الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير والبيان:
أقام الله تعالى الدليل على وحدانيته بإقرار المشركين أنفسهم بذلك، فقال:
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ، لَيَقُولُنَّ: اللهُ} أي إذا سألت المشركين عن خالق السموات والأرض، اعترفوا بأنه هو الله سبحانه، مع عبادتهم للأوثان. وإذا اعترفوا، فكيف قبلت عقولهم عبادة غير الخالق، وتشريك مخلوق مع خالقه في العبادة؟ مع أن هذه المعبودات لا تملك لأنفسها نفعا ولا ضرا، كما قال موبخا لهم:
{قُلْ: أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ، هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ، أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ، هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ} ؟ أي إذا أقررتم بأن الله تعالى خلق الأشياء كلها، فأخبروني عن آلهتكم هذه، هل تقدر على كشف ما أراده الله بي من الشدة والضرر، أو هل تستطيع أن تمنع عني ما أراده الله لي من الخير والنعمة والرخاء؟ وإذا كانت في الواقع لا تملك شيئا ولا قدرة لها على شيء، فكيف تجوز عبادتها؟! وأنث قوله:{هُنَّ كاشِفاتُ} و {هُنَّ مُمْسِكاتُ} وهي الأصنام للتنبيه على كمال ضعفها وتحقيرها وتعجيزها، فإن الأنوثة مظنة الضعف، ولأنهم كانوا يصفونها بالتأنيث ويسمونها: اللات والعزى ومناة.
{قُلْ: حَسْبِيَ اللهُ، عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} قل أيها النبي: الله كافيني أو كافيّ في جميع أموري من جلب النفع ودفع الضر، فلا أخاف تلك الأصنام التي تخوفونني بها، وإنما أخاف الله الذي عليه لا على غيره يتوكل المؤمنون، ويعتمد المعتمدون.
وذلك كما قال هود عليه السلام: {إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ، قالَ: إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ. مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً، ثُمَّ
لا تُنْظِرُونِ. إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ، ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها، إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود 54/ 11 - 56].
أخرج الإمام أحمد والترمذي والحاكم وابن أبي حاتم عن عبد الله بن عباس قال: كنت خلف النبي ص فقال: «يا غلام، إني أعلّمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضرّوك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفّت الصحف.
واعمل لله بالشكر في اليقين. واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أيضا، رفع الحديث إلى رسول الله ص قال:«من أحبّ أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله تعالى، ومن أحبّ أن يكون أغنى الناس، فليكن بما في يد الله عز وجل أوثق منه بما في يديه، ومن أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله عز وجل» .
ثم هدد الله المشركين وأوعدهم بقوله:
{قُلْ: يا قَوْمِ، اِعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ، إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ، مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ، وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ} أي قل أيها النبي: يا قومي، اعملوا ما شئتم، اعملوا على حالتكم وطريقتكم التي أنتم عليها من عداوة رسالتي، واعتداد بالقوة والشدة، واجتهدوا في أنواع المكر، فإني على حالتي ومنهجي وطريقتي التي أنا عليها في الدعوة إلى توحيد الله ونشر دينه بين الناس، فسوف تعلمون وبال ذلك، ومن سيأتيه عذاب يهينه ويذله في الدنيا بعد افتخاره واستكباره، فيظهر