الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَنْبَغِي، فَإِنَّهُ يَحُلُّ عَنْكَ إِشْكَالَاتٍ حَارَ فِيهَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَمْ يَهْتَدُوا إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْمُلْكِ وَالْحَمْدِ وَالْعَدْلِ وَالْحِكْمَةِ.
[رحمة الله سبقت غضبة]
الْمَسْلَكُ الثَّالِثُ: مَسْلَكُ الرَّحْمَةِ فَإِنَّهَا هِيَ الْمَسْئُولِيَّةُ الشَّامِلَةُ الْعَامَّةُ لِلْمَوْجُودَاتِ كُلِّهَا وَبِهَا قَامَتِ الْمَوْجُودَاتُ، فَهِيَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، وَالرَّبُّ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا، فَوَصَلَتْ رَحْمَتُهُ إِلَى حَيْثُ وَصَلَ عِلْمُهُ، فَلَيْسَ مَوْجُودٌ سِوَى اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا وَقَدْ وَسِعَتْهُ رَحْمَتُهُ وَشَمِلَتْهُ وَنَالَهُ مِنْهَا حَظٌّ وَنَصِيبٌ، وَلَكِنِ الْمُؤْمِنُونَ اكْتَسَبُوا أَسْبَابًا اسْتَوْجَبُوا بِهَا تَكْمِيلَ الرَّحْمَةِ وَدَوَامَهَا، وَالْكُفَّارُ اكْتَسَبُوا أَسْبَابًا اسْتَوْجَبُوا بِهَا صَرْفَ الرَّحْمَةِ إِلَى غَيْرِهِمْ.
فَأَسْبَابُ الرَّحْمَةِ مُتَّصِلَةٌ دَائِمَةٌ لَا انْقِطَاعَ لَهَا لِأَنَّهَا مِنْ صِفَةِ الرَّحْمَةِ، وَالْأَسْبَابُ الَّتِي عَارَضَتْهَا مُضْمَحِلَّةٌ زَائِلَةٌ لِأَنَّهَا عَارِضَةٌ عَلَى أَسْبَابِ الرَّحْمَةِ طَارِئَةٌ عَلَيْهَا، وَإِذَا كَانَ كُلُّ مَخْلُوقٍ قَدِ انْتَهَتْ إِلَيْهِ الرَّحْمَةُ وَوَسِعَتْهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَظْهَرَ أَثَرُهَا فِيهِ آخِرًا كَمَا ظَهَرَ أَثَرُهَا فِيهِ أَوَّلًا، فَإِنَّ أَثَرَ الرَّحْمَةِ ظَهَرَ فِيهِ أَوَّلَ النَّشْأَةِ ثُمَّ اكْتَسَبَ مَا يَقْتَضِي آثَارَ الْغَضَبِ، فَإِذَا تَرَتَّبَ عَلَى الْغَضَبِ أَثَرُهُ عَادَتِ الرَّحْمَةُ فَاقْتَضَتْ أَثَرَهَا آخِرَهَا كَمَا اقْتَضَتْهُ أَوَّلًا لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَحُصُولِ الْمُقْتَضَى فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
وَمِمَّا يُوَضِّحُ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ الْجَنَّةَ مُقْتَضَى رَحْمَتِهِ وَمَغْفِرَتِهِ، وَالنَّارَ مِنْ عَذَابِهِ، وَهُوَ مَخْلُوقٌ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى:{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ - وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الحجر: 49 - 50] وَقَالَ: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 98] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأعراف: 167] فَالنِّعَمُ مُوجَبُ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَأَمَّا الْعَذَابُ فَإِنَّهُ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ الْمَقْصُودَةِ لِغَيْرِهَا بِالْقَصْدِ الثَّانِي، فَهُوَ سُبْحَانَهُ إِذَا ذَكَرَ الرَّحْمَةَ وَالْإِحْسَانَ وَالْعَفْوَ نَسَبَهُ إِلَى ذَاتِهِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مِنْ صِفَاتِهِ، وَإِذَا ذَكَرَ الْعِقَابَ نَسَبَهُ إِلَى أَفْعَالِهِ وَلَمْ يَتَّصِفْ بِهِ، فَرَحْمَتُهُ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ، وَلَيْسَ غَضَبُهُ وَعِقَابُهُ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا يَكُونُ إِلَّا رَحِيمًا، كَمَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا حَيًّا عَلِيمًا قَدِيرًا سَمِيعًا، وَأَمَّا كَوْنُهُ لَا يَكُونُ إِلَّا غَضْبَانًا مُعَذِّبًا فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ كَمَالِهِ الْمُقَدَّسِ، وَلَا هُوَ مِمَّا أَثْنَى بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَتَمَدَّحَ بِهِ.
