الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على النفوس، وما يتقبلها ويحتملها إلا ذو نصيب وافر من السعادة في الدنيا والآخرة، وذو حظ في الثواب والخير.
قال ابن عباس في تفسير هذه الآية: أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوهم، كأنه ولي حميم.
ثم ذكر الله تعالى طريق علاج الوساوس والأهواء ونزعات الشيطان، فقال:
{وَإِمّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ، فَاسْتَعِذْ بِاللهِ، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} أي إن وسوس إليك الشيطان، وحاول صرفك عن الدفع بالتي هي أحسن، وزيّن لك أن تقابل السيئة بمثلها، فاستعذ بالله من شره، والتجئ إلى الله لكفه عنك ورد كيده، فالله هو السميع لاستعاذتك منه، والتجائك إليه، العليم بوساوس الشيطان وبما يعزم عليه الإنسان وبصدق الطلب والرجاء.
وقد كان رسول الله ص إذا قام إلى الصلاة يقول فيما رواه أحمد والترمذي عن أبي سعيد الخدري: «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه» .
ونظير الآية قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ، وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ، وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ. وَإِمّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا، فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف 199/ 7 - 201].
فقه الحياة أو الأحكام:
يؤخذ من الآيات ما يأتي:
1 -
لا كلام أحسن من القرآن، والدعوة إلى توحيد الله وطاعته أحسن من
كل ما سواها، والنبي ص هو الأنموذج الأول للدعاة، والقدوة الحسنة لهم، كان الحسن إذا تلا هذه الآية يقول: هذا رسول الله، هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا والله أحبّ أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب إليه
(1)
.
وقالت عائشة رضي الله عنها وعكرمة وقيس بن أبي حازم ومجاهد: نزلت في المؤذنين.
والحق أن هذه الآية كما تقدم وكما قال الحسن: عامة في كل من دعا إلى الله، نزلت في كل مؤمن. والدعوة إلى الله: بإقامة الأدلة والبراهين القطعية على صحة العقيدة الإسلامية والشريعة الإسلامية.
2 -
لا بد من أن يجمع الداعية بين العمل الصالح (وهو اجتناب المحارم، وكثرة المندوبات، وأداء الفرائض) وبين التصريح بالاعتقاد بالله في ذلك كله، وإخلاص العمل لوجه الله تعالى.
وقوله تعالى: {وَقالَ: إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} رد على من يقول: أنا مسلم إن شاء الله
(2)
.
3 -
هناك فرق عظيم بين الحسنة والسيئة وأثر كل منهما، والحسنة: دعوة الرسول ص إلى دين الحق، والصبر على جهالة الكفار، وترك الانتقام، وترك الالتفات إليهم. والسيئة: ما أظهره المشركون من الجلافة في قولهم المتقدم أوائل السورة: {وَقالُوا: قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إِلَيْهِ} وأمثلة الحسنة: قول لا إله إلا الله، والطاعة لله تعالى ورسوله ص، والمداراة، والعفو، والعلم، وحبّ
(1)
أحكام القرآن لابن العربي: 1650/ 4
(2)
المرجع والمكان السابق.
آل الرسول ص ونحو ذلك. وأمثلة السيئة أضداد ذلك كالشرك، والغلظة، والانتقام، والفحش، وبغض آل الرسول ص.
4 -
الحكمة والسياسة في الأخلاق الاجتماعية: دفع السيئة بالإحسان، كالكلمة الطيبة والمصافحة،
جاء في الأثر الذي رواه ابن عدي عن ابن عمر، وهو ضعيف:«تصافحوا يذهب الغلّ» فإذا أحسنت إلى من أساء إليك، قادته تلك الحسنة إلى مصافاتك ومحبتك والحنو عليك حتى يصير كأنه ولي حميم، أي قريب إليك، من الشفقة عليك، والإحسان إليك. قال ابن عباس-كما تقدم-: أمره (أمر نبيه) الله تعالى في هذه الآية بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعل الناس ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوهم.
وقيل: كان هذا قبل الأمر بالقتال، ثم نسخ به، والظاهر دوام العمل بهذه الآية، فهي تقرر أمرا خلقيا محمودا وفضيلة سامية، بدليل قوله بعدها:
{وَما يُلَقّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا.} . الآية.
5 -
لا يتخلق بهذه الفضيلة إلا من صبر على الإساءة بكظم الغيظ واحتمال الأذى، وذو النصيب الوافر من الخير، فهذا أسلوب دفع الغضب والانتقام وترك الخصومة.
ويضم إليه أسلوب آخر في الوقاية من الشر قبل حدوثه: وهو الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، والالتجاء إلى الله من كيده وشره ووساوسه، والله حتما سميع للاستعاذة، عليم بصير بالأفعال والأقوال.