الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
به؟ فإنه كان مهلكا مستأصلا، وليعتبر قومك يا محمد بهذا، فإني أعاقبهم بعقاب مماثل، وإنهم يمرون على بلادهم ومساكنهم، فيعاينون أثر ذلك. وهذا تقرير فيه معنى التعجيب، وأكّد هذا المعنى بقوله:
{وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النّارِ} أي ومثل ذلك عذاب كل كافر، والمعنى: وكما وجب العذاب على الأمم المكذبة لرسلهم، وجب على الذين كفروا بك يا محمد، وجادلوك بالباطل، وتحزبوا عليك، فالسبب واحد والعلة واحدة، وذلك العذاب هو استحقاقهم النار.
والمراد بكلمة العذاب هي أنهم مستحقون النار.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلّت الآيات على ما يأتي:
1 -
إن تنزيل القرآن من الله ذي العزة والعلم، فهو ليس منقولا ولا مما يصحّ أن يكذّب به.
2 -
وصف الله تعالى نفسه بستّ صفات تجمع بين الترغيب والترهيب، وتفتح باب الأمل للعصاة والكفار للمبادرة إلى ساحة الإيمان والتزام جادة الاستقامة على أمر الله ومنهجه. وتشير القصتان التاليتان إلى مدى فعالية هذا الأسلوب القرآني في إصلاح البشرية.
روى ابن أبي حاتم وابن جرير عن أبي إسحاق السبيعي قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين، إني قتلت، فهل لي من توبة؟ فقرأ عمر رضي الله عنه:{حم. تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} .
{غافِرِ الذَّنْبِ، وَقابِلِ التَّوْبِ، شَدِيدِ الْعِقابِ.} . الآية، وقال: اعمل ولا تيأس.
وروى ابن أبي حاتم أيضا والحافظ أبو نعيم عن يزيد بن الأصم قال: كان رجل من أهل الشام ذو بأس، وكان يفد إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ففقده عمر، فقال: ما فعل فلان بن فلان؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين، تتابع في هذا الشراب. فدعا عمر كاتبه، فقال:
اكتب من عمر بن الخطاب إلى فلان بن فلان، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو {غافِرِ الذَّنْبِ، وَقابِلِ التَّوْبِ، شَدِيدِ الْعِقابِ، ذِي الطَّوْلِ، لا إِلهَ إِلاّ هُوَ، إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} . ثم قال لأصحابه: ادعوا الله لأخيكم أن يقبل بقلبه ويتوب الله عليه.
فلما بلغ الرجل كتاب عمر رضي الله عنه جعل يقرؤه ويردده، ويقول:
{غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ} قد حذّرني عقوبته، ووعدني أن يغفر لي. فلم يزل يرددها على نفسه، ثم بكى، ثم نزع فأحسن النزع.
فلما بلغ عمر خبره قال: هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أخا لكم زلّ زلّة، فسدّدوه ووثّقوه، وادعوا الله له أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعوانا للشيطان عليه.
3 -
قد يعفو الله تعالى عن الذنوب الصغائر بتوبة أو بغير توبة، وقد يعفو أيضا عن الكبائر كالقتل والسرقة والزنى بعد التوبة، وإطلاق الآية {غافِرِ الذَّنْبِ} يدل على كونه غافرا للذنوب الكبائر قبل التوبة، إذا شاء وأراد.
ولكن قبول التوبة من الذنب يقع على سبيل التفضل والإحسان من الله، وليس بواجب على الله، لأنه تعالى ذكر كونه قابلا للتوب على سبيل المدح والثناء، ولو كان ذلك من الواجبات لم يبق فيه من معنى المدح إلا القليل.
وقالت المعتزلة: إنه واجب على الله بإيجاب منه على نفسه، لا بإيجاب غيره عليه.
4 -
في الآية إيماء بترجيح جانب الرحمة والفضل على جانب الغضب والعدل، لأنه تعالى لما أراد أن يصف نفسه بأنه {شَدِيدِ الْعِقابِ} ذكر قبله أمرين، كل واحد منهما يقتضي زوال العقاب، وهو كونه {غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ} وذكر بعده ما يدلّ على حصول الرحمة العظيمة، وهو قوله:
{ذِي الطَّوْلِ} .
5 -
إن الجدال لتقرير الباطل لدحض الحق وإبطال الإيمان، بالاعتماد على الشبهات، بعد البيان القرآني وظهور البرهان الإلهي: كفر وضلال وجحود لآيات الله وحججه وبراهينه.
والجدال في آيات الله أن يقال مثلا عن القرآن: إنه سحر أو شعر أو من قول الكهنة، أو أساطير الأولين، أو إنما يعلّمه بشر، ونحو ذلك.
أما الجدال لتوضيح الحق ورفع اللّبس والرّد إلى الحق، فهو من أعظم ما يتقرّب به المتقرّبون، قال تعالى:{وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت 46/ 29].
6 -
لا يغترن أحد بإمهال الكفرة والعصاة وتركهم سالمين في أبدانهم وأموالهم يترددون في البلاد للتجارة وطلب المعاش، فإن الله يمهل ولا يهمل، وإنه وإن أمهلهم فإنه سينتقم منهم كما فعل بأمثالهم من الأمم الماضية.
7 -
المثال المتكرر في القرآن الكريم: هو أن الله تعالى أهلك الأمم المكذبة برسلها، الذين جادلوا الأنبياء بالشرك ليبطلوا به الإيمان، وقد لمس الناس آثار ذلك الهلاك في ديارهم ومساكنهم، لذا قال تعالى:{فَكَيْفَ كانَ عِقابِ} أي كيف كان عقابي إياهم، أليس وجدوه حقا؟! 8 - إن مثل الذي وجب (حق) على الأمم السالفة من العقاب، يجب