادِيثُ ذِكْرِ الْمَشِيئَةِ، وَأَحَادِيثُ الْكَلَامِ وَالتَّكْلِيمِ، وَأَحَادِيثُ الرُّؤْيَةِ وَالتَّجَلِّي وَأَحَادِيثُ الْوَجْهِ وَأَحَادِيثُ الْيَدَيْنِ وَأَحَادِيثُ الْمَجِيءِ وَالنُّزُولِ وَالْإِتْيَانِ، وَأَحَادِيثُ عُلُوِّ الرَّبِّ عَلَى عَرْشِهِ وَاسْتِوَائِهِ عَلَيْهِ وَفَوْقِيَّتِهِ، وَحَدِيثُ نِدَائِهِ بِالصَّوْتِ وَقُرْبِهِ مِنْ دَاعِيهِ وَعَابِدِيهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَحَادِيثِ الْمُوَافَقَةِ لِلْقُرْآنِ، كَانَ قَوْلُ الْمُبْطِلِ: هَذِهِ الْآحَادُ لَا تُفِيدُ الْعِلْمَ، بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ مَنْ قَالَ فِي قَصَصِ الْقُرْآنِ إِنَّهَا لَا تُفِيدُ الْعِلْمَ.

وَهَكَذَا قَالَ الْمُبْطِلُونَ سَوَاءً وَإِنِ اخْتَلَفَتْ جِهَةُ إِبْطَالِ الْعِلْمِ عِنْدَهُمْ مِنْ نُصُوصِ الْوَحْيِ، فَنُصُوصُ الْقُرْآنِ عِنْدَهُمْ لَا تُفِيدُ عِلْمًا مِنْ جِهَةِ الدَّلَالَةِ، وَهَذِهِ لَا تُفِيدُ عِلْمًا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَمِنْ جِهَةِ السَّنَدِ، وَهَذَا إِبْطَالٌ لِدِينِ الْإِسْلَامِ رَأْسًا، بَلْ ذِكْرُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِمَنْزِلَةِ ذِكْرِ أَخْبَارِ الْمَعَادِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ الَّتِي شَهِدَتْ بِمَا شَهِدَ بِهِ الْقُرْآنُ، وَبِمَنْزِلَةِ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي قَصَصِ الْأَوَّلِينَ وَأَخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُوَافِقَةِ لِمَا فِي الْقُرْآنِ.

وَمِنْ هَذَا أَخْبَارُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَرْوِيَّةِ فِي أَسْبَابِ نُزُولِ الْقُرْآنِ وَبَيَانِ الْمُرَادِ مِنْهُ، فَإِنَّهَا تَشْهَدُ بِاتِّفَاقِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ، فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تُقَرِّرُ نُصُوصَ الْقُرْآنِ وَتَكْشِفُ مَعَانِيهَا كَشْفًا مُفَصَّلًا، وَتُقَرِّبُ الْمُرَادَ وَتَدْفَعُ عَنْهُ الِاحْتِمَالَاتِ، وَتُفَسِّرُ الْمُجْمَلَ مِنْهُ وَتُبَيِّنُهُ وَتُوَضِّحُهُ لِتَقُومَ حُجَّةُ اللَّهِ بِهِ، وَيُعْلَمَ أَنَّ الرَّسُولَ بَيَّنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ، وَأَنَّهُ بَلَّغَ أَلْفَاظَهُ وَمَعَانِيهِ بَلَاغًا مُبِينًا حَصَلَ بِهِ الْعِلْمُ الْيَقِينِيُّ، بَلَاغًا أَقَامَ الْحُجَّةَ، وَقَطَعَ الْمَعْذِرَةَ وَأَوْجَبَ الْعِلْمَ، وَبَيَّنَهُ أَحْسَنَ الْبَيَانِ وَأَوْضَحَهُ.

وَلِهَذَا كَانَ أَئِمَّةُ السَّلَفِ وَأَتْبَاعُهُمْ يَذْكُرُونَ الْآيَاتِ فِي هَذَا الْبَابِ، ثُمَّ يُتْبِعُونَهَا بِالْأَحَادِيثِ الْمُوَافِقَةِ لَهَا، كَمَا فَعَلَ الْبُخَارِيُّ وَمَنْ قَبْلَهُ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ فِي السُّنَّةِ، فَإِنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ وَغَيْرَهُمَا يَحْتَجُّونَ عَلَى صِحَّةِ مَا تَضَمَّنَتْهُ أَحَادِيثُ النُّزُولِ وَالرُّؤْيَةِ وَالتَّكْلِيمِ وَالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالْإِتْيَانِ وَالْمَجِيءِ بِمَا فِي الْقُرْآنِ، وَيُثْبِتُونَ اتِّفَاقَ دَلَالَةِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ عَلَيْهَا، وَأَنَّهُمَا مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يُنْكِرُ ذَلِكَ مَنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ وَإِيمَانٍ، وَإِنَّمَا يَحْسُنُ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى مَعَانِي الْقُرْآنِ بِمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ عَنِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، ثُمَّ يُتْبِعُونَ ذَلِكَ بِمَا قَالَهُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ أَئِمَّةُ الْهُدَى. وَهَلْ يَخْفَى عَلَى ذِي عَقْلٍ سَلِيمٍ أَنَّ تَفْسِيرَ الْقُرْآنِ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ خَيْرٌ مِمَّا هُوَ مَأْخُوذٌ عَنْ أَئِمَّةِ الضَّلَالِ وَشُيُوخِ التَّجَهُّمِ وَالِاعْتِزَالِ كَالْمَرِيسِيِّ وَالْجُبَّائِيِّ وَالنَّظَّامِ وَالْعَلَّافِ وَأَضْرَابِهِمْ مِنْ أَهْلِ التَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ الَّذِينَ أَحْدَثُوا فِي الْإِسْلَامِ ضَلَالَاتٍ وَبِدَعًا، وَفَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا، وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ.

ص: 532

فَإِذَا لَمْ يَجُزْ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بِإِثْبَاتِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ، وَحُصُولُ الْعِلْمِ وَالْيَقِينِ بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّحِيحَةِ الثَّابِتَةِ، وَكَلَامِ الصَّحَابَةِ وَتَابِعِيهِمْ، أَفَيَجُوزُ أَنْ يُرْجَعَ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ إِلَى تَحْرِيفَاتِ جَهْمٍ وَشِيعَتِهِ، وَتَأْوِيلَاتِ الْعَلَّافِ وَالنَّظَّامِ وَالْجُبَّائِيِّ وَالْمَرِيسِيِّ. وَعَبْدِ الْجَبَّارِ وَأَتْبَاعِهِمْ مِنْ كُلِّ أَعْمَى أَعْجَمِيِّ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، بَعِيدٍ عَنِ السُّنَّةِ وَالْقُرْآنِ، مَغْمُورٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ؟ .

