الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً، ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} أي وزيّنّا سماء الدنيا بكواكب منيرة مضيئة مشرقة على أهل الأرض، متلألئة عليها كتلألئ المصابيح، وخلقنا المصابيح زينة وحفظا من الشياطين الذين يسترقون السمع، وحفظناها من الاضطراب في سيرها، ومن اصطدام بعضها ببعض، فهي تسير في نظام محكم وعلى منهج ثابت.
ذلك النظام البديع هو من ترتيب الله القادر على صنع كل شيء، والذي يعلم كل شيء، فهو القوي القاهر الذي غلب كل شيء وقهره، وهو العليم بمصالح العباد وبحركاتهم وسكناتهم.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلّت الآيات على ما يأتي:
1 -
أمر الله تعالى بتوبيخ الكفار المشركين والتّعجب من فعلهم وكفرهم بالله الذي هو خالق السموات والأرض، واتّخاذهم الأضداد والشركاء من الأصنام وغيرها معبودات مع الله الذي خلقها وخلق جميع العوالم من الملائكة والإنس والجن وغيرهم، وخلق الأرض في يومي الأحد والاثنين.
2 -
إن الخلق والتكوين والإبداع هو دليل قاطع على وجود الله وكمال قدرته وحكمته وعلمه الشامل.
3 -
والله تعالى أيضا هو الذي جعل في الأرض جبالا ثوابت مرتفعة عليها، وبارك فيها بما خلق فيها من المنافع، وقدّر أرزاق أهلها ومصالحهم، وذلك في يومي الثلاثاء والأربعاء، فذلك تمام الأيام الأربعة مع اليومين المتقدمين في خلق الأرض، وهي أيام أربعة مستوية لا زيادة فيها ولا نقصان، للسائلين وغير السائلين، أي خلق الأرض وما فيها لمن سأل ولمن لم يسأل، ويعطي من سأل ومن لا يسأل.
4 -
ثم عمد تعالى إلى السموات وهي في حالة دخان أي كتلة غازية مظلمة، فنقلها من صفة الدخان إلى حال الكثافة، وتمّ الأمر الإلهي للأرض والسماء بأن يجيئا بما خلق فيهما من المنافع والمصالح والخروج للخلق، فاستجابتا للأمر وانقادتا له.
5 -
أكمل الله تعالى خلق السموات السبع وفرغ منهن في مقدار يومين هما يوما الخميس والجمعة، سوى الأيام الأربعة التي خلق فيها الأرض، فصار خلق السموات والأرض في أيام ستة، كما قال تعالى {خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ} .
6 -
لم يكن خلق السموات خاليا من النظام، وإنما نظم تعالى أمرها، فخلق فيها شمسها وقمرها ونجومها وأفلاكها، وأوجد في كل سماء ملائكة، وأودع فيها خزائن المطر، وجعل لها نظاما بديعا تسير عليه دون توقّف ولا تعثّر ولا تصادم مع غيرها، وجعل الكواكب مختصة بالسماء الدنيا، وحفظها من كل اضطراب ومن الشياطين الذين يسترقون السمع.
7 -
ظاهر هذه الآية يدلّ على أن الأرض خلقت قبل السماء، وقال تعالى في آية أخرى:{أَمِ السَّماءُ بَناها، رَفَعَ سَمْكَها فَسَوّاها وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها، وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها} [النازعات 27/ 79 - 30]، وهذا يدلّ على خلق السماء أولا.
فقال ابن عباس: خلقت الأرض قبل السماء، فأما قوله:{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها} فالدّحو غير الخلق، فالله خلق الأرض، ثم خلق السموات، ثم دحا الأرض، أي مدّها وبسطها. وأيّده ابن كثير قائلا: ففصل ها هنا في هذه الآيات ما يختص بالأرض مما اختص بالسماء، فذكر أنه خلق الأرض أولا، لأنها كالأساس، والأصل أن يبدأ بالأساس، ثم بعده بالسقف، كما قال عز وجل:
{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً، ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ، فَسَوّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ} [البقرة 29/ 2].