الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حصول ذلك بكسبهم وجهدهم وجدّهم، وهذا تناقض قبيح صارخ. والحقيقة أن ما أوتوه من النعمة فتنة واختبار ليعرف شكرهم أو كفرهم، وأما مقالتهم فهي قديمة قالها كثير قبلهم كقارون وغيره.
ثم أبان تعالى أن الله وحده مصدر الرزق، يوسعه لمن يشاء، ويضيقه على من يشاء، بدليل اختلاف الناس في سعة الرزق وضيقه، سواء من المؤمنين والكافرين، وليس جمع الثروة أو ضعفها بعقل الرجل وجهله، أو كياسته وخبرته وغباوته، وإنما بتوفيق الله وتيسيره.
التفسير والبيان:
يخبر الله تعالى عن سوء طبع الإنسان وحاله، فيقول:
{فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا، ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنّا، قالَ: إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ، بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ، وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} أي إذا أصاب الإنسان المشرك وغيره ضر من فقر أو مرض أو غيرهما، تضرع إلى الله عز وجل، واستعان به لكشف الضر عنه، وإذا أعطاه الله نعمة من مال أو جاه أو غيرهما، بغى وطغى، وقال: إنما أعطيته على علم ومهارة مني بوجوه المكاسب، أو لما يعلم الله تعالى من استحقاقي وتأهلي له. قيل: نزلت في حذيفة بن المغيرة.
والحقيقة: ليس الإعطاء لما ذكرت، وليس الأمر كما زعمت، بل هو محنة لك، واختبار لحالك، وقد أنعمنا عليك بهذه النعمة لنختبرك فيما أنعمنا عليك، أتشكر أم تكفر؟ أتطيع أم تعصي؟ مع علمنا المتقدم بذلك، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن ذلك استدراج لهم من الله، وامتحان لما عندهم من الشكر أو الكفر، فلهذا يقولون ما يقولون، ويدّعون ما يدّعون.
ويلاحظ أن لفظ النعمة مؤنث، ومعناه مذكر، لذا حينما قال: {بَلْ
هِيَ فِتْنَةٌ} راعى التأنيث، وحينما قال:{إِنَّما أُوتِيتُهُ} راعى التذكير، وكلا الأمرين جائز.
ثم أوضح الله تعالى قدم مقالتهم وسبقهم بها، فقال:
{قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ} أي قد قال هذه المقالة أو الكلمة، وهي قولهم:{إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ} وزعم هذا الزعم، وادعى هذه الدعوى كثير ممن سلف من الأمم، كقارون وغيره، فما صح قولهم، ولم يغن عنهم ما كسبوا من متاع الدنيا شيئا، ولا نفعهم جمعهم المال الكثير، لذا قال تعالى:
{فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا} أي فحلّ بهم جزاء سيئات ما كسبوا من الأعمال، فعوقبوا في الدنيا كالخسف بقارون وبداره الأرض، وسيعاقبون أشد العذاب في الآخرة. ونظير الآية قوله تعالى عن قارون:{قالَ: إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي، أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً، وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} [القصص 78/ 28].
وقوله سبحانه: {وَقالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً، وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [سبأ 35/ 34].
ثم هدد الله تعالى وأوعد مشركي مكة بعقاب مماثل، فقال:
{وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا، وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ} أي والذين ظلموا من هؤلاء الموجودين من الكفار، ومنهم مشركو مكة، سيصيبهم أيضا وبال كسبهم الأعمال المنكرة، كما أصاب من قبلهم، من القحط والقتل والأسر والقهر، وما هم بفائتين على الله، هربا يوم القيامة، بل مرجعهم إليه، يصنع بهم ما يشاء من العقوبة، ودليل قدرته العظمى ما قال: