الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والبيان لقوله تعالى: {فَما أَغْنى عَنْهُمْ} كقولك: رزق زيد المال، فمنع المعروف، فلم يحسن إلى الفقراء. وقوله:{فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا} تابع لقوله: {فَلَمّا جاءَتْهُمْ} كأنه قال: فكفروا، فلما رأوا بأسنا آمنوا، لأن رؤية البأس مسببة عن مجيء الرسل. وكذلك {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ} تابع لإيمانهم لما رأوا بأس الله، وامتناع نفع الإيمان مسبب عن رؤية البأس
(1)
.
المناسبة:
اشتملت السورة على فصلين: فصل في دلائل الألوهية وكمال القدرة والرحمة والحكمة، وفصل في التهديد والوعيد، وهذه الآيات التي ختمت بها السورة متعلقة بالفصل الثاني في تهديد الكفار الذين يجادلون في آيات الله، المتكبرين على رسله المكذبين لهم، اغترارا منهم بدنياهم وأموالهم وأولادهم، وطلبا للرياسة والجاه، وهو تهديد يبين نهاية من هم أشد منهم قوة وأكثر أموالا وأولادا، فلم ينفعهم شيء من ذلك حين حلول بأس الله، بل إن إيمانهم بالله وتركهم الشرك حين رؤية البأس لم ينفعهم أيضا.
التفسير والبيان:
{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ، فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ، وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ، فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ} أي أفلم يسر في البلاد هؤلاء المجادلون في آيات الله من المشركين، فينظروا في أسفارهم كيف كان مصير الأمم السابقة التي عصت الله، وكذبت رسلها، ويشاهدوا آثارهم الموجودة في ديارهم التي تدل على ما نزل بهم من عقوبة وعذاب شديد، مع أنهم كانوا أكثر من مشركي قريش عددا، وأقوى منهم أجسادا، وأوسع منهم أموالا، وأبقى في الأرض آثارا بالعمائر والمصانع والحصون والمزارع والسدود، ونحو ذلك من مظاهر الحضارة والعمران والفن والعلوم.
(1)
الكشاف: 62/ 3
فلما حل بهم العذاب لم يغن عنهم كل ما عملوه في دنياهم من مكاسب وجاه، ولم ينفعهم ما لهم ولا أولادهم، ولا رد عنهم أمر الله، أو نزول العذاب الشديد بهم، ولا أغنى عنهم مكسوبهم أو كسبهم.
{فَلَمّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ، فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ، وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ} أي فلما جاءت الرسل بالحجج الواضحات والمعجزات الظاهرات إلى تلك الأمم المكذبة، لم يلتفتوا إليهم، ولا أقبلوا عليهم، واستغنوا بما عندهم من العلم، أي الشبهات الداحضة والدعاوي الزائغة التي ظنوها علما نافعا لهم، مثل قولهم:{وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ} [الجاثية 24/ 45] وقولهم: {لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا} [الأنعام 148/ 6] وقولهم: {مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس 78/ 36] وفرحوا بهذه الترهات والأباطيل، لأنهم كما قال تعالى:
{يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا} [الروم 7/ 30].
ولكن نزل وأحاط بهم ما كانوا يكذبون به ويستبعدون وقوعه وهو العذاب، استهزاء وسخرية، أي نزل بالكفار عقاب استهزائهم برسالات الرسل.
وقد سمى الله تعالى ما عندهم من العقائد الزائفة والشبه الداحضة «علما» تهكما بهم واستهزاء منهم، كما تقدم.
ثم صوّر تعالى ما يكون من شأن الإنسان حين تطبيق العقاب عليه، فقال:
{فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا، قالُوا: آمَنّا بِاللهِ وَحْدَهُ، وَكَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ} أي فلما عاينوا وقوع العذاب بهم، صدقوا بالله ووحدوه، وكفروا بمعبوداتهم الباطلة التي اتخذوها شركاء لله، وهي الأصنام التي كانوا يعبدونها، ولكن لم ينفعهم ذلك الإيمان، ولم تنفعهم المعذرة، كما قال تعالى:
{فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا} أي لم يصح ولم يستقم أن إيمانهم ينفعهم عند معاينة عذابنا، لأن ذلك الإيمان ليس بالإيمان النافع لصاحبه، فهو