الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنه سريع الحساب، وذلك يدل على أنه يصل إليهم ما يستحقونه في الحال.
وقد روى مسلم في صحيحة حديثا في بيان منع الظلم في الحساب عن أبي ذر رضي الله عنه عن رسول الله ص، فيما يحكي عن ربه عز وجل أنه قال:
فقه الحياة أو الأحكام:
يؤخذ من الآيات ما يأتي:
1 -
إن الله تعالى يحب الخير لعباده ويكره الكفر والشر لهم، لذا كان مقته وبغضه للكفار في وقت تعذيبهم بالنار أشد من بغضهم أنفسهم في ذلك الوقت، لأنها أوبقتهم في المعاصي.
2 -
احتج أكثر العلماء بآية: {رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} في إثبات عذاب القبر، بناء على تفسير السدّي: أنهم أميتوا في الدنيا، ثم أحياهم في القبور للسؤال، ثم أميتوا ثم أحيوا في الآخرة. وإنما جنح إلى هذا التفسير، لأن لفظ الميت لا ينطلق في العرف على النطفة. ولو كان الثواب والعقاب للروح دون الجسد فما معنى الإحياء والإماتة؟.
كذلك تدل هذه الآية على حصول الحياة في القبر.
3 -
يعترف الكفار بذنوبهم واستحقاقهم العقاب يوم القيامة، ويندمون على ذلك، لكن لا ينفعهم فيه الندم والاعتراف.
4 -
يطلب الكفار الرجوع إلى الدنيا للإيمان والطاعة، ولكن لا رجعة لهم.
5 -
إن تعذيب الكفار بسبب إعراضهم عن الإيمان بالله وبالبعث وبالرسل في الدنيا التي هي دار التكليف والعمل، وتركهم التوحيد، واختيارهم الشرك والمعاصي.
6 -
أقام الله تعالى آيات وأدلة كثيرة على وجوده وتوحيده وقدرته وحكمته، ومنها هنا آيات السموات والأرضين وما فيهما وما بينهما من الشمس والقمر والنجوم والرياح والسحاب والبحار والأنهار والعيون والجبال والأشجار وآثار قوم هلكوا، ومنها إنزال الرزق بإنزال المطر سبب الحياة والبركة والخير.
ويلاحظ أنه جمع في هذه الآية بين رعاية مصالح الأديان ومصالح الأبدان، لأن بإظهار الآيات قوام الأديان، وبإنزال الرزق من السماء قوام الأبدان.
ولكن ما يتعظ بهذه الآيات، فيوحد الله إلا من ينيب ويرجع إلى طاعة الله، والمعنى: إنّ لمس وإدراك دلائل توحيد الله كالشيء المستقر في العقول، والاشتغال بالشرك وبعبادة غير الله مانع يحجب أنوار العقل والفكر، فإذا تخلى العبد عن الشرك، وأناب إلى الله، زال الغطاء، واستنار القلب، فحصل الفوز التام، وظهرت سبيل النجاة.
7 -
وكما أن من صفات كبرياء الله وإكرامه: كونه مظهرا للآيات، منزلا للأرزاق، فله صفات ثلاث أخرى من صفات الجلال والعظمة، وهي كونه رفيع الصفات، خالق العرش ومدبره ومالكه، منزل الوحي والنبوة على من يشاء من عباده. وسمي الوحي روحا، لأن الناس يحيون به من موت الكفر، كما تحيا الأبدان بالأرواح، كما تقدم.
8 -
ما على العباد أمام هذه الصفات العليا إلا عبادة الله وحده لا شريك له، مخلصين له العبادة والطاعة، حتى ولو كره الكافرون عبادة الله، فلا تعبدوا أيها المؤمنون غيره.
9 -
إنما يبعث الله الرسل لإنذار يوم البعث يوم تلاقي الخلائق جميعهم في أرض المحشر، ويوم يكونون ظاهرين في صعيد واحد، لا يسترهم شيء، لاستواء الأرض، وذلك اليوم لا يخفى على الله شيء من العباد ومن أعمالهم، وهو اليوم الذي يظهر فيه السلطان المطلق والملك التام لله الواحد القهار، ويقول سبحانه بعد فناء الخلق وهلاك كل من في السموات ومن في الأرض: لمن الملك في هذا اليوم؟ فلا يجيبه أحد، فيجيب نفسه: لله الواحد القهار. وفي تفسير آخر: أن السائل غير الله، والمجيب هم أهل المحشر، ورجح هذا القرطبي، فقال:
أصح ما قيل فيه: ما رواه أبو وائل عن ابن مسعود قال: يحشر الناس على أرض بيضاء مثل الفضة، لم يعص الله جل وعز عليها، فيؤمر مناد ينادي:
{لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} ؟ فيقول العباد مؤمنهم وكافرهم: {لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ} فيقول المؤمنون هذا الجواب سرورا وتلذذا، ويقوله الكافرون غمّا وانقيادا.
ثم أردف القرطبي قائلا: والقول الأول ظاهر جدا، لأن المقصود إظهار انفراده تعالى بالملك عند انقطاع دعاوى المدّعين وانتساب المنتسبين، إذ قد ذهب كل ملك وملكه، ومتكبر وملكه، وانقطعت نسبهم ودعاويهم. ودل على هذا قوله الحق عند قبض الأرض والأرواح وطيّ السماء:«أنا الملك، فأين ملوك الأرض» كما في حديثي أبي هريرة وابن عمر، ثم يطوي الأرض بشماله والسموات بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون، أين المتكبرون؟!
(1)
.
10 -
ومن صفات ذلك اليوم: أن تجزى كل نفس بما كسبت من خير أو شر، وأنه لا ظلم فيه، فلا ينقص أحد شيئا من عمله، وإن الله سريع الحساب، فلا يحتاج إلى تفكر واستدلال، لأنه تعالى العالم الذي لا يعزب عن علمه شيء، فلا يؤخر جزاء أحد للاشتغال بغيره، وكما يرزقهم في ساعة واحدة يحاسبهم كذلك
(1)
تفسير القرطبي: 300/ 15 - 301