الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دينه الذي هو عبادة الله وحده، أو أن يوقع بين الناس الخلاف والفتنة، فتكثر الخصومات والمنازعات، وتثار القلاقل والاضطرابات. والمراد: إظهار الخوف من تبديل الدين أو إفساد أمر الدنيا.
وإذا كان فرعون اعتز بجبروته وقوته، فإن موسى عليه السلام اعتصم بالله، فقال:
{وَقالَ مُوسى: إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ، لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ} أي لما بلغ موسى قول فرعون: {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى.} . قال: إني استجرت بالله وعذت به من شره وشر أمثاله من كل متعاظم متعال مستكبر عن الإذعان للحق، كافر مجرم لا يؤمن بالبعث والحساب والجزاء.
وقد استعاذ موسى ممن جمع بين الاستكبار والتكذيب بالجزاء، لأنهما عنوان الجرأة على الله وعلى عباده. وقال موسى {بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ} لحث قومه على مشاركته في الاستعاذة بالله من شر فرعون وملئه.
وقد ثبت في الحديث عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله ص كان إذا خاف قوما قال: «اللهم انا نعوذ بك من شرورهم، وندرأ بك في نحورهم» .
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
1 -
يشترك الأنبياء في أمور هي تأييدهم بالمعجزات الدالة على صدقهم، وإعراض أقوامهم عنهم، واتهامهم بالكذب والتمويه والسحر، والتهديد بالطرد والتشريد أو القتل والتعذيب، ولكن النصر في النهاية للأنبياء والمؤمنين.
2 -
وهذا المنهج هو ما عرف عن قصة موسى عليه السلام مع فرعون وقومه، أيده الله بالمعجزات وهي الآيات التسع المذكورة في قوله تعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ} [الإسراء 101/ 17]. وكان ابتلاء الله موسى برؤوس الطغيان والكبرياء وهم فرعون الملك، وهامان الوزير، وقارون صاحب الأموال والكنوز الذي اتفق مع فرعون وهامان في الكفر والتكذيب، فلما عجزوا عن معارضته بالحجة، وأبوا الإذعان للمنطق، وصفوا المعجزات بالسحر، ووصفوه بالكذب.
3 -
وزاد طغيان فرعون، وامتد إلى القتل الجماعي لبني إسرائيل، وإبادة الأولاد الذكور بعد الولادة، وإبقاء النساء أحياء للإذلال والخدمة والإهانة، لئلا ينشأ الأطفال على دين موسى، فيقوى بهم، وتلك عودة منه إلى عادته القديمة بارتكاب هذه المنكرات.
قال قتادة: هذا قتل غير القتل الأول، لأن فرعون كان قد أمسك عن قتل الولدان بعد ولادة موسى، فلما بعث الله موسى، أعاد القتل على بني إسرائيل عقوبة لهم، فيمتنع الإنسان من الإيمان، ولئلا يكثر جمعهم، فيعتضدوا بالذكور من أولادهم، فشغلهم الله عن ذلك بما أنزل عليهم من أنواع العذاب، كالضفادع والقمّل والدم والطوفان، إلى أن خرجوا من مصر، فأغرقهم الله تعالى.
4 -
تحقق نصر الله تعالى لموسى عليه السلام، وأحبط مكائد فرعون وقومه، وجعل مكرهم في خسران وضياع، فإن الناس لا يمتنعون من الإيمان، وإن فعل بهم مثلما فعل فرعون أو أشد.
5 -
عزم فرعون أيضا على قتل موسى غير مبال ببطش الله وقوته، وأبان لقومه السبب الموجب لقتله وهو أن وجوده يؤدي إلى أحد أمرين أو كليهما: إما فساد الدين أو فساد الدنيا. والمراد بالدين: هو عبادة فرعون والأصنام،
والمقصود بفساد الدنيا: إيقاع الخصومات، وإثارة الفتن والقلاقل والاضطرابات.
6 -
لما هدد فرعون بالقتل، لجأ موسى إلى ربه مستعيذا به من كل متعظم عن الإيمان، ولا يؤمن بالآخرة.
7 -
استنبط الرازي من كلمات موسى ودعائه ثماني فوائد هي بإيجاز:
الأولى-إن قول موسى {إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ} مستخدما لفظة {إِنِّي} الدالة على التأكيد، للدلالة على أن الطريق المؤكد المفيد في دفع الشرور والآفات عن النفس، الاعتماد على الله، والتوكل على عصمة الله تعالى.
الثانية-الاستعاذة بالله تصون الإنسان من شياطين الإنس والجن، فإذا قال المسلم:«أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» فالله تعالى يصون دينه وإخلاصه عن وساوس شياطين الجن، فكذلك إذا قال المسلم: أعوذ بالله، فالله يصونه عن كل الآفات والمخافات.
الثالثة-قوله {بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ} : لما كان المولى ليس إلا الله، وجب ألا يرجع العاقل في دفع كل الآفات إلا إلى حفظ الله تعالى، فهو المربي والحافظ.
الرابعة-قوله {وَرَبِّكُمْ} فيه بعث أو حث لقوم موسى عليه السلام على أن يقتدوا به في الاستعاذة بالله.
الخامسة-لم يذكر موسى فرعون في دعائه، رعاية لحق تربيته له في الصغر.
السادسة-بالرغم من عزم فرعون على قتل موسى، فلا فائدة في الدعاء عليه بعينه، بل الأولى الاستعاذة بالله في دفع كل من كان موصوفا بصفة التكبر والكفر بالبعث، حتى يشمل كل من كان عدوا ظاهرا أو خفيا.