الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{قالُوا: بَلى} قال أهل النار: بلى قد جاءتنا الرسل، فكذبناهم، ولم نؤمن بهم ولا بما جاؤوا به من الحجج.
فلما اعترفوا قالت لهم الخزنة تهكّما:
{قالُوا: فَادْعُوا، وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ} أي قالت الخزنة لأهل النار: إذا كان الأمر كما ذكرتم، فادعوا أنتم لأنفسكم، فنحن لا ندعو لمن كفر بالله وكذّب رسله بعد مجيئهم بالحجج الواضحة، ونحن برآء منكم، ثم أخبروهم بأن دعاءهم لا يفيد شيئا، فما دعاء الكافرين بالله ورسله إلا في ضياع وبطلان وذهاب لا يقبل ولا يستجاب.
أخرج الترمذي وغيره عن أبي الدرداء قال: «يلقى على أهل النار الجوع، حتى يعدل ما هم فيه من العذاب، فيستغيثون منه، فيغاثون بالضريع لا يسمن ولا يغني من جوع، فيأكلونه لا يغني عنهم شيئا، فيستغيثون فيغاثون بطعام ذي غصّة، فيغصّون به، فيذكرون أنهم كانوا في الدنيا يجيزون الغصص بالماء، فيستغيثون بالشراب، فيرفع لهم الحميم بالكلاليب، فإذا دنا من وجوههم شواها، فإذا وقع في بطونهم قطّع أمعاءهم وما في بطونهم، فيستغيثون بالملائكة يقولون:
{اُدْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ} فيجيبوهم: {أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ، قالُوا: بَلى، قالُوا: فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ} -أي خسار وتبار».
فقه الحياة أو الأحكام:
دلّت الآيات على ما يأتي:
1 -
يشتدّ الجدال والخصام يوم القيامة في نار جهنم بين الأتباع الضعفاء والمتبوعين الرؤساء الذين استكبروا عن الانقياد للأنبياء، فيقول الأولون: إنّا
كنّا أتباعا لكم في الدنيا فيما دعوتمونا إليه من الشرك، فهل أنتم الآن متحملون عنّا جزءا من العذاب؟ 2 - أجاب الكبراء: إنا نحن وأنتم جميعا في نار جهنم، وإن الله قضى بين العباد، وأخذ كل واحد منا ما يستحقه، ولا يؤاخذ أحد بذنب غيره، فكل منا كافر.
3 -
لما يئس الكفار من بعضهم طلبوا من خزنة جهنم وهم ملائكة العذاب أن يدعوا لهم ربّهم بأن يخفف عنهم شيئا من عذاب جهنم، ولو يوما واحدا.
فردت عليهم الخزنة: ألم تأتكم الرسل بالبيّنات الدالة على طريق النجاة، والحيلولة بينكم وبين سوء العاقبة؟! وهذا دليل على أن الواجب لا يتحقق إلا بعد مجيء الشرع، فلا تكليف قبل إرسال الرسل وإنزال الشرائع، ولا عقاب أيضا، كما قال تعالى:{وَما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء 15/ 17].
4 -
ثم قال الملائكة خزنة جهنم للكفار: ادعوا أنتم، فإنا لا نجترئ على ذلك، ولا نشفع إلا بشرطين:
أحدهما-كون المشفوع له مؤمنا.
والثاني-حصول الإذن في الشفاعة، ولم يوجد واحد من هذين الشرطين.
لكن ادعوا أنتم، للدلالة على الخيبة، لا لرجاء النفع، ثم يصرّحون لهم بأنه لا أثر لدعائهم {وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ} أي خسار وبطلان وزوال.