فَإِذَا كَانَتْ أَخْبَارُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا تُفِيدُ عِلْمًا فَجَمِيعُ مَا يَذْكُرُهُ هَؤُلَاءِ مِنَ اللُّغَةِ وَالشِّعْرِ الَّذِي يُحَرِّفُونَ بِهِ الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ أَوْلَى وَأَحْرَى أَنْ لَا يُفِيدَ عِلْمًا وَلَا ظَنًّا.

فَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْمَجَازَاتِ وَالِاسْتِعَارَاتِ وَالتَّأْوِيلَاتِ الَّتِي اسْتَفَادُوهَا مِنَ اللُّغَةِ وَالشِّعْرِ الَّذِي لَمْ يَنْقُلْهُ إِلَّا الْآحَادُ، دُونَ مَا يُسْتَفَادُ مِنْ نَقْلِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَعِلْمُنَا بِمُرَادِ هَذَا النَّاظِمِ وَالنَّاثِرِ مِنْ كَلَامِهِ، دُونَ عِلْمِنَا بِمُرَادِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالصَّحَابَةِ مِنْ كَلَامِهِمْ بِكَثِيرٍ، فَإِذَا كَانَ هَذَا دُونَ كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي النَّقْلِ وَالدَّلَالَةِ لَمْ يَكُنْ حَمْلُ مَعَانِي الْقُرْآنِ عَلَيْهِ بِأَوْلَى مِنْ حَمْلِهَا عَلَى مَعْنَى الْحَدِيثِ وَالْآثَارِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَنَا طَرِيقٌ إِلَى الْعِلْمِ بِمَعْنَاهُ إِلَّا جِهَةَ نَقْلِ الشِّعْرِ وَغَرَائِبِ اللُّغَةِ وَوَحْشِيِّهَا، وَأَفْهَامِ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعَطِّلَةِ، لَا مِنْ طَرِيقِ نَقْلِ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ تَعَطَّلَتْ دَلَالَةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَسَقَطَ الِاسْتِدْلَالُ بِهِمَا، وَحَصَلَتْ لَنَا الْحَوَالَةُ عَلَى أَفْرَاخِ الْمَجُوسِ وَوَرَثَةِ الصَّابِئِينَ وَتَلَامِذَةِ الْفَلَاسِفَةِ وَأَوْقَاحِ الْمُعْتَزِلَةِ.

ثُمَّ لَوْ ثَبَتَ بِنَقْلِ الْعَدْلِ عَنِ الْعَدْلِ أَنَّ الشَّاعِرَ وَالنَّاثِرَ أَرَادَا ذَلِكَ الْمَعْنَى بِهَذَا اللَّفْظِ لَمْ يَكُنْ إِثْبَاتُ اللُّغَةِ بِمُجَرَّدِ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ أَوْلَى مِنْ إِثْبَاتِهَا بِالِاسْتِعْمَالِ الْمَنْقُولِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ، وَلَا أَوْلَى مِنِ اسْتِعْمَالِ الْقُرْآنِ الْمُطَّرِدِ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي تِلْكَ النَّظَائِرِ وَعُمُومِ الْمَعْنَى لِمَوَارِدِ اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ اللَّفْظِ، وَلِهَذَا تُسَمَّى تِلْكَ الْأَلْفَاظُ " النَّظَائِرَ " وَفِيهَا صُنِّفَتْ كُتُبُ الْوُجُوهِ وَالنَّظَائِرِ، فَالْوُجُوهُ الْأَلْفَاظُ الْمُشْتَرَكَةُ وَالنَّظَائِرُ وَالْأَلْفَاظُ الْمُتَوَاطِئَةُ (الْأَوَّلُ) فِيمَا اتَّفَقَ لَفْظُهُ وَاخْتَلَفَ مَعْنَاهُ (وَالثَّانِي) فِيمَا اتَّفَقَ لَفْظُهُ وَمَعْنَاهُ.

فَحَمْلُ كَلَامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عَلَى مَا يُؤْخَذُ مِنَ النَّظَائِرِ فِي كَلَامِهِ وَكَلَامِ رَسُولِهِ وَكَلَامِ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَتَخَاطَبُونَ بِلُغَتِهِ، وَالتَّابِعِينَ الَّذِينَ أَخَذُوا عَنْهُمْ أَوْلَى مِنْ حَمْلِ مَعَانِيهِ عَلَى مَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الشُّعَرَاءِ وَالْأَعْرَابِ، فَالِاحْتِمَالُ يَتَطَرَّقُ إِلَى فَهْمِ كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالصَّحَابَةِ كَمَا يَتَطَرَّقُ إِلَى فَهْمِ كَلَامِ أُولَئِكَ فِي نَظْمِهِمْ وَنَثْرِهِمْ، فَمَا يُقَدَّرُ مِنِ احْتِمَالِ مَجَازٍ وَإِضْمَارٍ وَاشْتِرَاكٍ وَغَيْرِهِ، فَتَطَرُّقُهُ إِلَى كَلَامِهِمْ كَثُرَ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى طَرِيقِ النُّزُولِ وَإِلَّا فَالْأَمْرُ فَوْقَ ذَلِكَ، وَهَذَا يَتَبَيَّنُ بِطَرِيقَيْنِ:

ص: 533

أَحَدُهُمَا: بَيَانُ اسْتِقَامَةِ هَذِهِ الطَّرِيقِ.

الثَّانِي: بَيَانُ أَنَّهُ لَا طَرِيقَ يَقُومُ مَقَامَهَا.

فَأَمَّا الْمَقَامُ الْأَوَّلُ فَبَيَانُهُ مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَيَّنَ لِأَصْحَابِهِ الْقُرْآنَ لَفْظَهُ وَمَعْنَاهُ، فَبَلَّغَهُمْ مَعَانِيهِ كَمَا بَلَّغَهُمْ أَلْفَاظَهُ، وَلَا يَحْصُلُ الْبَيَانُ وَالْبَلَاغُ الْمَقْصُودُ إِلَّا بِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى:{لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] وَقَالَ: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 138] وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4] وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [الدخان: 58] وَقَالَ تَعَالَى: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} [فصلت: 3] أَيْ بُيِّنَتْ وَأُزِيلَ عَنْهَا الْإِجْمَالُ، فَلَوْ كَانَتْ آيَاتُهُ مُجْمَلَةً لَمْ تَكُنْ قَدْ فُصِّلَتْ، وَقَالَ تَعَالَى:{وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [النور: 54] وَهَذَا يَتَضَمَّنُ بَلَاغُ الْمَعْنَى وَأَنَّهُ فِي أَعْلَى دَرَجَاتِ الْبَيَانِ.