يُوَضِّحُ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّهُ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ، وَلَمْ يَكْتُبْ عَلَيْهَا الْغَضَبَ، وَسَبَقَتْ رَحْمَتُهُ غَضَبَهُ وَغَلَبَتْهُ، وَلَمْ يَسْبِقْهَا الْغَضَبُ وَلَا غَلَبَهَا، وَوَسِعَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيْءٍ، وَلَمْ يَسَعْ غَضَبُهُ وَعِقَابُهُ كُلَّ شَيْءٍ، وَخَلَقَ الْخَلْقَ لِيَرْحَمَهُمْ لَا لِيُعَاقِبَهُمْ، وَالْعَفْوُ
أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الِانْتِقَامِ، وَالْفَضْلُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَدْلِ، وَالرَّحْمَةُ آثَرُ عِنْدَهُ مِنَ الْعُقُوبَةِ، لِهَذَا لَا يَخْلُدُ فِي النَّارِ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ، وَجَعَلَ جَانِبُ الْفَضْلِ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَجَانِبُ الْعَدْلِ السَّيِّئَةَ فِيهِ بِمِثْلِهَا وَهِيَ مُعَرَّضَةٌ لِلزَّوَالِ بِأَيْسَرِ شَيْءٍ، وَكُلُّ هَذَا يَنْفِي أَنْ يَخْلُقَ خَلْقًا لِمُجَرَّدِ عَذَابِهِ السَّرْمَدِيِّ الَّذِي لَا انْتِهَاءَ لَهُ وَلَا انْقِضَاءَ، لَا لِحِكْمَةٍ مَطْلُوبَةٍ إِلَّا لِمُجَرَّدِ التَّعْذِيبِ وَالْأَلَمِ الزَّائِدِ عَلَى الْحَدِّ، فَمَا قَدَرَ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ مَنْ نَسَبَ إِلَيْهِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إِذَا خَلَقَهُمْ لِيَرْحَمَهُمْ وَيُحْسِنَ إِلَيْهِمْ وَيُنْعِمَ عَلَيْهِمْ، فَاكْتَسَبُوا مَا أَغْضَبَهُ وَأَسْخَطَهُ فَأَصَابَهُمْ مِنْ عَذَابِهِ وَعُقُوبَتِهِ بِحَسَبِ ذَلِكَ الْعَارِضِ الَّذِي اكْتَسَبُوا ثُمَّ اضْمَحَلَّ سَبَبُ الْعُقُوبَةِ وَزَالَ وَعَادَ مُقْتَضَى الرَّحْمَةِ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَلِيقُ بِرَحْمَةِ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ وَحِكْمَةِ أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ.
وَمِمَّا يُبَيِّنُ هَذَا أَنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا مَنْ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، وَيَدْخُلُهَا مَنْ يُنْشِئُهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا، وَيَدْخُلُهَا مَنْ دَخَلَ النَّارَ أَوَّلًا، وَيَدْخُلُهَا الْأَبْنَاءُ بِعَمَلِ الْآبَاءِ، وَأَمَّا النَّارُ فَذَلِكَ كُلُّهُ مُنْتَفٍ فِيهَا، وَلَا يَدْخُلُهَا مَنْ لَمْ يَعْمَلْ شَرًّا قَطُّ، وَلَا يُنْشِئِ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا خَلْقًا يُعَذِّبُهُمْ مِنْ غَيْرِ جُرْمٍ، وَلَا يَدْخُلُهَا مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَوَّلًا، وَلَا يَدْخُلُهَا الذُّرِّيَّةُ بِكُفْرِ الْآبَاءِ وَعَمَلِهِمْ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا خُلِقَتْ لِمَصْلَحَةِ مَنْ دَخَلَهَا الذَّيْبُ. . . فَضَلَاتِهِ وَأَوْسَاخَهُ وَأَدْرَانَهُ، وَتُطَهِّرَهُ مِنْ خَبَثِهِ وَنَجَاسَتِهِ، كَالْكِيرِ الَّذِي يُخْرِجُ خَبَثَ الْجَوَاهِرِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا، وَلِمَصْلَحَةِ مَنْ يَدْخُلُهَا لِيَرْدَعَهُ ذِكْرُهَا، وَالْخَبَرُ عَنْهَا عَنْ ظُلْمِهِ وَغَيِّهِ، فَلَيْسَتِ الدَّارَانِ عِنْدَ اللَّهِ سَوَاءً فِي الْأَسْبَابِ وَالْغَايَاتِ وَالْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ.
يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا إِلَّا لِحِكْمَةٍ، وَلَا يَضَعُ عَذَابَهُ إِلَّا فِي الْمَحَلِّ الَّذِي يَلِيقُ بِهِ، كَمَا اقْتَضَى شَرْعُهُ الْعُقُوبَاتِ الدُّنْيَوِيَّةَ بِالْحُدُودِ الَّتِي أَمَرَ بِإِقَامَتِهَا لِمَا فِيهَا مِنَ الْمَصَالِحِ وَالْحِكَمِ فِي حَقِّ صَاحِبِهَا وَغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ مَا يُقَدِّرُهُ مِنَ الْمَصَائِبِ وَالْآلَامِ فِيهَا مِنَ الْحِكَمِ مَا لَا يُحْصِيهِ إِلَّا اللَّهُ، مِنْ تَزْكِيَةِ النُّفُوسِ وَتَطْهِيرِهَا، وَالرَّدْعِ وَالزَّجْرِ، وَتَعْرِيفِ قَدْرِ الْعَاقِبَةِ، وَامْتِحَانِ الْخَلْقِ، لِيَظْهَرَ مَنْ يَعْبُدُهُ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ مِمَّنْ يَعْبُدُهُ عَلَى حَرْفٍ إِلَى أَضْعَافِ ذَلِكَ مِنَ الْحِكَمِ.
