المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌واختلف العلماء في النفس والروح - التفسير المنير - الزحيلي - جـ ٢٤

[وهبة الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌وعيد المكذبين ووعد المصدقين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تزييف طريقة عبدة الأصنام وتهديدهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مظاهر القدرة التامة والعلم الكامل لله عز وجل

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌واختلف العلماء في النفس والروح

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌دعاء الإنسان عند الضر وجحوده عند النعمةوإعلامه بأن الرزق بيد الله

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مغفرة الذنوب بالتوبة وإخلاص العمل

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حال المشركين المكذبين وحال المتقين يوم القيامة

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌دلائل الألوهية والتوحيد

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (64):

- ‌نزول الآية (67):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌نفختا الصور والفصل في الخصومات وإيفاء كل واحد حقه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أحوال أهل العقاب وأهل الثواب

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة غافر أو: المؤمن

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مشتملاتها:

- ‌مصدر تنزيل القرآن وحال المجادلين في آياته

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌محبة الملائكة حملة العرش للمؤمنين ونصرتهم

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌اعتراف الكفار بذنوبهم وباستحقاقهم العقاب الأخرويوالتذكير بقدرة الله وفضله

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أوصاف أخرى هائلة رهيبة ليوم القيامة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة موسى عليه السلام مع فرعون وهامان

- ‌1 -تعذيب بني إسرائيل والتهديد بقتل موسى

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌2 -قصة مؤمن آل فرعون ودفاعه عن موسى عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌3 -بحث فرعون عن إله موسى استهزاء به وإنكارا لرسالته

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌4 -متابعة الرجل المؤمن نصحه لقومه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌المناظرة بين الرؤساء والأتباع في النار

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌نصر الرسل على أعدائهم في الدنيا والآخرة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌من دلائل وجود الله وقدرته وحكمته

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌النهي عن عبادة غير الله وسبب النهي

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء المجادلين بالباطل في آيات الله

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الصبر والنصر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌دلائل أخرى كثيرة على وجود الله ووحدانيته

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تهديد المكذبين المجادلين في آيات الله وتركهم الشرك حين رؤية العذاب

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة فصّلت أو: السجدة

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مشتملاتها:

- ‌فضلها:

- ‌القرآن الكريم وإعراض المشركين عنه وبشرية الرسول ص

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌دليل وجود الله تعالى وكمال قدرته وحكمته

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تهديد المشركين بمثل صاعقة عاد وثمود

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌كيفية عقوبة الكفار في الآخرة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الصد عن سماع القرآن الكريم

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌ما وعد الله به أهل الاستقامة

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الدعوة إلى الله تعالى وآداب الدعاة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (33):

- ‌نزول الآية (34):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الأدلة الدالة على وجود الله وتوحيده وقدرته وحكمته

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تهديد الملحدين في آيات الله تعالى وتنزيه القرآن العظيمعن الطعن فيه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌التأكيد على عروبة القرآن الكريم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

الفصل: ‌واختلف العلماء في النفس والروح

الذي يقبض الأنفس أو الأرواح حين انقضاء آجالها بالموت، الوفاة الكبرى، بما يرسل من الملائكة الذين يقبضونها من الأبدان، ويقطع تعلقها بالأجساد.

وكذلك يتوفى الأنفس التي لم يأت أجلها الوفاة الصغرى عند المنام، تشبيها للنائمين بالموتى، حيث يمنعهم من التمييز والتصرف كالموتى بالفعل، مع بقاء الأرواح في أبدانهم.

{فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ، وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} أي يمسك الأنفس والأرواح التي قضى عليها الموت الحقيقي، أي لا يردها إلى الجسد الذي كانت فيه، ويرسل النفس النائمة إلى الأجساد حين اليقظة، بأن يعيد إليها إحساسها، إلى أجل مسمى، هو وقت الموت.

إن في ذلك المذكور من التوفي التام والإمساك لنفوس، والإرسال لنفوس أخرى لعلامات عجيبة دالة على كمال قدرة الله الباهرة، وحكمته البديعة.