فَمَنْ قَالَ إِنَّهُ لَمْ يُبَلِّغِ الْأُمَّةَ مَعَانِيَ كَلَامِهِ وَكَلَامِ رَبِّهِ بَلَاغًا مُبِينًا، بَلْ بَلَّغَهُمْ أَلْفَاظَهُ، وَأَحَالَهُمْ فِي فَهْمِ مَعَانِيهِ عَلَى مَا يَذْكُرُوهُ هَؤُلَاءِ، لَمْ يَكُنْ قَدْ شَهِدَ لَهُ بِالْبَلَاغِ، وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ حَتَّى أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُصَرِّحُ بِهِ وَيَقُولُ: إِنَّ الْمَصْلَحَةَ كَانَتْ فِي كِتْمَانِ مَعَانِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ، وَعَدَمِ تَبْلِيغِهَا لِلْأُمَّةِ، إِمَّا لِمَصْلَحَةِ الْجُمْهُورِ، وَلِكَوْنِهِمْ لَا يَفْهَمُونَ الْمَعَانِيَ إِلَّا فِي قَوَالِبِ الْحِسِّيَاتِ وَضَرْبِ الْأَمْثَالِ، وَإِمَّا لِيَنَالَ الْكَادِحُونَ ثَوَابَ كَدْحِهِمْ فِي اسْتِنْبَاطِ مَعَانِيهَا وَاسْتِخْرَاجِ تَأْوِيلَاتِهَا مِنْ وَحْشِيِّ اللُّغَاتِ وَغَرَائِبِ الْأَشْعَارِ، وَيَغُوصُونَ بِأَفْكَارِهِمُ الدَّقِيقَةِ عَلَى صَرْفِهَا عَنْ حَقَائِقِهَا مَا أَمْكَنَهُمْ.

وَأَمَّا أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ فَيَشْهَدُونَ لَهُ بِمَا يَشْهَدُ اللَّهُ بِهِ وَشَهِدَتْ بِهِ مَلَائِكَتُهُ وَخِيَارُ الْقُرُونِ أَنَّهُ بَلَّغَ الْبَلَاغَ الْمُبِينَ الْقَاطِعَ لِلْعُذْرِ الْمُقِيمَ لِلْحُجَّةِ، الْمُوجِبَ لِلْعِلْمِ وَالْيَقِينِ لَفْظًا وَمَعْنًى وَالْجَزْمُ بِتَبْلِيغِهِ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ كَالْجَزْمِ بِتَبْلِيغِهِ الْأَلْفَاظَ، بَلْ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ إِنَّمَا يَحْفَظُهَا خَوَاصُّ أُمَّتِهِ، وَأَمَّا الْمَعَانِي الَّتِي بَلَّغَهَا فَإِنَّهُ يَشْتَرِكُ فِي الْعِلْمِ بِهَا الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ.

وَلَمَّا كَانَ بِالْمَجْمَعِ الْأَعْظَمِ الَّذِي لَمْ يُجْمَعْ لِأَحَدٍ مِثْلُهُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ، فِي الْيَوْمِ الْأَعْظَمِ فِي الْمَكَانِ الْأَعْظَمِ، قَالَ لَهُمْ: «أَنْتُمْ مَسْئُولُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قَالُوا: نَشْهَدُ

ص: 534

أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، وَرَفَعَ أُصْبُعَهُ إِلَى السَّمَاءِ رَافِعًا لَهَا مَنْ هُوَ فَوْقَهَا وَفَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ قَائِلًا:" اللَّهُمَّ اشْهَدْ» " فَكَأَنَّا شَهِدْنَا تِلْكَ الْأُصْبُعَ الْكَرِيمَةَ وَهِيَ مَرْفُوعَةٌ إِلَى اللَّهِ وَذَلِكَ اللِّسَانُ الْكَرِيمُ وَهُوَ يَقُولُ: " اللَّهُمَّ اشْهَدْ " وَنَشْهَدُ أَنَّهُ بَلَّغَ الْبَلَاغَ الْمُبِينَ وَأَدَّى رِسَالَةَ رَبِّهِ كَمَا أَمَرَ، وَنَصَحَ أُمَّتَهُ غَايَةَ النَّصِيحَةِ، وَكَشَفَ لَهُمْ طَرَائِقَ الْهُدَى، وَأَوْضَحَ لَهُمْ مَعَالِمَ الدِّينِ، وَتَرَكَهُمْ عَلَى الْمَحَجَّةِ الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، فَلَا يُحْتَاجُ مَعَ كَشْفِهِ وَبَيَانِهِ إِلَى تَنَطُّعِ الْمُتَنَطِّعِينَ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَغْنَانَا بِوَحْيِهِ وَرَسُولِهِ عَنْ تَكَلُّفَاتِ الْمُتَكَلِّفِينَ.

قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ أَحَدُ أَكَابِرِ التَّابِعِينَ الَّذِينَ أَخَذُوا الْقُرْآنَ وَمَعَانِيَهُ عَنْ مِثْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَتِلْكَ الطَّبَقَةِ، حَدَّثَنَا الَّذِينَ كَانُوا يُقْرِئُونَنَا الْقُرْآنَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا تَعَلَّمُوا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ يُجَاوِزُوهَا حَتَّى يَتَعَلَّمُوا مَا فِيهَا مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، فَتَعَلَّمَنَا الْقُرْآنَ وَالْعِلْمَ وَالْعَمَلَ فَالصَّحَابَةُ أَخَذُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ وَمَعَانِيهِ، بَلْ كَانَتْ عِنَايَتُهُمْ بِأَخْذِ الْمَعَانِي مِنْ عِنَايَتِهِمْ بِالْأَلْفَاظِ، يَأْخُذُونَ الْمَعَانِيَ أَوَّلًا، ثُمَّ يَأْخُذُونَ الْأَلْفَاظَ لِيَضْبُطُوا بِهَا الْمَعَانِيَ حَتَّى لَا تَشِذَّ عَنْهُمْ.

قَالَ حَبِيبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: تَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا إِيمَانًا.

فَإِذَا كَانَ الصَّحَابَةُ تَلَقَّوْا عَنْ نَبِيِّهِمْ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ كَمَا تَلَقَّوْا عَنْهُ أَلْفَاظَهُ لَمْ يَحْتَاجُوا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى لُغَةِ أَحَدٍ، فَنَقْلُ مَعَانِي الْقُرْآنِ عَنْهُمْ كَنَقْلِ أَلْفَاظِهِ سَوَاءً، وَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ تَنَازُعُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضِ مَعَانِيهِ كَمَا وَقَعَ مِنْ تَنَازُعِهِمْ فِي بَعْضِ حُرُوفِهِ وَتَنَازُعِهِمْ فِي بَعْضِ السُّنَّةِ لِخَفَاءِ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِهِمْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ فَرْدٍ مِنْهُمْ تَلَقَّى مِنْ نَفْسِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بِلَا وَاسِطَةٍ جَمِيعَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، بَلْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَأْخُذُ عَنْ بَعْضٍ وَيَشْهَدُ بَعْضُهُمْ فِي غَيْبَةِ بَعْضٍ، وَيَنْسَى هَذَا بَعْضَ مَا حَفِظَهُ صَاحِبُهُ، قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: لَيْسَ كُلُّ مَا نُحَدِّثُكُمْ سَمِعْنَاهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَكِنْ كَانَ لَا يَكْذِبُ بَعْضُنَا بَعْضًا.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّهِ الْحِكْمَةَ كَمَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ وَامْتَنَّ بِذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَالْحِكْمَةُ هِيَ السُّنَّةُ كَمَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ، وَهُوَ كَمَا قَالُوا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: 34] فَنَوَّعَ الْمَتْلُوَّ إِلَى نَوْعَيْنِ: آيَاتٌ وَهِيَ الْقُرْآنُ، وَحِكْمَةٌ وَهِيَ السُّنَّةُ، وَالْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ مَا أُخِذَ

ص: 535

عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سِوَى الْقُرْآنِ كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: " «أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا إِنَّهُ مِثْلُ الْقُرْآنِ وَأَكْثَرُ» ".

وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ «كَانَ جَبْرَائِيلُ يَنْزِلُ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَيُعَلِّمُهُ إِيَّاهَا كَمَا يُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ» ، فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ الَّتِي زَعَمَ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ لَا يُسْتَفَادُ مِنْهَا عِلْمٌ، نَزَلَ بِهَا جَبْرَائِيلُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عز وجل كَمَا نَزَلَ بِالْقُرْآنِ، وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُحْفَظَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْقُرْآنِ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ قَرَأَ بَعْضَ مُصَنَّفَاتٍ فِي النَّحْوِ وَالطِّبِّ أَوْ غَيْرِهِمَا أَوْ قَصِيدَةً مِنَ الشِّعْرِ، كَانَ مِنْ أَحْرَصِ النَّاسِ عَلَى فَهْمِ مَعْنَى ذَلِكَ وَكَانَ مِنْ أَثْقَلِ الْأُمُورِ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ كَلَامٍ لَا يَفْهَمُهُ، فَإِذَا كَانَ السَّابِقُونَ يَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا كِتَابُ اللَّهِ وَكَلَامُهُ الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَيْهِمْ وَهَدَاهُمْ بِهِ وَأَمَرَهُمْ بِاتِّبَاعِهِ، فَكَيْفَ لَا يَكُونُونَ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى فَهْمِهِ وَمَعْرِفَةِ مَعْنَاهُ مِنْ جِهَةِ الْعَادَةِ الْعَامَّةِ وَالْعَادَةِ الْخَاصَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلصَّحَابَةِ كِتَابٌ يَدْرُسُونَ وَكَلَامٌ مَحْفُوظٌ يَتَفَقَّهُونَ فِيهِ إِلَّا الْقُرْآنُ وَمَا سَمِعُوهُ مِنْ نَبِيِّهِمْ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَكُونُوا إِذَا جَلَسُوا يَتَذَاكَرُونَ إِلَّا فِي ذَلِكَ.

قَالَ الْبُخَارِيُّ: كَانَ الصَّحَابَةُ إِذَا جَلَسُوا يَتَذَاكَرُونَ كِتَابَ رَبِّهِمْ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ رَأْيٌ وَلَا قِيَاسٌ، وَلَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ بَيْنَهُمْ كَمَا هُوَ فِي الْمُتَأَخِّرِينَ: قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَلَا يَفْهَمُونَهُ، وَآخَرُونَ يَتَفَقَّهُونَ فِي كَلَامِ غَيْرِهِمْ وَيَدْرُسُونَهُ، وَآخَرُونَ يَشْتَغِلُونَ فِي عُلُومٍ أُخَرَ وَصَنْعَةٍ اصْطِلَاحِيَّةٍ، بَلْ كَانَ الْقُرْآنُ عِنْدَهُمْ هُوَ الْعِلْمُ الَّذِي يَعْتَنُونَ بِهِ حِفْظًا وَفَهْمًا وَعَمَلًا وَتَفَقُّهًا، وَكَانُوا أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَهُوَ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ وَيُبَلِّغُهُمْ إِيَّاهُ كَمَا يُبَلِّغُهُمْ لَفْظَهُ.

فَمِنَ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونُوا يَرْجِعُونَ إِلَى غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ، وَمِنَ الْمُمْتَنِعِ أَنْ لَا يُعْلِمَهُمْ إِيَّاهُ وَهُمْ أَحْرَصُ النَّاسِ عَلَى كُلِّ سَبَبٍ يُنَالُ بِهِ الْعِلْمُ وَالْهُدَى، وَهُوَ أَحْرَصُ النَّاسِ عَلَى تَعَلُّمِهِمْ وَهِدَايَتِهِمْ، بَلْ كَانَ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى هِدَايَةِ الْكُفَّارِ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} [النحل: 37] وَكَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ بِتَفَاصِيلِ الْأَسْمَاءِ

ص: 536

وَالصِّفَاتِ وَحَقَائِقِهَا، وَكَانَ أَفْصَحَ النَّاسِ فِي التَّعْبِيرِ عَنْهَا وَإِيضَاحِهَا وَكَشْفِهَا بِكُلِّ طَرِيقٍ كَمَا يَفْعَلُهُ بِإِشَارَتِهِ وَحَالِهِ كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُمَرَ قَالَ:«رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: " يَقْبِضُ اللَّهُ سَمَاوَاتِهِ بِيَدِهِ وَالْأَرْضَ بِالْيَدِ الْأُخْرَى " وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْبِضُ يَدَهُ وَيَبْسُطُهَا يَحْكِي رَبَّهُ تبارك وتعالى» تَحْقِيقًا لِإِثْبَاتِ الْيَدِ وَصِفَةِ الْقَبْضِ وَالْبَسْطِ، لَا تَشْبِيهًا وَتَمْثِيلًا، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ:«سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 58] فَوَضَعَ إِبْهَامَهُ عَلَى أُذُنِهِ وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى عَيْنِهِ وَقَالَ هَكَذَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَؤُهَا وَيَضَعُ أُصْبُعَهُ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:( «آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ. . .) فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ قَالُوا: لِمَ ضَحِكْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " لِضَحِكِ الرَّبِّ مِنْهُ حَتَّى قَالَ أَتَهْزَأُ بِي وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ» ".

