الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير والبيان:
{وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} أي ومن العلامات الدالة على قدرة الله وعظمته وحكمته وجود الليل والنهار وتعاقبهما، وخلق الشمس المضيئة والقمر المنير، وتقدير منازلهما في فلكيهما، واختلاف سيرهما في مداريهما في السماء، ليعرف بذلك مقادير الليل والنهار والأسابيع والشهور والأعوام، وتعرف أوقات العبادة وآجال الحقوق والديون والمعاملات.
ولما كانت الشمس والقمر أنفع وأحسن الأجرام المشاهدة في العالم العلوي والسفلي، نبّه الله تعالى إلى أنهما مخلوقان خاضعان لسلطان الله وتسخيره، فلا يعظمان وإنما يعظم خالقهما، فقال تعالى:
{لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ، وَاسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ} أي إياكم من السجود للشمس والقمر، لأنهما مخلوقان من مخلوقات الله، فلا يصح أن تكونا شريكين له في ربوبيته، ولا تصح عبادتهما فهي لا تنفع مع عبادة الله، وتكون عبادتهما شركا.
وإنما الواجب السجود لمن خلق هذه الآيات الأربع وغيرها، إن كنتم تريدون العبادة الصحيحة الخالصة لله تعالى.
وآخر الآية رد على الصابئة الذين عبدوا الكواكب، وعبدة الشمس في عصرنا، الذين زعموا أنهم يقصدون بالسجود لهما السجود لله، فنهوا عن ذلك وأمروا ألا يسجدوا إلا لله الذي خلق هذه الأشياء.
وموضع سجود التلاوة في مذهب الشافعي رضي الله عنه كما تقدم هو قوله:
{تَعْبُدُونَ} لأن قوله: {وَاسْجُدُوا لِلّهِ} متصل به. وعند أبي حنيفة رضي الله عنه هو قوله: {وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} الآتي، لأن الكلام إنما يتم عنده.
وبعد أن أمر الله تعالى بالسجود له، قال بعده:
{فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ، وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} أي فإن تكبر هؤلاء المشركون عبدة الكواكب عن الامتثال وإفراد العبادة لله، وأبوا إلا أن يشركوا معه غيره، فلا يهم أمرهم، فالملائكة عند ربك الذين هم خير منهم-عندية مكان لا قرب مكان-لا يستكبرون عن عبادته تعالى، بل يواظبون على تسبيح الله سبحانه بالليل والنهار، وهم لا يملون ولا يفترون، كقوله عز وجل:{فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ، فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ} [الأنعام 89/ 6]. وهذه الآية: {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا.} . تدل على أن الملائكة أفضل من البشر.
وبعد ذكر الدلائل الفلكية، ذكر تعالى الدلائل الأرضية، فقال:
{وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً، فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ، إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى، إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أي ومن دلائل قدرته تعالى على البعث وإعادة الموتى أحياء أنك ترى الأرض هامدة لا نبات فيها، بل هي ميتة، فإذا أنزل الله عليها المطر تحركت بالنبات، وانتفخت وعلت، وأخرجت من جميع ألوان الزروع والثمار.
إن الذي أحيا هذه الأرض الجدبة بالنبات والزرع، قادر على أن يحيي الأموات، فإنه الرب القدير الذي لا يعجزه شيء كائنا ما كان.
وقوله تعالى: {أَنَّكَ تَرَى} الخطاب لكل عاقل.
وهذا دليل حسي متكرر في القرآن يقرب للأذهان صورة الإحياء بعد الإماتة، والمعول عليه هو قدرة الله الخالق ابتداء وانتهاء وكل وقت.