ونظير الآية قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفّاكُمْ بِاللَّيْلِ، وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ، ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى، ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ، ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ، وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً، حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا، وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} [الأنعام 60/ 6 - 61] فذكر الوفاتين الصغرى ثم الكبرى، وفي هذه الآية هنا ذكر الكبرى ثم الصغرى،

وقال النبي ص:

«لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تصحون» .

‌واختلف العلماء في النفس والروح

هل هما شيء واحد أو شيئان؟ قال ابن عباس: إن في ابن آدم نفسا وروحا، بينهما مثل شعاع الشمس، فالنفس: التي بها العقل والتمييز، والروح:

ص: 22

هي التي بها النفس والتحريك، فيتوفيان عند الموت، وتتوفى النفس وحدها حين النوم. والأظهر أنهما شيء واحد، كما تدل الآثار الصحاح الآتية في استنباط الأحكام.

وقال الرازي: النفس الإنسانية: عبارة عن جوهر مشرق روحاني إذا تعلق بالبدن حصل ضوؤه في جميع الأعضاء، وهو الحياة. ففي وقت الموت: ينقطع تعلقه عن ظاهر البدن وباطنه، وذلك هو الموت. وأما في وقت النوم فإنه ينقطع ضوؤه عن ظاهر البدن دون باطنه، فثبت أن الموت والنوم من جنس واحد، إلا أن الموت انقطاع تام كامل، والنوم انقطاع ناقص من بعض الوجوه

(1)

.

ونظرا لشبه النوم بالموت في بعض الأوجه، إذ النوم موت أصغر، والموت نوم أكبر، يسنّ عند النوم الدعاء التالي،

ورد في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ص: «إذا أوى أحدكم إلى فراشه، فلينفضه بداخلة إزاره، فإنه لا يدري ما خلفه عليه، ثم ليقل: باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين» .

وخرج البخاري عن حذيفة قال: كان رسول الله ص إذا أخذ مضجعه من الليل وضع يده تحت خده، ثم يقول:

«اللهم باسمك أموت وأحيا» وإذا استيقظ قال: «الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور» .

ثم ذم الله تعالى اتخاذ المشركين شفعاء من دون الله، وهم الأصنام والأنداد التي اتخذوها من تلقاء أنفسهم بلا دليل ولا برهان، وهي لا تملك شيئا من الأمر، إذ هي جمادات لا تعقل ولا تسمع ولا تبصر، فقال:

(1)

تفسير الرازي: 286/ 26

ص: 23

{أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعاءَ} أي بل هل اتخذوا من دون الله آلهة شفعاء تشفع لهم عند الله؟ أي لا ينبغي لهم ذلك، وردّ الله عليهم بقوله:

{قُلْ: أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ} أي قل لهم أيها النبي وأخبرهم: كيف تتخذون تلك الأصنام شفعاء لكم، وهم لا يملكون شفاعة ولا غيرها، ولا يعقلون شيئا من شفاعة أو غيرها، ولا يدركون أنكم تعبدونهم؟ ثم أعلمهم الله تعالى بصفة جازمة عن ملكه بنفسه جميع أنواع الشفاعات قائلا:{قُلْ: لِلّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً، لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} أي إن الله تعالى هو مالك جميع أنواع الشفاعة، وليس لأحد منها شيء، ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن ارتضاه وأذن له، كما قال:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ} [البقرة 255/ 2] وقال: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى} [الأنبياء 28/ 21].

والسبب أن الله تعالى هو مالك السموات والأرض، وهو المتصرف في جميع شؤونها، وإليه مصيركم بعد البعث. وعليه، تجب العبادة لمالك النفع والضر في الدنيا، ومالك الجزاء والحساب في الآخرة على جميع الأعمال. وفي هذا تهديد ووعيد بالاعتماد على من دون الله في أي شيء.