وَفِي حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ أَنَّهُ رَأَى ابْنَ عُمَرَ حِينَ حَكَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «يَأْخُذُ اللَّهُ سَمَاوَاتِهِ وَأَرْضَهُ بِيَدِهِ فَيَقُولُ أَنَا اللَّهُ فَيَقْبِضُ أَصَابِعَهُ وَيَبْسُطُهَا» " وَفِي لَفْظٍ: «فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ يَحْكِي رَبَّهُ» .

وَفِي حَدِيثِ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ يَرْفَعُهُ " «يَأْخُذُ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فَيَدْحُوهَا بِهَا كَمَا يُدْحَى بِالْكُرَةِ " مَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى رَجَفَ بِهِ الْمِنْبَرُ» .

وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ فَقَالَ: " يَأْخُذُ اللَّهُ سَمَاوَاتِهِ وَأَرْضَهُ فَيَجْعَلُهُمَا فِي كَفِّهِ ثُمَّ يَقُولُ بِهِمَا هَكَذَا كَمَا يَقُولُ الْغُلَامُ بِالْكُرَةِ: أَنَا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْعَزِيزُ» ".

ص: 537

وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ أَبِي الضُّحَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «مَرَّ يَهُودِيٌّ فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، مَا تَقُولُ إِذَا وَضَعَ الْجَبَّارُ السَّمَاءَ عَلَى هَذِهِ، وَالْأَرْضَ عَلَى هَذِهِ» . . . الْحَدِيثَ.

وَفِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَلْبُ ابْنِ آدَمَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ إِذَا شَاءَ قَالَ بِهِ هَكَذَا " وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ " وَإِذَا شَاءَ قَالَ بِهِ هَكَذَا " وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ» .

وَفِي حَدِيثِ ثَابِتٍ «عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} [الأعراف: 143] وَأَشَارَ أَنَسٌ بِطَرَفِ إِصْبُعِهِ عَلَى أَوَّلِ بَنَانٍ مِنَ الْخِنْصَرِ، وَكَذَلِكَ أَشَارَ ثَابِتٌ، فَقَالَ لَهُ حُمَيْدٌ: " مَا تُرِيدُ بِهَذَا يَا أَبَا مُحَمَّدٍ؟ " فَرَفَعَ ثَابِتٌ يَدَهُ فَضَرَبَ بِهَا صَدْرَهُ ضَرْبَةً شَدِيدَةً وَقَالَ: " مَنْ أَنْتَ يَا حُمَيْدُ؟ يُحَدِّثُنِي أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَتَقُولُ أَنْتَ مَا تُرِيدُ بِهَذَا» ؟ " وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: " حَدَّثَنَا مُعَاذٌ فَذَكَرَهُ، قَالَ أَحْمَدُ: يَعْنِي إِنَّمَا أَخْرَجَ طَرَفَ الْخِنْصَرِ وَأَرَانَاهُ مُعَاذٌ "، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «سَأَلْتُ رَبِّي الشَّفَاعَةَ لِأُمَّتِي فَقَالَ: لَكَ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ، قُلْتُ: رَبِّ زِدْنِي، قَالَ: فَإِنَّ لَكَ هَكَذَا وَهَكَذَا، وَحَثَى بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ» "

وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " «تَكُونُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً يَتَكَفَّؤُهَا الْجَبَّارُ بِيَدِهِ كَمَا يَكْفَأُ أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ خُبْزَتَهُ فِي السَّفَرِ نُزَلًا لِأَهْلِ الْجَنَّةِ» " وَمِنْ هَذَا حَدِيثُ الْأَطِيطِ، وَقَوْلُهُ:" «إِنَّ كُرْسِيَّهُ وَسِعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَإِنَّهُ لَيَقْعُدُ عَلَيْهِ فَمَا يَفْضُلُ مِنْهُ قَدْرُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ، وَإِنَّ لَهُ أَطِيطًا كَأَطِيطِ الرَّحْلِ إِذَا رُكِبَ مِنْ ثِقَلِهِ» " وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: «إِذَا جَلَسَ الرَّبُّ عز وجل عَلَى الْكُرْسِيِّ سُمِعَ لَهُ أَطِيطُ الرَّحْلِ الْجَدِيدِ» ، فَاقْشَعَرَّ رَجُلٌ عِنْدَ وَكِيعٍ وَهُوَ يَرْوِيهِ فَغَضِبَ وَقَالَ: أَدْرَكْنَا الْأَعْمَشَ وَسُفْيَانَ يُحَدِّثُونَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَلَا يُنْكِرُونَهَا.

ص: 538

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: " «إِنَّكُمْ تَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيَانًا كَمَا تَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ صَحْوًا لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ» " تَحْقِيقًا لِثُبُوتِ الرُّؤْيَةِ وَنَفْيًا لِاحْتِمَالِ مَا يُوهِمُ خِلَافَهَا، فَأَتَى بِغَايَةِ الْبَيَانِ وَالْإِيضَاحِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:" «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ أَضَلَّ رَاحِلَتَهُ بِأَرْضٍ دَوِيَّةٍ مُهْلِكَةٍ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَطَلَبَهَا حَتَّى يَئِسَ مِنْهَا، فَاضْطَجَعَ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ فَرَأَى رَاحِلَتَهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَقَامَ فَأَخَذَهَا فَجَعَلَ يَقُولُ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ " هَذِهِ أَلْفَاظُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: " كَيْفَ تَرَوْنَ فَرَحَ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ؟ " قَالُوا: " عَظِيمًا يَا رَسُولَ اللَّهِ "، قَالَ:" فَوَاللَّهِ لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ» ".

