الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خَارِجِيٌّ، وَهُوَ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ لَهُ ذَاتٌ يَخْتَصُّ بِهَا عَنْ سَائِرِ الذَّوَاتِ مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْحَيِّ الْفَعَّالِ لَا يُمْكِنُ إِلْحَاقُهُ بِالْكُلِّيَّاتِ وَالْمُجَرَّدَاتِ الَّتِي هِيَ خَيَالَاتٌ ذِهْنِيَّةٌ لَا أُمُورٌ خَارِجِيَّةٌ، وَقَدِ اعْتَرَفَ الْمُتَكَلِّمُونَ بِأَنَّ وُجُودَ الْكُلِّيَّاتِ وَالْمُجَرَّدَاتِ إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ.
[فصل الْجَهْمِيَّةُ الْمُعَطِّلَةُ مُعْتَرِفُونَ بِوَصْفَهِ تَعَالَى بِعُلُوِّ الْقَهْرِ وَعُلُوِّ الْقَدْرِ]
ِ، وَأَنَّ ذَلِكَ كَمَالٌ لَا نَقْصٌ، وَأَنَّهُ مِنْ لَوَازِمَ ذَاتِهِ، فَيُقَالُ: مَا أَثْبَتُّمْ بِهِ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مِنَ الْعُلُوِّ وَالْفَوْقِيَّةِ هُوَ بِعَيْنِهِ حُجَّةُ خُصُومِكُمْ عَلَيْكُمْ فِي إِثْبَاتِ عُلُوِّ الذَّاتِ لَهُ سُبْحَانَهُ، وَمَا نَفَيْتُمْ بِهِ عُلُوَّ الذَّاتِ يَلْزَمُكُمْ أَنْ تَنْفُوا بِهِ ذَيْنَكَ الْوَجْهَيْنِ مِنَ الْعُلُومِ، فَأَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَازِمٌ لَكُمْ وَلَا بُدَّ، إِمَّا أَنْ تُثْبِتُوا لَهُ سُبْحَانَهُ الْعُلُوَّ الْمُطْلَقَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ذَاتًا وَقَهْرًا وَقَدْرًا، وَإِمَّا أَنْ تَنْفُوا ذَلِكَ كُلَّهُ، فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا نَفَيْتُمْ عُلُوَّ ذَاتِهِ سُبْحَانَهُ بِنَاءً عَلَى لُزُومِ التَّجْسِيمِ، وَهُوَ لَازِمٌ فِيمَا أَثْبَتُّمُوهُ مِنْ وَجْهَيِ الْعُلُوِّ، فَإِنَّ الذَّاتَ الْقَاهِرَةَ لِغَيْرِهَا الَّتِي هِيَ أَعْلَى قَدْرًا مِنْ غَيْرِهَا، إِنْ لَمْ يُعْقَلْ كَوْنُهُ غَيْرَ جِسْمٍ لَزِمَكُمُ التَّجْسِيمَ، وَإِنْ عُقِلَ كَوْنُهَا غَيْرَ جِسْمٍ فَكَيْفَ لَا يُعْقَلُ أَنْ تَكُونَ الذَّاتُ الْعَالِيَةُ عَلَى سَائِرِ الذَّوَاتِ غَيْرَ جِسْمٍ؟ وَكَيْفَ لَزِمَ التَّجْسِيمُ مِنْ هَذَا الْعُلُوِّ وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ الْعُلُوُّ؟
فَإِنْ قُلْتُمْ: لِأَنَّ هَذَا الْعُلُوَّ يَسْتَلْزِمُ تَمَيُّزَ شَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ قِيلَ لَكُمْ: فِي الذِّهْنِ أَوْ فِي الْخَارِجِ ; فَإِنْ قُلْتُمْ: فِي الْخَارِجِ، كَذَبْتُمْ وَافْتَرَيْتُمْ وَأَضْحَكْتُمْ عَلَيْكُمُ الْعُقَلَاءَ، وَإِنْ قُلْتُمْ فِي الذِّهْنِ، فَهُوَ لِلْإِلْزَامِ لِكُلِّ مَنْ أَثْبَتَ لِلْعَالَمِ رَبًّا خَالِقًا، وَلَا خَلَاصَ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِإِنْكَارِ وَجُودِهِ رَأْسًا.
يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْفَلَاسِفَةَ لَمَّا أَوْرَدُوا عَلَيْكُمْ هَذِهِ الْحُجَّةَ بِعَيْنِهَا فِي نَفْسِ الصِّفَاتِ أَجَبْتُمْ عَنْهَا بِأَنْ قُلْتُمْ: وَاللَّفْظُ لِلرَّازِيِّ فِي نِهَايَتِهِ، فَقَالَ: قَوْلُهُ: يَلْزَمُ مِنْ إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ وُقُوعُ الْكَثْرَةِ فِي الْحَقِيقَةِ الْإِلَهِيَّةِ، فَتَكُونُ تِلْكَ الْحَقِيقَةُ مُمْكِنَةٌ قُلْنَا: إِنْ عَنَيْتُمْ بِهِ احْتِيَاجَ تِلْكَ الْحَقِيقَةِ إِلَى سَبَبٍ خَارِجِيٍّ فَلَا يَلْزَمُ احْتِيَاجُ تِلْكَ الصِّفَاتِ إِلَى الذَّاتِ الْوَاجِبَةِ لِذَاتِهَا، وَإِنْ عَنَيْتُمْ بِهِ تَوَقُّفَ الصِّفَاتِ فِي ثُبُوتِهَا عَلَى تِلْكَ الذَّاتِ الْمَخْصُوصَةِ بِذَلِكَ مِمَّا يَلْزَمُهُ، فَأَيْنَ الْمُحَالُ؟ قَالَ: وَأَيْضًا فَعِنْدَكُمُ الْإِضَافَاتُ صِفَاتٌ وُجُودِيَّةٌ فِي الْخَارِجِ، فَيَلْزَمُكُمْ مَا أَلْزَمْتُمُونَا فِي الصِّفَاتِ فِي الصُّوَرِ الْمُرْتَسِمَةِ فِي ذَاتِهِ مِنَ الْمَعْقُولَاتِ، قَالَ: وَمِمَّا يُحَقِّقُ فَسَادَ قَوْلِ الْفَلَاسِفَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ عَالِمٌ بِالْكُلِّيَّاتِ، وَقَالُوا: إِنَّ الْعِلْمَ بِالشَّيْءِ عِبَارَةٌ عَنْ حُصُولِ صُورَةٍ مُسَاوِيَةٍ لِلْمَعْلُومِ فِي الْعَالَمِ، وَقَالُوا: إِنَّ صُورَةَ الْمَعْلُومَاتِ مَوْجُودَةٌ
فِي ذَاتِ اللَّهِ ; حَتَّى ابْنَ سِينَا قَالَ: إِنَّ تِلْكَ الصِّفَةَ إِذَا كَانَتْ غَيْرَ دَاخِلَةٍ فِي الذَّاتِ كَانَتْ مِنْ لَوَازِمِ الذَّاتِ، وَمَنْ كَانَ هَذَا مَذْهَبًا لَهُ، كَيْفَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُنْكِرَ الصِّفَاتِ؟ قَالَ: وَفِي الْجُمْلَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصِّفَاتِيَّةِ وَبَيْنَ الْفَلَاسِفَةِ، لِأَنَّ الصِّفَاتِيَّةَ يَقُولُونَ: إِنَّ الصِّفَاتِ قَائِمَةٌ بِالذَّاتِ، وَالْفَلَاسِفَةُ يَقُولُونَ: هَذِهِ الصِّفَاتُ صُوَرٌ عَقْلِيَّةٌ عَوَارِضُ مُتَقَوِّمَةٌ بِالذَّاتِ، وَالَّذِي يُسَمِّيهِ الصِّفَاتِيُّ صِفَةً يُسَمِّيهِ الْفَلْسَفِيُّ عَارِضًا، وَالَّذِي يُسَمِّيهِ الصِّفَاتِيُّ قِيَامًا يُسَمِّيهِ الْفَيْلَسُوفُ قَوَّامًا وَمُقَوِّمًا، وَلَا فَرْقَ إِلَّا فِي الْعِبَارَاتِ، وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ فِي الْمَعْنَى، هَذَا لَفْظُهُ.
