الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرك، عاد إلى تبيان دلائل الألوهية والتوحيد. ثم نعى على الكافرين أمرهم رسول الله ص بعبادة الأصنام، وأنهم لم يعرفوا الله حق المعرفة، إذ لو عرفوه لما جعلوا الجمادات شركاء له في العبودية.
التفسير والبيان:
{اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} أي إن الله تعالى هو مبدع الأشياء كلها وخالقها جميعها، الموجودة في الدنيا والآخرة، لا فرق بين شيء وآخر، وهو ربها ومالكها والمتصرف فيها والقائم بحفظها وتدبيرها، فهي محتاجة إليه في وجودها وبقائها معا. وهذا دليل على أن أعمال العباد مخلوقة لله.
{لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} أي هو مالك أمرها وحافظها، وهذا استعارة لملكه خيراتها وأرزاقها، أو كناية عن انفراده تعالى بحفظها وتدبيرها وملك مفاتيحها، لأن حافظ الخزائن ومدبر أمرها هو الذي يملك مقاليدها، أي مفاتيحها. وهذه الجملة تأكيد للجملة السابقة:{وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} أو عطف بيان، أو تعليل لها، ورأى بعضهم أنها جملة مستأنفة.
والمعنى الجامع للجملتين: أن السلطان والملك، والتصرف في كل شيء، والتدبير والحفظ هو لله تعالى.
وروى ابن أبي حاتم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه «أنه سأل رسول الله ص عن تفسير قوله تعالى: {لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} فقال:
ما سألني عنها أحد قبلك يا عثمان، تفسيرها: لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، وبحمده، أستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، بيده الخير، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير..» يعني أن قائل ذلك تفتح له خزائن السموات والأرض، ويصيبه خير كثير، وأجر كبير.
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ} أي والذين جحدوا آيات الله في القرآن وبراهينه في الأكوان الدالة على وحدانية الله وعظيم قدرته وأنه مالك السموات والأرض ومدبرهما، أولئك هم الذين خسروا أنفسهم، وخلدوا في نار جهنم، جزاء كفرهم.
ثم أمر الله رسوله بتوبيخ المشركين على الدعوة لعبادة الأصنام، فقال:
{قُلْ: أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ} أي قل أيها الرسول لكفار قومك الذين دعوك إلى عبادة الأصنام قائلين: هو دين آبائك: أتأمروني أيها الجهلة بعبادة غير الله بعد أن قامت الأدلة القطعية على تفرده بالألوهية، فهو خالق الأشياء كلها وربها ومدبرها، فلا تصلح العبادة إلا له سبحانه.
{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ، وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ} أي إن أمركم لعجيب، فلقد أوحي إلي وإلى من قبلي من الرسل أن الإله المعبود هو الله وحده لا شريك له، وأنه إذا أشرك نبي-على سبيل الفرض والتقدير-ليحبطن ويبطلن عمله، وليكونن من الذين خسروا أنفسهم، وضيعوا دنياهم وآخرتهم.
وإذا كان الشرك موجبا إحباط عمل الأنبياء فرضا، فهو محبط عمل غيرهم بطريق الأولى، كما قال تعالى:{وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام 88/ 6].
ثم انتقل من النهي عن الشرك إلى الأمر بعبادة الله وحده، فقال تعالى:
{بَلِ، اللهَ فَاعْبُدْ، وَكُنْ مِنَ الشّاكِرِينَ} أي أخلص العبادة لله وحده لا شريك له أنت ومن اتبعك وصدّقك، واعبده وحده، ولا تعبد معه أحدا سواه، وكن من الشاكرين إنعامه عليك بالتوفيق والهداية للإيمان بالله وحده، وتشريفك بالرسالة والدعوة إلى دين الله تعالى.
وبعد أن نعى الله تعالى ما أمر به المشركون نبيّ الله من عبادة الأوثان، نعى عليهم أنهم لم يعرفوا الله حق المعرفة، فقال:
{وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ} أي ما عظموا الله حق تعظيمه، وما قدر المشركون الله حق قدره حين عبدوا معه إلها غيره، وهو الذي لا أعظم ولا أقدر منه.
روى البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله ص، فقال: يا محمد، إنا نجد أن الله عز وجل يجعل السموات على أصبع، والأرضين على أصبع، والشجر على أصبع، والماء والثرى على أصبع، وسائر الخلق على أصبع، فيقول: أنا الملك، فضحك رسول الله ص حتى بدت نواجذه، تصديقا لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله ص:{وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ، وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ..} . الآية.
وروى أحمد ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إن رسول الله ص قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر: {وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ، وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ، وَالسَّماواتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ، سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ} ورسول الله ص يقول هكذا بيده، يحركها يقبل بها ويدبر: يمجّد الرب نفسه، أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا الملك، أنا العزيز، أنا الكريم. فرجف برسول الله ص المنبر حتى قلنا: ليخرّنّ به».
{وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ، سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ} أي والحال أن الأرض تحت تصرف الله وملكه، والسموات خاضعة لقدرته وسلطانه ومشيئته وإرادته، تنزه وتقدس الله عما يشركون به من المعبودات التي جعلوها شركاء لله، فالمراد باليمين: القدرة.
وهذه الجملة في رأي الخلف تمثيل لحال عظمة الله تعالى وكمال تصرفه ونفاذ