ثم ذكر الله تعالى بعض قبائح المشركين وغرائبهم، فقال:

{وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ، وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} أي إن من سيئات المشركين الكبرى أنه إذا قيل لهم: لا إله إلا الله، انقبضوا ونفروا واغتاظوا، لأنهم لا يؤمنون بالله ولا بالبعث بعد الموت، وإذا ذكر الذين من دونه، أي الأصنام والأنداد، أو الآلهة المزعومة، كاللات والعزّى ومناة، كما ورد في سورة النجم، إذا هم يفرحون ويسرّون. ومدار المعنى على قوله:{وَحْدَهُ} أي إذا أفرد الله بالذكر، ولم

ص: 24

يذكر معه آلهتهم، اشمأزوا، أي نفروا وانقبضوا، وإذا ذكرت آلهتهم مع الله سروا وفرحوا.

وذلك يدل على الجهل والحماقة، لأن ذكر الله أساس السعادة وعنوان الخير، وأما ذكر الأصنام وهي الجمادات، فهو رأس الجهالة والحماقة.

قال الزمخشري: ولقد تقابل الاستبشار والاشمئزاز، إذ كل واحد منهما غاية في بابه، لأن الاستبشار: أن يمتلئ قلبه سرورا حتى تنبسط له بشرة وجهه ويتهلل. والاشمئزاز: أن يمتلئ غما وغيظا حتى يظهر الانقباض في أديم وجهه.

وبعد بيان مذمة المشركين وفساد عقولهم في حبهم للشرك ونفرتهم من التوحيد، أمر الله نبيه بالالتجاء إليه والدعاء المنجي من لوثاتهم، فقال:

{قُلِ: اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} أي ادع الله قائلا: يا الله خالق السموات والأرض، ويا عالم السر والعلانية، أنت تفصل بين عبادك، يوم المعاد، فتجازي المحسن بإحسانه، وتعاقب المسيء بإساءته، حتى يظهر المحق من المبطل، وترتفع خلافاتهم التي كانت بينهم في الدنيا. وفطر السموات والأرض:

جعلها على غير مثال سابق.

وقوله: {فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} دليل على صفة الله بالقدرة التامة، وقوله:{أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ} دليل على وصف الله بالعلم الكامل، وإنما قدم ذكر القدرة على ذكر العلم، لأن العلم بكونه تعالى قادرا متقدم على العلم بكونه عالما.

أخرج مسلم وأبو داود وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله ص إذا قام من الليل، افتتح صلاته: اللهم ربّ جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين

ص: 25

عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم».

وأخرج الإمام أحمد الحديث المتقدم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إن رسول الله ص قال: «من قال: اللهم فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، إني أعهد إليك في هذه الدنيا أني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمدا عبدك ورسولك، فإنك إن تكلني إلى نفسي تقربني من الشر، وتباعدني من الخير، وإني لا أثق إلا برحمتك، فاجعل لي عندك عهدا توفينيه يوم القيامة، إنك لا تخلف الميعاد، إلا قال الله عز وجل لملائكته يوم القيامة: إن عبدي قد عهد إلي عهدا، فأوفوه إياه، فيدخله الله الجنة» .

وأخرج أحمد أيضا والترمذي عن مجاهد قال: قال أبو بكر الصديق:

«أمرني رسول الله ص أن أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت، وإذا أخذت مضجعي من الليل: اللهم فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، لا إله إلا أنت، ربّ كل شيء ومليكه، أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه، أو أقترف على نفسي سوءا أو أجرّه على نفسي» .

ثم ذكر الله تعالى ثلاثة أشياء في وعيد هؤلاء المشركين، فقال:

1 -

{وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ، مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ} أي ولو أن هؤلاء الكفار المشركين ملكوا كل ما في الأرض من الأموال والذخائر، وملكوا مثله معه أي منضما إليه، لجعلوا الكل فدية لأنفسهم من ذلك العذاب الشديد يوم القيامة، جزاء ظلمهم. وهذا وعيد شديد وإقناط نهائي من الخلاص.

2 -

{وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} أي وظهر لهم من أنواع العقاب والسخط والعذاب المعد لهم، ما لم يكن في حسابهم ولا خطر في بالهم.

ص: 26