الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبّارٍ} أي كما طبع الله على قلوب هؤلاء المجادلين المسرفين، فكذلك يطبع ويختم على جميع قلوب المتكبرين الجبارين، الذين يتكبرون على اتباع الحق، ويتجبرون على الضعفاء بالإذلال والتسخير، والإهانة والقتل بغير حق. قال الشعبي وغيره: لا يكون الإنسان جبارا حتى يقتل نفسين. وقال قتادة: آية الجبابرة القتل بغير حق. وقال مقاتل: {مُتَكَبِّرٍ} عن قبول التوحيد {جَبّارٍ} في غير حق. فهو في الأول يعادي الله، وفي الثاني يقسو على خلق الله.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
1 -
لقد كان دفاع هذا الرجل المؤمن الصالح من آل فرعون في مجلس فرعون وسلطانه في غاية القوة والجرأة والعقل والمنطق.
2 -
لا مسوغ لإنسان مهما كان أن يعتدي على الحرية الدينية ويصادرها، فكيف يصح أن يقتل رجل لا جرم له إلا أنه يقول: ربي الله؟ 3 - لا عذر للناس في تكذيب الرسل والكفر بهم بعد أن يأتوهم بالمعجزات الباهرات والأدلة الواضحات على صدقهم.
4 -
عجبا من مكذبي الرسل فإن منطقهم أعوج وتفكيرهم أخرق، فإن الرسول إذا كان كاذبا فعليه وزر كذبه ولا يتضرر به من لا يتبعه، وإن كان صادقا نفعهم صدقه، وسلموا من الآفات وألوان العذاب الذي يهدد به.
وقد استخدم المؤمن هذا الأسلوب: {وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ.} .
لا لشك منه في صحة رسالة موسى وصدقه، ولكن تلطفا في الدفاع، وبعدا عن الأذى، وإظهار للتجرد والموضوعية.
5 -
إن الله تعالى لا يهدي أبدا إلى الحق أهل الإسراف في المعاصي والكذب، وإنه تعالى هدى موسى إلى الإتيان بالمعجزات الباهرة، ومن هداه الله إلى ذلك لا يكون مسرفا كذابا، وهذا يدل على أن موسى عليه السلام ليس من الكاذبين.
6 -
إن من المستغرب حقا أن يخشى أصحاب السلطان والقهر المعتمدين على الجند أو الجيش أو العسكر المدجج بأنواع الأسلحة الفتاكة، من الأنبياء والرسل والقادة المصلحين الذين ليس لهم إلا البيان القوي، والحجة الهادفة، والكلمة المؤثرة. وما ذاك إلا لأن الحق فوق القوة وأثبت منها وأنفذ، لذا تهتز العروش بصوت الحق، ولا يتأثر أصحابها ببأس الأقوياء، وقوة الشجعان.
فهذا فرعون الطاغية ملك مصر يحذر رجلا عاديا هو موسى عليه السلام لا سند له من قوة مادية أو سلاح أو عسكر.
7 -
كذلك لقد خوف هذا الرجل المؤمن قومه بهلاك معجل في الدنيا، ثم خوفهم أيضا بهلاك الآخرة بقوله:{وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ} فاهتز قلب فرعون.
8 -
زاد هذا المؤمن في الوعظ والتخويف، وأفصح عن إيمانه، إما مستسلما موطنا نفسه على القتل، أو واثقا بأنهم لا يقصدونه بسوء، وقد وقاه الله شرهم، بقوله الحق:{فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا} [غافر 45/ 40] وصرح بالخوف من عذاب يوم القيامة-يوم التناد، حيث ينادي الناس بعضهم بعضا للاستغاثة، وينادي أهل النار أهل الجنة، وأهل الجنة أهل النار.
9 -
وذكّرهم أيضا بالماضي السحيق، حيث جاء أسلافهم نبي الله يوسف بن يعقوب عليهما السلام، وذكّرهم قديم عتوهم على الأنبياء، فجاءهم يوسف بالشواهد القاطعة الدالة على صدقه، فكفروا به وكذبوه في حياته، وكفروا بالأنبياء من بعده، فأضلهم الله بعدئذ عن الحق والصواب.
10 -
ثم ختم المؤمن كلامه بالتحذير من بقاء قومه بالشك والإسراف، بسبب الجدال في حجج الله الظاهرة بغير حجة وبرهان، إما بناء على التقليد المجرد، وإما بناء على شبهات واهية، وهؤلاء المجادلون يغضب الله عليهم ويعذبهم في جهنم، ويبغضهم المؤمنون أشد البغض، وتصبح قلوبهم مغلقة لا ينفذ إليها الخير.
11 -
ما أروع تلك الكلمات التي كان مؤمن آل فرعون يختم بها حججه وبراهينه!! فهي كما حكاها تعالى مع إقرارها دستور الحق، وسنة الله، وسبيل إقامة العدل، وأساس الحساب في الدار الآخرة، وتلك هي:
أ- {إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذّابٌ} إشارة إلى علو شأن موسى عليه السلام على طريق الرمز والتعريض، أو إلى أن فرعون مسرف في عزمه على قتل موسى، كذاب في إقدامه على ادعاء الألوهية، والله لا يهدي من هذا شأنه وصفته، بل يدمره ويهدم بنيانه.
ب- {وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ} يعني أن تدمير الأحزاب الذين تحزنوا على الرسل، فكذبوهم وكفروا بهم، كان عدلا، لأنهم استوجبوه بسبب تكذيبهم للأنبياء.
ج - {وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ} تنبيه على قوة ضلالتهم وشدة جهالتهم بعد أن أكد التهديد بقوله: {ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ} .
د- {كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ} أي مثل ذلك الضلال في الآباء والأجداد يضل الله من هو مشرك، شاكّ في وحدانية الله تعالى، مثل قوله تعالى:{وَيُضِلُّ اللهُ الظّالِمِينَ} [إبراهيم 27/ 14] وقول سبحانه: {وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ} [البقرة 26/ 2].