فَهَذَا الْكَشْفُ وَالْبَيَانُ وَالْإِيضَاحُ لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ تَقْرِيرٌ لِثُبُوتِ هَذِهِ الصِّفَةِ، وَنَفْيِ الْإِجْمَالِ وَالِاحْتِمَالِ عَنْهَا.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ النِّدَاءِ: ( «فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ» ) فَذَكَرَ الصَّوْتَ تَحْقِيقًا لِصِفَةِ النِّدَاءِ وَتَقْرِيرًا، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ لَدَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُ النِّدَاءِ، كَمَا لَوْ قِيلَ: يَعْلَمُ بِعِلْمٍ وَيَقْدِرُ بِقُدْرَةٍ وَيُبْصِرُ بِبَصَرٍ، وَهَذَا وَنَحْوُهُ إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ تَحْقِيقُ الصِّفَةِ وَإِثْبَاتُهَا، لَا تَشْبِيهُ الْمَوْصُوفِ وَتَمْثِيلُهُ، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] إِنَّمَا سَبَقَ لِإِثْبَاتِ الصِّفَاتِ وَعَظَمَتِهَا لَا لِنَفْيِهَا كَمَا قَالَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ فِي قَوْلِهِ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] قَالَ مَعْنَاهُ هُوَ أَحْسَنُ الْأَشْيَاءِ وَأَجْمَلُهَا، وَقَالَتِ الجَهْمِيَّةُ: مَعْنَاهُ لَيْسَ هُنَاكَ شَيْءٌ.

وَمِنْ هَذَا حَدِيثُ الصُّورَةِ وَقَوْلُهُ: " «خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَةِ الرَّحْمَنِ» " لَمْ يُرِدْ بِهِ تَشْبِيهَ الرَّبِّ وَتَمْثِيلَهُ بِالْمَخْلُوقِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ تَحْقِيقَ الْوَجْهِ وَإِثْبَاتَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْكَلَامِ صِفَةً وَمَحَلًّا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْأَلُونَهُ عَمَّا يُشْكِلُ عَلَيْهِمْ مِنَ الصِّفَاتِ فَيُجِيبُهُمْ بِتَقْرِيرِهَا، لَا بِالْمَجَازِ وَالتَّأْوِيلِ الْبَاطِلِ، كَمَا سَأَلَهُ أَبُو رَزِينٍ الْعُقَيْلِيُّ عَنْ صِفَةِ الضَّحِكِ لَمَّا قَالَ:

ص: 539

" «يَنْظُرُ إِلَيْكُمْ آزِلِينَ مُشْفِقِينَ فَيَظَلُّ يَضْحَكُ يَعْلَمُ أَنَّ فَرَجَكُمْ قَرِيبٌ " فَتَعَجَّبَ أَبُو رَزِينٍ مِنْ ضَحِكِ الرَّبِّ تَعَالَى وَقَالَ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَيَضْحَكُ الرَّبُّ؟ " فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " نَعَمْ ". فَقَالَ: " لَنْ نَعْدَمَ مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ خَيْرًا» "، وَالْجَهْمِيُّ لَوْ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ لَقَالَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الضَّحِكُ كَمَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الِاسْتِوَاءُ وَالنُّزُولُ وَالْإِتْيَانُ وَالْمَجِيءُ.

وَكَذَلِكَ لَمَّا أَخْبَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ رُؤْيَةِ الرَّبِّ تَعَالَى فَهِمُوا مِنْهَا رُؤْيَةَ الْعِيَانِ لَا مَزِيدَ الْعِلْمِ، كَمَا اسْتَشْكَلَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ وَقَالَ:«يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَسَعُ الْخَلَائِقَ وَهُوَ وَاحِدٌ وَنَحْنُ كَثِيرٌ» ؟ وَهَذَا السَّائِلُ أَبُو رَزِينٍ أَيْضًا، فَقَرَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَهْمَهُ وَقَالَ:«سَأُخْبِرُكَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي آلَاءِ اللَّهِ، أَلَيْسَ كُلُّكُمْ يَرَى الْقَمَرَ مُخْلِيًا بِهِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَاللَّهُ أَكْبَرُ» ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْمَ إِنَّمَا أُحِيلُوا فِي إِثْبَاتِ ذَلِكَ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَعَلَى مَا بَيَّنَهُ لَهُمْ مَنْ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيَ لَا عَلَى رَأْيِ جَهْمٍ وَجَعْدٍ، وَالنَّظَّامِ وَالْعَلَّافِ وَالْمَرِيسِيِّ وَتَلَامِذَتِهِمْ، وَلَا عَلَى غَيْرِ مَا يَتَبَادَرُ إِلَى أَفْهَامِهِمْ مِنْ لُغَاتِهِمْ وَخِطَابِهِمْ، كَانَ يُقَرِّرُ لَهُمْ ذَلِكَ وَيُقَرِّبُهُ مِنْ أَفْهَامِهِمْ بِالْأَمْثَالِ وَالْمَقَايِيسِ الْعَقْلِيَّةِ تَقْرِيرًا لِحَقِيقَةِ الصِّفَةِ.

الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّ الصَّحَابَةَ قَدْ سَمِعُوا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْأَحَادِيثِ الْكَثِيرَةِ، وَرَأَوْا مِنْهُ مِنَ الْأَحْوَالِ الْمُشَاهَدَةِ، وَعَلِمُوا بِقُلُوبِهِمْ مِنْ مَقَاصِدِهِ وَدَعْوَتِهِ مَا يُوجِبُ فَهْمَ مَا أَرَادَ بِكَلَامِهِ مَا يَتَعَذَّرُ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ مُسَاوَاتُهُمْ فِيهِ، فَلَيْسَ مَنْ سَمِعَ وَعَلِمَ وَرَأَى حَالَ الْمُتَكَلِّمِ، كَمَنْ كَانَ غَائِبًا لَمْ يَرَ وَلَمْ يَسْمَعْ، أَوْ سَمِعَ وَعَلِمَ بِوَاسِطَةٍ أَوْ وَسَائِطَ كَثِيرَةٍ، وَإِذَا كَانَ لِلصَّحَابَةِ مِنْ ذَلِكَ مَا لَيْسَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ كَانَ الرُّجُوعُ إِلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِمْ مُتَعَيِّنًا قَطْعًا.

وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: أُصُولُ السُّنَّةِ عِنْدَنَا التَّمَسُّكُ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلِهَذَا كَانَ اعْتِقَادُ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ هُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ، كَمَا شَهِدَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ:" مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي " فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ الْقَاطِعَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَصَائِرِ، وَإِنْ كَانَتْ دُونَ الظَّنِّيَّةِ عِنْدَ عَمَى الْقُلُوبِ أَنَّ الرُّجُوعَ إِلَيْهِمْ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ الَّذِي هُوَ تَأْوِيلُهُ الصَّحِيحُ

ص: 540

الْمُبَيِّنُ لِمُرَادِ اللَّهِ هُوَ الطَّرِيقُ الْمُسْتَقِيمُ، وَلِهَذَا نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ يُرْجَعُ إِلَى الْوَاحِدِ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ إِذَا لَمْ يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ مِنْهُمْ، ثُمَّ مِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ يَقُولُ: هَذَا قَوْلٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ كَانَ فِي الرُّجُوعِ فِي الْفُتْيَا وَالْأَحْكَامِ إِلَيْهِ رِوَايَتَانِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الْخِلَافُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَاحِدٌ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَجْعَلُونَ تَفْسِيرَهُ فِي حُكْمِ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ.