وَكَيْفَ يَخْلُو أَعْظَمُ الْعُقُوبَاتِ عَنْ حِكْمَةٍ وَمَصْلَحَةٍ وَرَحْمَةٍ، إِنَّ مَصْدَرَهَا عَنْ تَقْدِيرِ أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ وَأَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ، وَالْجَنَّةُ طَيِّبَةٌ لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا طَيِّبٌ، وَلِهَذَا يَدْخُلُ النَّارَ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ مَنْ فِيهِ خَبَثٌ وَشَرٌّ حَتَّى يَتَطَهَّرَ فِيهَا وَيَطِيبَ، وَمَنْ كَانَ فِيهِ دُونَ ذَلِكَ حُبِسَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ،
حَتَّى إِذَا هُذِّبَ وَنُقِّيَ أُذِنَ لَهُ بِالدُّخُولِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ النُّفُوسَ الشِّرِّيرَةَ الظَّالِمَةَ الْمُظْلِمَةَ الْأَثِيمَةَ لَا تَصْلُحُ لِتِلْكَ الدَّارِ الَّتِي هِيَ دَارُ الطَّيِّبِينَ، وَلَوْ رُدَّتْ إِلَى الدُّنْيَا قَبْلَ الْعَذَابِ لَعَادَتْ لِمَا نُهِيَتْ عَنْهُ، فَلَا تَصْلُحُ لِدَارِ السَّلَامِ الَّتِي سَلِمَتْ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَآفَةٍ، فَاقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ تَعْذِيبَ هَذِهِ النُّفُوسِ عَذَابًا يُطَهِّرُ نُفُوسَهُمْ مِنْ ذَلِكَ الشَّرِّ وَالْخَبَثِ، وَيَكُونُ مَصْلَحَةً لَهُمْ، وَرَحْمَةً بِهِمْ ذَلِكَ الْعَذَابُ، وَهَذَا مَعْقُولٌ فِي الْحِكْمَةِ، أَمَّا خَلْقُ النُّفُوسِ لِمُجَرَّدِ الْعَذَابِ السَّرْمَدِيِّ لَا لِحِكْمَةٍ وَلَا لِمَصْلَحَةٍ فَتَأْبَاهُ حِكْمَةُ أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ وَأَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ.
يُوَضِّحُهُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَيَّدَ دَارَ الْعَذَابِ وَوَقْتَهَا بِمَا لَمْ يُقَيِّدْ بِهِ دَارَ النَّعِيمِ وَبِوَقْتِهَا، فَقَالَ تَعَالَى فِي دَارِ الْعَذَابِ:{لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} [النبأ: 23] وَقَالَ: {النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام: 128] فَقَيَّدَهَا بِالْمَشِيئَةِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ صَادِرٌ عَنْ حِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ، وَقَالَ تَعَالَى:{فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ - خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: 106 - 107] وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّهُ أَخْبَرَ بِبَقَاءِ نَعِيمِهَا وَدَوَامِهِ وَأَنَّهُ لَا نَفَادَ لَهُ وَلَا انْقِطَاعَ، فَقَالَ:{أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} [الرعد: 35] وَقَالَ {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} [ص: 54] وَأَمَّا النَّارُ فَغَايَةُ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْهَا أَنَّ أَهْلَهَا لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا، وَأَنَّهُمْ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الرَّسُولَ جَاءَ بِهِ، وَلَكِنَّ الْكَلَامَ فِي مَقَامٍ آخَرَ أَنَّ النَّارَ أَبَدِيَّةٌ لَا تَفْنَى أَصْلًا، كَمَا أَنَّ الْجَنَّةَ كَذَلِكَ، فَهَذَا الَّذِي تَكَلَّمَ فِيهِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ.
قَالَ حَرْبٌ فِي مَسْأَلَةٍ: سَأَلْتُ إِسْحَاقَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود: 107] قَالَ: أَتَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى كُلِّ وَعِيدٍ فِي الْقُرْآنِ، قَالَ إِسْحَاقُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: قَالَ أَبِي: حَدَّثَنِي أَبُو نَضْرَةَ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ، أَوْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: هَذِهِ الْآيَةُ تَأْتِي عَلَى الْقُرْآنِ كُلِّهِ {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: 107] قَالَ الْمُعْتَمِرُ قَالَ