فَيَقُولُ لَهُ مُثْبِتُو الْعُلُوِّ: هَلَّا قَنَعْتَ مِنَّا بِهَذَا الْجَوَابِ بِعَيْنِهِ حَتَّى قُلْتَ: يَلْزَمُ مِنْ عُلُوِّهِ أَنْ يَتَمَيَّزَ مِنْهُ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ، وَيَلْزَمُ وُقُوعُ الْكَثْرَةِ فِي الْحَقِيقَةِ الْإِلَهِيَّةِ، وَتَكُونُ قَدْ وَافَقَتِ السَّمْعَ وَنُصُوصَ الْأَنْبِيَاءِ وَكُتُبَ اللَّهِ كُلَّهَا وَأَدِلَّةَ الْعُقُولِ وَالْفِطَرَ الصَّحِيحَةَ وَإِجْمَاعَ أَهْلِ السُّنَّةِ قَاطِبَةً؟
فَصْلٌ: هَذِهِ الْحُجَّةُ الْعَقْلِيَّةُ الْقَطْعِيَّةُ وَهِيَ الِاحْتِجَاجُ بِكَوْنِ الرَّبِّ قَائِمًا بِنَفْسِهِ كَوْنُهُ مُبَايِنًا لِلْعَالَمِ، وَذَلِكَ مَلْزُومٌ لِكَوْنِهِ فَوْقَهُ عَالِيًا عَلَيْهِ بِالذَّاتِ، لَمَّا كَانَتْ حُجَّةً صَحِيحَةً لَا يُمْكِنُ مُدَافَعَتُهَا، وَكَانَتْ مِمَّا نَاظَرَ بِهَا الْكَرَّامِيَّةُ أَبَا إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَائِينِيَّ أَبُو إِسْحَاقَ إِلَى كَوْنِ الرَّبِّ قَائِمًا بِنَفْسِهِ بِالْمَعْنَى الْمَعْقُولِ، وَقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ إِلَّا بِمَعْنَى أَنَّهُ غَنِيٌّ مِنَ الْمَحَلِّ، فَجَعَلَ قِيَامَهُ بِنَفْسِهِ وَصْفًا عَدَمِيًّا لَا ثُبُوتِيًّا، وَهَذَا لَازِمٌ لِسَائِرِ الْمُعَطِّلَةِ النُّفَاةِ لِعُلُوِّهِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ قَائِمًا بِنَفْسِهِ أَبْلَغُ مِنْ كَوْنِهِ قَائِمًا بِغَيْرِهِ، وَإِذَا كَانَ قِيَامُ الْعَرَضِ بِغَيْرِهِ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا عَدَمِيًّا بَلْ وُجُودِيًّا، فَقِيَامُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ أَحَقُّ أَلَّا يَكُونَ أَمْرًا عَدَمِيًّا بَلْ وُجُودِيًّا، وَإِذَا كَانَ قِيَامُ الْمَخْلُوقِ بِنَفْسِهِ صِفَةَ كَمَالٍ وَهُوَ مُفْتَقِرٌ بِالذَّاتِ إِلَى غَيْرِهِ فَقِيَامُ الْغَنِيِّ بِذَاتِهِ بِنَفْسِهِ أَحَقُّ وَأَوْلَى.
فَصْلٌ: الْقِيَامُ بِالنَّفْسِ صِفَةُ كَمَالٍ، فَالْقَائِمُ بِنَفْسِهِ أَكْمَلُ مِمَّنْ لَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ، وَمَنْ كَانَ غِنَاهُ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ فَقِيَامُهُ بِنَفْسِهِ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ، وَهَذِهِ حَقِيقَةُ قَيُّومَيَّتِهِ سُبْحَانَهُ، وَهُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، وَالْقَيُّومُ الْقَيُّومُ بِنَفَسِهِ الْمُقِيمُ لِغَيْرِهِ، فَمَنْ أَنْكَرَ قِيَامَهُ بِنَفْسِهِ بِالْمَعْنَى الْمَعْقُولِ فَقَدْ أَنْكَرُ قَيُّومِيَّتِهِ وَأَثْبَتَ لَهُ قِيَامًا بِالنَّفْسِ يُشَارِكُهُ فِيهِ الْعَدَمُ الْمَحْضُ، بَلْ جَعَلَ قَيُّومِيَّتَهُ أَمْرًا عَدَمِيًّا لَا وَصْفًا ثُبُوتِيًّا، وَهِيَ عَدَمُ الْحَاجَةِ إِلَى الْمَحَلِّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَحَلَّ لَا يَحْتَاجُ إِلَى مَحَلٍّ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ: مَا تَعْنِي بِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَى الْمَحَلِّ؟ أَتَعْنِي بِهِ الْأَمْرَ الْمَعْقُولَ مِنْ قِيَامِ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ الَّذِي يُفَارِقُ بِهِ الْعَرَضَ الْقَائِمَ بِغَيْرِهِ، أَمْ تَعْنِي بِهِ أَمْرًا آخَرَ؟ فَإِنْ عَنَيْتَ بِهِ الْأَوَّلَ فَهُوَ الْمَعْنَى الْمَعْقُولُ، وَالدَّلِيلُ قَائِمٌ وَالْإِلْزَامُ صَحِيحٌ ; وَإِنْ عَنَيْتَ بِهِ أَمْرًا آخَرَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ وُجُودِيًّا ; وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَدَمِيًّا، فَإِنْ كَانَ عَدَمِيًّا وَالْعَدَمُ لَا شَيْءَ كَاسْمِهِ، فَتَعُودُ قَيُّومِيَّتُهُ سُبْحَانَهُ إِلَى لَا شَيْءَ؟ وَإِنْ عَنَيْتَ بِهِ أَمْرًا وُجُودِيًّا غَيْرَ الْمَعْقُولِ الَّذِي تَعْقِلُهُ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ لِيُنْظَرَ فِيهِ، هَلْ يَسْتَلْزِمُ الْمُبَايَنَةُ أَمْ لَا؟
فَصْلٌ: كُلُّ مَنْ أَقَرَّ بِوُجُوبِ رَبٍّ لِلْعَالَمِ مُدَبِّرٍ لَهُ، لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ بِمُبَايَنَتِهِ لِخَلْقِهِ وَعُلُوِّهِ عَلَيْهِمْ، وَكُلُّ مَنْ أَنْكَرَ مُبَايَنَتَهُ وَعُلُوَّهُ لَزِمَهُ إِنْكَارُهُ وَتَعَطُّلُهُ، فَهَاتَانِ دَعْوَيَانِ فِي جَانِبِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ ; أَمَّا الدَّعْوَى الْأُولَى فَإِنَّهُ أَوَّلًا أَقَرَّ بِالرَّبِّ، فَإِمَّا أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّ لَهُ ذَاتًا وَمَاهِيَّةً مَخْصُوصَةً أَوْ لَا؟ فَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِذَلِكَ لَمْ يُقِرَّ بِالرَّبِّ، فَإِنَّ رَبًّا لَا ذَاتَ لَهُ وَلَا مَاهِيَّةَ لَهُ هُوَ وَالْعَدَمُ سَوَاءٌ، وَإِنْ أَقَرَّ بِأَنَّ لَهُ ذَاتًا مَخْصُوصَةً وَمَاهِيَّةً، فَإِمَّا أَنْ يُقِرَّ بِتَعْيِينِهَا أَوْ يَقُولَ إِنَّهَا غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ؟ فَإِنْ قَالَ: إِنَّهَا غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ كَانَتْ خَيَالًا فِي الذِّهْنِ لَا فِي الْخَارِجِ، فَإِنَّهُ لَا يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ إِلَّا مُعَيَّنٌ، لَا سِيَّمَا وَتِلْكَ الذَّاتُ أَوْلَى مِنْ تَعْيِينِ كُلِّ مُعَيَّنٍ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِيلُ وُقُوعُ الشَّرِكَةِ فِيهَا وَأَنْ يُوجَدَ لَهَا نَظِيرٌ، فَتَعْيِينُ ذَاتِهِ سُبْحَانَهُ وَاجِبٌ، وَإِذَا أَقَرَّ بِأَنَّهَا مُعَيَّنَةٌ لَا كُلِّيَّةٌ، وَالْعَالَمُ الْمَشْهُودُ مُعَيَّنٌ لَا كُلِّيٌّ، لَزِمَ قَطْعًا مُبَايَنَةُ أَحَدِ الْمُتَعَيَّنَيْنِ لِلْآخَرِ، فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يُبَايِنْهُ لَمْ يُعْقَلْ تَمَيُّزُهُ عَنْهُ وَتَعَيُّنُهُ.
فَإِنْ قِيلَ: هُوَ يَتَعَيَّنُ بِكَوْنِهِ لَا دَاخِلًا فِيهِ وَلَا خَارِجًا عَنْهُ، قِيلَ: هَذَا وَاللَّهِ حَقِيقَةُ قَوْلِكُمْ ; وَهُوَ عَيْنُ الْمُحَالِ، وَهُوَ تَصْرِيحٌ مِنْكُمْ بِأَنَّهُ لَا ذَاتَ لَهُ وَلَا مَاهِيَّةَ تَخُصُّهُ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَاهِيَّةٌ يَخْتَصُّ بِهَا لَكَانَ تَعَيُّنُهَا لِمَاهِيَّتِهِ وَذَاتِهِ الْمَخْصُوصَةِ، وَأَنْتُمْ إِنَّمَا جَعَلْتُمْ تَعَيُّنَهُ بِأَمْرٍ عَدَمِيٍّ مَحْضٍ وَنَفْيٍ صِرْفٍ، وَهُوَ كَوْنُهُ لَا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجًا عَنْهُ، وَهَذَا التَّعْيِينُ لَا يَقْتَضِي وُجُودَهُ مِمَّا بِهِ يَصِحُّ عَلَى الْعَدَمِ الْمَحْضِ، وَأَيْضًا فَالْعَدَمُ الْمَحْضُ لَا يُعَيِّنُ الْمُتَعَيَّنِ، فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ وَإِنَّمَا يُعَيِّنُهُ ذَاتُهُ الْمَخْصُوصَةُ وَصِفَاتُهُ، فَلَزِمَ قَطْعًا مِنْ إِثْبَاتِ