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ: تَفْسِيرُ الصَّحَابِيِّ عِنْدَنَا فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ.

ثُمَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ التَّابِعِينَ بِإِحْسَانٍ أَخَذُوا ذَلِكَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَتَلَقَّوْهُ مِنْهُمْ وَلَمْ يَعْدِلُوا عَمَّا بَلَّغَهُمْ إِيَّاهُ الصَّحَابَةُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ يُوجِبُ الرُّجُوعَ إِلَى الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فَكَيْفَ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ.

وَأَمَّا الطَّرِيقُ الثَّانِي فَمِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ مَنْ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي نَقْلِ مَعَانِي الْقُرْآنِ كَمَا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ فِي نَقْلِ حُرُوفِهِ، وَإِلَى لُغَتِهِمْ وَعَادَتِهِمْ فِي خِطَابِهِمْ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إِلَى لُغَةٍ مَأْخُوذَةٍ مِنْ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ فَهْمَ الْكَلَامِ مَوْقُوفٌ عَلَى مَعْرِفَةِ اللُّغَةِ، وَهَاهُنَا خَمْسُ دَرَجَاتٍ.

الدَّرَجَةُ الْأُولَى: أَنْ يُبَاشِرَ عَرَبًا غَيْرَهُمْ فَيَسْمَعَ لُغَتَهُمْ وَيَعْرِفَ مَقَاصِدَهُمْ وَيَقِيسَ مَعَانِيَ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ عَلَى مَعَانِي تِلْكَ الْأَلْفَاظِ، وَهَذَا إِنَّمَا يَسْتَقِيمُ إِذَا سَلِمَ اللَّفْظُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مِنِ احْتِمَالِ الْمَعَانِي الْمُخْتَلِفَةِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ أَحَدِ الْمُتَكَلِّمِينَ بِهِ مِثْلَ الْمُرَادِ بِهِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِ الْآخَرِ، وَغَايَتُهُ فِيهِ الْقِيَاسُ، وَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى اتِّحَادِ الْمَعْنَيَيْنِ فِي الْكَلَامَيْنِ.

وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ جِنْسَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا يَتَخَاطَبُ بِهِ النَّاسُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ، فَإِنَّ الرَّسُولَ جَاءَهُمْ بِمَعَانٍ غَيْبِيَّةٍ لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَهَا، وَأَمَرَهُمْ بِأَفْعَالٍ لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَهَا، فَإِذَا عَبَّرَ عَنْهَا بِلُغَتِهِمْ كَانَ بَيْنَ مَعْنَاهُ وَبَيْنَ مَعَانِي تِلْكَ الْأَلْفَاظِ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ، وَلَمْ تَكُنْ مُسَاوِيَةً بِهَا، بَلْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ الَّتِي هِيَ مِنْ خَصَائِصِ النُّبُوَّةِ لَا تُعْرَفُ إِلَّا مِنْهُ، وَلِهَذَا يُسَمِّي كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ حَقَائِقَ عَقْلِيَّةً شَرْعِيَّةً بِاعْتِبَارِ تِلْكَ الْخَصَائِصِ دَاخِلَةً فِي مُسَمَّاهَا، وَهِيَ لَا تُعْلَمُ إِلَّا بِالشَّرْعِ، وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُهَا مَجَازَاتٍ لُغَوِيَّةً لِأَجْلِ تِلْكَ الْعَلَاقَةِ الَّتِي بَيْنَ تِلْكَ الْخَصَائِصِ وَبَيْنَ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ، وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُهَا مُتَوَاطِئَةً بِاعْتِبَارِ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ الشَّرْعُ خَصَّصَهَا بِبَعْضِ

ص: 541

مَحَالِّهَا، كَمَا يَقَعُ التَّخْصِيصُ لُغَةً وَعُرْفًا فَالتَّخْصِيصُ يَكُونُ لُغَوِيًّا تَارَةً وَعُرْفِيًّا تَارَةً، فَهِيَ لَمْ تُنْقَلْ عَنْ مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَمْ تَبْقَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ أَصْلِ الْوَضْعِ، بَلْ خُصَّتْ تَخْصِيصًا شَرْعِيًّا بِبَعْضِ مَوَارِدِهَا، كَمَا خُصَّ بَعْضُ الْأَلْفَاظِ تَخْصِيصًا عُرْفِيًّا بِبَعْضِ مَوَارِدِهِ، وَلَا يُسَمَّى مِثْلُ هَذَا نَقْلًا وَلَا اشْتِرَاكًا وَلَا مَجَازًا، وَإِنْ سُمِّيَ بِذَلِكَ، فَلَيْسَ الشَّأْنُ فِي التَّسْمِيَةِ وَبِعَوْدِ النِّزَاعِ لَفْظِيًّا.

الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَسْمَعَ اللُّغَةَ مِمَّنْ نَقَلَ الْأَلْفَاظَ عَنِ الْعَرَبِ نَظْمًا وَنَثْرًا وَكُلُّ مَا يَعْتَرِي نَقْلَ الْحَدِيثِ مِنَ الْآفَاتِ فَهُوَ هُنَا أَكْثَرُ، وَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ لِمَنْ كَانَ خَبِيرًا بِالْوَاقِعِ فَيُرَدُّ عَلَى نَقْلِ اللُّغَةِ وَمَعْرِفَةِ مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ أَلْفَاظِهَا أَكْثَرُ مِمَّا يُرَدُّ عَلَى نَقْلِ الْحَدِيثِ وَمَعْرِفَةِ مُرَادِ الرَّسُولِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْهِمَمَ وَالدَّوَاعِيَ تَوَفَّرَتْ عَلَى نَقْلِ كَلَامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَرَسُولِهِ وَفَهْمِ مَعَانِيهِ مَا لَمْ تَتَوَفَّرْ عَلَى كَلَامِ غَيْرِهِ وَفَهْمِ مَعَانِيهِ، مَعَ تَكَفُّلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِحِفْظِهِ وَبَيَانِهِ.

الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَسْمَعَ اللُّغَةَ بِمَنْ سَمِعَ الْأَلْفَاظَ وَذَكَرَ أَنَّهُ فَهِمَ مَعْنَاهَا مِنَ الْعَرَبِ كَالْأَصْمَعِيِّ وَابْنِ الْأَعْرَابِيِّ وَأَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ سَمِعَ مِنَ الْأَعْرَابِ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ كُتُبُ اللُّغَةِ الَّتِي يَذْكُرُونَ فِيهَا مَعَانِيَ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا يُرَدُّ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِمَّا يُرَدُّ عَلَى مَنْ سَمِعَ الْكَلَامَ النَّبَوِيَّ مِنْ صَاحِبِهِ وَقَالَ إِنَّهُ فَهِمَ مَعْنَاهُ وَبَيَّنَهُ لَنَا بِعِبَارَتِهِ.

الدَّرَجَةُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يُنْقَلَ إِلَيْهِ كَلَامُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرُوا أَنَّهُمْ سَمِعُوا كَلَامَ الْعَرَبِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَى هَذَا مِنَ الْأَسْئِلَةِ أَكَثَرُ مِمَّا يُرَدُّ عَلَى نَقْلِ الْحَدِيثِ وَمَعْنَاهُ.

الدَّرَجَةُ الْخَامِسَةُ: أَنَّ اللُّغَةَ بِقِيَاسٍ نَحْوِيٍّ أَوْ تَصَرُّفِيٍّ قَدْ يَدْخُلُهُ تَخْصِيصٌ لِمُعَارِضٍ رَاجِحٍ، وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ فَرْقٌ لَمْ يَتَفَطَّنْ لَهُ وَاضِعُ الْقِيَاسِ الْقَانُونِيِّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِي يُرَدُّ عَلَى هَذَا أَكْثَرُ مِنَ الَّذِي يُرَدُّ عَلَى مَنْ ذُكِرَ قَبْلَهُ.

وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ: فَمَنْ لَمْ يَأْخُذْ مَعَانِيَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ أَخَذَ عَنْهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ أَصْلًا إِلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ الَّتِي يُرَدُّ عَلَيْهَا أَضْعَافُ مَا يُرَدُّ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقِ، وَلَا يَجُوزُ تَرْجِيحُ تِلْكَ الطُّرُقِ عَلَيْهَا فَيَلْزَمُهُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَسْتَبْدِلَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَيَعْدِلَ عَنِ الطَّرِيقِ الَّتِي فِيهَا مِنَ الْعُلُومِ الْيَقِينِيَّةِ وَالْأُمُورِ الْإِيمَانِيَّةِ مَا لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا، إِلَى مَا هُوَ دُونَهَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، بَلْ يَسْتَبْدِلُ بِالْيَقِينِ شَكًّا، وَبِالظَّنِّ الرَّاجِحِ وَهْمًا، وَالْإِيمَانِ كُفْرًا، وَبِالْهُدَى ضَلَالًا،

ص: 542

وَبِالْعِلْمِ جَهَالَةً، وَبِالْبَيَانِ عِيًّا، وَبِالْعَدْلِ ظُلْمًا، وَبِالصِّدْقِ كَذِبًا، وَيَحْمِلُ كَلَامَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى مَجَازِهِ تَحْرِيفًا لِلتَّكَلُّمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَيُسَمِّيهِ تَأْوِيلًا لِتَقْبَلَهُ النُّفُوسُ الْجَاهِلَةُ بِحَقَائِقِ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ، وَإِمَّا أَنْ يُعْرِضَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَا يَجْعَلَ لِلْقُرْآنِ مَفْهُومًا، وَقَدْ أَنْزَلَهُ تَعَالَى بَيَانًا وَهُدًى وَشِفَاءً لِمَا فِي الصُّدُورِ.

قَالَ تَعَالَى فِي أَصْحَابِ الطَّرِيقَيْنِ: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 75] ثُمَّ قَالَ فِي أَهْلِ الطَّرِيقِ الثَّانِي: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [البقرة: 78] ثُمَّ قَالَ فِي الْمُصَنِّفِينَ مَا لَا يُعْلَمُ أَنَّ الرَّسُولَ قَالَهُ وَجَاءَ بِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الرَّسُولَ جَاءَ بِخِلَافِهِ: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [البقرة: 79] الْآيَةَ.

فَهَذِهِ الطَّرِيقُ الْمَذْمُومَةُ الَّتِي سَلَكَهَا عُلَمَاءُ الْيَهُودِ، وَقَدْ سَلَكَهَا أَشْبَاهُهُمْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ تَحْقِيقًا لِقَوْلِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ:" «لَتَأْخُذَنَّ أُمَّتِي مَأْخَذَ الْأُمَمِ قَبْلَهَا شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ» " وَفِي لَفْظٍ آخَرَ " «لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ» " وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَشْبَاهِ يُحَرِّفُونَ كَلَامَ اللَّهِ وَيَكْتُمُونَهُ، لِئَلَّا يُحْتَجَّ بِهِ عَلَيْهِمْ فِي خِلَافِ أَهْوَائِهِمْ، فَتَارَةً يَغُلُّ كُتُبَ الْآثَارِ الَّتِي فِيهَا كَلَامُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَلَامُ أَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ السُّنَّةِ وَيَمْنَعُ مِنْ إِظْهَارِهَا، وَرُبَّمَا أَعْدَمَهَا، وَرُبَّمَا عَاقَبَ مَنْ كَتَبَهَا أَوْ وَجَدَهَا عِنْدَهُ كَمَا شَاهَدْنَاهُ مِنْهُمْ عِيَانًا، وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يَمْنَعُ مِنْ تَبْلِيغِ الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ وَتَفْسِيرِ الْقُرْآنِ بِالْآثَارِ وَالْأَخْبَارِ، حَتَّى إِذَا جَاءَتْ تَفَاسِيرُ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ بَالَغَ فِي مَدْحِهَا وَقَالَ: إِنَّ التَّحْقِيقَ فِيهَا، مَا لَمْ يُمْكِنْهُمْ مَنْعُهُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكِتْمَانُهُ سَطْوًا عَلَيْهِ بِالتَّحْرِيفِ وَتَأَوَّلُوهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ، ثُمَّ يَعْتَمِدُونَ عَلَى آثَارٍ مَوْضُوعَةٍ مَكْذُوبَةٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ مُوَافِقَةً لِأَهْوَائِهِمْ وَبِدَعِهِمْ، فَيَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَيَحْتَجُّونَ بِهِ وَيَضَعُونَ قَوَاعِدَ ابْتَدَعُوهَا وَآرَاءً اخْتَرَعُوهَا، وَيُسَمُّونَهَا أَصْلَ الدِّينِ وَهِيَ أَضَرُّ شَيْءٍ عَلَى الدِّينِ.

ص: 543