الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحال أيضا أنه قد قضي بين العباد بالعدل، فأدخل بعضهم الجنة، وبعضهم النار، ونطق المؤمنون والملائكة والكون أجمعه بالحمد والشكر لله ربّ العالمين من الإنس والجن، في حكمه وعدله وقضائه بين المؤمنين وبين أهل النار بالحق المطلق الذي لا خطأ فيه.
وأبهم القائل وأطلق هنا كالسابق للدلالة على أن جميع المخلوقات شهدت له بالحمد. قال قتادة: افتتح الخلق بالحمد في قوله: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ} [الأنعام 1/ 6]، واختتم بالحمد في قوله تبارك وتعالى:{وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ، وَقِيلَ: الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} .
ويلاحظ أن المؤمنين حمدوا ربّهم أولا على إنجاز وعده ووراثتهم أرض الجنة، يتبوّءون منها حيث يشاءون، وحمدوه ثانيا على القضاء بالحق، والحكم بالعدل بين الناس جميعا.
فقه الحياة أو الأحكام:
أبانت الآيات ما يأتي:
1 -
توفى كل نفس عملها، فيساق الكافر إلى النار، والمؤمن إلى الجنة.
2 -
يساق أهل النار إليها بسرعة وعنف، إهانة لهم واحتقارا، وهم حينذاك جماعات متفرقة بعضها إثر بعض، وتفتح أبواب جهنم عند وصولهم إليها، وتقول لهم سدنتها تقريعا وتوبيخا: ألم تأتكم الرسل من جنسكم لتبليغكم الكتب المنزلة عليكم، وإنذاركم وتخويفكم لقاء وقتكم هذا؟ 3 - يجيب أهل النار: نقر ونعترف بقيام الحجة علينا بمجيء الرسل، ولكن وجب العذاب على الكفار، لقوله تعالى:{لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود 119/ 11].
4 -
دلّت هذه الآية: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ.} . على أنه لا تكليف ولا إيجاب لشيء من الشرائع والأحكام قبل مجيء الشرع، لأن الملائكة بيّنوا أنه ما بقي للكفار علّة ولا عذر بعد مجيء الأنبياء عليهم السلام، ولو لم يكن مجيء الأنبياء شرطا في استحقاق العذاب، لما بقي في هذا الكلام فائدة.
5 -
تقول الملائكة بعد سماع جواب الكافرين: {اُدْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ، خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} .
6 -
يقاد الأتقياء بلطف وإعزاز وإكرام، من الشهداء والزهاد والعلماء والقرّاء وغيرهم، ممن اتقى الله تعالى وعمل بطاعته، ويؤتى بهم إلى الجنة، فيجدون أبوابها مفتحة لهم:{جَنّاتِ عَدْنٍ، مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ} [ص 50/ 38] ويذكر خزنة الجنة لأهل الثواب هذه الكلمات الثلاث:
الأولى-قولهم: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ} يبشّرونهم بالسلامة من كل الآفات.
الثانية-قولهم: {طِبْتُمْ} من دنس المعاصي وطهرتم من خبث الخطايا.
الثالثة-قولهم: {فَادْخُلُوها خالِدِينَ} والتعليل بالفاء يدلّ على كون ذلك الدخول معللا بالطيب والطهارة.
7 -
سبب التفرقة بين أهل النار وأهل الجنة في فتح الأبواب، حيث فتحت أبواب النار بغير الواو، وفتحت أبواب الجنة بالواو: هو احتقار الفريق الأول وتخصيصهم بالنار، وإعزاز الفريق الثاني وإكرامهم بالاستقبال والاستعداد، فلا تفتح أبواب النار إلا عند دخول أهلها فيها، وتفتح أبواب الجنة قبل وصول أهلها إليها، ولذلك جيء بالواو، كأنه قيل: حتى إذا جاءوها وقد فتحت أبوابها.
8 -
إذا خاطبت الملائكة المتقين بالكلمات الثلاث السابقة، قال المتقون عند
ذلك وبعد دخول الجنة: الحمد لله الذي صدقنا وعده بنعيم الجنة، وأورثنا أرض الجنة، فنعم ثواب المحسنين هذا الذي أعطيتنا.
9 -
يكون الملائكة في جوانب العرش وأطرافه، قائلين: سبحان الله وبحمده، متلذذين بذلك لا متعبدين به، أي يصلون حول العرش شكرا لربهم، بعد أن قضي بين أهل الجنة والنار بالعدل، ويقول المؤمنون والملائكة ونحوهم:
الحمد لله على ما أثابنا من نعمه وإحسانه، ونصرنا على من ظلمنا. ويرى الرازي أن قوله:{وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ} أي بين الملائكة، وهو دليل على أنهم على درجات مختلفة ومراتب متفاوتة، فلكل واحد منهم في درجات المعرفة والطاعة حدّ محدود لا يتجاوزه ولا يتعداه
(1)
.
(1)
تفسير الرازي: 24/ 27